الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيئة علماء المسلمين بين الكراهية الدينية واعادة الاعتبار للنظام البعثي

خالد صبيح

2004 / 8 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في واقع الصراع الدائر في العراق الآن هناك كم كبير ومتنوع من الخطابات والطروحات السياسية بعدد الأطياف السياسية والاجتماعية الموجودة على ارض الواقع. و يقينا ان كل خطاب، مهما تكن خلفيته العقائدية او النظرية، يبقى خطابا يدور في فلك وافق السياسة مهما ادعى من قدسية او تعال. ورغم ان الكثير من تلك الخطابات يحاول ان يقدم نفسه بطريقة نموذجية وشعاراتية مناسبة تتضمن الكثير من عناصر الترابط المنطقي والإقناع العقلي للجمهور إلا ان مضمرات الكثير من الخطابات يمكن تلمس جوهرها المتناقض مع ادعاءاتها بالتحليل المنطقي لخلفية صاحب الخطاب وممارساته على الأرض او لطبيعة الخطاب نفسه، فاللغة والمفاهيم التي تطرح في البيانات والمقالات السياسية هي التي تعبر في النتيجة عن النوايا والأهداف الحقيقية للذي يطرحها وليس ما يدعيه، إذ لايمكن منطقيا الحكم على شخص او جهة بناء على ما يقوله هو عن نفسه او ما يعلنه في طروحاته الرسمية. فللكواليس ولفلتات اللسان او خبايا الخطاب فضائحها.
وخلال مرحلة ما بعد التاسع من نيسان قدمت الكثير من الشخصيات والقوى السياسية، بما فيها حزب البعث ذا التاريخ المخزي ( إذا جاز اعتباره جماعة سياسية!)، قدمت نفسها بلباس الوطنية بمعارضتها للاحتلال الأمريكي ولمشروعه الاستراتيجي في العراق والمنطقة. ومع ان جماعة كالبعث وجماعات الإرهاب الاسلاموي لاتقنع في خطابها إلا نفسها وبعض الشواذ من اتباعها إلا ان بعض القوى التي حاولت ان تدخل للحياة السياسية ممثلة لاتجاه طائفي وسياسي غير بعيد عن مرجعيات النظام ألبعثي وأيدلوجيته العروبية الشوفينية حاولت ان تؤطر خطابها الرافض للتحولات السياسية بمنطق الوطنية والدين كما هو حال (جماعة علماء المسلمين في العراق) التي نأت بنفسها عامدة عن العملية السياسية، لاسباب كامنة في تطلعاتها النخبوية، وليس في هذا الرفض بحد ذاته ضير او عيب، لكن المشكلة تكمن في الدوافع التي تكمن وراء هذا الموقف. فهذه الجماعة لم يحركها هاجسها الوطني الذي يفترض به منطقه ان ينبني وينشط على أساس يحترم قيمة المواطن والمواطنة بغض النظر عن الخلفية الطائفية او الدينية وإنما كان دافعها الأساس هو لعب دور سياسي بنزعة ومطامح طائفية. فمعروف ان هذه الجماعة لم تتشكل وتنشط إلا بعد سقوط النظام ألبعثي ومن اجل تامين وجود سياسي للطائفة السنية بدافع تخوفها، وهو تخوف مشروع في بعض جوانبه، من زحف طائفي شيعي مبالغ فيه وغير واسع ولا خطير بواقع الحال. وهذا التخوف ومحركاته قامت وتقوم على أساس طائفي وليس على أسس وطنية. لان ما يعني الجماعة هو تامين امتيازاتها وحقوقها( الفطرية) التي اعتادت على الحصول عليها نتيجة القسمة العرجاء التي أنبنى عليها جل العملية السياسية ولعبة تقاسم السلطة في جل العهد الجمهوري.
ودأبت هذه الجماعة على التحريض في المجتمع وتحريك الغرائز العدوانية بتشجيعها للإرهاب من خلال الدور الذي لعبته في خطب الجمعة والندوات والتصريحات الإعلامية وبنشرها لشعارات الجهاد وغيرها مؤلبة ضد مشروع التحول وضد أجهزة السلطة بحجة معاداة الاحتلال الأمريكي. واعتمدت في خطابها وخطبها لغة وتعابير عكست مواقفها الحقيقية وكان أجلاها صورة هو بيانها الاحتجاجي الأخير الذي أصدرته في يوم 1-8 2004 بخصوص شبهة الاعتداء الجنسي على صدام حسين. وهو دافع طريف وغريب ومريب في ان واحد. فهذا البيان أريد له التأكيد على بعض المرتكزات العقلية والقناعات السياسية التي تحرك موقف الهيئة السياسي. إذ أوحى البيان ان صدام حسين رجل يحظى بقيمة اعتبارية لأنه مسلم وانه رئيس شرعي. فقد تمت الإشارة إليه بالرئيس العراقي من غير أي صفة واقعية تلحق به كالسابق او المخلوع وغيرها من التعابير التي تعكس موقف أي شخص او قوى تضطرها لغة الطرح ذكر اسم صدام حسين. كما ان البيان تضمن إشارة واضحة في تكفير المسيحيين الذين، للمصادفة التعسة، قد استهدفوا بدور عبادتهم في ذات يوم البيان. ووردت تلك المعاني في عبارتين متتاليتين هنا نصيهما.

(وقد تناهى الى سمع هيئة علماء المسلمين نبا الاعتداء الجنسي الذي تعرض له الرئيس صدام حسين أثناء أسره في الأيام الماضية، )
( وإذ تقرر هيئة علماء المسلمين في العراق ان الرئيس صدام حسين هو رجل مسلم لا يجوز للنصارى او غيرهم من الكفار ان يمسوه بسوء او ان يهتكوه)

هذه عبارة واضحة وصريحة فصدام حسب مفهوم الهيئة في بيانها هو رئيس أسير وهذا يضفي عليه شرعية وقيمة معنوية لاسيما إذا جاءت الإشارة إليه من غير ان تردف وبكل المناسبات بنعت ما يعبر عن طبيعة النظام ورأسه الاستبدادية. وان صدام رجل مسلم وهذا يمنحه نوع من الحصانة والاعتبار، وان النصارى كفار، وكلنا يعرف مدى اثر كلمة كفار لمن يعتقد نفسه ممثل للدين الإسلامي القويم ومن اتباع الفرقة الناجية ويرى بأنه وصي في تنفيذ أحكام الله في الأرض.
لنتساءل إذن:
ألا يقدم نعت الكفار كتعريف للمسيحيين( النصارى) لأي شخص او جماعة تستهدف غير المسلمين ويمنحهما مبررا وحجة شرعية وسياسية لتصفية هؤلاء؟.
أين هتافات الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة المجتمع وتوفير الأمان لكل مواطنيه الذي تحاول ان تتشدق به هذه الهيئة بين حين وآخر؟.
ان انفضاح العقلية الطائفية لهذه الهيئة ودروها في تخريب العملية السياسية مالم تتماشى مع ما تريده لها يتزايد يوم بعد آخر. وان ما تريد هذه الهيئة الوصول إليه من وجودها ودورها كله هو طموح سياسي سلطوي، عدا عن نفسه الطائفي، فهو لا يبتعد كطموح عن مطامح النظام السابق ومريديه في إعادة تقديم نفسه كقوة سياسية يعترف بها وبدور محتمل لها. وتكاد لا تخفى على المتتبع الرابطة الخفية بين بقايا النظام وهيئة العلماء التي تحولت الى داعية وحامي لهم تحت مسمى دعم المقاومة.
أخيرا.. من يعلم ربما تستهدف هذه الهيئة وغيرها من أصحاب أطروحة (المقاومة) لااعادة تسويق حزب البعث والتيار العروبي وحسب وإنما إعادة الاعتبار لصدام حسين نفسه وتبراته من الجرائم التي ارتكبها هو ونظامه.
وما هذا على الهيئة بعزيز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين في البحر الأحمر والمحيط الهن


.. لجنة مكافحة الإرهاب الروسية: انتهاء العملية التي شنت في جمهو




.. مشاهد توثق تبادل إطلاق النار بين الشرطة الروسية ومسلحين بكني


.. مراسل الجزيرة: طائرات الاحتلال تحلق على مسافة قريبة من سواحل




.. الحكومة اللبنانية تنظم جولة لوسائل الإعلام في مطار بيروت