الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيف المصير

فراس جابر

2010 / 5 / 8
القضية الفلسطينية


كيف نقرر مصائرنا؟ السؤال حول تقرير مصير يؤرق مجتمعات وشعوب بأكملها، وهو كذلك بالمعنى الذاتي للكثيرين منا، كيف لا وهو السؤال حول مصير شخص ومستقبله وما يتركه خلفه من أرث (مع الفرق بين الإرث وما يعنيه لكل واحد منا، ودون الخوض بتأثير ارثنا الشخصي على الآخرين أحياناً بدءاً بالدائرة المحيطة أو المجتمع ككل). هل الفعل يقرر ويحدد مصير الشخص، أم أن هنالك مجموعة من العوامل التي قد تسهم في هذا التقرير، مثل البيئة الطبيعية والمادية التي ينشأ بها، والفرص الحقيقية المتاحة من أجل تقرير ذلك، بما يشمل وعي الفرد نفسه وتطوره من خلال التجارب المتحققة في جو تعلمي وتطوري. تقرير المصير لا يعني بالضرورة تحقيقه، لأن ذلك يتطلب تظافر أسباب أخرى للوصول إلى ذلك الهدف، ومرة أخرى نجد منها ما هو ذاتي وأخر موضوعي – خارجي، ورغم هذا نجد في كثير من الأحيان أن الإجابة على هذا السؤال المؤرق قد لا يجاب عليه مطلقاً أو يجاب عليه بجزئيات، تشكل جائزة ترضية.

قد لا يعني تقرير المصير ومن ثم تحقيقه (إن جاز التعبير) سوى الفرد المعني، أو دائرة المحيطين، فكيف يكون الحال عندما يتعلق ذلك السؤال الثنائي بالمجتمع، وتحديداً المجتمع الفلسطيني، هل يعني ذلك تلقائياً إن الإجابة على هذا السؤال "الثنائي" يعني الجميع الفلسطيني. أمر مشكوك فيه بحكم واقعنا الحالي، بما أفرز من ظروف غاية في التعقيد، جعلت من مجرد التفكير في "تقرير المصير" أو كما سمي وطنياً بحق تقرير المصير أمراً مرهُق ذهنياً، رغم المحاولات المضنية التي بذلت من الأحزاب والأفراد والشعب نفسه للتمسك بهذا الحق، ويصبح حينها من ضروب المستحيل الانتقال إلى الشق الثاني المتمثل بتحقيق المصير نفسه، كيف يمكن لشعب أن يحقق مصيره، هل هي نتيجة محددة نرتاح بعدها للإجابة، أم هو سؤال متجدد تتجدد الإجابة ذاتها في كل مرحلة تاريخية.

تفكير إشكالي قد يسخر من مجرد الدخول في نقاش هذا الموضوع، لأننا لم نصل للحد الأدنى من توافر الشروط الموضوعية والذاتية لتقرير المصير، بما يعنيه هذا -على الأقل في حالتنا- من القدرة المستقلة على تقرير مستقبلنا دون وجود "عوائق" وخاصة وجود الاحتلال، بما هو إلغاء من القدرة المستقلة للشعب، وقد يجادل تفكير أخر أن شعوب اليوم لا تقرر مصائرها في ظل علاقات العولمة، بما تعنيه من تداخلات تلغي أو تقلل على الأقل من وجود قدرة بذاتها مترافقة مع "استقلالية"، ولكن هذا لا يلغي على الأقل وجود شرط واحد متحقق لهذه الشعوب، وهو الاستقلال بمعناه الوطني والسياسي والاقتصادي، وصولاً لحالة امتلاك الشعب لهذا الحق في تقرير مصيره، ومن ثم سواء أهدره أم أتقنه، نجح فيه، يبقى سؤالاً أخر يخضع للواقع المتجدد ذاته.

مطالبتنا التاريخية بحق تقرير المصير أمر محق وعادل، ففي ظل تمتع شعوب ومجتمعات الأرض بهذا الحق فلماذا لا نتمتع به نحن أيضاً، وحيث نناضل في سبيل ذلك في خضم التحولات، سرعان مع فقدت المطالبة بريقها، وبقي الحق، وأصبحت المطالبة من الألوان الرمادية، وفقدنا في الطريق ذلك العقل الجمعي الذي عمل لعقود طويلة على توجيه نضالات الشعب الفلسطيني تجاه المطالبة، بل والسعي نحو حق تقرير المصير، فقدان ذلك العقل الجمعي لم يحل مكانه عقل مؤسسي متمثل بشكل "دولة" تحتكر طريقة تطبيق هذا الحق، وبقيت محاولات التطبيق غير منظمة بالمعنى الجمعي، وانتقلنا إلى مرحلة أخرى تتمثل بالسعي الفردي لتقرير المصير من أجل تحقيقه، وهذا السعي المحمود لم يترافق مع مشاركة الفرد للآخرين في السعي لتقرير المصير. بما يعني من حصيلة تشير إلى تفتت ذهنية التفكير الجمعي وتشظيها لمحاولات فردية، في ظل واقع يستلزم وجود أدوات عمل جماعية.

النقاش ليس حول تحقيق الذاتية مقابل تحقيق الجماعية، بل السؤال هو إمكانية تحقيق الفردية أولاً عبر تحقيق الجماعية، تلك الجماعية المتفقة على فكرة الحرية المطلقة للإنسان في حدود احترام "الأخلاقيات" الإنسانية، فتقابلية الثنائية أو التناقض بين فكرة وأخرى، لها ما يبررها في مناهج التفكير المختلفة، ولكن وحالنا هذا، يصبح أمراً من الترف مجرد الدخول في ثنائيات متضادة، عوضاً عن مناقشة "جدليات" التكامل المجتمعي. هذا النمط من التفكير يقودني إلى مقاربته مع أطروحة تسود حالياً المجتمع الفلسطيني، وهي نقاش إقامة الدولة من خلال إقامة المؤسسات المؤدية لذلك (حيث تصبح البنية الناشئة أيضاً مقيدة، وغير ذي قدرة على تقرير مصيرها، وإعطاء الناس حق تقرير مصيرهم)، في تجاوز مهم لعدة قضايا وأولويات مؤسسة لهذا الطرح، التجاوز الأول؛ التخطي "الظالم" لحقيقة ونضال الشعب الفلسطيني، الذي لم يتوقف تاريخياً لإقامة مؤسساته، وتطوير مجتمعه، ودفع ثمن نضالاته، سعياً منه للوصول لحق تقرير المصير، ومراجعة سريعة لتاريخنا الحديث تكشف ذلك بسهولة. إذا تقول هذه الأطروحة، أننا لم نعمل بالاتجاه الصحيح لعقود، أو أن العمل في هذه المرحلة التاريخية نتيجة الظرف المحيطة يجب أن يأخذ هذا الشكل في السعي لتقرير المصير (بما معناه أن تصحيح وتصويت، والانقلاب الجذري على منهج العمل السابق، صواب في ظل أن الواقع المتغير، يفترض تغيير أدوات وأساليب العمل، بل والهدف ذاته، والأيام تقترب من الحكم على ذلك).

إذاً هذا يوصلني إلى التجاوز الثاني، والمتمثل ببساطة أن هذه الأطروحة تتجاوز عملية تمكين الشعب من حق تقرير المصير إلى تحقيق المصير ذاته، دون المرور بإنهاء العوائق المادية والسياسية التي منعت وما زالت تمنع حق تقرير المصير من خلال التحرر والتخلص الكامل من الاحتلال. ويصبح حينها تحقيق المصير في ظل وجود الاحتلال (كما في حالتنا) تغييراً جذرياً في قواعد ممارسة الشعوب لحق تقرير مصيرها. فهل أخيراً في ظل غياب عقل جمعي، وغياب "دولة" تحتكر كيفية تفسير تقرير المصير، وانهماك الإفراد في الإجابة على مشاكلهم الذاتية، يمكن لأطروحة تصل بالمجتمع الفلسطيني في ظروفه الحالية إلى تحقيق مصيره، أو حتى إلى تمكينه من حق تقرير مصيره؟!

نعود للسؤال الأول؛ كيف يمكن أن نحقق مصائرنا؟ بما أن الإجابة هي جماعية، فهي تفترض جهداً جمعياً، سواء تمثل في وجود إجماع وطني، أو عبر شكل ديمقراطي نزيه في اختيار منهج العمل للوصول إلى الإجابة، وهذا ما ينقلني إلى الجدل المثار حول المقاومة، فهل المقاومة هي مسلحة، أم شعبية، أم شعبية سلمية، أو لا مقاومة على الإطلاق، حينها يصبح السؤال مناقضاً للهدف الذي نريده، فمضمون حق تقرير المصير يتضمن الإجابة حول المنهج الذي ينطلق من رؤية واضحة، ويسعى لمختلف الأدوات والاستراتيجيات لتحقيق الهدف، كما أن أي قراءة علمية لتاريخ ونضال الشعوب توضح الإجابة.

نعود للتفكير الإشكالي، فقراءة نفس التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني تقود إلى إجابة مفادها، أن حجم النضالات والجهد والعمل المبذول لا يتناسب مع النتائج المتحققة، وبالتالي فأن الوصول لاستنتاج مفاده، أن منهج عمل جديد هو أمر مطلوب في ظل تقييم المنهج/ المناهج السابق/ة، بما يضمن التجديد في المنهج لتحقيق الهدف الأساس، وليس تجاوز الأهداف وإدعاء ضرورة تغيير المنهج.
يكمن التعلم في القدرة على اكتساب المعارف والمهارات والتجارب من خلال خبرات وتجارب ومعارف الآخرين، فهل تعلمنا من تجارب وخبرات الشعوب الأخرى، أو حتى تعلمنا من تجاربنا، والمقصود هنا ليس فقط التعلم من العوامل الذاتية، بل أيضاً الموضوعية لقراءة وتحليل العدو، وهل يرتبط ما راكمناه من قدرات وخبرات في منهج تحليل علمي وتاريخي؟ أم أن القصور لا زال متكرراً في تحليل وصياغة التوجه والممارسات المطلوبة؟

تحليل مشكلة العقل الجمعي الفلسطيني جزء من محاولة الإجابة على المعضلة الحالية، وفهم لماذا وضعنا الحالي بهذا السوء، مفكر اجتماعي وصف تفاعل الشخص مع المجتمع وصولاً لصيغة وعي متكون "بالذات"، الذات تكتسب قيمة ذاتية وجمعية بنفس الوقت، أي أنها مجموع وعي الفرد وحصيلة تجاربه مع قضايا المجتمع والعلاقة بينهما في تعبير عن الوصول لمصالح الفرد والمجتمع المتحقق بطريقة تبادلية لا تضادية، تلك الذات الفاعلة في قضايا مجتمعها بما يمكنها من إدراك البعد الذاتي دون إهمال البعد الخارجي وأهمية الانخراط في عمل يفيد الأخير.

الوصول لحق تقرير المصير يتطلب منا نقد الماضي دون تجاوزه، التعلم من الحاضر دون الوقوع أسرى له، والتخطيط للمستقبل بعقل جمعي مستنير، يتجاوز على الأقل العوائق الذاتية وصولاً لمواجهة الخارجية/ الموضوعية، "فالذات" الفلسطينية الواعية تفعل بالموضوعي وتسعى للتغيير، دون الاكتفاء بالتفسير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟