الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلدي السويد

نصيف الناصري

2010 / 5 / 6
الادب والفن



نصيف الناصري *


بلدي السويد



1



تاركاً متع أحجار قليلة محترقة في أرض اللامستقبل
أحاولُ تحرير أغنيتي من الكراهية التي تتحدى اخوة الانسان
وأتساءلُ : { هل ينعم الله على بلد ، معلّقة فيه الأحقاد والأسلحة
على أكتاف الأشجار والشعراء ؟ وهل تحنو الشمس الأمينة على
أنهار ، ترمى في فراديسها جثث الناس المغدورين ؟ } .
ينبغي الوقوف الآن تحت الظلال الحارة للملائكة ، والبكاء
في عسل الوردة حتى لا تغيب عن ذكرياتنا ساعات النسيان .
ينبغي أن نسأل أشجار النخيل الممتدة في آفاق الفرات : { ما الذي
يلزمنا على الاصغاء الى اشارات الطوفان ، حتى نتحرّر
من عفونة شلاّلات الدم الملتفة على أعناقنا ؟
ما هذه الشفرة المذهلة المحفورة في راياتنا ، ولا نستطيع
أن نفكّك أسرارها أو المسير تحت نطاقها المتعطّر في الفوضى
والتناقضات المتحركة ؟ } . يقتل الانسان الانسان في أرض اللامستقبل
من أجل قشرة بصل ، ومن أجل مقدسات اخترعها ورفعها في الحظائر
والقبور . لماذا ترفع الكراهية ستائرها دائماً ويغيب الحبّ ودفء
عروق الأرض النحيلة في أرض أسلافنا الذين ما ادّخروا وسيلة
قتل إلاّ وجربوها على بعضهم البعض ؟ في برودة تخزّن عتمتها
في طريقي . أدخل التاريخ المظلم لطبول الاعدامات المستمرة
وأضيع في ليل مقابرنا الجماعية الجديدة والقديمة .
صلابة أرض اللامستقبل تدمغ ماضيّ في ظلمة أبدية ، وما من
فجر تنحرف فيه النوافذ المرتعشة لصبح الحياة صوب النسمة الجليلة .




2


تفرُّ من بين يديّ تحت سماء السويد الصافية ، الجمرة والوردة
والفضة المخططة الزرقاء .
لماذا يا إلهي يسوّد الليل في هذه الأرض الوديعة ؟
أنهار نفسي مظلمة وملوثة وفي الآفاق الجنائزية للعالم ينشغلُ
الملائكة بتعداد سواد أيامي .
لا زينة الآن للرغبة إلاّ زينة الضجر
ولا عقيق نذور للظلمة إلاّ عقيق الجريمة .
النسيم هذا المساء متصلب ويرتفع جدائله في أنفاسي المتقطعة .
لماذا ينهض دخان الحروب الآن في أرض نفسي المحفرّة والفقيرة ؟
لماذا يفترس رماد ماضيَ المتعطش لشمس وصلاة الذبيحة
الشمعة العليلة لروحي ويجرجر خيباتي ما بين الصخور والطحالب ؟
يسيلُ دويّ المدفعية في أحلامي سيلان بكائي على من أحببتهم وقتلوا في الحروب
وفي التويجات المغلقة لنسيم حياتي المنحدرة صوب التألمات الطويلة
لنحاس طفولتي المشؤومة .
تسطعُ بحزن أثير شفة السنبلة ونجمتها
الملحاحة والمبتهلة .


3


تضيء ما بين ظلال دجلة وأمومة السويد الرحيمة ، قناديل حزني
على الأغصان التي بكيت تحتها في الماضي
لا أريد الآن لنفسي المتعبة سوى هذه الجنونات الحميمة التي تلازمني منذ الولادة
سوى اللعثمة والدهشة وصراخ الاقمار التي تتفكك وتتقطع وتزهر وتثمر .
فكّرتُ في الزائل من أيامي
وأحصيتُ أشجار حياتي التي تهدمت :
شجرة العائلة
شجرة الطفولة ولطافاتها الشيطانية
شجرة الحروب
شجرة الصداقات
شجرة النساء
شجرة الكتابة وأسرار شقوقها
جميع الأشجار التي احترقت ، تتنفس مفتوحة على طرقات النهار
وكل ورقة سقطت من أيام حياتي ، ترقد الآن مطمئنة في هدوء تام .
أحاول ولا أريد
أحاول ولا أريد
والآن – أضعت المجذاف واحترقت السفينة
لا أملك شيئاً في سواد العراق المليء بالنفط والثمار والخبز والبقول
لا ذرة تراب
لا قبر
لا وردة
لا نسمة فقيرة
لا أملك أيّ شيء ، سوى دموع العجوز أمي وحمولة 34 سنة منقوعة بالدم
والنفي والجوع وكوابيس حروب الطاغية المستمرة .
بلدي السويد
ضمّدت جروحي
ومسحت دمعتي
وعلمتني لغتها
ومنحتني شموس الفردوس وفضيلة اللاطمأنينة .
يا رب
امنح بلدي السويد
برق العافية
امنحها اللؤلؤ والغيوم
وامنحها الزرقة الدائمة للقمح والحصاد .
رماد حياتي المهدمة يتدفق بغزارة ويصير سدّاً يفصلني
عن الحاضر وأنهاره الجافة والمسمومة .



4


يرخي غصن موتي نفسه بين رماد الليل ورماد النهار
والذكرى تدهنُ وتحاذي الحافات المجدبة لماضيّ المهدم .
العلاج الكيميائي الدائم لجروحي العميقة ، أفنى شموع حياتي
وضمادات الأبجدية .
لا دجلة الآن أريد ولا الفرات
وجوازي العراقي لا أستطيع تجديده في السفارة العراقية
إلاّ بتقديمي بطاقة الهوية وشهادة الجنسية
ومبلغ الضريبة .
في نومي الذي تغلفه جحيمات الحروب ، يوقظني دائماً
عواء أرض قديمة ويذبحني ذبح الحيوان .
الآن – انتهت الحروب وها أنا أجرجر جروحي
تحت فضة مصابيح وطني السويد .
في المطبخ يتردد صدى { الفصول الربعة } لفيفالدي
ويضمد نفسي المعشقة ببارود الحروب
أرفع قرص ال سي دي وأبذر الحمّاض في أرض حلمي .
نموّ طويل للعلل في الرنّات المخلبية للخسارات
ولا ثمرة في الأصياف التي تذيب الملح على الثلوج العتيقة .
لا دجلة الآن أريد ولا الفرات
وطني السويد
وسنابله المتفجرة كما البراكين هي الحياة .
هل نأسى على أرض قتلتنا وشردتنا ولا تعترف بطينتنا ؟


5


لا قرابة لي مع الغيوم وشفافياتها ولا صداقة
ولا الفة لي مع التعاطفات الندية للغابة وأقمارها الضنينة
أضاعت جذرها حياتي في اليقظة المنتصبة للرماد الثقيل
وانسدّت الذبذبات المتصدعة لأحلامي على الأشجان والحجارة
المتضعضعة . أيامي المضمّدة تعرجات أنهار لموتى طويلة
تنام فيها الرموش المتهدلة والرغبات الذابلة العصية .
في الحضيض الذي ينسدل على أنقاض أغنيتي
لا أملك ضفة
ولا طلاوة ليل
غبار حياتي الأسيرة يلفعني بروائح ذكريات من رحلوا من أحبائي
ويهتز حاضري من صرير الى صرير .
السياجات الباعثة على الغثيان تحجبني عن المشي في أرض الرغبة
وهذا النهر المتدفق في ملامساته لصحراء العالم
أكثر توهجاً منّي في تلاشي حلمي المحكوم عليه بالظلام .



6



في الشواطىء المتصدعة لنهر وجهي المليء بالندوب والمحار
حفظتُ النشيد الجليل لأسرار موتي
وأطبقتُ الملح على الأبواب .
رعشات طويلة تصاعدت على الفراغ العظيم لأعشاب
حياتي التي توسدتُ أصواتها في عنفوانات الصيف الماضي .
هل لي الآن أن أرممُ تصدعات ليلي وأصعد
المراكب الغريبة في صلاة الطيور بين الأحراش الغامضة للتيقظات ؟
ينبثقُ الفعل من الانحلال المتناوب لايماضة الزهرة
ما بين الخرائب العالية للذكرى الوامضة للزمن
وتصعد الفكرة في القفزة المتعاطفة
للقاح الشجرة .
صعدنا تحطمات كثيرة وطويلة في ليل الجرح
وأفردنا للطرائد أجمل التلال في الغابة
لا شعائر أقمناها للموتى
ولا نيران أوقدنا لأولئك الذين أعانونا على الوصول
الى البوّابات المنوّرة للآلهة .



7


لا تتعاطف معي هذه الأشجار العارية في حتّمية موتي
ولا هذه الأكاليل المنعّمة.
رغباتي التي توسدت صمتها، أسمعها الآن تئن وأسمع
تنهداتها المصكوكة عبر رياح الخريف الدائمة لحياتي .
في الماضي حلمتُ في النوم على أرائك كبيرة بحديقة فارسية
تسقيني جاريتي الخمر وتغني لي عن اللذة والحبّ
لكن حلمي المطوق الآن يجبرني أن أحيا في ليل اسمنتي
غير مقطون .
يعبر الجميل الغريب والممتنع صوب المتاهة دائماً بلمحة خاطفة
لكن ما يعزّينا في رغباتنا التي تنام في النوافذ المغلقة للعالم
هو الألم وأصيافه بيبوستها الغامضة .
نموت ويوقظنا عري القنديل
وفي الايقاظة المحترسة لرغباتنا تنبثقُ الظلال
المنجّمة لحياتنا المتصدعة .


8


محروساً بذكرى عميقة تلتهم الصدع اللانهائي لنومي
أرنو الى التباطؤات المبهرة لأشواك الكلمة
قناديل وجهي التي انغرست في تقاطعات شوارع الشجرة
الذابلة لرغباتي . تنشر صمتها فوق صيف السنبلة المخلوعة للنهار .
لا أود التحديق الآن في أرض رأسي المتشنّجة
ولا أود الكلام عن عين الصقر في انصاتها للطريدة .
نومة واحدة تكفي لمجيء النمل
حيث العفونات تستقر فوق سواد الميت .
كل ما يبنيه الانسان وما يحافظ عليه ويصونه
يجعله مفتاح الزمن هزأة ويفترسه بقوة عناكبه التي لا تتنفس .



* مواطن سويدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو