الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلاغة في المجال العربي بين العلم والدين

البشير النحلي

2010 / 5 / 9
الادب والفن


تندرج البلاغة القديمة في المجال العربي في سياق نشاط التوسيع المستمر للحدث القرآن- الذي كان محدودا في الزمان وفي المكان- دلالياً، وتصورياً، وخِطابياً، وتخيُّلياً، بما يقتضيه ذلك التوسيع من إعادةِ بناءٍ واستحسانٍ وتتميمٍ لذلك الحدث المؤسِّس الذي يبقى، بعبارة ليڤي ستروس، "قصراً إيديولوجياً مبتنىً بأنقاض خِطابات اجتماعية قديمة". لذا لا غرابة أن يكون خطاب البلاغي متمحوراً حول هذه الحدث العجيب: إلهٌ كُلِّيُّ القُدرة يُقاول ويُماتِنُ لغوياً قبائل العرب ليُرغمها على أن تتشكَّل مجتمعاً موحَّداً وموحِّداً قادراً على إعلاء كلمته. هكذا إذن يكون الخطاب البلاغي عنصراً صميماً من عناصر سيرورة دَيْنَنَةِ وتقديس الماضي الميثو-تاريخي للجماعات الإسلامية التي يرتبط بها وينتمي إليها. وإذا حصل أن الملفوظات الشفوية الأولى للخطاب النبوي قد كانت، تاريخياً واجتماعياً، موضوع تنازع شديد من طرف جماعات مختلفة تعرضت معتقداتها وعوالمها المقدسة للتسفيه ، فإن مرور الزمن سيجعل ذلك التنازع يتناقص إلى أن يختفي بفعل إجراءات إعادة البناء المستمرة للذاكرة وما ترتكز عليه من انتقاء واستبعاد وإعادة تركيب لوقائع التاريخ. صحيح أن الملحدة استمرَّ حضورهم في كتاب "الدلائل" لعبد القاهر الجرجاني، وفي "المفتاح" للسكاكي، وفي غيرهما؛ إلا أنه حضور أقل قوة من حضور الحليف الخصم الذي لا يدرك وجه الإعجاز الأضوأ لانحطاط ذوقه وتهاونه في تحصيل المعرفة التي تمكنه من ترقيته .
لقد كان الهاجس الأول لاستكمال نموِّ البلاغة في حقل الثقافة العربية إثبات دعوى إعجاز النص القرآني والكشف عن وجهه وإدراك مقاصده حسبما يظهر من أقوال البلاغيين ومباحثهم، بل ومن عناوين كتبهم. وكان أن رافق هذا الهاجسُ جميع البلاغيين على امتداد المسافة التاريخية والجغرافية التي انتشرت عليها هذه الجماعات "المسلمة" التي يُعلنون انتماءهم إليها وارتباطهم بها، رافقتهم حتى عندما اشتغلوا على خطابات بشرية غير معجزة، لأنهم إنما فعلوا ذلك لتتمكَّن بلاغاتهم من بناء أدواتها "لتتعمق أبعاد[النص المعجز] وتكشف أسراره وتثبت دلائله". من هنا نفهم لِمَ تعامل البلاغي مع الخطابات البشرية "غير المعجزة" تعاملا استعمالياً واستشهادياً، ولِمَ لَمْ تحضر في خطابه إلا مجتزأةً مقطعة الأوصال، ونفهم لماذا تحولت المقاطع المجتزأة الممثِّلة للبلاغة النموذجية التي جمعها الأوائل إلى نماذج عليا تتكرر في كتب المتأخرين دون تغيير أو تبديل، بل وتحولت إلى قواعد معيارية لا يؤبه لكلام من لا يحتذيها وينسج على منوالها. لقد ورثت البلاغة في السياق العربي جينات الوثوق واليقين والمطلق من الثقافة التي أنتجتها وتولدت فيها فلم يكن من الممكن أن تنفتح على الخطاب في تكثُّره وتعقُّده البشري الأصيل غير القابل للاختزال والمصادرة، وهو ما كان من الممكن – على فرض حصوله- أن يلقحها بقوى الحياة فتتحول من علم اكتمل سريعاً بعد ظهوره فصارت قوقعته تمنعه من الحركة إلى علم يجدِّد نماذجه وأدواته الوصفية والتحليلية بشكل مستمر. لقد تعاملت البلاغة، إذن، تعاملا استعماليأً مع النماذج الشعرية و النثرية –وإن بدرجة أقل فيما يتعلق بهذه الأخيرة- التي رأى البلاغيون أنها ممثِّلة لما في القرآن من ظواهر نصية وأسقطوا من حسابهم بلاغات "شعبية" لا تنضبط لأسس التفكير اللاهوتي والتيوقراطي أو تنتهكه دون أن يعني ذلك كونها تعارضه بإقامتها في خارج مطلق.


هذا النص مقتطف من مشروع قراءة لحقل البلاغة في مجال الثقافة العربية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??