الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيه في العراق بين المشروع الأمريكي والمشروع الوطني

عادل حسن الملا

2004 / 8 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها الكثير من السياسيين هي ان نظام صدام حسين لا يمتلك أية قاعدة اجتماعية وان هذا النظام في حالة سقوطه سوف لايجد من يتباكى عليه في داخل العراق.
صحيح ان الغالبية العظمى من الشعب العراقي كان يتمنى زوال هذا النظام لكن الصحيح أيضا ان هذا النظام يمتلك قاعدة اجتماعية لابأس بها وتضم هذه القاعدة كبار موظفي الدولة وكبار الضباط والحزبيين وأعضاء الأجهزة القمعية كالمخابرات والأمن وبعض القوى العشائرية المستفيدة اقتصاديا من هذا النظام والتي كان صدام يغدق عليها بمكارمه السخية. وكان نظام صدام يحظى أيضا بدعم قوى خارجية مؤثرة كثيرة حكومية وغير حكومية عربية وغير عربية وكان صدام ينفق على هذه القوى الكثيرة من أموال البلاد كما كشف عن ذلك الوثائق التي نشرتها جريدة (المدى) ولو أن ذلك كان من الحقائق المعروفة للكثيرين دون وجود مايدعمها من ادله .
والى جانب الفئات المستفيدة من النظام السابق كانت هناك فئات اجتماعية أخرى تعاني من ازدواجية في موقفها السياسي فهي من جهة كانت متضررة ومتذمره من ممارسات هذا النظام لكنها من جهة أخرى كانت تخشى التغيير لانها تعتقد ان هذا التغيير سيحمل الى سدة الحكم أناس أسوأ من صدام حسين من وجهة نظرها ويدخل في هذا الإطار الخشية من قيام نظام ديني على غرار النظام القائم في إيران.
لقد كانت أبرز مساوئي نظام صدام حسين والتي جعلت منه نظاما مكروها من الغالبية العظمى من الشعب العراقي هي :
1. الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان المتمثل في الاعدامات التي طالت عشرات الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي واجراءات إسقاط الجنسية العراقية والتهجير وتصعيد الممارسات الشوفينية ضد الأكراد والتركمان.
2. الطبيعة المغامرة للنظام التي قادت البلاد الى العديد من الحروب المدمرة التي استنزقت موارد البلاد البشريه والماديه.
3. إهدار موارد البلاد الاقتصادية وتبديدها دون طائل. ويكفي أن نشير ان العراق قد تحول من بلد غني يمتلك فائض مالي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات في عام 1979 الى بلد فقير تجاوزت مدينويته الخارجية 150 مليار دولار في عام 2003 .
4. تركيز كافة السلطات ليس بيد حزب واحد وأنما بيد شخص واحد .
5. مصادرة الحريات السياسية كافة .
6. استشراء الفساد الادراي بشكل مريع في أجهزة الدولة وانتشار الرشوة والاختلاس والتزوير على نطاق واسع واستحواذ أقرباء رئيس النظام والمقربين منه على معظم الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في البلد.
وبسبب استمرار تلك الممارسات لفتره زمنيه طويله حدثت تغيرات عميقة في البنيه السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية والاخلاقية للمجتمع العراقي ولاشك فان أي مشروع للتغيير السياسي في العراق وطنيا كان أم خارجيا سيواجه الكثير من التحديات الخطيرة تجعل من نجاح هذا المشروع مثارا" للشكوك ويأتي في مقدمة تلك التحديات:-
1-حالة البؤس الشديد والفقر المدقع الذي تعيشه نسبه عاليه من المجتمع العراقي.
2-انهيار البنى التحتيه للدوله وتدهور الخدمات الاساسيه.
3- كيفية التعامل مع القاعده الاجتماعيه للنظام السابق والمرتبطين به بهذه الدرجه او تلك.
4-تراجع القيم الوطنية والديمقراطية والأخلاقية على نطاق واسع وشيوع القيم العشائرية والطائفية وانحسار تأثير القوى السياسية الوطنية والديمقراطية.
5- فساد الذمم ونشوء اعداد كبيره من الموظفين المرتشين والفاسدين.
6- شيوع ثقافة العنف بسبب الحروب التي أشعلها النظام السابق لفترات طويلة وتوجيه وسائل الأعلام بهذا الاتجاه والمصاعب الاقتصادية التي عانى منها المجتمع لحقبه طويلة من الزمن.
7- التعامل مع ردود افعال القوى الاقليميه التي لا تريد للمشروع الديمقراطي النجاح.
ان سقوط نظام صدام على أيدي الأمريكان وحلفاؤهم طرح امكانية تطبيق المشروع السياسي الأمريكي بسبب تناسب القوى على الأرض لصالح القوه العسكرية للأمريكان وضعف القوى السياسية العراقية وغياب مشروع وطني ديمقراطي متفق عليه يمثل الحد الأدنى لطموحات هذه القوى في إرساء نظام سياسي جديد.
ويتلخص المشروع السياسي الأمريكي في العراق والذي ينطلق من مصالح قومية أمريكية عليا من فرضية أن الإرهاب الذي طال الأمريكان في عقر دارهم (اخداث ايلول 2001) قد نشأ بسبب وجود أنظمة ديكتاتورية استبدادية في المنطقة العربية وأن مكافحة هذا الإرهاب على المدى البعيد لايتم الابأرساء أسس نظم ديمقراطية في هذه المنطقة. وقد اختارت الولايات المتحدة الأمريكية العراق للبدأ بمشروعها السياسي بأعتباره أضعف حلقة من حلقات السلسلة وبسبب الذرائع التي وفرها نظام صدام حسين للأمريكان لغزو العراق.
ان الموقف السليم من المشروع السياسي الأمريكي في العراق يجب ان لا يستند على المسلمات الأيديولوجية المسبقة التي ترفض كل ما هو أمريكي وترحب بكل ما هو معادي للأمريكان بل يجب ان يستند الرفض أو القبول على معيارين الأول هو هل ان هذا المشروع يخدم مصالح الشعب العراقي؟ والثاني هل ان هذا المشروع قابل للتطبيق؟
ان من حق الكثيرين ان يرفضوا المشروع السياسي الأمريكي لانه أستخدم الحرب والاحتلال كوسيلة لتحقيق هذا المشروع بما تحمله هذه الحرب من كوارث ومآسي للشعب العراقي الذي عانى كثيرا ولم يعد يحتمل المزيد. ومن حق الكثيرين أيضا يرفضوا المشروع الأمريكي لان هذا المشروع قد تم تصميمه وأعداده خارج الحدود ومن لدن أناس ليست لديهم الخبرة الكافية بعادات وثقافة الشعب العراقي.
لكن هناك أطراف ترفض المشروع الأمريكي لأنها ببساطة لا تريد الديمقراطية وتسعى جاهدة الى إعادة الديكتاتورية تحت يافطة صدام أو أي ديكتاتور آخر لا يختلف عنه ولايقل شراسة ووحشية. وإزاء هذه النقطة بالذات ينبغي الحذر وعدم تشجيع الاعمال الارهابيه وملاحظة ان المقاومين الحقيقيين للاحتلال اختاروا في الوقت الحاضر أسلوب المقاومة السلمية من خلال الانخراط في العملية السياسية وقد حققو الكثير في هذا السياق.
ان الموقف الرصين (برأينا) من المشروع السياسي الأمريكي يجب أن ينطلق من دراسة عميقة للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع العراقي.ان هذه الدراسة يمكن ان تقودنا الى ان البيئة العراقية ترفض محاولات فرض نظام سياسي معين بشكل قسري وسريع ومن خلال آليه مستنسخه لاتأخذ الحقائق الموضوعيه على الارض بنظر الاعتبار.
وإذا انطلقنا من حقيقة ان الديمقراطية هي مشروع وطني عراقي فيجب ان نأخذ في الحسبان ان القوى الديمقراطية العراقية بتياراتها الثلاثة ( الإسلامية واللبرالية واليسارية) تعاني من ضعف شديد. فالتيار الديمقراطي داخل الحركات الإسلامية السياسية ضعيف وغير قادر على تعبئة الجماهير واستمالتها الى طروحاته الفكرية والسياسية لاسباب كثيرة موضوعية وذاتية والتيار الليبرالي غير متجذر جماهيريا" ويقتصر على بعض النخب السياسيه.
أما التيار الديمقراطي اليساري فقد فقد كثيرا من نفوذه الجماهيري بسبب التغيرات الهائلة التي حدثت على المستوى الدولي بما فيها انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وكذلك بسبب الضربات الموجعه التي تعرض لها هذا التيار على يد السلطه الديكتاتوريه وخاصة" بعد عام 1978 رغم ان هذا التيار يحاول استعادة فاعليته وتأثيره على الساحة السياسية بالتأسيس على مايمتلكه من جذور عميقة وخبرة سياسية وتأريخ نضالي .
لقد أثبتت أحداث العام الأول من الاحتلال الأمريكي للعراق ان القوى الرافضة للتغيير ( بغض النظر عن دوافعها) الداخلية منها والخارجية قادرة على وضع العقبات والعراقيل بوجه هذا التغيير وهي قادرة أيضا على إشاعة أجواء الفوضى والاضطراب الذي يدفع المواطن العادي ثمنه باهضا دون ان تلوح في الأفق أية بوادر لانحسار حالة الفوضى والغريب أن تذمر المواطن العادي بدأ ينصب على الوضع الجديد وعلى مجلس الحكم وليس على القائمين على افتعال حالة الفوضى! ماذا يعني ذلك؟
ومن سخرية الأقدار ان الحريات التي وفرها الوضع الجديد في العراق قد استفاد منها الى أقصى حد أعداء الديمقراطية والمروجين للعنف أكثر مما استفادت منها القوى الديمقراطية وينطبق ذلك على حرية الصحافة والتظاهر والتعبير أما حرية الأحزاب فقد اثمرت نشوء العديد من الأحزاب الوهمية التي قد نكون مجرد واجهات لنشاطات غير معروفه.
ان مشروعا وطنيا" لاقامة الديمقراطية في العراق – براينا-يجب ان يكون متدرجا وعلى مراحل محسوبة بدقة وأن يركز على معالجة مساوئ النظام السابق حسب أولوياتها وانعكاساتها على حياة الناس وأن تعطى الأولوية الأولى للنواحي الاقتصادية وأعادة أعمار البلد المدمر .
ان المشروع الوطني يجب ان يتضمن فترة انتقالية طويلة نسبيا (عدة سنوات ) يتم خلالها إنجاز المهام الجوهرية الآتية:-
0العمل على إزالة الاحتلال وفق جدول زمني وبما يضمن المصالح العليا للبلاد.
· إزالة مظالم النظام السابق.
· ترسيخ مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء.
· تشكيل جيش وطني وشرطة وطنية محترفة وبعيدة عن الولاءات السياسية والعشائرية والقومية والطائفية.
· إشاعة الثقافة الديمقراطية وثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر.
· حرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية الصحافة وفق مراحل
يمكن وفقها اتاحةحرية التظاهر والإضراب في مرحله لاحقه واجراء الانتخابات العامة في نهاية المطاف.
أن المهام المشار إليها يمكن ان تنهض بها حكومة انتقالية تضم عناصر من التكنوقراط و السياسيين تنبثق عن مؤتمر وطني عراقي.
ويمكن ان تخضع هذه الحكومة الانتقالية الى مراقبة مجلس وطني ( يقوم مقام السلطة التشريعية) ويتألف من سياسيون ترشحهم الأطراف الآتية :
1. المرجعيات والأحزاب الدينية.
2. الأحزاب الوطنية والديمقراطية .
3. العشائر.
4. المنظمات المهنية والنقابات.
ويمكن ان يصار أيضا الى اختيار رأس للدولة يكون رمزا لوحدة وسيادة العراق خلال المرحلة الانتقالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ساهم متابعي برنامج -ماذا لو- بتطوّره؟ • فرانس 24 / FRAN


.. رومانسية خيالية، غرام مأجور... اليابان، مختبر أشكال الحب الج




.. العنف الجنسي ضد القاصرات: -ظاهرة متجذرة- في الـمجتمع الـمصري


.. فوضى ونهب وعنف في كالدونيا الجديدة.. هل استقر الوضع الأمني؟




.. التطبيع السعودي الإسرائيلي.. غاية أم وسيلة؟