الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاوضات التقارب وترياق الوعود العرقوبية

ماجد الشيخ

2010 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أكثر من عام ومسلسل الخطط ووعودها ووعيدها، تترى الواحدة بعد الأخرى، إلى حد الخوض في تفصيلاتها وبنودها، ليسفر واقع الحال عن جعجعة دون طحن. ومن موعد إلى آخر، لم تسفر "وعود الخطط" إلا عن خطط موعودة، تتباعد بل هي تتفاصل عن واقع ما يجري على الأرض من وعود خلّبية، أضفت عليها وقائع التوتر الأميركي – الإسرائيلي مؤخرا تباعدا مؤقتا، سرعان ما عاد الانسجام النسبي بينهما إلى طبيعته، معيدا إلى أرض الواقع إمكانية بروز تفاهمات، أمكنها تحريك الراكد في بحيرة المفاوضات المجمّدة، وهي التي باتت تفتقد "للشريك الإسرائيلي" هذه المرة، وبوضوح لم تعد تخطئه العين الفاحصة، فهذا "اللاشريك" الآتي على صهوة الاستيطان – انتخابيا – لا يرغب، بل لا يستطيع "خيانة" وعوده لجمهوره اليميني المتطرف و "أيقونته المقدسة": الاستيطان في ما يسمى "كل أرض إسرائيل"! من أجل التوصل إلى اتفاقات سياسية مع "غوييم العالم"، وبالتالي فإن المفاوضات ستضطره للتعاطي مع "محرمات" هي بمثابة "مقدساته" التي قد يستحيل عليه "تدنيسها"، لذا هو يهرب ويراوغ. وحتى في اضطراره الإعلان عن التعاطي إيجابا مع جهود حليفته الإستراتيجية، فإنه بالمقابل يريد استرضاء يمينه الفاشي المتطرف مع الاحتفاظ بائتلافه الحكومي كما هو.

ومن خريف إلى خريف، وعملية التفاوض تراوح في ذات المكان، بل هي تتراجع على وقع تقدم الاستيطان، وتهويد وأسرلة العديد من المواقع المفترض أنها من نصيب الدولة الفلسطينية العتيدة، والمتوقع أن تسفر عنها عملية التفاوض الموعودة، بل الموؤودة. فمن وعد خريف أنابوليس منذ عام 2007 إلى وعد الخريف القادم، والعملية لا تحفّ بها إلاّ وعود المراوحة، الموصولة بفشل، وربما انعدام أي أمل بتحريك أوصالها الرازحة تحت تأثير جمود صفري، يزداد رسوخا كرسوخ الجبال الراسيات، في ظل حراك استيطاني قلّ نظيره، الكمي والنوعي، في كل عهود الحكومات والائتلافات الحكومية الإسرائيلية. وبين التأكيد والنفي حول وجود خطة سلام أميركية، تحاول واشنطن من خلالها تقديم نفسها من جديد كراعية لمفاوضات محتملة، يتزايد الحديث عن إطلاقها جراء مناقشات تجري حاليا، لكن دون أن يتم اتخاذ أي قرار لإجراء تغيير كبير في الإستراتيجية الأميركية الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي، بحسب الجنرال جيمس جونز مستشار الرئيس للأمن القومي.

وعلى الرغم من نفي جونز وجود أي قرار، حول طرح مبادرة جديدة لإحياء عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، تؤكد صحيفة واشنطن بوست (7/4) أن إدارة الرئيس أوباما "تنظر بشكل جدي" في إطلاق "خطة للسلام"، ولكن بحلول الخريف المقبل، وذلك استنادا إلى الاتفاقية التي اقترب الرئيس الأسبق بيل كلينتون من إبرامها بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 2000. بينما ذُكر أن هذه الخطة في حال تم إطلاقها، فإنها سوف تبني على التقدم الذي تم إحرازه سابقا في قضايا مثل الحدود وحق عودة اللاجئين (إلى أراضي ما يُفترض أنها الدولة الفلسطينية) ووضع مدينة القدس (وقد نسفت مخططات الأسرلة والتهويد لشرقي المدينة، كل ذكر لتقدم كان قد حصل في السابق)، وهي كلها قضايا موضع جدل وخلاف حتى بين الإدارة الأميركية والائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فيما هذا الأخير كان وما زال يصر على رفض أو الاعتراف بأي تقدم في شأن بعض قضايا التفاوض، كان جرى التوصل إليه مع الحكومات السابقة. فإلام تستند خطة كهذه لإطلاقها في الخريف القادم؟.

أكثر من عشر سنوات مرت، منذ عام 2000، مرورا بخريف أنابوليس ووعوده التي ذهبت أدراج الرياح الموسمية اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وصولا إلى الوعود الخريفية القادمة، فالوعود شبه الجدية؛ تبخّرت قبل أن تصل إلى المآل الذي كان ينبغي أن يؤهلها لتلبية آمال تحويلها إلى واقع محدد، فما بالنا ونحن أمام دفق وعود خريفية جديدة، لا يقدم لها واقع الانقسام الوطني الفلسطيني، سوى سيرورة "وعود عرقوبية"، فيما الواقع العربي، وكما دلت قمته الأخيرة، ما فتئ يرحّل قضايا شعوبه وأنظمته ومجتمعاته إلى المجهول، ملقيا بدوره سلته الفارغة وسط مياه الخريف القادم، باحثا عند "الجيران" عمّا يمكنه أن يسدّ ولو بعض عجوزاته المتراكمة، وأن يرمّم بعض فواته التاريخي، وهو بذلك كالحسناء التي تتفاخر بشعر ابنة خالتها أمام من يجهل نسبها وأصلها وفصلها.

وبانتظار الخريف القادم، لا يبدو أن أيّ مشروع للتوصل إلى تفاهمات عملية حول مسألة المفاوضات؛ سيكون ممكنا أو جديا، لهذا كان قد جرى تأجيل وإلغاء عدد من الزيارات المرتقبة والموعودة للمبعوث الأميركي جورج ميتشيل، حيث سبق للحكومة الإسرائيلية وبتوجهات قصدية ومتعمدة، وأن أفشلت مهمته حتى قبل أن تبدأ أول مرة قبل أكثر من عام، بل وقامت عمليا بإفشال كل حراك أميركي في اتجاه المنطقة، ما أجهض وما برح يجهض كامل محاولات استئناف التفاوض على المسار الفلسطيني، طالما أن تواصل عمليات البناء الاستيطاني لا يخضع لأي "رقابة" أو "محاسبة" أو "احتجاج" من جانب أي طرف، سوى هذا "الحرد" الأميركي المؤقت، غير القادر على إلزام حكومة نتانياهو وقف أو الحد من الشره الاستيطاني، وعمليات الأسرلة التهويدية للقدس الشرقية.

وإلى أن يحين موعد استئناف "مفاوضات التقارب" الإسرائيلية – الفلسطينية، أو قمة "مباحثات التقارب" الثلاثية مع الإدارة الأميركية في منتصف أيار (مايو)، ستبقى هجمة الاستيطان التهويدية في القدس الشرقية وفي الكتل الاستيطانية الكبرى والصغرى والعشوائية في الضفة الغربية، تساهم مساهمتها "الخلاقة" في تباعد المواقف، على أنواعها، وبغض النظر عن أصحابها. فإذا كانت جولة المبعوث الأميركي جورج ميتشيل الأخيرة، قد أعادت وبشكل موارب، استئناف العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، دون استجابة حكومة نتانياهو أيا من المطالب الأميركية، فهي بالتأكيد لم تذلل عقبات استئناف المفاوضات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، على أن استجابة السلطة الفلسطينية لاستئناف "مفاوضات التقارب" الموعودة، ليست أكثر من الخضوع لواقع أو الأحرى "أمر واقع" لا مفر من التعاطي معه، رغم إجحافاته، لأن لا بديل آخر تمتلكه سلطة مغلوبة على أمرها، وهي في ذلك تتساوق مع طرف آخر بالمقابل، يبدو أنه هو الآخر "مغلوب على أمره" نظرا لمصالحه المنحازة للجانب الإسرائيلي، وهو في مطلق الأحوال لا يمكن له أن يكون وسيطا نزيها لا في مفاوضات تتقارب بعض أطرافها، ولا في مفاوضات تُباعد بين أطرافها جميعا.

وفي محاولة "طرفية" أميركية لتحريك مسار المفاوضات، هناك توجه لاقتراح مبادرة جديدة، وردت على شكل مقال نشرته "الواشنطن بوست" في العاشر من نيسان (إبريل) الماضي، وقعه كل من مستشار الأمن القومي الأسبق زبغنيو بريجنسكي وعضو الكونغرس الأسبق ستيفن سولارز، بموجبها يجري استنساخ كامب ديفيد فلسطيني، يفضي في النهاية لفرض "السلام" كأمر واقع، حتى ولو أدى الأمر للاستعانة بالأمم المتحدة، في حال رفض أي من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي هذه المبادرة التي يجري إقناع الرئيس أوباما بتبنيها كخطة عمل، لتحريك حاسم لعملية استئناف المفاوضات.

وإذا كنا قد أصبحنا في مواجهة "قدر" ربط مصير المفاوضات بتوقف المشاريع الاستيطانية الصغرى أو الكبرى، العشوائية أو المخطط لها، فلا شك والحالة هذه أن "وعود الخريف" البعيدة نسبيا، كما ووعد استئناف ما أسمي "مفاوضات التقارب" لن يفي بحاجة مواصلة استئناف جدي للمفاوضات الموعودة، ففشلها أو الأحرى إفشالها، هي "حكمة إسرائيلية" يُراد من ورائها استكمال إنجاز تلك الأرباح الصافية التي تدرها عمليات الاستيطان المتواصلة دون هوادة، لصالح الائتلاف الحكومي القائم اليوم بزعامة عتاة اليمين الديني والقومي المتطرف، فيما هي وفي الجانب الأميركي "خطيئة" المحاباة لذاك الائتلاف، حتى وهو يواصل إفشال خطط وآمال التغيير التي واكبت صعود أوباما إلى البيت الأبيض، وهي الآمال ذاتها التي كانت محط آمال منحه جائزة نوبل وبشكل مسبق، دون أن يحقق أيّ وعد من "وعوده التغييرية"، فلا هو استطاع الإقلاع بسياسات جديدة لإدارته، ولا هو الآن يستطيع تطويع "الحليف الإستراتيجي الموثوق" وإقناعه بإزاحة عصيه وهو يضعها مباشرة في دواليب إستراتيجيته، الواقفة على أطلال استحقاقات أن تفتح تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي؛ بكامل مساراتها، تسوية مسائل الصراعات الإقليمية والدولية ومنافساتها على النفوذ والهيمنة، وإيجاد مخارج إستراتيجية لإنهاء حروب الاحتلال والإرهاب المتواصلة دون هوادة. فأيّ ترياق تفاوضي ممكن في ظل هذه "الوعود العرقوبية" المجرّبة.. والفاشلة؟.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ