الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقائض الطائفية في سوريا

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 5 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لكل ظاهرة سماتها المميزة عن الظواهر الأخرى ، والطائفية السياسية كظاهرة شاذة ، لها سماتها التي تتناقض مع غيرها من الظواهر .
وأولى سمات الطائفية ، يتمثل في الاستبداد الذي تتقاسمه النظم الطائفية الفردية ، والنظم الأيدلوجية الشمولية ، فالاستبداد أياً كان نوعه ، سياسي أو عسكري ، هو السمة الملازمة للنظام الطائفي ، سواء كان نظاماً إقطاعياً أو برجوازياً ، أو كليهما معاً .
هذا الأخير ، أي الاستبداد ، يتناقض مع الديمقراطية التي هي من سمات النظم اللا طائفية ، التي لا يتداخل فيها العسكري بالسياسي ، ولا الفردي بالجماعي ، كما لا تصطدم علمانيتها بجدار الأغلبية ، ولا بتزييف الأقلية .
وتظهر حاجة النظام الطائفي للاستبداد، كلما طال أمده في السلطة، فلا يطيله سوى الاستبداد، وذلك عن طريق تحقيق مجموعة من النقاط التالية:
1- الحفاظ على السلطة وتثبيتها بأي ثمن.
2- قمع ومنع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التغيير .
3- رفض أي شكل من أشكال الحوار والتفاوض مع قوى المجتمع حول تغيير صيغة السلطة الراهنة .
4- رفض كل المسالك السياسية المؤدية إلى التداول السلمي .
5- الامتناع عن قاعدة المشاركة السياسية ، لتشمل المكونات الأخرى ( المكون الكردي) التي جرى تهميشها على مدى أربعة عقود .
6- عدم القبول بمنطق التعددية السياسية ، وكل مَن هو خارج عن سرب النظام .
فالقبول المبدئي بأي من تلك النقاط أعلاه ، لن يؤدي إلى التخفيف من غلواء الاستبداد ، بل سيفتح الأبواب واسعاً نحو البدء الفعلي بتفكيك هياكل الطائفية السياسية وقواعدها التي يرتكز عليها النظام .
لكن السؤال الموجب طرحه ، ما الذي يدفع النظم عادة نحو التطيف ؟ الإجابة تحتمل أكثر من تعليل .
التعليل الأول : يرتبط أشد الارتباط بالوزن السياسي الذي يتشكل النظام من خلاله ، والوزن إما أن يتحدد بأقلية مذهبية أو بأغلبية سياسية ، ولأن الأغلبية السياسية غير متوفرة بالحد الأدنى ، ولا تعدو كونها أغلبية صورية ( حزب البعث) فإن الوزن الذي يشكل النظام ، هو الأقلية المذهبية .
التعليل الثاني : عندما يكون النظام فردياً خالصاً ، فإن فرديته ، مثلما تدفعه إلى الاستبداد ، تدفعه أيضاً نحو التطيف حفاظاً على حالته تلك ، فما من ضامن لحماية فرديته ، إلا الالتجاء نحو الطائفة أولاً ، والطائفية تالياً ، وتجارب التاريخ البعيد ، تؤكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك ، ففردية رمسيس الثاني ( فرعون ) كانت فوق الوصف ،عندما لجأ إلى قومه وعائلته ليعينوه على طرد ونفي ( شعبه ) خصومه .
التعليل الثالث : أن ينتابه شعور أولي بالغبن والتهميش ، وهو شعور لا يفارقه سواء كان داخل السلطة أو خارجها .
التعليل الرابع : يتصل بالعلمانية ، ضعفها أو قوتها ، لكنها في حالة النظام الطائفي ، تغدو في أضعف مراحلها ، فلا تعدو كونها مجرد غطاء لستر ما يمكن ستره من عورات الفردية والمذهبية والطائفية ، دون أن يعني ذلك ، أن قوة العلمانية تنحصر لدى الأغلبية وتضعف لدى الأقلية ، ليس الأمر كذلك .
فالطائفية السياسية موجودة في سوريا قبل حلول نظام حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 ، وخير دليل على وجودها ، الدستور الذي غالباً ما يحصر قوانين الدولة والمجتمع بمرجعية الشريعة الإسلامية ، عدا عن تحديده القسري لدين رئيس الدولة ، لكنها مجرد إشكالية طائفية ، يمكن حلها والتخفيف منها عن طريق الممارسة الديمقراطية التي تتسع للجميع ، مثلما جرى من عام 1946 حتى العام 1958 ، وهي تفترق عن الطائفية الجذرية المعمول بها اليوم ، والتي لا تقبل بالحوار السياسي ولا بالتنافسية أو التشاركية في صنع القرار واتخاذه .
بكل الأحوال سواء كان النظام طائفياً أو شمولياً توليتارياً ، فإن سمة الاستبداد هي السمة الرائجة للأسباب المبينة أعلاه ، إلا أنها تبقى على تناقض تام مع سمة الديمقراطية التي لا يمكن أن تتحقق في ظل أجواء تعصف بها رياح الاستبداد الطائفي .
وثانيها ، سمة الفساد التي تكاد أن تتسم بها كل النظم الشمولية المستبدة على السواء ، والنظام الطائفي ليس بمنأى عنها ، طالما كان الاستبداد عموده الفقري .
ولا يخفى على أحد معدلات الفساد التي وصل إليها النظام في سوريا ، ومستوياته طالت السياسة والاقتصاد والإدارة والقضاء والتعليم ، الفساد بدوره ليس ناتجاً عن الاستبداد كما في الحالة السورية ، قدر ما هو ناتج عن الطائفية ، وإن بشكل غير مباشر ، علماً أن رؤوس الفساد لا تنحصر بطائفة بعينها ، لكنها تجتمع جميعاً تحت سقف النظام .
والفساد لا ينتج إلا في حالة انعدام النزاهة ، والأخيرة لا وجود لها في قاموس النظام إلا على المستوى النظري البحت ، أي حالها كحال العلمانية ، شكلاً لا مضموناً ، والسبب الذي يقف وراء انعدامها ، يتلخص في شيوع الاستبداد تارة والطائفية تارة أخرى .
وقد تعني النزاهة لدى النظم الديمقراطية، الشفافية أو العدالة، أما لدى النظم الطائفية الاستبدادية، فهي المقابل الوحيد للفساد، كونها على تناقض تام معه، فلا مجال لالتقائهما على أرضية واحدة.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام، إلى أن استشراء الفساد وغياب النزاعة، يساعد النظام على تحقيق الأهداف التالية:
1- إضعاف المؤسسات وإغراقها في الفساد ، لأن في ذلك اضغاف للمجتمع وقواه الحية .
2- التأسيس لمنظومة فساد لا تستثني أحداً إلا النظام، بما يعفيه من تهمة الفساد.
3- إظهار النظام بمظهر السلطة المكافحة لمنظومة الفساد التي برع في تأسيسها.
أخيراً ، إن ثلاثية الطائفية - الاستبداد - الفساد ، وما يقابلها على الجانب الآخر من ثلاثية العلمانية - الديمقراطية - النزاهة ، هو ما تحتاجه سوريا اليوم ، ولا يمكن المزاوجة بين سمات أي ثلاثية مع ما يقابلها في الثلاثية الأخرى ، فلا الديمقراطية تقبل العيش في كنف الفساد ، ولا الاستبداد يستطيع احتضان النزاهة ، وهو ما يقودنا إلى نتيجة واحدة ، وهي أننا بتنا أمام ثلاثيتين متناقضتين ، لا تقبلان القسمة ولا التجزيء على سمة دون أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طلب بتوسيع الموضوع
عساف دربولي ( 2010 / 5 / 8 - 19:36 )
الأستاذ المحترم ثائر بوركت يداك فأنت الاختصاصي الوحيد في سوريتنا الحبيبة والمختص بشؤون الطائفية وتشرحها وتفصلها موضوعية قل مثيلها. لكن حبذا لو توسعت في الموضوع وخصصت الحلقات القادمة من السلسلة إلى معالجة لب هذا القضايا كأن تحكي عن الطائفية من منظور تطييفي أو الطائفية والموطوف والمتطيف ذاتيا في ظل منحدرات قومية طائفية، جدل الطائفة وجدل الوطنية...أنتالأشد معرفة بذلك ولكن حبذا لو تنتبه لملاحظات يرى الشباب ضرورة معالجتها


2 - الطائفية العلوية لمصلحة إسرائيل1
المواطن العربي السوري الأصيل ( 2010 / 5 / 9 - 13:56 )
سيدي العزيز
في حديثك عن الطائفية و تخصصك في هذا المجال
لابد من التنويه إلى ان نظام حكم حافظ الأسد العلوي قد جاء لمصلحة إسرائيل و حمايتها من الحدود الشمالية للكيان الصهيوني الغاشم
بحيث ترى إسرائيل ان الحكم لدى الطائفة السنية في سورية يعتبر خطرا على وجودها بمجرد التفكير المستمر في مواجهة هذا الكيان عسكريا
الجميع يريد ان يقول بان أديب الشيشكلي كان ديكتاتوريا لكن في عهده كان السوريون يذهبون إلى بحيرة طبريا و يقنصون الإسرائيليين من هناك

الآن في حكم آل الأسد لم يسمحوا لأحد أن يذهب إلى بحيرة طبريا ويقنص الاسرائيليين من هناك
التغلغل العلوي في سورية من المصلحة الاسرائيلية رغم الاعلانات التلفزيونية و السياسية الكثيرة عن عدوانيتهم لإسرائيل
عندما قام ليبرمان بتهديد سورية بالحرب قام الكثير من الموظفين لنظام الحكم في سورية و حتى العطري بتهديد إسرائيل أيضا بالحرب
عندما ينظر الشخص العاقل إلى ناجي عطري رئيس الحكومة يعتقد أن هذا الشخص لا نفع له في هذا المنصب لا يملك القدرة على إصلاح أي شيء حتى
مؤسسة صغيرة في القطاع العام
وفي عهده ازداد الفساد و الفقر بشكل كبير
فكيف لشخص كهذا أن يهدد؟

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟