الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلقات القيد الزراعي بين مكتب نوري المالكي وفرات الناصرية

جاسم المطير

2010 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


قرأت خبرا يوم أمس عن مشكلة المشاكل في مياه نهر الفرات عند مروره بالناصرية حيث تزداد ملوحته بغلاف سميك تجعله غير صالح للزراعة وغير صالح للاستهلاك البشري.
ليست هذه المشكلة جديدة بل هي مثيرة للقلق منذ أكثر من ستة عقود ، إذ كانت الملوحة في زيادة ، يوما بعد يوم وعاما بعد عام ، حتى غدت الناصرية والبصرة مهددتين بتقاسم مأساة خطيرة هي مأساة (تراجع الزراعة بنسب مخيفة) . لم تعد هناك رؤية إستراتيجية بعيدة لإصلاح الأمور منذ أن أوقع نظام صدام حسين خرابا كبيرا في الأرض الزراعية العراقية كلها ، وفي المؤسسات الزراعية معا . صارت الأوقات المارة بفلاحي الناصرية والبصرة عصيبة للغاية منذ زمان بعيد . لم يدرك احد من المسئولين الحكوميين معاناتهم ، كما لم يتعاطف معهم احد من الوزراء و المخططين الزراعيين رغم صيرورة مئات الآلاف من الدونمات على مشارف الهلاك .
بعد نيسان 2003 استبشر الفلاحون والناس كلهم في المحافظتين بتغير الزمان والسلطة الدكتاتورية الفردية ، مما عنى لهم تغير الإمكانيات الإصلاحية القادرة على تغيير البنية المائية والزراعية لهذا الجزء من الميدان الزراعي الجنوبي من ارض السواد العراقية الذي يعاني من اضطراب خطير بسبب طغيان نسب الملوحة فيها .
قال الخبر الذي قرأته أن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء قد اجتمع في فترة انتهاء ولايته ، وليس قبلها ، بمكتبه الرسمي مع رئيس مجلس محافظة ذي قار السيد (قصي العبادي ) ومع عدد من شيوخ العشائر والوجهاء في المحافظة مبديا استعداده لدعم المقترحات التي "تقدم بها الوفد ومنها معالجة موضوع الملوحة الزائدة في نهر الفرات ضمن المحافظة ، وتلبية بعض الاحتياجات في الجوانب الزراعية والخدمية". رغم انني اعتقد اعتقادا جازما أن لا السيد المالكي ولا مساعديه المجتمعين مع وفد الناصرية يعرفون طبيعة مشكلة فرات الناصرية ولا سلسلة الأهداف الطويلة والمتعددة لمعالجتها ، خاصة في ظروف إخفاق جميع مبادرات رئيس الوزراء وحزبه وكتلته الانتخابية لمعالجة الأزمة السياسية الناشئة من الصراع الحثيث لبعض القوى السياسية الراغبة في تجديد هيمنتها على السلطة لسنوات أربع قادمة .
وجدت في هذا الخبر المختصر مجرد نظرة خاطفة على بعض جوانب اعقد مشكلة يواجهها فلاحو الناصرية حيث لم يضم الوفد الزائر أي فلاح ولا خبير زراعي ولا أي عضو من أعضاء الجمعيات الفلاحية . من يدري ربما لا يتوق قادة العراق الجدد الجلوس مع الفلاحين البسطاء رغم أنهم أكثر ضررا من ملوحة الفرات ، وأكثر فهما لطبيعة المشكلة .
الغريب في الموضوع أن هذه المشكلة الزراعية الكبرى أنهاها كاتب الخبر في مجلس الوزراء بكلمات ساذجة تماما يجدها القارئ الكريم بعبارة ( وتلبية بعض الاحتياجات في الجوانب الزراعية والخدمية ) . وهي عبارة تكشف حتما ليس فقط عن ضيق الأفق الحكومي في معالجة مشاكل الفلاحين بل هي محاولة من محاولات السلطات الحكومية للتخلص من أي التزام أو منهج أو خطة لمعالجة مشكلة زراعية أبدية في مدينة الناصرية وفراتها . تبدأ هذه المشكلة ، عادة ، من الفرات المار بمدينة السماوة لتنتهي في شط العرب بالبصرة .
لم يذكر لنا هذا الخبر ما دار في الاجتماع من نقاشات كبرى أو صغرى وهل خيضت في اجتماع حكومي – عشائري بتفكير جاد وبتضمينات عملية عن تفاصيلها وهل أسفرت النقاشات عن تحديد أصول المشاكل ومصائرها وعن فوائد عملية عميقة ..؟
في القرية القريبة من مكان سكني في جنوب لاهاي بالمملكة الهولندية حيث مزرعة الصديق العزيز (تحرير شهاب الكروي) وهي اصغر مزرعة بالعالم التي تصير محطة التشمس لنا في الربيع والصيف وحيث أجد خبراءها من الزراعيين والفلاحين يعالجون مشاكل الماء والتربة يوميا استنادا لما أتاحته ووفرته الثورة العلمية والتكنولوجية في الميدان الزراعي . أجدهم جميعا يتحركون لتفسير حركة الزراعة في القرية الصغيرة كما كان يتحرك إسحاق نيوتن لتفسير حركة الكواكب حول الشمس حتى صرت اعتقد أن حركة الفلاحين والمزارعين الهولنديين هي النموذج المتقدم لكيفية نشوء امة زراعية متحررة من الفقر ومتحررة من جهالة المسئولين الحكوميين.
في بلادنا كلها ومنها الناصرية والسماوة والبصرة وغيرها لا نجد توازنا أو ترابطا يقوم بين الحكومة والفلاحين لتوفير الظروف والإجراءات القادرة على معالجة المشاكل الزراعية ومنها مشكلات الشواطئ المهمشة والترب المهشمة في عوالم الفرات الجنوبي .. لذلك فأنا اسمح لنفسي أن أقول للقراء الكرام ولفلاحي الناصرية أن لا يتوقعوا حلا لمشكلتهم ولفراتهم ولأراضيهم من هكذا لقاء لأنه ليس فيه لا خبرة زراعية شخصية ولا خبرة تاريخية لمشاكل ملوحة التربة والمياه ، بل اسمحوا لي أن أقول لكم ، أيها الفلاحون أن لقاء رئيس الوزراء بوفد العشائر لم يكن من أجلكم ، بل كان اللقاء من نوع اجتماعات المجاملات السياسية الروتينية التي تخلو تماما من مواساة الفلاحين الفقراء ، بل هي أصلا واحدة من محاولات تركيز دور الأغنياء وتقوية نفوذهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل المحافظة لأغراض انتخابية قادمة .
الحقيقة القاسية التي أشير فيها بالختام هي : سيظل الفلاحون الفقراء كما كانوا في زمان صدام حسين مجرد حراس على أبواب جنة عدن التي يملكها الأغنياء العشائريون في الناصرية بمشاركة البورجوازيين الجدد الذين كانوا وما زالوا من طبقة الاصطفاء الطائفي الذي أوجدته كل حكومات ما بعد عام 2003 تماما مثل اصطفاف ما قبله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 11 – 5 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رسالة مغلقة
محمد الرديني ( 2010 / 5 / 11 - 22:26 )
صديقي الاعز جاسم المطير
قرأت رسائلك الثلاث التي بعثتها الى كل من القاضي مدحت المحمود وعمار الحكيم وعلي اللامي والتي نشرت في هذا الموقع قبل ايام.
ولاني محكوم بعدد من الكلمات في خانة التعليق المخصصة للقراء فقد آثرت ان -اخذ- حريتي لاكتب لك عما يؤرقني هذه الايام بسبب رسائلك اياها التي قرأتها بامعان اكثر من مرة.
المشكلة التي تؤرقني تتلخص في ثلاث كلمات هي - فقدان العمل الجماعي- في الساحة العراقية، ورغم انك تفهم ما أعني الا اني سوف اشرح قصدي منها بشيء من التفصيل الممل.
سأعيد الى ذاكرتك – رغم يقيني انك لم تنسها- اضاءات جميلة في عملنا الاعلامي. كانت تجربة الانتاج البرامجي المشترك الذي تأسست في الكويت في نهاية سبعينات القرن الماضي من اروع التجارب التي انشد اليها الكبار قبل الصغار.. لقد كان عملا مشرفا ومضيئا وحاز اعجاب حتى الكارهين للعمل الابداعي ، لماذا؟ لانه ببساطة كان عملا جماعيا تضافرت فيه الجهود لتأسيس ثقافة جديدة تخاطب المشاهد بغض النظر عن عمره، كانت تقدم له الطبق الثقافي المنوع بطريقة لم يستطع الفكاك منها وقد ذاعت شهرته في ارجاء البلاد العرب


2 - المعذرة جاسم المطير
محمد الرديني ( 2010 / 5 / 12 - 00:59 )
سقط سهوا بقية الكلام وكان لزاما علي ان اكتبه في موضوع مستقل تجده كاملا في الموقع اليوم.. عذرا مرة اخرى

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة