الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 20 من رواية تصبحون على غزة

حبيب هنا

2010 / 5 / 8
الادب والفن


20
في ألمانيا تستقر دورة الحياة . الجاليات العربية التي على علاقات معه تؤم بيته عند المساء ، يسلمون عليه ويسألون عن الأهل في غزة ، كيف هم، وكيف يتدبرون أمرهم ؟ ما هي الأساليب التي يتحايلون فيها على الغلاء الفاحش وتدبير شؤون الحياة المعيشية ؟ كيف يتعايشون مع الاحتلال، وإلى متى ؟ أسئلة كثيرة تزيد الهموم ثقلاً وتهيّء التربة لانفلات العقل وتزيد من كثافة الغيوم التي تحجب الرؤيا .
وكيف يتعايشون مع الاحتلال وإلى متى ، يطن طنيناً موجعاً يصعب التماسك معه ؛ تجتاح كيانه موجة فريدة من الحزن والأسى تطفئ أضواء نصف حياته فيما النصف الأخر محصناً بمواتاة اللحظة المناسبة ، إنها ريتا التي ورثت عن أبيها اتزان التفكير عند شدائد الأمور ، التمسك بالعقل سليماً كي يحمي باقي أعضاء الجسم من الإصابة غير المتوقعة ، وحتى يتدخل في اللحظة المناسبة . وعن أمها، طاعة الزوج والتصرف معه بحكمة عندما يشتد به الغضب وتضيق في وجهه الدنيا ، تضيء أيامه في الليالي السوداء الحالكة ، وتقتسم معه غطاء السماء وافتراش الأرض عندما تعز النفس .
هذه هي ريتا المصنوعة من بقايا الاحتمالات وحكايات الأقدمين ، تنسج من جدائلها خيوط الأمل ومن فضلات الأطعمة وجبة صباحية طازجة ، تعيش اليوم وهي تفكر بالغد، وتحسب حساب المستقبل بكل احتمالاته المتقلبة ، تحلق في فضاءات لا يطأها إلا الباحثون ، وتغص في أعماق التربة بحثاً عن الجذور ، تداوي جراح الروح، وتشفيها من قروح التفكير، وتفتح مسالك الوصول إلى النهايات دون خوف من الخطوة الأولى ، نظرتها ثاقبة وعيناها مكحلة بطوابير اللاجئين الذين ساقتهم النكبة إلى حيث التشرد والضياع والاتكال على الآخرين ، تضع مصائرهم بين أيديهم ليقرروا ماذا يريدون : الدقيق المبعثر بين الأشواك، أم المصير المحمول على أسنة الرماح .
في الصباح ، كعادته ، يذهب إبراهيم إلى عمله ، يصطف الموظفون لاستقباله ، يهنئونه على العودة سالماً ، ثم يذهبون إلى مكاتبهم . تحضر له السكرتيرة القهوة ، يرتشفها بتلذذ اشتاق إليه ، يسألها فجأة : كيف كان العمل في غيابي ؟
- لم يتغير الانتاج . فقط تراكمت الأوراق التي بحاجة إلى توقيعك.
- أحضريها إذن ..
- قبل أن ترتاح، وتطلع بنفسك على سير العمل .
- نعم .
ذهبت سريعاً، ثم عادت، فيما كان إبراهيم ما يزال يرتشف القهوة بتلذذ .
- تفضل ، هذه هي ، لقد صنفتها تبعاً للأهمية والحاجة السريعة .
- لا بأس ..
وقبل أن تذهب استوقفها قائلاً :
- كم نحتاج من الوقت لتصفية الشركة ؟
لم ترد ، كانت بحاجة إلى استيضاح الأمر ، التأكد مما سمعت ، ولم يمهلها كثيراً ، طرح السؤال مجدداً :
- كم نحتاج من الوقت لتصفية الشركة ؟
وخيم الصمت ثقيلاً ، أجيالاً من المعاناة والانتظار . قطار الروح ما زال يسير على السكة رغم انحراف البوصلة عند المحطات الرئيسة ، والوقود المتبقي والمستكشف يكفي للسير حتى النهاية ودون توقف ، والأسئلة المهمة مؤجلة عند أبواب الحسم واللحظات المصيرية .
والصمت مازال مخيماً بانتظار توضيح لا بد منه كي تستقيم الأمور، والقهوة اللذيذة يرتشفها إبراهيم باشتهاء اشتاق إليه دهراً .
- لم افهم عليك ماذا تقصد ، كم نحتاج من الوقت لتصفية الشركة.
- أريد تصفيتها والعودة إلى فلسطين . وطني الأم أولى بجهدي وخبراتي لعلها تنفعه .
- وما فائدة النفع إذا لم يوفر لك الحماية المطلوبة ؟
- الحماية المطلوبة لها شروطها، ويجب على الجميع المساهمة في توفيرها ، إذ ما فائدة الانتماء إذا لم يكن بالأفعال، وتحمل مسؤولية المخاطرة، وتبعاتها على طريق الوصول إلى الأفضل .
- معك حق .
- إذن، كم نحتاج من الوقت؟
- ليس أقل من أربع إلي خمس سنوات ..
- هذا كثير .
- إذا لم تتريث ستبيعها بأقل من النصف ، وقد تغادر مثلما دخلت أول مرة ، صفر اليدين .
- لنباشر الإجراءات على نار هادئة ..
- مع مطلع الأسبوع القادم .
- لا بأس ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا