الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هي هي

علي شكشك

2010 / 5 / 5
القضية الفلسطينية


هي هي, لا تتغيّر, وهي ليست مجرد مساحة, وإن كانت مساحة, فحولها المجال الكوني يجول, وحولها القلوب وحولها العقول, وحولها التاريخ والإنسان, ومعنى الوجود وغاية الوجود, وحولها بارك الله للعباد, وحولها يصطف سيل اللاجئين, وحولها الفضاء قارصٌ, والهواء جارحٌ ويُمنع التصوير حولها والاقتراب, وفي سمائها مازال صدى ترنيمة الملائكة ليلة الميلاد: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام", عنواناً لما كان أو يكون, بشارةً وشارةً على المجال والمسار من أوّلِ إكليل الشوك إلى آخر درب الآلام, وما ينقصُ الأرضَ شرطاً للسلام,
وهي تُغطي كلَّ الأرض وتصبغها بكيميائها وتتفاعل فيها وفي وجدانها وتلخص درجة الإنسان في الإنسان, وترسم خرائط المجد فيها وتدلُّ الجنود على خوذاتهم ومصارعهم وبؤرةٍ غامضةٍ في روحهم, وترفع وتيرة اللحن, تأخذه إلى معراجه وتُشْكِلُ الكلام, وتقسمُ الأشياءَ إلى عناصرها الأولى في الرمل والماء والزيتون والدار, والجنة والنار والجدار,

وهي تُشكل جغرافيّة الأرض وترسم تقنيات المرافئ وتقرّرُ فيما تقرر لون الحصار وتفرض منطقها ما وراء البحار,
وهي تكشف جغرافيّتها وتفتح باطنها وتُعرّفُ العالمين بها وتمنح حجارتها وصخورها وروايتها ووردها للدارسين والناسكين, وتفتح طريقاً للسماء, وتستحثُّ الخُطى إليها, الغزاةَ والجباةَ والمضاربين والوسطاء والمتضامنين والحجّاجَ والسيّاح والمُسرِجين والمرابطين,
وهي تعزفُ لحنها ببطءٍ وتؤدةٍ مثلما تتشكّلُ رواسبها في قيعانها ومثلما تشكلت جداولها وبحيراتها, وهي تبني قوافيها على مهلها كما تبرعمت هضابها وتناغمت مفرداتها ولهجاتها, واستلت مادّتها من غيمها ورملها ورائحة الفجر وراحة الوجد وحكمة المُضيف, وغزلت مجالسها من ضوء القمر وحنين السمر وطمأنينة سرب الطيور لتاريخ الشجر, وعمّدت غناءها بالصدى يروح ويرتدُّ في الوادي والزمان واستطاب لهم جميعاً صوتهم معا, وترنيمتهم معاً: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام,
وهي هي, تلتئم أمام الذين يحاولون كسرَ اللوحة على الإناءٍ في الركن, وتبديدَ سهرة الأم مع الجارات في فناء البيت على رابيةٍ أمام البشارة في الناصرة, وقطْعَ الطريقِ إلى موعدٍ وتلويث بئر المياه وفنجان القهوة, واجتثاثَ ظلِّ شجرةٍ ائتمنّاها على إفضاءاتنا, واقتلاعَ آثار لهجتنا المترسبة على جذعها, وما تناثر من كلام آبائنا في رذاذ المساء, وبوصلة الروح في قبلة الأنبياء,
وهي هي, ترابط فيها عليها, وتغزلُ موجتها وخيمتها, وتعزف بيتاً من الشعر, وبيتاً من الحَجَرِ المقدسيّ, وتعزفُ أرضاً وشعبا, وتنزف ورداً, وتنتظرُ الياسمين, وتعرفُ أن الطريقَ الطويلَ طويل, وأنَّ المساءَ وأنّ الحقول تُربّي جدائلها في العراء, وتؤنس وِحدتَها بالغناء, وتنتظرُ العائدين على وقع ترنيمة في السماء, تُبشِّرُها بانقشاع الغزاة, من المهد والعهد حتى الجليل, ومن أوّل الوقت حتى تمام الكلام وكل المكان, ليكون على الأرض روح السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله