الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيثيات ليس العمال والحكومة في مركب واحد

بدر الدين شنن

2010 / 5 / 5
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لم يعقد اجتماع رئيس الوزراء السيد " العطري " مع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال والكادرات النقابية الأساسية ، في الثاني من أيار الجاري ، كما تبين من ملخص محضر الاجتماع الذي نشرته جريدتا الوطن وقاسيون السوريتين ، لم يعقد من أجل إجراء حوار حكومي نقابي مبدئي مسؤول ، ووضع برنامج تعاون مشترك ، لرفع مستوى معيشة العمال ، واحترام حرياتهم النقابية . وإنما جاء ضمن إطار الاجتماعات النادرة ، التي يلتقي فيها مسؤول على مستوى رئيس وزراء أو أمين قطري في الحزب الحاكم مع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال والكادر الأساسي ، التي يكون فيها جدول الأعمال متميزاً مرتبطاً بمطالب سلطوية نوعية من النقابات ، وتشكل حصيلة التوجهات المطروحة فيه برنامج عمل " نقابي " جديد يتناسب ومتطلبات السلطة السياسية والاقتصادية والتعبوية . ولعل أبرز تلك الاجتماعات في أول الربع الثالث من القرن المنصرم ، هو الاجتماع الذي ’طولبت .. أو ’أمرت .. فيه النقابات .. أن تكف عن الهجوم على مدراء القطاع العام الفاسدين وبعض مسؤولي الدولة المتواطئين معهم ، على خلفية أن النقابيين وهؤلاء المدراء والمسؤولين ، هم " رفاق " وفي خندق واحد .. ويتحملون معاً مسؤولية عما يجري بقيادة " الحزب " في البلاد . وا ستجابة للطلب والأمر ، ا ستقالت النقابات ، موضوعياً ، منذئذ ، من النضال المطلبي ، ودخلت ماسمي آنئذ بمرحلة " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " وبذا تحولت النقابات واتحاداتها إلى أدوات مباشرة بيد المسؤولين في المؤسسات الانتاجية والسلطوية ، ما أدى إلى عزلتها عن الطبقة العاملة ، التي تعبر عنها حالة أن 80 % من العمال يقاطعون النقابات ، وأدى إلى مضاعفة ا ستفحال البيروقراطية ، والفساد ، والغلاء ، وتردي اوضاع القطاع العام ، وأوضاع العمال المعيشية إلى ما دون خط الفقر .

لهذا ، شكل اجتماع السيد " العطري " الأخير مع مجلس الاتحاد العام والكادر النقابي الأساسي ، شكل سؤالاً كبيراً . ماذا يريد رئيس الوزراء الآن من التنظيم النقابي ؟

المحور الرئيس الذي بنى عليه رئيس الوزراء حديثه أمام النقابيين ، هو " نحن في مرحلة تحول سواء كان البعض مسروراً أم لا " .. والمقصود هنا ، هو مرحلة ا ستقالة الدولة من مسؤولية توجيه الاقتصاد ، وإطلاق اقتصاد السوق الليبرالي ، الذي يسير بخطى حثيثة للسيطرة على الاقتصاد السوري بكامله ، عبر الخصخصة المكشوفة والمقنّعة لمؤسسات الدولة الإنتاجية ولإلغاء دور الدولة الخدمي في مجال الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم .. ألخ .. والذي يحمل معه الآلام الاجتماعية التي تتمثل باتساع قاعدة البطالة والفقر والأزمات الاجتماعية العديدة ، والذي ’دعم مؤخراً بإصدار قانون عمل جديد برقم (17 ) يلغي حماية العمال من التسريح التعسفي بمفعول رجعي ، ويحرم العمال من حق الاضراب ومن حرياتهم النقابية .

أما المحاور الأخرى المتفرعة عن المحور الرئيس ، فهي لاتقل أهمية ، من حيث غرابة الطرح .. وعدم مطابقة الأرقام مع الحقائق .. ومن حيث التزيين لآفاق مخادعة لاقتصاد السوق الليبرالي .
فعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء على خيار اقتصاد السوق الليبرالي وتداعياته المؤلمة للطبقة العاملة والطبقات الشعبية ، التي يأتي في مقدمها تحرير الأسعار وا ستفحال الغلاء والبطالة ، يرفض أي زيادة على الرواتب والأجور لمواجهة الانفاق المعيشي المتصاعد . معللاً ذلك بضخامة كتلة الرواتب والأجور في ميزانية الدولة ، والتي تبلغ ( 250 ) مليار ليرة ، أي ثلث الموازنة البالغة ( 750 ) مليار ليرة . مايعني حسب قوله ، أن زيادة 10% = ( 25 ) مليار ليرة . وزيادة 20 % = ( 50 ) مليار ليرة . وبالطبع حسب طريقته في العرض الحسابي ، دمج أجور العمال ورواتب الموظفين في الدولة بما فيها رواتب الرئيس والوزراء والجيش والأجهزة الأمنية مع بعضها البعض ، ليصل إلى الرقم ( 250 ) مليار ليرة . بينما نصيب العمال في قطاع الدولة من كتلة الأجور والرواتب في الميزانية ، إذا اعتمدنا أن ( 1 ) مليون هو عدد العاملين في القاع العام الإنتاجي والخدمي ، وإذا اعتمدنا متوسط الأجور في هذا القطاع (10 ) ) آلاف ليرة شهرياً ، هو أقل من نصف حجم هذه الكتلة المالية بكثير . مع الأخذ بعين الاعتبار أنه وضع العمال في القطاع الإنتاجي على مستوى واحد مع عمال الخدمات وحملهم عبء الإنفاق الحكومي في مجال الرواتب . دون أن يضع مكاناً في حسابه لفائض القيمة المنتج في كثير من المؤسسات الإنتاجية ، مثل صناعة البترول والغاز والفوسفات ومؤسسات السكك الحديدية والكهرباء ، وللقيم المنتجة في المؤسسات الأخرى . مامفاده حسب رئيس الوزراء ، أن مطالب العمال بزيادة الرواتب والأجور غير واقعية ومزعجة للحكومة .

ويبرر السيد " العطري " سياسته الاقتصادية بأنها تفتح الباب أمام عودة الأموال السورية من الخارج ولتدفق الأموال العربية والأجنبية للعمل في سوريا . بيد أنه تجنب الحديث عن أنشطة هذه الأموال وشروطها السياسية والتشريعية ، وعن المجالات الاقتصادية التي تتموضع فيها ، وعن لماذا لم تؤد هذه الأنشطة التريليونية من الليرات الوافدة إلى رفع مستوى المعيشة وكبح جماح الغلاء وإنهاض الاقتصاد الإنتاجي . وشدد على القول " يجب أن نعبد الطريق أمام القطاع الخاص " الوطني " والعربي والدولي " لتنفيذ مشاريع التنمية بحجم ( 900 ) مليار ليرة في الخطة الخمسية العاشرة . ولم ينس أن يحذر النقابيين من الذين يصفون التحول الاقتصادي الجاري في البلاد أي اقتصاد السوق يصفونه بالاقتصاد الليبرالي ، ليمنح اقتصاد السوق الليبرالي البراءة ، والضرورة التاريخية لقيامه ، وسيطرته على مقدرات البلاد عبر شراكة مع الرأ سمال العربي والأجنبي ، بزعم تحقيق تنمية ، هي غير مطابقة لنمواقتصادي يلبي ا سحقاقات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

وإذا تجنبنا الدخول في تفاصيل فشل الخطة الخمسية العاشرة ، إن على مستوى حجم الاستثمار المحقق ، أو على مستوى فائض القيمة المتوقع ، فإننا أمام سؤال .. أي طريق يريد رئيس الوزراء من العمال مشاركته في تعبيدها أمام الأموال السورية الخارجية والعربية والدولية ؟ .. هل يريد تعبيد الطريق أمام الرأ سمال لبناء اقتصاد السوق الليبرالي لتأبيد عبوديتهم وفقرهم وبؤسهم ؟ ويثير جواب رئيس الوزراء الدهشة ، عنما يقول " إن العمال والحكومة في مركب واحد والغاية واحدة " و " إذا كان علينا كحكومة أن ننحاز فنحن ننحاز للعمال " ..

كيف ا ستطاع رئيس الوزراء أن يركب معادلة الاستثمار مع الإفقار ، وتعبيد الطريق لاقتصاد السوق وسيطرة الرأ سمال المتعدد المنشأ مع الانحياز للعمال ، لاسيما بعد أن ا ستصدرت حكومته القانون (17 ) الذي يسمح بتسرح العمال التعسفي لصالح أرباب العمل ، وبعد أن قطعت حكومته شوطاً كبيراً في إجراءات تطبيق اقتصاد السوق الليبرلي المؤلم لصالح طبقة الرأ سمال المحلي والدولي ؟ ..

وفي طرح معادلة "" الحكومة والعمال في مركب واحد والغاية واحدة " يتحول الاجتماع الحكومي النقابي إلى اجتماع حزبي .. ويتحول الإلتزام النقابي إلى إلتزام حزبي ، وذلك تطبيقاً ل " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي . وهنا يصبح كلام رئيس الوزراء توجيهاً حزبياً أمنياً .. وتتلاشى قيم الحركة النقابية العمالية تماماً . حيث يكلف التنظيم النقابي علناً بالمهام الأمنية وسط الطبقة العاملة . وإذ يأمر الرفيق رئيس الوزراء الاتحاد العام والنقابات أن يواجهوا تصرفات العمال " الذين يسيئون للعملية الانتاجية .. وأن يكونوا العين الساهرة لدعم الحكومة .. والتمييز بين من يعمل ومن لايعمل " يعني ولادة مرحلة جديدة في عمل التنظيم النقابي العمالي في عهد " الحزب القائد " هي مرحلة " النقابية الأمنية بديلاً للنقابية السياسية " . وعندما يربط رئيس الوزراء ويبرر تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة العامة والرسمية ل " متابعة التصرفات الخاطئة " بغياب فعالية أجهزة الرقابة والتفتيش ، يعني إن لم تجسد النقابات فعلياً دورها الأمني المطلوب في هذه المرحلة ، فالأجهزة الأمنية هي على ا ستعداد لأداء هذا الدور ايضاً ..
أما كيف ستطبق نظرية العين الساهرة في مراقبة العمال ، وماهي معايير التمييز بين من يعمل ومن لايعمل ، فهذا ليس من الصعب تحقيقه عندما يوضع الجمع العمالي في أية مؤسسة برسم الاتهام الأمني .. وعندما ’تسخن مشاعر الاستعلاء الحزبي تجاه النلس البسطاء . لكن السؤال هنا : هل ستشمل العين الساهرة الرفاق أيضاً ؟ ..

وعليه ، يتضح دون أي التباس ، أن الهدف الحقيقي لاجتماع السيد " العطري " مع النقابيين ، هو إعداد البيت النقابي للمشاركة الفعالة في المراحل الأسوأ من تطبيقات اقتصاد السوق الليبرالي ، لتغطية الأداء الحكومي ، كما حصل بموافقة رئيس الاتحاد العام على قانون العمل الجديد التعسفي ، للمشاركة في الإجراءات الاقتصادية الاجتماعية الأكثر إيلاماً للطبفة العاملة والطبقات الشعبية ، ولشل أية تحركات تململ أو إضرابات ضد مرحلة التحول العتيدة العزيزة على الحكومة .

وبناء على ماتقدم نخلص إلى القول :

حيث أن الحكومة تعبد الطريق للرأ سمال المحلي والعربي والأجنبي دعماً لخيارها المتمثل باقتصاد السوق الليبرالي المؤلم ، وهذا انحياز مكشوف لنظام مغاير لمصالح الطبقة العاملة وللد ستور .

وحيث أن الحكومة تمتنع عن زيادة الرواتب والأجور وضبط معادلة الأجور والأسعار لصالح الذين لايعيشون إلاّ من بيع قوة عملهم اليدوي والفكري .

وحيث أن الحكومة لاتألو جهداً عن تطويع التشريعات في البلاد بما يكفل نمو الاستغلال والتمايز الطبقي المتوحش ، والثراء اللامشروع .

وحيث أن الحكومة تمنع قيام تنظيم عمالي مستقل يدافع بشرف عن لقمة العمال وحرياتهم .

وحيث أن الحكومة تقوم على الميز السياسي وعلى حالة الطواريء والأحكام العرفية ، ما يحول دون تمتع العمال بحقوقهم الإنسانية الأساسية .

فإنه لاوجود لمركب واحد يجمع الحكومة والعمال ..

إن العمال وكافة المنتمين للطبقات الشعبية يحلمون أن يكونوا والحكومة في مركب واحد .. لكنها حكومة مشروطة بالديمقراطية ، وبالعدالة الاجتماعية ، والمساواة في الحقوق الد ستورية والسياسية والاقتصادية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط