الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تبلغ الدول العربية سلام وستفاليا؟

شريف حافظ

2010 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مرت سنوات وسنوات من الحرب الباردة العربية – العربية، التي وصلت إلى حد السخونة كثيراً. فالمصالح المتبادلة، لا يتم الإعتراف بها ويكرر العرب صدامهم كلما تعرضوا للمشاكل نفسها إلى حد كبير. ويدفع المواطنين، كثيراً، أثمان تلك التخبطات المستمرة. وقد نتج هذا بالأساس، عن "ضعف" "النُظم" العربية من الداخل وعدم تأسيسها لفكرة الدولة حتى الآن، رغم أن الدروس والعبر مرت كثيرة عبر أيامهم. لقد كان أحد الدروس الكبرى من جراء هزيمة 1967، ووجود أكثر من تيار (بل شلة) داخل القيادة في مصر، والعالم العربي، أن غياب السلطة "التنفيذية" الواحدة في الدولة، يمكنها أن تؤدي إلى مثل تلك الهزائم. تكرر الدرس خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وتكرر في الصومال ثم العراق! إلا أن تلك الأمثلة هي الأمثلة الفجة، ويوجد أمثلة أقل وطأة، إلا أنها هي، التي تأتي بالصدمات الكُبرى في النهاية، ورغم ذلك فان العرب لا يتعلمون!

إن ما شاهدناه في مثال قتل المواطن المصري محمد سليم في قرية "كترمايا" اللبنانية، إنما هو مثال من تلك الأمثلة التي هي "أقل وطأة"، رغم عمق الشعور بالقهر والمهانة وقمة الوحشية والقتل بدم بارد!! ومثال مقتل الأقباط "المتكرر" في صعيد مصر، تعبير آخر عن تلك المشكلة. ولو صعدنا قليلاً بالأمثلة، فان ما حدث في أم درمان عقب مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر، لهو مثال آخر، على غياب دور الدولة العربية! إن الأمثلة كثيرة، لا يسع المجال هنا لذكرها كلها، ولكن وجود سلطتين في الكيان الذي يريد أن يُقيم دولة مثلما هو الحال في الكيان الفلسطيني مثلاً، لهو نموذج حي، على غياب دور السلطة المركزية، التي يمكنها التحول إلى دولة. ووجود جيش موازي لجيش الدولة في لبنان والصومال والعراق، كلها نماذج، على غياب الدولة، في مجملها!

ثم تأتي الأمثلة اليومية، مثل غياب سيادة القانون، المساوي بين جميع المواطنين في "أغلب" الدول العربية، مما يجعل الدول قريبة الشبه بالقبائل، وكأنها مازلت تزرع وتحصد وفقا للهوى والفائدة العائدة على القبيلة أو العشيرة التي نشير لها في هذا الخصوص؛ وربما تكون تلك الجماعة حزب حاكم بذاته لا يسمح لمن دونه بنفس الفرص المتساوية أو طبقة إجتماعية أو أغلبية دينية أو قبيلة هي الأكبر .. إلخ! وبالطبع تتفاوت الدول العربية في هذا الخصوص، بحيث هناك نظم تقترب أكثر إلى فكرة الدولة ونظم تبتعد كثيراً عن نلك الفكرة! وربما ترتبط فكرة الخلاف حول "طبيعة" الديمقراطية في تلك الدول اليوم، بتلك المعضلة المتمثلة في غياب الدولة العربية من المحيط للخليج!

ويتضاءل وجود الدولة في القرى والأقاليم البعيدة عن مراكز الدولة الحضارية وعل تلك هي المشكلة الأساسية التي ستؤدي إلى تقسيم السودان مثلاً، حتى أنني أستغرب وبشدة موقف الكثير من النظم العربية وعلى رأسهم مصر، من الحكومة المركزية في الخرطوم، لأن هذا الموقف (المتمسك بالحاكم الحالي للسودان الذي يهمش بقية السودان لصالح شماله) لا يمت لمصالح مجمل العرب بأي صلة، حيث أن الأمر يقود إلى التقسيم بلا ريب! إن من يقود الأقاليم التي تُدعى "دول" في المناطق النائية عن العواصم أو المدن الحضارية الكبرى، لهي العصبية ومن هم أقوى سلطة أو أكثر عشيرة، وتعمل تلك الأماكن على إنفاذ القانون بأساليبها الخاصة. فتتكلم النظم في المنطقة منذ إستقلالها ضد الثأر وجرائم الشرف مثلاً، على أساس أنها تعالج تلك الظواهر، فنفاجأ، بأنها مازالت تقبع على قلوبنا، بل وتنفجر في وجوهنا بأبشع الصور، وهو ما يدل على فشل الدول أو عدم رغبتها في أن تكون دول، بانفاذ هيبتها في تلك المناطق وإعمال التقدم والوعي في فكر مواطنيها!!

إن مركزية دور السلطة رغم ديمقراطيتها، لم يحدث في الكيانات العربية في أغلبها. والغريب، أن هذا حدث في إسرائيل، التي يواجهها أغلب العرب منذ نشوئها، ورغم مالها في قلب العرب من مكانة متدنية وهو أمر مفهوم نتيجة لما تقوم به من إحتلال وقهر للفلسطينيين. إلا أن الحقيقة أنها الوحيدة على الأغلب، في المنطقة، التي أقامت الدولة المركزية بمعناها النظري، ناقلة إياه إلى الواقع العملي!! ففي أحد أيام شهر يونيو سنة 1948 دخلت سفينة تدعى "ألتالينا Altalena" بالقرب من ميناء تل أبيب، محملة بأسلحة تقدر وقتها بـ 153 مليون فرنك فرنسي، وعدد غير قليل من الرجال التابعين لعصابة الإرجون التابعة لمناحم بيجن. وقد أمر وقتها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بن جوريون، مناحم بيجن بألا يدخل تلك السفينة ويفرغ سلاحها أو رجالها في إسرائيل، لأنه لا يوجد في إسرائيل غير جيش واحد فقط وسلطة واحدة، وأن زمن العصابات قد إنتهى، لصالح الدولة الواحدة المركزية! فلم يطع مناحم بيجن الأمر، مما حدا ببن جوريون بأن أمر "يجال يادين"، أحد ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي، بضرب السفينة وإغراقها وهو ما حدث بالفعل، مما أدى إلى قتل الكثير من الإسرائيليين على أيدي إسرائيليين مثلهم في أوج حرب فلسطين بين إسرائيل والجيوش العربية، وسُجن الأحياء المتبقين من مئات الرجال المنتمين إلى عصابة الأرجون الإسرائيليون، وأُتلفت الأسلحة التي كانت على متن السفينة وغرقت معها! هذا كان عمل في سبيل إنتصار فكرة الدولة! كان عمل حاسم ووحشي، ولكن كان الهدف في النهاية أن تترسخ الدولة وألا يوجد أي جيش أو ميليشيا موازية فيها أو أي سلطة أخرى غير سلطتها، وإن كانت ديمقراطية فيها التداول السلمي للسلطة وفقا لصندوق الإنتخابات! فهل هذا ضمن أسباب سطوة إسرائيل في المنطقة وضعف المنظومة العربية؟!

لقد ظهرت فكرة الدولة للمرة الأولى كما نعرفها اليوم، بعيداً عن فكرة الإمبراطوريات المترامية الأطراف، في إتفاقية صُلح سلام وستفاليا سنة 1648، الذي سُمي هكذا، نسبة لإقليم بهذا الأسم بألمانيا المعاصرة. وعن هذا الإتفاق، ظهرت الدولة وسيادتها وإحترام حدودها ومبدأ التعايش السلمي بها وبين دول القارة الأوروبية وإحترام المصالح المتبادلة. وكانت تلك المعاهدة هي نقطة إنطلاق لمعاهدات أخرى أدت إلى ترسيخ فكرة الدولة بشكل تطورت معه، حتى صارت إلى ما صارت عليه في الغرب اليوم من رقي، بغض النظر عن الإستثناءات التي قد تظهر في بعض الأحيان!

تحن لم نبلغ بعد تلك المرحلة التي تُحترم فيها سيادة الدولة ومركزية سلطتها، لذا يحدث من وقت إلى آخر مشاكل وأزمات ومعضلات في العلاقات سواء في داخل الدولة بين أفرادها ومواطنيها، أو في خارج الدولة بينها وبين دولة أو دول أخرى. وما تلك الأحداث التي تحدث بداخلها من فوضى إلا دليل على ذلك، وإن كان الأمن يواجه تلك الفوضى، فاته يفعل هذا حماية لنظام حكم وليس صيانة للدولة، التي لا وجدود لها في الأصل!!

إن فكرة الدولة تتمثل ضمن أشياء أخرى، في وجود سيادة للقانون على الجميع على حدٍ سواء، في ظل وجود سلطة مركزية "أمنية" واحدة، لا يمكن تحديها، وإن كانت الدولة ديمقراطية غير مركزية من حيث نظامها السياسي! فالقانون يطبق على الجميع والعلاقات بين الدولة وغيرها تحميها إحترام المصالح المتبادلة وحل المنازعات بينها بالطرق السلمية وليس بجحافل البربر الذين يجرون وراء المواطنين العزل في الشوارع أو باغتيال رئيس وزراء دولة أخرى بتفجير دموي لوجود إختلاف في الرؤى!!

إن الدولة العربية "المدنية" غائبة، بل هي لم تقم بعد، وحين تقوم مُعبرة عن التطور الحقيقي في الفكر السياسي والقانوني المعاصر، سيصان الأفراد فيها ويشعروا بمظلتها لهم في خارجها أيضاً، محترمين إياها ولو عارضوا سياسة النظم فيها، وستختفي أكثر المشكلات التي تواجهها "النُظم" العربية اليوم، في الداخل أو في الخارج!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها