الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأول من أيّار في فرنسا عيد مزدوج: عيد العمال العالمي وعيد زنبقة الوديان

رابحة مجيد الناشئ

2010 / 5 / 7
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


يتباهى الشعب الفرنسي بخلقه للأعياد....أعياد كثيرة، متنوعة ومتباينة من حيث الشكل والمضمون. فبالإضافة للأعياد الوطنية والعالمية والعائلية، هناك الأعياد الخاصة بالمهن المختلفة واعياد الجيرة وميلاد الحيوانات بانواعها، واعياداً خاصة بالحدائق والنباتات والأزهار، كالإحتفال بتواريخ إنباتها أو بدءِ إعطائها للثمار أو تفتح أزهارها....إلى غير ذلك من القرائن التي يختارها المحتفلون. وهكذا يعطون لكل شيء قيمة ويحاولون تعميقها وذلك بتكرارها والإحتفال بها.
ومن الأزهار التي يحبها ويعتز بها الفرنسيون ويحتفلون بها في الأول من أيار من كل عام، هي أزهار اﻟﻣﻴﮕﺔ Le Muguet ، وهي ورود صغيرة الحجم بيضاء اللون وعلى شكلِ أجراس وهي من فصيلة الزنبقيات وفي الأصل كانت تنمو في الوديان لذا تسمى زنبقة الوديان. ومنذ عقود، بل منذ عصور وزنبقة الوادي هي الزهرة الأكثر رمزيةً، وهي تَفتُن كل من تُهدى إليه. والكثير من الفرنسيين يسندونَ لها خاصية القدرة على جلب الحظ والسعادة ( زهرة طلسم ).
زهرتنا هذه أصلها آسيوي وتحديداً من اليابان، إلا أنها سجلت حُضوراً في فرنسا وفي باقي الدول الاوربية منذ العصر الوسيط، وأصبحت منذ ذلك الوقت تقليداً في المجتمع الفرنسي يقتضي إهداء غصناً من زنبق الوادي للأحبة والاقارب والاصدقاء. والإهداء في الغالب يكون من قبل الذكور للاناث.
ولهذا التقليد قصة قديمة تعود إلى عصر النهضة وبشكلٍ أدق إلى الملك شارل التاسع الذي إستلم في الأول من أيار عام 1561 باقة من هذه الزهور الجميلة كهدية ….ويبدو ان الملك كان سعيداً بهذه الهدية، حيث قررَ أن يهديها بدورهِ وفي الأول من أيار من كل عام إلى كل نساء البلاط الملكي بهدف جلب البهجة والحظ السعيد لهن. وبفضل هذا الفعل الملكي ترسخ هذا التقليد في فرنسا وأصبح عيداً يُحتفى به كل عام، وعلى الأخص عندما تعدى هذا التقليد ساكني القصور وأصبح ممارساً من قبل العمال والفلاحين وكافة فئات المجتمع الفرنسي.
وارتبطت زنبقة الوادي بعيد العمال العالمي....وبمرور الزمن أصبحت رمزاً له. ففي الأول من أيار من كل عام نرى هذه الزهور في الأسواق وفي البيوت، يحملها الصغار والكبار والنساء والرجال، الأغنياء منهم والفقراء.
ومن تقاليد هذا العيد كذلك، ان الطلاب يبيعون هذه الأزهار في الشوارع...ومن بيت إلى بيت يطرقون الأبواب لبيع هذه الزهور من أجل جمع الأموال التي يمنحونها بعد ذلك للنقابات وللمنظمات المدافعة عن حقوق العمال.
ويجد عيد العمال العالمي أُصوله في المؤتمر التأسيسي للأممية الثانية والمنعقد في باريس عام 1889، وذلك للإحتفال بالذكرى المئوية للثورة الفرنسية، حيث قرر المجتمعون أن يكون الأول من أيار عيداً ويوماً للتضامن مع العمال في العالم من أجل مواصلة الدفاع عن حقوقهم في الحياة الكريمة. كما تقرر أن تبدأ الاحتفالات بيوم العمال العالمي في الأول من أيار عام 1890.
ان هذا التاريخ قد أُختيرَ من قبل المؤتمرين تكريماً وتخليداً لذكرى شهداء الحركة العمالية في أحداث شيكاغو لسنة 1886. حيث شارك حوالي 400.000 عامل وحرفي في تظاهرات حاشدة وإضرابات شلت حركة الكثير من المصانع، وكان شعار المضربين والمتظاهرين : ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والإستمتاع. ولم يَرق للسلطات وأصحاب المعامل النجاحات التي أحرزها العمال ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً منهم، ثم لفقت لهم التهم في تفجير قُتِلَ فيه 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحكم على البعض منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لفترات مُتفاوتة. إلا أن الحقيقة ظهرت بعد سنوات بفضل إعتراف أحد عناصر الشرطة الذي أكد على ان تفجير القنبلة كان من قبل عناصر الشرطة أنفسهم من أجل إخماد إنتفاضة العمال والحد من إنتصاراتهم.
وهكذا بدأ العمال في فرنسا بالإحتفال بعيدهم في الأول من أيّار 1890، ثم إنتقل ذلك إلى الدول الأوربية الأخرى، ومن ثم إلى مختلف دول العالم.
ومن الجدير بالذكر ان المتظاهرين المحتفلين بعيد العمال في باريس عام 1890 كانو يرتدون ربطة عنق حمراء على شكل مثلث يرمز لمطالب العمال الثلاثية: 8 ساعات عمل، 8 ساعات نوم، 8 ساعات للراحة والإستمتاع. هذه العلامة > عُوِّضَت بالتدريج بغصن من زهور اﻟﻣﻴﮕﺔ ـ زنبقة الوادي ـ المعقود بشريط أحمر. ومنذ سنة 1907 أُعتبرت زنبقة الوادي هذهِ رمزاً ليوم العمال والتصقت به إلى يومنا هذا.
وبعيداً عن الإعتقادات العاطفية بالقدرة السحرية لهذه الزهرة الجميلة، فانها كانت ولم تزل رمزاً للتجديد وللجمال والتواصل مع الربيع. وباتحادها بعيد العمال العالمي ، إرتبطت زنبقة الوديان بالنضال والتضحية والحب والإبداع والتجديد، حتى أنها أصبحت بعلاقة حميمية مع قوافي الشعراء ومنبعاً للإلهام.
هذا الإلتحام والإرتباط الرمزي بين هذهِ اﻟزنبقة وعيد العمال العالمي نجده منطقياً: زهرة اﻟﻣﻴﮕﺔ الجميلة تعطي لعيد العمال ربيعاً متجدداً ويضيف عيد العمال, لها رونقاً وبهاءً، ويمنحها ديمومة أُممية.

وهذه ترجمة لبعض الأبيات الشعرية لشاعر فرنسي يصف العلاقة ما بين الإثنين:

تعالوا نغنيﻟﻟﻣﻴﮕﺔ
لدوّارة اﻟﻣﻴﮕﺔ
الجميلة المتغنجة
هلموا نغني للربيع
للأزهار المشمسة
لوصول اﻟﻣﻴﮕﺔ
والأول من أيّار
الزهور والقوافي ….لا شيء أكثر جمالاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام