الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفاعمريون - من يخلد هذه الأسماء؟

وليد ياسين

2010 / 5 / 6
الصحافة والاعلام


هذا الأسبوع قمت بزيارة الأستاذ والكاتب المناضل ناجي فرح، الذي عاد إلى شفاعمرو في زيارة قصيرة، بعد غياب دام قرابة 31 عاما..
لقد عاد فرح إلى شفاعمرو بمناسبة زفاف نجله خالد، ويعترف بأنه لولا اضطرته هذه المناسبة إلى المجيء لربما ما كان يتسنى لنا رؤيته بيننا بعد هذا الغياب الطويل الذي خلف الألم والمرارة في نفوس كل من عايش الأستاذ ناجي فرح ونشاطه الذي لم يعرف الكلل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. قال لنا، وكنت بمعية أصدقاء جاؤوا للاطمئنان عليه، إن امتناعه عن الحضور للزيارة طوال السنوات الماضية كان له ما يبرره، فهو لا يستطيع تحمل ألم الفراق مرة أخرى.. ذلك الفراق الذي وصفه في كتابه الصادر مؤخرا، "ذكريات مهاجرة"ـ بأنه تراءى له يومها وكأنه يحضر جنازته وهو حي يرزق.. مقولة تشعر لحظة قراءتها أن السكين التي مزقت صدره يوم الرحيل، عادت الآن لتمزق صدور كل من سمح في حينه بحدوث أمور اضطرت ناجي فرح إلى الهجرة واضطرتنا إلى خسارته وخسارة دوره ومكانته النضالية على الساحة الشفاعمرية.
حكاية رحيل ناجي فرح مؤلمة، ولا بد في يوم من الأيام أن يعرف بها كل من لم يعايش تلك الفترة، وكل من عايشها ولا يستطيع البوح بها، طالما كان الأستاذ ناجي يصر على الاحتفاظ بها إلى حين يقرر أن من حق الناس معرفتها. لكن الذي يقرأ "ذكريات مهاجرة" لا بد ويتساءل عن تلك العبارة التي قالها فرح للقائد الراحل توفيق زياد، يوم جاء لوداعه. سأله الراحل توفيق زياد: "ولك ناجي! شو هالعملة؟ صحيح بدك ترحل؟". فجاءه رد ناجي بكلمات قليلة تطرح في طياتها الكثير من التساؤل. قال: "ألم آت إليك شاكيا تصرفات رفاقك هنا؟".
ولن نكمل الحكاية حتى يكملها لنا ناجي فرح بلسانه وقلمه.
لكن الذي دعاني إلى كتابة هذه الكلمة، وتحت عنوان "شفاعمريون" بالذات هو أمر يتعلق، أيضا بناجي فرح وبأمثاله من أبناء شفاعمرو الذين تركوا بصمات واضحة، وناصعة على صفحات تاريخ مدينتنا شفاعمرو، أسماء رفعت اسم هذه المدينة عاليا بانجازاتها العلمية والأدبية ودورها السياسي والاجتماعي، محليا ودوليا، أسماء يعرف بعضها البعض، وأخرى يجهلها أو نسيها حتى من عايشوها أو سمعوا بها من آبائهم واجداهم.
لقد رأيت من واجبي، طالما أعانني الله على ذلك، المبادرة إلى مشروع يخلد هذه الأسماء، تلك التي أصبح أصحابها في دار الخلود، وأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، أمد الله في أعمارهم، مواصلين مسيرة العطاء، كل في موقعه، فجعلونا نفاخر بأنهم منا ونحن منهم، وكلنا شفاعمريون.
لقد بدأت العمل على هذا المشروع قبل نحو ست سنوات، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن التنقيب في صفحات الكتب وذاكرة الأجيال بحثا عن كل كلمة يمكنها أن تضيء ولو نقطة في بحر شفاعمرو الممتدة أطرافه والمتشعبة في كل أنحاء العالم. ومنذ ذلك الوقت تمكنت من كتابة ما يمكن تسميته بالسيرة الذاتية، وان كانت مقتضبة أحيانا، لعشرات الأسماء الشفاعمرية التي نعتز بها، وبدأت بنشرها، أولا في موقع الكتروني كنت قد أقمته في إطار الموقع القديم لمؤسسة زيدان سلامة للثقافة والفنون، ثم عدت إلى حتلنة ما كنت نشرته آنذاك، وبدء النشر مجددا عبر موقع "الفجر" الشفاعمري. والحقيقة أن العمل على مثل هذا المشروع يحتاج إلى كثير من الجهد والوقت، ولكل إنسان ظروفه في الحياة، التي تفرضها أولا ظروف المعيشة والتزامات الإنسان إزاء أهل بيته ومجتمعه، لذلك، أسعى قدر المستطاع إلى كتابة هذه السيرة الشفاعمرية تباعا، على أمل أن يرأف بي الله تعالى ويمكنني من انجازها قبل حلول الأجل المحتوم. قال الله تعالى : }" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" لقمان:34{
لم أطمح حين بادرت إلى كتابة هذا المشروع إلى تحقيق أي مكسب مادي، وإنما رأيت من واجبي، كشفاعمري يعتز بهذا الانتماء، محاولة المساهمة في تخليد هذه الأسماء، كي يعرفها كل شفاعمري، وكل عربي، بل وكل أعجمي، لما لهذه الشخصيات من دور في حياتنا، في ثقافتنا، بل وفي ثقافة وانجازات شعوب اعتزت وكرمت أبناء مدينتنا في وقت كان الأولى بنا، نحن أولادهم وأهلهم، تكريمهم بما يستحقونه من تكريم، ولو بتخليد ذكراهم في كتاب تتناقله الأجيال عله يكون وسيلة لإعادة الأمانة إلى أصحابها.
من المحزن أن يكون بقدر الإنسان العطاء لبلده فتصده الأيدي التي يفترض بها أن تكون سندا للعطاء. أحزن عندما أعرف أن الأستاذ المؤرخ الياس جبور، الذي يعكف على كتابة تاريخ شفاعمرو تباعا، يضطر إلى إصدار مؤلفاته على نفقته الخاصة، في وقت يرفض فيه بيعها ولو لاسترداد تكاليف الطباعة. وأحزن حين أسمع أن مبدعا شفاعمريا يعجز عن إصدار عمل إبداعي بسبب ضيق الحال، ولأنه ليس من أصحاب النفوذ أو المقربين من دور النشر أو الجهات الداعمة، التي يعكف بعضها وللأسف على إصدار مؤلفات تحت شعار "العمل الأدبي" فلا تجد فيها من الأدب إلا اسمها. وأحزن حين اسمع أن ابنا لشفاعمرو يملك في جعبته ما يمكنه إصدار عدة مؤلفات عن تاريخها، فلا يستطيع كتابتها لأن ظروف الحياة القاهرة لا تمكنه من التفرغ لكتابتها، في وقت توزع فيه جوائز التفرغ للكتابة لأناس حالفهم الحظ ووجدوا من ينشر لهم كتابا يتيما أو كتابين، فصاروا من مستحقي جوائز الإبداع والتفرغ للكتابة، حتى لو كانت مجرد مهاترات.
لست بمالك لأي حل سحري، ولا حتى مجرد اقتراح يمكنه أن يساهم في تغيير الصورة، لكن الصورة يجب أن تتغير، ولا اعرف من ذاك الذي يمكنه أن يغيرها، وما هذه الكلمات إلا بعض ما في النفس من إحباط إزاء ما أصاب بعض كتابنا.
ليس هناك أي وجه للشبه بين الظروف التي جعلت ناجي فرح يهاجر إلى كندا، وبين ظروف هؤلاء الكتاب، ولكن أليس علينا أن نخشى توصل هؤلاء، أيضا، بسبب يأس وإحباط، إلى التفكير بالتخلي عن بلد تخلت عنهم، وهي في أمس الحاجة لأمثالهم؟ سؤال نترك الجواب عليه لأصحاب الشأن أو "حتى يحين موعد مراجعته"، كما كتب فرح مذيلاً حواره ذاك مع توفيق زياد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ