الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب والبسطاء .. كيفية التواصل ( 1 )

أحمد الخيّال

2010 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


برغم ما يحمله التوصيف من دلالة استعلائية ولو كانت ثقافية لا طبقية إلا ان معطيات الواقع تجبرنا على التعاطي مع حقيقة وجود هؤلاء كفئة معزولة عن مصادر المعرفة إختيارا او قسرا او تغييبا ..
الغالبية الساحقة من المصريين.. كبسطاء.. أو رجل الشارع العادي كما يطلق عليه الإصطلاح الأكاديمي.. تلك الجموع المسحوقة والنازفة ما بين سنديان الفقر والجهل وسندان الفساد والسلطوية كيف السبيل الى الوصول اليها ؟

كيف يمكن لنا انهاء تلك القطيعة المرعبة ما بين الجماهير ومفكريها ؟

كيف نبدد هذا المناخ المتجذر السائد من عدم الثقة .. المتبادلة أحيانا ؟

هل يستطيع ( او يرغب ) مثقفو ذلك الوطن ان يبتكروا وسائل شعبية بسيطة ناجحة يمكنها ان تؤثر في وعي البسطاء وتدفعهم للتغيير بمعزل عن اية دعاوي دينية او أيدلوجية ؟

دعونا نفكر معا ....
واعتقد انه من الهامّ قبل ان اقوم بمحاولة تقديم ما اتصوره اجابات لتلك الأسئلة ان اقوم بتوضيح المقصود من مفهومي المثقف والبسطاء من وجهة نظري الشخصية على الأقل ..

المثقف الحقيقي ( الإيجابي ) :
اعني به ما هو اكثر من المتعلم او القاريء او حتى الواعي بما يحدث حوله من احداث، وبرغم انه لا توجد هناك اية ضرورة حتمية لتلازم صفتي الوعي بالإرادة او الرغبة فضلا عن القدرة على التغيير فان الصفة الفارقة بالفعل كما اراها هي ( نتاج ) هذا المثقف نوعا وكمّا سواء نحو مجتمعه ( الآخر ) او حتى نحو نفسه بوصفه منفعلا بذات الوقت .
التعليم .. الثقافة العلمية او الإنسانية أو .. أو .. كلها مكتسبات وصفات قد يشترك فيها كل أفراد فئة او نخبة او تيار او حتى مجتمع محدود ما لكن المعيار والمحك هنا يكون في طبيعة مصدر تلك المعرفة وشكل علاقتها بالوعي الفردي ثم اخيرا الصورة التي يتم التعبير بها عن كل ذلك سواء في صورة خطاب فكري او فعل بأرض الواقع .
من وجهة نظري .. اي معرفة هي ضرورية ومطلوبة .. ولكن وحدها المعرفة وثيقة الصلة بالواقع ومتطلباته هي ما تنتج مثقفا حقيقيا بينما يكون ( الوعي الفاعل ) هو ما يعوّل عليه في سبيل التنوير والتغيير، وهنا انا اتعاطى مع الوعي من خلال مفهومه الأكثر بساطة وشمولا من حيث هو إدراك بصرف نظر عن وسيلة الإدخال للعقل ماديّة كانت او مجردة .

البسطاء :
جرت العادة ان يخلط بعض الخطاب الثقافي ( او الذي يدعي ) ما بين البسطاء والفقراء وكأن تدني الحالة المادية او مستوى المعيشة هي مترادف حتمي ومجاني للغباء او الجهل بينما تكون هناك علاقة طردية ما بين تحسن احوال المعيشة وما بين منسوب الوعي ( وليس التعليم ) وهذا خطأ فاحش لا يشي فقط بنظرة سطحية مبتسرة بل ايضا بتقنين وضعية مغلوطة وتظلم فئات واسعة من الشعوب كل خطيئتها انها لا تنتمي لألق الطبقة المخملية .
من تلك الزاوية .. ربما تكمن المفارقة المدهشة في انني ارى الأمر من زاوية عكسية تماما .. اي ان المثقف الحقيقي غالبا ( ربما ) يجب ان يكون منتميا ومنحازا للفئة الغالبة من الشعب اي البسيطة ظاهريا والمعقدة والحبلى بلامنتهى تساؤلات وتطلعات واحلام في جوهرها وهي نفس الفئة المعنية بالتغيير وتسعى اليه من اجل تحسين اوضاعها سواء عن طريق استرداد حقوق ضائعة او سعيا وراء المزيد منها عن طريق سيادة مفاهيم جمعية تضمن ذلك وتحمي تطبيقه ...
حسنا .. نغالب غواية الاستماع الى الحديث الطبقي الثوري الآن ونعود لصلب الموضوع لنطرح التساؤل التالي :
مادمت أدعي ان الطبقة التي توصف بانها بسيطة ليست كذلك بل هي المعنية بالتغيير ليس فقط كمنفعل بل كفاعل ايضا فمن هم هؤلاء البسطاء الذين اعنيهم ؟
اعني بهم بعض افراد تلك الطبقة المسحوقة ( إجتماعيا ) وبعض افراد الطبقات الأخرى اي ان المعيار هنا هو الوعي من حيث هو غائب او مغيب والإرادة من حيث هي سلبية وفقدان للرغبة او القدرة .. الوعي الفردي بالأساس .. فالوعي الجمعي ليس كائنا مفارقا اسطوريا دون مكونات هي من تكسبه معناه وهويته .
وهنا سوف تبرز المفارقة الثانية فورا وهي انه من خلال تلك الزاوية سنجد ان نشر القيم التنويرية الإيجابية وروح التغيير ستكون مهمة صعبة في الطبقات الأعلى او التي لا تجد معاناة ملموسة في سبيل البقاء بل غالبا ما ستواجه بمقاومة ( ولو سلبية عن طريق عدم التوحد ) نظرا لان التغيير قد يهدد مصالحها المكتسبة او حتى ارتكانها على الموجود والممكن والمتاح، اقول صعبة وليست مستحيلة وذلك قياسا على صلاحية إندلاع اشد الأفكار الثورية ( تطرفا حتى ) ما بين افراد الطبقات الأدنى إجتماعيا نظرا لأنها طبقات تسعى بطبيعة حالها غير العادل الى التغيير واسترداد حقوقها المسلوبة ومن هنا جائت فكرة ضرورة التزاوج ما بين التنوير والإصلاح السياسي والإجتماعي من وجهة نظري ولكن لهذا قصة أخرى ....

بقيت الإشارة الى ان ما يقف كحجر عثرة امام تحقق هذا السيناريو ( غير الحالم ) هو حقيقة تمسك الطبقات الدنيا بالدين ( ظاهريا فقط من وجهة نظري ) بينما تكون الطبقات الأعلى عادة اكثر تقبلا لنظرة متسامحة للدين هي انعكاس لعدم وجود معاناة حقيقية بالواقع المعاش، وهنا انا اعني بمفهوم الدين ذلك الخطاب الموتور والمهووس الذي يتفنن في إقصاء الآخر ونفي الذات على جدران المقدس ووعده الآخروي التعويضي عن عناء الدنيا بوصفها دار زوال .
كلنا قادرون على انتاج اعظم الكلمات .. ولكن !

هناك مقولة سيكولوجية يتم تطبيقها على نطاق اوسع بالمجالات التربوية تتلخص في انك كي تستطيع ان تنجح في منع شخصا ما من ممارسة سلوك معين او تقنعه بذلك عليك اولا بتوفير البديل المشبع او الكاف له قبل ان تبدأ في ممارسة هذا التغيير الموجه ..
بالمقابل وبقليل من التعديل يمكننا ان نسقط تلك الفكرة على مجتمعات بأسرها وجدلية علاقاتها مع مثقفيها وقضاياها المصيرية وأهمها بالطبع التنوير .

يثبت التاريخ وتفاصيل الواقع ايضا ان الإنسان ينزح دوما ولو بصورة غير واعية نحو التمسك بالأفكار التي تمت تجربتها وثبت كونها تمنحه فائدة ما مادية او معنوية .. تلك الأفكار بجانب إنتاجها تلقفتها وأطرتها المؤسسات الرجعية سواء الدينية او السياسية لتتخذ منها ذريعة للتحكم في المصائر وايضا إسباغا لقداسة ذاتية وتحصين ضد النقد المتوقع ..
بمرور الوقت وتراكم الخبرات تتحول تلك المؤسسات وما تطلقه من مقولات وافكار الى جزء لا يتجزء من الوعي ذاته وطريقة نظرته للعالم وايضا لنفسه ..
وبالتالي تتحول إشكالية التغيير الى جهد شاق تواجهه لامنتهى عقبات وردات فعل رافضة كونها تنبع من ذوات تدافع ( او بالأحرى تتوهم ) عن وجودها وانساقها الفكرية والحياتية ..

بسبب كل هذا وغيره الكثير .. تكون الفرصة المثالية لاقتناص النجاح هي ان يكون التغيير ملموسا وينعكس على الحياة الواقعية للأفراد والمجتمعات أي ان يخضع للتجربة ويحمل برهانه معه ليشهره بوجه كل مد رجعي او مناهض للتغيير بينما ستبقى اطروحات التنوير والتطور مهما بلغت من الكمال حبيسة لعنة التنظير وخاضعة للشعور المتبادل من عدم الثقة ما بين طرفي النقيض .

وهنا بالطبع سوف يبرز السؤال الأهم :
وكيف يمكن لنا كفئات مطاردة محاصرة ومنبوذة ليس فقط شعبيا بل وسلطويا ان ننتج آليات ومناهج ليست فقط صحيحة بل وايضا قابلة للتحقق بالواقع المعاش !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل: مظاهرات عارمة في شوارع تل أبيب للمطالبة بالإفراج عن


.. شاهد فيديو جميل لـ-قمر الزَهْرة- يضيء سماء لاس فيغاس




.. القصف والغارات تطرد النحل من صناديقه في جنوبي لبنان


.. شاحنات مساعدات تبدأ دخول غزة عبر معبر كرم أبو سالم| #الظهيرة




.. ما أبرز التطورات الميدانية للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة؟