الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرضاع الكبير وصحن الحمّص والجلباب...فماذا بعد؟!

وهيب أيوب

2010 / 5 / 5
كتابات ساخرة


عندما تعيش أُمّة عصر انحطاط، فلن تبقى هناك حدود لانحدار العقل وتسفيهه على نحوٍ مأساوي، يحتار معه المرء، أيقابل تلك التفاهات بالسخرية أم بالحزن والبكاء، أم بلطم الخدود ورجم الرأسِ بالقباقيب إن وُجِدت؟
على إحدى الفضائيات العربية يُطالعونك بخبرٍ مُصوّر شبيه بريبورتاج قصير، يتحدّث فيه عضو البرلمان المصري المُستقّل مصطفى الجندي عن مشروع قرار قدّمه تحت قبّة البرلمان يقترح فيه أن يكون الجلباب أو الجلاّبية اللباس الرسمي في المناسبات القومية، لأنها، أي الجلاّبية، تُعبّر عن ثقافة مصرية خالصة.. ونصح رئيسه، مُبارك، أن يكون أول المصريين في لبس الجلاّبيّة.. قد يكون الرجل مُحقاً، ففي الجلاّبية الفضفاضة تجري الأفكار دون قيود أو حواجز، وتُحلّ المسائل المُستعصية والعالقة...! ولكني اسأل سيادة النائب: ألا يُعيق الجلباب التنقّل والقفز بين أكوام الزبالة التي تملأ العاصمة القاهرة وغيرها، والتي باتت أزمة الزبالة فيها لا تعادلها إلا كارثة تسرّب الزيت في خليج مكسيكو وعلى الشواطئ الأمريكية؟!
هل يكون نجاح مشروع القرار هذا فاتحة لمشاريع مشابهة على غرار الفتاوى التي شغلت المصريين والمسلمين ردحاً من الزمن؟ فقد يخطر ببال أحد النوّاب توحيد اللباس الداخلي ليكون تراثياً وشرعياً على النحو الذي كان سائداً زمن الصحابة مثلاً!..
لا شيء مُستَبعدٌ إذا كان هذا هو مستوى إبداع النوّاب الأغرار..!
إلى هذا الحد وصل الانحطاط والتفاهة في التفكير. ولا أدري كم بذل هذا النائب الصنديد الألمعي من التفكير والتمحيص والدراسات حتى وصل إلى هذا المشروع الفذ الذي سينقل مصر من عصرٍ إلى عصر ومن دورٍ إلى دَور...!
طبعاً هذا إبداع عقلي وفكري مُبرّر في بلدٍ مثل مصر، تتوفّر لأبنائه كل أسباب التقدّم والرفاهية والحريّة والراحة والاكتفاء الذاتي من مجاميعه؛ لا بطالة، لا أُميّة، لا تخلّف وجهل، لا فساد، لا محسوبيّة، والحكومة والحكم كلّه تمام التمام! ولم يبقَ لدى المصريين إلا استعادة بعض التراث الضائع للتسلية والتندّر، بعد أن أُصيبوا بالتُخمةِ جراء رغد العيش المُمل...!
يلوم بعض المثقفين العرب الشاعر أدونيس على تصريحاته بأن الحضارة العربية باتت مُنقَرِضة. ربما أخطأ شاعرنا وتسرّع قليلاً فيما قال، أو أنّه لم يطّلع على إبداعات العالم العربي في السنوات الأخيرة، وربما نسيَ السيّد أدونيس أو تناسى بأننا منَ يُبدع الفتاوى لخلق التغيير في هذا المجتمع للسير به قدماً بعيداً عن حضارة الغرب الكافر. إرضاع الكبير والتبرك بالبول وحديث الذبابة وعدم جواز دخول المرأة الحمّام إلا مع محرمها فقد يسكنه الجن ولا يجوز أن تُكشَف عليه! أو قيادتها السيّارة، أو أن تدخل الحاسوب "التشات" دون محرمِها... وهكذا.
أو لعل أدونيس تجاهل عن قَصدْ أو دون قصد، لا يهم، أن العرب أصحاب أكبر صحن حمّص في العالم - قبل أن تحطّم الرقم إسرائيل، في منازلة تكنولوجية رهيبة -، وأنّهم أبطال أطول "سيخ شاورما" في الكرة الأرضيّة، ولا ننسى طبعاً صحن التبّولة والفتّة بكوارع والبابا غنّوج.. يا بابا...!
من مصر بدأَ "عصر النهضة" في نهايات القرن التاسع عشر، مع الطهطاوي ومحمد عبدو والكواكبي والأفغاني وفرح أنطون وشبلي شميّل والشدياق وغيرهم، واليوم مع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يفتتح الإسلاميون وأمثال أبي الجلاّبية عصر الانحطاط، بحيث يُلاحق هذه الأيام في مصر أي مُبدع ومفكّر حقيقي من خلال محاكمة بعضهم وتكفيرهم وتهديدهم بالقتل كما جرى للمفكر فرج فوده ومحاولة قتل نجيب محفوظ وتطليق نصر حامد أبو زيد من زوجته عنوة، وملاحقة سيّد القمني وعبد المعطي حجازي ونوال السعداوي والقائمة طويلة.....
لقد ذكّرتني تلك الأمور بإحدى النوادر التي جرت مع المفكر الإسلامي الشيخ محمد عبده في بداية القرن العشرين، وكان عصر اختراع الطائرات. والقصّة كما ترويها الكاتبة غادة السمّان هي كالآتي:
((وبينما الدنيا تركض في دروب العلم والفضاء، يتابع مثلاًَ تلميذ الشيخ محمد عبده طرح السؤال نفسه منذ نصف قرن أو ألف ليلة وليلة! إبريق المرحاض أيوضع على يمين المتوضئ أم إلى يساره؟ ويصرخ به الشيخ محمد عبده: يا ابن (الـ... ) بَقُلّك طاروا... بَقُلّك طاروا "مُشيراً إلى الطيران الأول في الغرب الذي تصادف يومَ طرحَ عليه تلميذه هذا السؤال")).

الجولان المحتل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية إلى : وهـيـب أيـوب
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 5 / 5 - 17:57 )
كم هي مؤلمة كلماتك. كم هي مؤلمة.. لأنها الحقيقة!
كلماتك الصادقة التي تنزف لم يعد يسمعها أحد.. شعوبنا مشغولة بالتمثيليات الشامية والخليجية والمصرية وباب الحارة وغنجات نانسي عجرم وهزات هيفاء وهبي التي تحدث أكثر من تسونامي في حضارات قبائل يعرب..يا صديقي بينما نحن نصلي خمسة مرات في اليوم, يتطور العالم ملايين السنين, وبينما نفسر حلال وحرام النقاب والحجاب وطول الجلباب, وتحريم سلام المرأة للرجل والرجل للمرأة وأفضل طرق الوضوء, يصارع العلماء آخر اكتشافات السرطان, أو آخر مكتشفات وتحديثات حقوق الإنسان وحرياته الفردية العامة.. هذه الكلمة التي لم نمارسها يوما من أقدم الزمان..ولم نفهم منها أي معنى...يا لألف ألف حسرة...ولك مني تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة


2 - كاتب مبدع وواقع كئيب
سامي المصري ( 2010 / 5 / 5 - 18:06 )
تحياتي للكاتب المبدع خفيف الظل. وحزني وبكائي على مصر وما بلغته من تدني في القرن الواحد وعشرين. الزمن يتقدم ومصر تتراجع بل تتهاوى إلى أعماق سحيقة من التخلف بيد مباركة!!!!!؛


3 - تحالف مقدس للتجهيل
فاضل الخطيب ( 2010 / 5 / 5 - 19:08 )
وجود الكهنوت السياسي الحاكم في بلدان المنطقة مع الكهنوت السلفي القروسطي يعطي صورة بلداننا وثقافة مجتمعاتنا، يُكمّل أحدهم الآخر، ويدعم أحدهم وجود الآخر، سلطة واحدة تعتمد الجهل والتجهيل والقمع وإلهاء المجتمع بالخزعبلات..
عصر انحطاط بكل معانيه، والمؤسف تواطئ الغرب المتحضر العلماني من خلال غطاء يُضفيه عليهم.. لاحظ جنون القذافي والشناشيل التي يُعلقها ويُطلقها، وفي نفس الوقت يستقبلوه كزعيم ويتعاملون معه، والقذافي نسخة لعشرات الزعماء الذين سيكونون بالمتاحف لاحقاً، سيكونون مادة للدراسة النفسية.. كان تشاوشيسكو نسخة أوربية للقمع العربي، ورغم ذلك ظهر رجال دين قادوا المظاهرات التي أطاحت به، رجال دين عقلانيون ومنهم الآن أعضاء في البرلمان الأوربي مثل الخوري -لاسلو توكيش- ومازال رجل دين، لكنه لا يعيش القرون الوسطى وعقليتها.. وأبو الجلباب المصري عضو برلمان وجيابه مليانة زبيب..


4 - على قدر اهل السخف تاتي المهازل
حمادي بلخشين ( 2010 / 5 / 5 - 22:52 )
ضاعت الشعوب بين الغباء السلفي المهتم بتوافه الأمور و بين الإرهاب اللاديني
الحاكم و المسؤولية مشتركة فيما اعتقد
مع تحياتي.


5 - لا عجب
مايسترو ( 2010 / 5 / 6 - 08:26 )
فمع وجود هكذا دين وتعاليم تقدس المقدس المتخلف، فلا عجب أن يخرج علينا أشباه رجال مثل هذا النائب ، نعم يا سيدي لقد وصل بنا التخلف إلى هذه الدرجة من السفاهة والدناءة، لكن يبقى السؤال من الذي انتخب هذا النائب ؟، وتحياتي لك يا أستاذ وهيب ولكلماتك التنويرية التي تدخل العقول دون أي اذن.


6 - من أجل المستقبل
وهيب أيوب ( 2010 / 5 / 7 - 07:41 )
أشكر جميع الأخوة الذين علّقوا على الموضوع مع حفظ الألقاب...ا
قدرنا في هذا العالم العربي التعيس أن نُقارع على عدّة جبهات، الاحتلال وأنظمة الطغيان والفساد والجهل والتخلف، ثم الأصوليات الدينية الطائفية والمذهبية العنصرية المقيتة.... لكن الحياة مستمرّة ونحن مستمرّون بنضالنا من أجل حياة أفضل وكريمة أكثر ترقى إلى مستوى الإنسانية، وتآخي جميع البشر دون تمييز، إن لم يكن من أجلنا نحن، فمن أجل مستقبل أولادنا ومجتمعاتنا، حتى لا يرثوا ما ورثنا.ا


7 - تحية حب واحترام للكاتب القدير
ابو عصام كردستان سوريا ( 2010 / 5 / 7 - 21:04 )
لاتعليق على كلامك يا سيدي الكاتب ،بل اقول لك دمت ولك مني باقة ورد وياسمين الربيعي وشكرا

اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي