الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاصات ماقبل التغيير القادم ..؟/ اليونان نموذجاً

سيمون خوري

2010 / 5 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر



رغم أني لست خبيراً في علم الإقتصاد ، لكن من تجربة العمل السياسي ، والمعرفة المتواضعة بالعديد من رموز القوى السياسية اليونانية من أقصى يمينها الى يسارها ، فهذه محاولة قد تساهم بإلقاء ضوء بسيط على تداعيات الحالة اليونانية وأثارها . سواء على الحالة الداخلية أو خارج حدودها . وهي على كل حال ليست أحكام مطلقة ، ولا تقييمات نهائية . فهي أزمة صغيرة ، في إطار أزمة أعمق وأشمل وتتجاوز حدود اليونان السياسية والإقتصادية .
ومنعاً للتكرار فقد ناقش أو قدم عرضاً زميلي الكاتب المحترم " علي الأسدي " في مادته الجيدة حول الوضع الإقتصادي اليوناني ، وبدوري أتفق مع عرضه القيم , لكن هنا لنناقش المسألة من زاوية مختلفة . كما أود أن اشير الى عدة مداخلات هامة تقدم بها كل من الزملاء الحكيم البابلي ، وأخي فارس ، والزميل عبد القادر أنيس ، والصديق سالم النجار فيما يتعلق بهذه الأزمة في مادتي السابقة التي حملت عنواناً شهود على ما حصل . وهذه التعليقات تحمل في مضمونها موقفاً متقارباً مع بعض الإختلافات الفرعية الثانوية . رغم أنه جرى حجب تعليق لي في ردي على الأخوة حول تقييم الرأي العام في اليونان ، للدور الألماني - الصيني من الأزمة الأقتصادية العالمية . ومع ذلك دائماً للإخوة في الحوار موقع في القلب . وهم مثل المؤمنين فإن أصاب فله حسنتين ، وإن أخطأ فله حسنة واحدة .
وفق كافة التقييمات السياسية والإقتصادية ، كانت اليونان ضحية النظام النقدي العالمي المريض الذي فجرته أزمة " ليمان برذر" في الولايات المتحدة الأمريكية السابقة . وتأثر الإقتصاد اليوناني الضعيف بشكل أو بأخر بالخراب الذي احدثتة الأزمة المالية العالمية . ليس بسبب كونه إقتصاداً زراعياً - سياحياً بل بسبب كونه أضعف الحلقات في سلسلة الإتحاد الأوربي إقتصادياً .
الإقتصاد اليوناني يمثل فقط نسبة إثنان في المائة من الإقتصاد الأوربي . فيما تستهلك قضايا الدفاع والتسلح حوالي ستة مليارات يورو من ميزانيته في مواجهة تركيا . وبإعتبار أن الحدود اليونانية الطويلة هي بداية الحدود الأوربية . إضافة الى أعباءه في قبرص . خلال السنوات الخمس الماضية إنخفض معدل الدخل السياحي الى مقدار النصف . فيما لم تستطع السياسة الزراعية للبلاد من تحقيق العائد المطلوب نتيجة لسياسة الكارتلات التي تصنع المواد الغذائية في أوربا التي تأثر بها القطاع الزراعي اليوناني . إضافة الى تضخم الجهاز البروقراطي الحكومي وتخلفه الذي يمثل نسبة عشرة في المائة من مجموع السكان . وقضايا الفساد المالي الذي أورثته سياسية الحزبين " الديمقراطية الجديدة ، والباسوك " على مدار عشرون عاماً . في ظل غياب عامل المراقبة والمحاسبة وإنعدام الشفافية لدى الحزبين معاً .
طبعاً هنا السؤال يتمحور هل أن نسبة إثنان في المائة من حصة المساهمة اليونانية في الإقتصاد الأوربي هي السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة .. ؟ وهل يعقل أن تخلق هكذا نسبة أزمة في الإقتصاد العالمي ..؟
وهل أن مسألة المهاجرين الإقتصاديين هي السبب وراء إرتفاع معدلات البطالة في دول الإتحاد ..؟ علماً أن مدخراتهم المالية الموظفة في البنوك ودورهم كيد عاملة رخيصة . في المجالات التي يأنف فيها المواطن العادي عن العمل فيها تساهم بتغذية الإقتصاد المحلي سواء في القطاع الزراعي أو قطاع الخدمات . وفي مجملهم فهم ليسوا قوة عمل ماهرة وفنية سواء الشرق أوسطية أو الأفريقية أو الشرق أوربية . وبالتأكيد فإن اليد العاملة المهاجرة لعبت دوراً تنافسيا مع اليد العاملة الوطنية " كعمالة سوداء " بيد أنها ليست السبب الرئيسي . ربما هي أحد الأسباب . فهل الهدف من ذلك زيادة حدة مشاعر العنصرية على خلفية تراجع الوضع الإقتصادي العام في أوربا . وتحميل الأجانب جزء من أسباب فشل السياسات الحكومية .. وهل رحيل المهاجرين يقدم حلاً إقتصادياً لأزمة الراسمال العالمي ..؟ كما تدعي بعض أوساط اليمين المتطرف الأوربي ..؟ أم أن حقيقة الوضع أن النظام الرأسمالي العالمي بحاجة الى إصلاحات جذرية في جانبه الإقتصادي والإجتماعي – الإنساني معاً . ووضع حد لتدخل البنوك في رسم السياسات العامة للبلاد .بما يضمن بناء مستقبل أكثر عدلاً ورفاهية للشعوب الأوربية ، وبلدان حوض المتوسط ذات الشراكة الإقتصادية مع الإتحاد الأوربي .
ورغم اني على قناعة أن كلا الموديلين أو النموذجين سواء الإشتراكي بصيغته السابقة ، أو الرأسمالي بصورتة الراهنة أصبحا ينتميان الى عالم الماضي , فالنظام الذي لا يستطيع تطوير تجربته ، وفت أفاق جديدة لها محكوم عليه بالفشل . فلا النموذج الستاليني أو البرجنيفي ، ولا أفكار أيان سميث وريكاردو هي نموذج يصلح لعالم اليوم . الذي يتميز بحركة تغيير واسعة . ربما هذا هو الديالكتيك الذي إفتقدته الحركة الشيوعية في بناءها الإقتصادي ، كما إفتقدته الرأسمالية في عصر إنتصارها الوهمي على الأشتراكية . ولا أحد يطالب بالنموذج الكوبي الذي لا يختلف بدوره عن نموذج أحزابنا الشمولية في المنطقة العربية .
أصوات عديدة في العالم طرحت فكرة التغيير وطالبت به ، حتى الرئيس الأمريكي " أوباما " الذي صارع من أجل إقرار برنامج الضمان الصحي لمواطنية ضد شركات التأمين ، وحتى الى درجة التدخل والرقابة على سياسيات البنوك . قبل أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية دولة صناعية من الدرجة الثانية .
ما أود الإشارة اليه هنا أن الإصلاح ليس حكراً على أيديولوجية ما إذا كان الهدف من الإصلاح سعادة المواطن وحقة في العمل والضمان الإجتماعي ومستقبل أبناءه . وعندما تصبح الأيديولوجية صنم يعبد غير قابل للتطوير ينتهي دورها التاريخي كنظرية قابلة للحياة . وحتى الأن لم تطرح ما هي البدائل لدى كافة مراكز البحث السياسية والإقتصادية سواء على الصعيد الأوربي أم الدولي وبشكل واضح .
هناك أزمة وهي أعمق مما يتبادر الى ذهن الرأي العام . أزمة اليونان كانت مثل الحجر الذي حرك المياه الراكدة الآسنة . لكنها حجر لم تستطع أن تلعب دور حجر داوود في مواجهة جوليات . بل ربما هناك أحجار أخرى في بلدان أخرى أكثر ثقلاً إقتصادياً من اليونان مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا تنتظر دورها . جميعنا نتذكر أزمة " إيسلندا " تخلى عنها كافة أصدقاءها من المعسكر الرأسمالي . أزمة " أوكرانيا " واجهت ذات المصير . حتى البلدان الجديدة التي إنضوت تحت جناح الإتحاد الأوربي مثب يبلغاريا ورومانيا وبولونيا تعيش أزمات مختلفة . فهي لم تستطع الحفاظ على منجزاتها السابقة ، ولا هي قادرة على تحقيق معدلات التطور المطلوبة أوربياً حسب المعايير المتفق عليها . وعادة يقال أن صلاحية السمكة تعرف من رأسها .
قد يتبادر الى ذهن القارئ أن معارضة المواطن اليوناني لإجراءات حزمة التقشف الأوربية ، هي نوع من المعارضة غير المبررة ، وأن عليه التضحية من أجل إنقاذ إقتصاد بلاده ، وهذا منطق ممثلي صندوق النقد الأوربي والدولي معاً.
بيد أن النظر في طبيعية حزمة التقشف هذه يتضح أنها تضرب بعرض الحائط بحقوق المواطن العادي ، مقابل الحفاظ على حقوق سلطة البنوك . وعلى سبيل المثال : عندما ترتفع نسبة الضرائب على الكهرباء والماء والإتصالات وكافة المواد الإستهلاكية الغذائية والمحروقات ، وفي الوقت الذي يجري فيه تخفيض الرواتب العامة ، وحسم من مخصصات المتقاعدين والطبقات الإجتماعية المختلفة . في هذه الحالة تضعف القوة الشرائية للمواطن وتصاب حركة السوق الداخلية بالكساد والتراجع . الأمر الذي يساهم في تراجع البلاد وليس في إنقاذها . خاصة عندما تسمح القوانين الجديدة لرب العمل بتسريح عمالة دون تعويضات . ترى ما هو الوطن هنا ..؟ هل الوطن مجرد تراب وأبنية وعمارات أم بشر ...؟ في الوقت الذي لم تتخذ فيه إجراءات جدية لمحاسبة المسؤلين عن الفساد وتلقي الرشاوي من قبل بعض الفاسدين في كلا الحزبين الكبيرين الذين تبادلا السلطة طيلة السنوات الماضية . فهل يعقل أن يصدق المواطن أو يوافق على التضحية في الوقت الذي لم تضحي فيه سياسية الحزبين ببعض رموزها الفاسدة ..؟
حتى العام 1973 كانت اليونان قد دخلت مرحلة التصنيع الثقيل حيث جرى تجميع وتصنيع معدات ثقيلة مثل الجرارات الزراعية والطائرات ، والسيارات وتم إبتكار أول سيارة تعمل على الكهرباء . ومع بدايات العام 1974 بدأت خطوات التراجع عن سياسة التصنيع الثقيلة لصالح إعتبار اليونان بلداً زراعياً مقابل أن تستورد كافة المعدات الثقيلة من بلدان أوربية أخرى . جرى تسهيل حصول اليونان على قروض عالية وإنفاقها على برامج سياحية ، وتوقف تدريجي لكافة عمليات تطوير البنية الصناعية والبنية التحتية للمجتمع . وحدثت أولى موجات الهجرة الداخلية من الأرياف الى المدن سعياً وراء الربح السريع والتوظيف السياسي .
ما حصل مع اليونان كان قد حصل مع العديد من الأقطار العربية . في اليونان لعب الحزب الشيوعي اليوناني واليسار عموماً دوراً مركزياً في تحرير اليونان من قبضة الإحتلال المتعدد الجنسيات ، وكانت على أعتاب التحول الى دولة إشتراكية من نمط جديد . للحيلولة دون إستلام الحزب الشيوعي السلطة ، جرى إبتداع أحزاب تحمل من " الإشتراكية " مجرد يافطة تحت شعارات شعبوية ، مماثلة لشعارات حزب البعث العربي الإشتراكي ، ومماثلة للإتحاد الإشتراكي العربي ، ومماثلة لحركة الضباط الوحدويون ... بيد أن تجربة الديمقراطيين في اليمن الديمقراطية جرى إجهاضها ، وحركة هاشم العطا في السودان جرى إغتيالهم بواسطة الأخوة الليبيين من الضباط الأحرار وإعدامهم ،وقيادات الحزب الشيوعي السوري اللبناني جرى إذابتهم بواسطة الأسيد . وفهد القائد العمالي البارز في العراق جرى إعدامة شنقاً . والقائد المغربي المهدي بن بركة جرى إغتيالة في باريس على أيدي عملاء الجنرال " أوفقير " قائد الحرس الملكي المغربي في حينة .
حجم العنف الذي تعرضت له الحركة العمالية والديمقراطية في العالم العربي ، يوضح نقطة محددة هو عدم السماح للقوى الحقيقية الممثلة لمصالح الشعب بإستلام السلطة . والإستفادة من ثرواته وعائداتة الوطنية لصالح تحقيق برامج تنموية وطنية .قبل مجئ الراحل عبد الناصر كانت مصر قد شيدت أول خط حديدي ، وبدأت عمليات تصنيع ثقيلة . بعد ذلك تحولت الى دولة زراعية – سياحية – خدماتية . العراق كان مقدراً له أن يصبح القوة الإقتصادية الكبرى في العالم العربي ، بيد أنه جرى إغراقه في بحر من الإنقلابات والدماء . وفي سوريا كانت تعيش البلاد مرحلة الإنفتاح السياسي التعددي والإقتصادي قبل مشروع الوحدة ..الخ نماذج عديدة وشواهد حول كيف تم تغيير وإعاقة التطور الطبيعي الديمقراطي الذي نتج عنه ما وصلنا اليه الأن من الإستبداد الديني والسياسي معاً . فهل يعقل أن اليابان التي لا تملك أية إحتياطات وثروات طبيعية وتعرضت لحرب ذرية مدمرة أو أن هونغ كونغ أو حتى تايوان او ماليزيا أكثر تطوراً من مجموع البلدان العربية . السبب على رأي رئيس الوزراء السوري الراحل " محمود خليفاوي " أن تلك البلدان عيونها على شعبها ، بينما ما لدينا فالحكام يديرون مؤخراتهم لشعوبهم .
السياسة كما يقال ، إقتصاد مكثف . بيد أن هذا الإقتصاد جرى تكثيفه ، وإختزالة بألية تعامل تعتمد لغة الأرقام في تكديس الأرباح العائدة سواء من إستغلال البلدان الضعيقة التطور الإقتصادي ، أو من النهب الجشع للكارتلات العالمية . والرأسمال عادة بدون وطن . فهو ليس معني بالبشر ، إلا من حيث كونهم حالة إستهلاك ومجموعة من المتسوقين . أصبح العالم " مول " كبير ، وليس قرية كبيرة فقط .
وجرى تركيز الإستثمار الأكبر في مجال توظيف الأموال على سوق العقارات وسندات الأسهم ، والإستثمارات ذات الناتج الربحي السريع . وليس على مشاريع تنموية طويلة المدى أو تساهم في توظيف يد عاملة أكثر . بل كافة الشركات أصبحت تحتال على التكنولوجيا من أجل تخفيض عدد عمالها او موظفيها . وليس من أجل تحسين مستوى إنتاجيتها .
الراسمال ليس له وطن ، وهي حقيقة وعندما إنفجرت الأزمة المالية في نيويورك ، إهتزت كافة الأسواق الخليجية ، ومعها أيضاً بقية الأسواق العالمية . واسرعت كافة البلدان الى ضخ أموال طائلة لدعم " بنوكها " التي يقال أنها بنوك وطنية ..؟ ترى لماذا ..؟ لأن النظام النقد العالمي في أعقاب إنهيار منظومة البلدان الإشتراكية أصبح يقف على قدم واحدة . هذا لا يعني أن النظام الإقتصادي في البلدان" الإشتراكية " كان يمثل حالة جيدة أو متقدمة ؟ بل على العكس كونة كان يشكل عامل توازن إقتصادي دولي فقط . دون أن نعرج على تناول بعض عيوبة في الدورة الداخلية لإقتصادة التي كانت إسماً لصالح الشغيلة والفلاحين ، وعملياً لصالح طبقة خلقتها قيادة الحزب . خارج السياق التاريخي . لو ان لينين أو ماركس مازال حياً ربما قد تقوده تجربة المنظومة الإشتراكية السابقة ، وكذا مجموع الأزمات الحالية للنظام الإقتصادي العالمي الى إعادة النظر بأسس الماركسية وبناءها الإقتصادي وكذا الأيديولوجي ، ولأختفت عبارة " ديكتاتورية " الطبقة العاملة ولأنها تعبير ديكتاتوري . لا ينسجم وروح العصر القائم على تعاون كافة القوى الإجتماعية من أجل تحقيق مصالح الإنسان ورفاهيتة .
أنه عامل التغيير ، وهذا الشئ الحتمي الوحيد لكن التغيير بأي إتجاه .. هنا السؤال ..؟
بعد وفاة " ماوتسي تونغ " بعامين فقط ، وفي المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني العام 1978 . طرح الأب الروحي للصين الجديدة " دينغ شياو بينج " نظرية التحول التدريجي من النظام الإقتصادي المخطط والمركزي الى إقتصاديات السوق . والمزج بين الأسلوبين في كافة المشاريع الإنتاجية . وترك خلفة عقلية " الشعارات الأيديولوجية " من بقايا الحرس الأيديولوجي القديم .وجرى تطويع كافة العلاقات الخارجية لخدمة قضية التنمية في الصين .
إعتمد الإقتصاد الصيني على قوة العمل الرخيصة المتوفرة الى جانب إستثمار التكنولوجيا ، ورفع مستوى الإنتاج كماً ونوعاً . مما ادى الى ولادة صين جديدة كقوة منافسة في السوق العالمي . لم تعتمد على نظام التوظيف العقاري ، ولا على المضاربة بسندات الخزائن المختلفة . وأصبحت الصين تملك أكبر إحتياطي نقدي عالمي , وبنك للإقتراض الدولي .
ما اود الإشارة اليه هنا الى أن أي نظام سياسي أو إقتصادي إذا لم يدرك معنى مراعاة ومجاراة تطور الزمن فهو نظام محكوم عليه بالفشل عاجلاً أو أجلاً . وما يقال عن النظام السياسي يقال أيضاً عن الأحزاب . ومن المعروف أن عمر أية " ثورة " أو حزب هو جيلين ونصف . خمسة وعشرون عاماً كحد أقصى إذا لم تطور ذاتها وأدواتها وبرامجها وليس شعاراتها ، فهي كمن يضخ الماء وهي ماء . ترى أليس هذا ما حدث مع أحزابنا وما يقال أنها " ثورات " تحرر وطني ..؟
إنها أزمة نظام عالمي فشل في تحقيق إصلاحات حقيقية على بنيتة وهيكليته وبرامجة التنموية ، وتضخم إدارته . فشل مشروع النظام الرأسمالي بصيغته الراهنة .
أزمة نظام على ما يبدو أن قادة هذا النظام الذين فرحوا بغياب المنظومة الإشتراكية من الساحة الدولية ، فاتهم أن هذا الغياب لم يحقق إنتصار النظام الرأسمالي على النظام الإشتراكي ، بل أدى الى كشف عيوب النظام الرأسالي ذاته ،وثغراته البنيوية سواء في بنيتة الإقتصادية أو الإجتماعية وكذا في مجال العلاقات الإنسانية وحقوق مختلف الطبقات الإجتماعية في تطلعها نحو مستقبل أفضل .
على كل حال وكيلا نطيل على القارئ الكريم ، نتوقف هنا للتأكيد على أن التغيير هو أساس المجتمع ، ما الذي يمنع من إيجاد توليفة معينية تراعي التطورات العصرية وتدمج بين ما هو إيجابي في النظرية الأشتراكية العلمية ، وبين ما هو إيجابي في النظام الإقتصادي الرأسمالي . ثم لماذا الإصرار على سياسة الحزبين في عملية تداول السلطة . ماذا يمنع مشاركة عنصر كفء من حزب أخر في السلطة طالما أن الهدف العام هو تحقيق مصالح الشعب . بمعنى أخر قيام حكومة مختلطة تضم كفاءات ونوعيات قادرة على العطاء . والتخلي عن عقلية الحزب الواحد الحاكم الشمولية . ووضع حد لتدخل البنوك في تقرير مصير البلاد . فمن الحاكم رئيس الوزراء أم مدير البنك ..؟
ما أود ختامه ، هو أن القوة في عالم الغد لا ترتكز على الجيوش وحدود أمنة ، بقدر ما ترتكز على القدرة على غزو أسواق العالم بالتكنولوجيا المتطورة ، ورأس المال ، وإقامة صلات إقتصادية متبادلة تزيد من حالة التبعية للغير . وإعادة النظر في السياسات الإقتصادية الهادفة الى تحسين مستوى الناس هو عماد أي نمو إقتصادي إستراتيجي مستقبلي . عبر الأخذ بعين الإعتبار مصالح البشرية وهمومها جمعاء . وهناك مستقبل واحد لهذه البشرية على هذا الكوكب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابداع
مايسترو ( 2010 / 5 / 11 - 14:33 )
إنه شرح مستفيض وشيق ويقدم بعض الحلول لأصحاب القرار حيال الخروج من الأزمة الحالية، وقد شدني المقال وقرأته حتى آخره، رغم عدم اهتمامي بالاقتصاد والاشتراكية والرأسمالية، اللتين باتتا نظامان قديمان و لايصلحان لهذا العصر السريع جداً في تطوره، بل يجب ايجاد آلية أخرى تكون بمنأى عن أفكار هذان النظامان اللذان أكل عليهما الدهر، وسلمت يداك أستاذنا الكبير.


2 - ببساطة
كاره المذلّ المهين ( 2010 / 5 / 11 - 19:02 )
بعد جزيل الشكر للأستاذ سيمون على دراسته المستفيضة المفيدة..

اليوم وبعد سقوط معظم الحدود القديمة على حرية التجارة وتنقّل السلع و انخفاض تكلفة النقل البحري أصبح عمال الدول الغربية في منافسة مع العمالة الرخيصة لدول شرق آسيا والصين

العامل الصيني يعيش على الكفاف ويرضى بمعاملة يأباها الحيوان في أوروبا...كثير من فلاحي الريف الصيني يتركون الزوجة والأهل لعدة سنوات يكون أقصى أملهم فيها وظيفة في مصنع المدينة، يعيشون في مبان تتبع هذه المصانع مكدّسين كما في مزارع الدواجن.كما يعملون في ظروف غالبا ما تكون سيئة
يحدث هذا نفسه في البلاد التي تنشط الصين فيها بمشاريع بناء واستخراج معادن وغيرها...فتدنّي أجر الصيني (وقيمته الإنسانية للأسف) تجعل هذه الدولة تفوز بالمناقصات في أماكن عديدة .أليس هناك عمال بناء صينيون حتى في الجزائر؟

ما لم يعي عمال الغرب المرفّهون نسبيا هذا الواقع فسيعيشوا في غضب دائم تستثمره القوى المؤدلجة المهيّجة
لم يجن أبناء الشعب اليوناني من هياجهم سوى الخيبة وخسائر تعطيل الأعمال ولو تكررت ثوراتهم هذه ستؤدي بلا شك إلى تقليل السياحة وهي من أهم مصادر الدخل


3 - تحليل قيم
علي الاسدي ( 2010 / 5 / 11 - 20:07 )
الأخ الفاضل السيد سيمون خوري المحترم

تحيتي
ما اتحفتنا به اليوم لم يكن من كاتب قليل الخبرة في الاقتصاد بل من كاتب له خبرة ومراسا متميزا في الاقتصاد والسياسات الاقتصادية. لقد طرحت في هذا المقال أهم عيوب الشركات متعددة الجنسية الجشعة التي تسعى للاستحواذ على خيرات البلدان الضعيفة النمو ، والحيلولة دون تطوير ثرواتها الوطنية. ان ما يواجه اليونان حاليا أعقد بكثير من عجز مالي في ميزانيتها السنوية يمكن حله في المدى المنظور. لقد بينت في مقالك القيم أهم العيوب التي ميزت اقتصاد اليونان ، الناتجة عن خلل هيكلي عمره عقود من التخبط. واستطيع أن أضيف أن انعدام التخطيط في سياسة الدولة قد ساعد على حرمان البلاد من تنمية اقتصادية مستدامة تلتزم بمؤشرات ملزمة تدار وفقها قطاعات الانتاج الرئيسية الصناعة والزراعة بقية


4 - بقية التعليق
علي الاسدي ( 2010 / 5 / 11 - 20:09 )
بقية
. فقط بفضل الالتزام بخطة واحترام مؤشراتها يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، الذي تكون له المناعة الكافية لامتصاص الأزمات والتقليل من آثارها على الشعب وذوي الدخل المحدود والواطئ. الحرية الاقتصادية التي انتهجتها اليونان منذ ستينيات القرن الماضي ، لم توفر الفرصة المناسبة لنمو مستدام للقطاعات الانتاجية ، فلم تنهض الصناعة كقطاع رائد تكون له قدرة قيادة التحولات الهيكلية في فروع الاقتصاد الأخرى ، وهكذا الحال مع فروع القطاع الزراعي الذي تضائل دوره هو الآخر بدل أن يزدهر. لقد تحول الاقتصاد اليوناني الى رهينة بأيدي اخطبوط المؤسسات المالية فاستنزفته قبل أن يكون قادرا على لعب أي دور مهم في الناتج القومي. القطاع الذي نال اعجاب شركات المال وحماسها للاستثمار فيه هو السياحة التي حولته إلى بقرة حلوب تقتنع بالقليل ، فيما تذهب القسط الأعظم من المنافع إلى أصحاب الشركات السياحية والمالية التي تحتفظ بحساباتها في جزر الأوفشور البعيدة عن عيون السلطات الحكومية وبعيدا عن رجل الضرائب ، والأسوء من ذلك كله عدم إعادة استثمارها في اقتصاد البلاد.
مع تقديري الخالص لك
علي الأسدي


5 - بحث يستوجب قراءته بانتباه
يوسف ( 2010 / 5 / 11 - 20:42 )
انا اعتقد ان البديل للراسمالية في القريب المنظور غير موجود وان هذه الازمة التي تعصف بالعالم وبالذات الراسمالي منه لم تكن الاولى في النظام الراسمالي وسبقها ازمات اشد واعمق ولكن مايميز الراسمالية ان لها الية مرنة تستطيع ان تتجاوز ازماتها. انا اعتقد ان النموذج الذي يصلح كمثل يحتذى به هو النموذج الاسكندانافي والذي يمثل نموذج العدالة الاجتماعية الحقيقية.اما النموذج التوليتاري الشمولي في الصين فقد علق عليه الاخ رقم اثنين ولا اريد ان اظيف اكثر. اتفق تماما مع الاخ سيمون حول ضرورة بناء قاعدة صناعية زراعية للتنمية والتطور وليس تركيز الإستثمار الأكبر في مجال توظيف الأموال على سوق العقارات وسندات الأسهم ، والإستثمارات ذات الناتج الربحي السريع ويصبح دولة مستهلكة وليس دولة منتجة وتكون عرضة للهزات والازمات الاقتصادية بسهولة.
التحيات للاستاذ سيمون .


6 - مقاربة موضوعية مهمة
نقولا الزهر ( 2010 / 5 / 11 - 21:56 )
تحياتي أستاذ سيمون على مقاربتك للوضع الاقتصادي اليوناني، وخاصة أنك كنت مفارقاً تماماً عن بعض اليساريين الدوغمائيين الذين يصورون الأزمة اليونانية وكأنها بداية الانهيار للنظام الرأسمالي العالمي وإعادة الاعتبار للنظام الاشتراكي الشمولي السابق. لا يوجد ادنى شك في ان النظام الرأسمالي يعاني من ازمة كبيرة، وفي اعتقادي مقولة ماركس حول ديمومة الأزمات في هذا النظام لاتزال راهنة وصحيحة. وهذه الأزمة تتجلى الآن في أضعف حلقات هذا النظام اليونان،البرتغال،بلغاريا... وحتى ايطاليا، وفي اعتقادي هذه الأزمة فرصة تاريخية يجب أن تكون دافعاً لتطوير وتجديد فكر اشتراكي وحق الحلم بإمكانية قيام نظام الجتماعي أكثر حرية وديموقراطيا وعدالة


7 - الأزمات
فارس اردوان ميشو ( 2010 / 5 / 12 - 02:17 )
الصديق العزيز والكبير سيمون
كالعادة شرحت وأوفيت وبحرفية عالية
أود أن أستعرض بايجاز ، ماحدث هنا في أمريكا ، انهارت الكثير من المؤسسات المالية الضخمة ، من بنوك وشركات تأمين ، وشركات الرهن العقاري ، بسبب سؤء الإدارة والتخطيط للمدراء التنفيذين لهذه الشركات ، ماذا فعل هؤلاء المدراء ؟ صرفوا لانفسهم مئات الملايين من الدولارات كمكافأت !! وذهبوا ليستمتعوا بقصورهم ويخوتهم في فلوريدا ، لانه لايمكن محاسبة شخص ، لسوء الادارة ، ضخت الحكومة مئات المليارات لإنقاذ هذه الشركات من الانهيار ، وعلى حساب دافعي الضرائب ، وللمرة الثانية يدفع المدراء لانفسهم مكافأت بملايين الدولارات ، والسبب إن العقود الموقعة مع شركاتهم تلزم هذه الشركات بالدفع وفي حالة عدم تنفيذ العقد ، سينفذ بحكم القانون ، لان العقود ملزمة التنفيذ ، على من اثرت هذه الازمات ، على العمال والطبقة الوسطى ، حيث فقد الملايين وظائفهم وبيوتهم وإعمالهم ، القلق الرئيس من تاثير هذه الازمات على المجتمع لانه سيؤدي الى إضطربات واعمال عنف من الناس للدفاع عن مستقبلهم ، وارجو منك ان تخصص مقال عن تاثير هذه الازمات على المجتمع
تحياتي


8 - رد الى الأحبة
سيمون خوري ( 2010 / 5 / 12 - 04:35 )
أخي مايسترو العزيز ، تحية لك وشكراً على مرورك ، نحن أبناء كوكب واحد وننتمي الى إنسان واحد لذا أعتقد أن مأساة أي بلد على الصعيد الإنساني هي جزء من مأسينا حميعاً . مأساة العالم اليوم تتمثل في زيادة الغني ثراءاً وزيادة الفقير فقراً. هذه هي المطحنة .اخش مايسترو مع التحية لك
أخي صاحب التعليق الثاني شكراً لك ,اتفق معك حول ما ذهبت اليه فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية لأوضاع العمال الصينيين , ولدي العديد من الأمثلة الحقيقية والراهنة على ذلك . ومع ذلك نطمح للمساهمة معاً في التفكير المشترك لمستقبل هذا الإنسان . مع التحية لك .
أخي المحترم علي الأسدي ، أولاً شكراً لك فعرضك القيم في مادتك السابقة كان عاملاً مشجعاً على إستكمال الموضوع ربما نصل الى ألية تفكير مشتركة ، قد لا يكون بمقدورنا المساهمة في تنفيذها . لكن من واقع صلاتنا جميعاً ربما نساهم بتكوين رأي عام متواضع حول سبل الخروج من عنق الزجاجة هذه .أخي علي لك كل الإحترام والتقدير.
أخي يوسف المحترم شكراً على مرورك وعلى أفكارك الهامة النموذج الإسكندنافي هو نموذج قابل للدرس فعلاً . ربما سيكون هناك عودة الية في المستقبل أخي يوسف تحية لك .


9 - رد الى الأحبة
سيمون خوري ( 2010 / 5 / 12 - 04:49 )
أخي العزيز نقولا الزهر المحترم تحية لك وشكراً على إطرائك الجميل ، هل تتذكر تجربة الأرجنتين منذ العام 98 وحتى العام الفائت .. مرت الأرجنتين بتجربة مماثلة. وخلالها حدثت ثورة الجياع كانت تمرداً على قرارات البنك الدولي ومؤسسة - دي إن تي - النقديةلم تستطع الأرجنتين رغم فارق العائدات من الخروج من أزمتها دون هذا التمرد أنها أزمة نظام عالمي عندما تصبح أمريكا مديونة للصين . وعندما يتحول العالم الى سوق كبير لا يدخله سوى الأغنياء .. ما هو مصير الفقراء؟
وفعلاً كما ذكرت حضرتك أنها فرصة لإعادة تجديد التفكير في تجديد الفكر الإشتراكي وفق قاعدة مرنة ومتطورة تأخذ بعين الإعتبار أن عقلية ديكتاتورية البروليتاريا كانت رهناً بظروف نشأتها هناك قوى إجتماعية أخرى وليدة وذات حجم كبير وهي مجموع الطبقات الوسطى التي تعاني ما يعانية العامل والمزارع معاً الى جانب منظومة جديدة من الحقوق الإجتماعية - الإنسانية التي جرى تغييبها في فترات سابقة .الأيديولوجيا الراهنة لوحدها لا تقدم أجوبة للإجيال الجديدة التي تبحث عن آفاق ومستقبل مختلف عما كان عليه الوضع العام 1917. أخيراً مع التحية لك


10 - صورة الوضع اليوم
الحكيم البابلي ( 2010 / 5 / 12 - 08:58 )
الصديق اللذيذ سيمون خوري
كم هي جميلة ومُثرية مقالاتك التي اُسميها ( سماد العقول الحرة ) شكراً سيدي
صورة صغيرة عن أميركا ، وربما غيرها أيضاً
أميركا قامت على سواعد وعافية الطبقة الوسطى ، ومنذ بداية القرن الماضي
لكن الطبقة الوسطى اليوم تحتضر للأسف
ما كان يُدعى من الأشغال الصغيرة ب ( محلات ماما وبابا ) ويسموها هنا
mom & dad store,s
هي في النزع الأخير الأن ، وهذه المحلات لم تقتلها إلا الشركات العملاقة التي فتحت أبوابها في كل ركن وفي كل زاوية
وكما هو معروف ، فالطبقة الفقيرة في أميركا تعيش على المساعدات الحكومية المستقطعة من رزق الطبقة المتوسطة غالبا ، لأن الغني يعرف كيف يتملص من دفع الضرائب ، وبدل أن يدفع عشرة سنتات - كمثال - لا يدفع غير 1 أو 2 سنت
ولا يخفى على أحد بأن القوانين هنا يضعها الأغنياء الذين يديرون البلد ، ولا أعتقد إنهم سيخططون لقوانين من مصلحة الطبقة الوسطى التي هي العمود الفقري لأميركا
لهذا ولمئات الأسباب الأخرى ، فأنا أعتقد بأن التغيير قادم ، وسيفرض نفسه بالقوة ، ولا يُفترض بالقوة أن تكون بالضرورة قوة العضل أو العنف ، لكنها ستكون قوة تساعد على التغيير
تحياتي


11 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2010 / 5 / 12 - 18:53 )
الكبير الأستاذ سيمون - تحياتي لك ولجميع المشاركين - لا أريد أن أضيف عن ما جاء في تعليق السيد يوسف تعليق رقم 5 ليس هناك بديل في المستقبل القريب وأعتقد بالرغم من ضعفي في مواضيع السياسة والاقتصاد للأسف الشديد فان الأزمة التي تعصف بالعالم الآن والتي يقال عنها بداية انهيار العالم الرأسمالي سوف يتجاوزها هذا العالم بالرغم من بعض الصعوبات والتي أوردتها في مقالك القيم - من لا يقرأ لك يفوته الشيء الكثير - مع خالص المودة


12 - رد غير كاف الى الأحبة
سيمون خوري ( 2010 / 5 / 13 - 03:39 )
الأخوة الأصدقاء فارس والحكيم عبد العزيز تحية لكم . ساضطر لإغلاق الجهاز نظراً لعطل طارئ فني . على أن أعود للموضوع ثانية لذا أعتذر لكم

اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص