الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم أحمد

راوية رياض الصمادي

2010 / 5 / 8
الادب والفن


من مجموعتي القصصية

وقفت تلتقط عن الأرض المنشفة التي وقعت من سلة غسيلها، كان يوماً شاقاً لا يخلو من التعب والإجهاد المستمر، فهي دائمة العمل من أجل هذه الأسرة التي عملت لديها لمدة عشر سنوات متواصلة لم يكن هناك من ألم أو تعذيب بل كانت العائلة تحبها وتقدرها، إنها أم أحمد التي ما كانت يوماً تشكو من الألم أو أن تكذب بشأن عذابها المتواصل، كانت دائماً تتبني موقف المرأة التي تعتني وتهتم دون أن تنتظر من أحد أن يعتني بها أو يقول لها كلمة شكر، إنها أم بمقدار ما هي مدبرة منزل، ورغم ذلك فإن عائلة أبو سعيد ما كانت إلا لتعتني بها وترفه عنها من وقت لآخر رغم تلك السحابة من الحزن التي كانت تكسو وجهها وتعلن عن أحزان دفينة تستقر بقلبها، كانت صاحبة المنزل أعز صديقاتها فهي أمرأة مسنة تحب الجلوس في الحديقة، وبيدها قطعة من التطريز تدعى الكنفا، وكانت بعد أن ينتهي عمل أم أحمد تناديها وتجلس معها تحت أحد المقاعد في الحديقة التي تعبق بعبير الأزهار المختلفة الأصناف والتي أحضرها أبو سعيد من أوروبا ليزرعها في حديقته، جلست أم أحمد على أحد كراسي الحديقة عندما نادتها سيدتها لتجلس معها ليثرثرو في أحد المواضيع، وباغتت أم سعيد أم أحمد عندما قالت لها: " أنت تعملين لدينا منذ مدة طويلة يا أم أحمد وكلما جلسنا للحديث كنت أنتظر في كل يوم أن تحدثيني عن نفسك وعن عائلتك وعن ماضيك، وأعتقد بأنني إنتظرت هذا الحديث مدة عشر سنوات ومع ذلك لم أجد منك أي شئ يدل على حقيقتك، إنك أمرأة كتومة جداً يا أم أحمد" نظرت أم أحمد ووجدت نفسها محاصرة لأول مرة في حياتها منذ أكثر من عشر سنوات لم يهتم أحد بها أو يهتم لما تكنه من مشاعر، حتى مشاعرها لم يجرأ أحد أن يهتم بها وها هي تجد سيدتها تهتم بكل صدق بها، رفعت رأسها لتقول بشكل غريب: "أنت تعلمين يا سيدتي بأنني لا أحب الحديث عن نفسي، وكنت أتسائل دائماً هل حقاً بأن حياتي مهمة لدرجة أن أثرثر بها، حياتي لا يوجد بها ما يثير الفضول إنها قصة عادية جداً".

نظرت أم سعيد بعين خبيرة أكتسبتها من هذه الدنيا، نظرة فيها من الحكمة والحنكة أضفت على عينيها بريقاً من الذكاء وقالت ببتسامة ممزوجة بمكر "أعتقد يا أم أحمد بأن حياتك التي عشتها تحمل من الإثارة ما يجعلني أعتقد بأن صمتك طوال هذه المدة يكمن خلفه سراً غامض وكبير"، أرتبكت أم أحمد هل أحست سيدتها بأنها تخفي شئ فهي جاهدت طوال العشر سنوات التي مضت بأن تخفي ذلك الأمر لا يعقل بمجرد الحديث البسيط هذا، أن تكشف عن نفسها هذا قد يكون أغبي ما قد تفعله ونظرت أم أحمد إليها بتحد وقالت "سر! ما هذا السر الذي قد أخفيه عنك يا سيدتي طوال هذه المدة" قالت أم سعيد: "أنت من تخفي هذا يا أحمد وليس أنا! وطريقتك في الدفاع عن نفسك تجعلني على يقين كامل الآن بأنك تخفين شئٍ ما" قالت أم أحمد "أنني أقسم ..... " فأسكتتها أم سعيد بحركة من يدها وقالت: "لا تقسمي أنني أعلم بأنكِ تخفين سراً عني وعن عائلتي، قلتيه أم لم تقوليه، أريدك أن تعلمي بأنني أعلم بأنك تخفين شيأً" وشعرت أم أحمد بالتهديد لأول مرة في حياتها ونظرت إلى سيدتها بقلق أكدت حقيقة ما كانت تشعر به سيدتها، "هل تريدين مني أن أترك العمل!"، فقالت أم سعيد وهي تشعر بالإنتصار "لا يوجد داعي لذلك يا أحمد فما دام ما تخفيه لا يتعلق بأسرتي، فأنا لا يضرني أن تخفي ما تكنيه، فأنت طوال هذه المدة لم نجد منك سوى الإخلاص في العمل وفي التعامل". وقفت أم أحمد تهم بالإبتعاد إلى المطبخ وهي تقول "أشكر عطفك سيدتي، وأرجو المعذرة فأنا سأذهب لأزيل الملابس عن المنشر".

أبتعدت أم أحمد وهي في قمة التوتر لقد كشفتها سيدتها بكل سهولة وهي التي أعتقدت بأنها قادرة على أن تكون كتومة، يظهر بأنها لم تكن كتومة بما يكفي ليكشف سلوكها بهذا الشكل المهين، وستسلمت لهذه الأفكار على أمل أن لا تثير سيدتها أسأله أخرى، وتحققت أمنيتها فبعد هذا الحديث بأيام عانت أم سعيد من ألم حاد في صدرها نقلت على إثره إلى المستشفي وبعدها بأيام توفيت، وما جاء بعد ذلك كان له أكبر الأثر على أن يقلب حياة أم أحمد، فقد باع أبو سعيد المنزل وستغنى عن خدمات أم أحمد وعادت أم أحمد إلى المنزلها حيث كانت تقطن، وللمصادفة العجيبة أن يتم في ذلك اليوم الذي تركت فيه المنزل أن ترتب غرفة أم سعيد، والمفاجئة التي جعلتها تتألم وتختنق وتموت من الرعب عندما مسكت إحدى الصناديق التي كانت توجد في غرفة الأحذية بالصدفة وتفتحه لتجد به صورة لها وهي خلف القضبان في قضية آداب، وما نشر عنها في الصحف قبل عشر سنوات على شكل قصاصات، وما جعلها تختنق هو معرفة سيدتها لهذا الموضوع طوال العشر سنوات التي مضت والتي فيها لم تقل لها أو تلمح من بعيد أو قريب بمعرفتها، ما جعلها أكثر أستغراباً بعد موت سيدتها، طلب منها أن تحضر الجلسة التي عقدت لتقسيم التركة، وبكت عندما علمت بأن سيدتها تركت لها مبلغاً محترماً لتعيل به نفسها، وحكم بالبرائة بعد هذه السنوات التي مضت، ورد إعتبار لها لما لحقها من ضرر جراء ما قضته في السجن ظلماً، وأكثر ما جعل أم أحمد تشعر به هو ما قالته لها سيدتها في وصية خاصة "إن القلق يجعلنا لا نثق بمن هم حولنا ولكننا إذا حاولنا أن نثق بالآخرين فقد نجد العون والمساعدة لتخطي ما يثقل صدورنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح