الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمصلحة من يتم استهداف العراق الفدرالي؟

احمد ناصر الفيلي

2010 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



تعرض العراق الفدرالي منذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة والمبتذلة في 9نيسان 2003 الى مسلسل دموي متعدد الاشكال ، والأساليب ، وتخريب اقتصادي منظم لشل ما تبقى من قدراته الاقتصادية المنهوكة اصلا بارث سياسات نظام البداوة البائد ، بغرض استهداف تجربته الوليدة الناهضة ، ومشروعه السياسي الحضاري الجديد الهادف الى اقامة صرح النظام الديمقراطي التعددي ، وأرساء دولة القانون، والحريات العامة والعدالة الاجتماعية التي تكفل لجميع قومياته واثنياته وطوائفه ودياناته حقوقهم وفق معادلة تشاركية توافقية جديدة تنبع من الارث والمضمون الحضاري لعصرنا . وقد بقيت هذه المنطقة بعيدة عن مفاهيمها ، وافكارها ، وقيمها وفي مقدمة تلك القيم حقوق الانسان وحرياته الاساسية برغم مظاهر الاحتجاج والحركة والمطالبة بالاصلاح.. ترى لمصلحة من يتم استهداف العراق الفدرالي الجديد؟! ولماذا هذه الهجمة الشرسة على حياة الناس ومعتقداتهم وافكارهم بالشكل الذي نراه كل يوم وآخرها الاعتداء التكفيري الآثم الذي طال الاضرحة المقدسة في سامراء ، كما طالتها قبل عام وباصرار يفوح منه عفونة الفهم والعقيدة العمياء القائمة على شرعة القتل واستباحة الدماء التي حرم الله سفكها ، واشعال فتنة وقانا الله شرورها.
فالعراقيون الذين اتفقوا على حقوق المشاركة ، اذ يتطلعون الى اقامة دولة الحرية والديمقراطية ويبتغونها نظاماً ثابتاً لقناعتهم المؤكدة النابعة من خضم تجارب تاريخية مريرة ، بأنها النظام الأسلم والاكمل لحفظ وصيانة حقوقهم وترسيخها ، وطوال عهود الدولة العراقية هدرت هذه الحقوق واستبيحت على مذبح السياسات الشوفينية العنصرية الحكومية اتجاه المكونات الاجتماعية وفي مقدمتهم العرب ، والكورد ،/ والتركمان ، وكلدوآشور وغيرهم. ومع اختلاف قوى الهيمنة الخارجية.
فان الصفة التي لازمت الدولة الناشئة هي انتقالة من الاستبداد العثماني الى ، الاستبداد الفئوي ، ورغم قيام الدولة الجديدة على مبدأ تجاهل خارطة تضاريسه المجتمعية فأن عدم معالجة الآثار السياسية والاجتماعية للمخلفات العثمانية بما تركته من رواسب سيئة وثقيلة في الوعي الاجتماعي المجتمعي والشعبي يعد من اخطر الامور ، بل وقد استمرت الاضطهادات بوتاتر متصاعدة في ظل عهد انبثاق الدولة وصيرورتها الوطنية. طوال عهود دولة العراق تحكمت نخب مثلت قوى اجتماعية محددة التحمت مصلحتها بالحفاظ على السلطة مع مصالح القوى الدولية المتحكمة حينئذ ولم تبال بما يجري في البلد من أزمات ، ومشكلات وكان همها الاول والاخير هو الاستئثار بالسلطة ، واحتكارها عبر خلق ولاءات جانبية ، وخاصة في جميع مفاصل الدولة وعلى حساب اغلبية مكوناته الاجتماعية والتي ادت الى عزلتها ، والى الاعتماد كلية على قاعدة اجتماعية محدودة ، وهو ما قاد واسفر الى مذهب الدولة الذي ادى الى تشظي المجتمع ، وشيوع افكار الاحتراب الداخلي ، وتأجيج مشاعر العداء لفئة اتجاه اخرى الى جانب العوامل السياسية الناشئة عن نشاطات القوى السياسية المناوئه،والمنادية بالديمقراطية والحقوق ، فبدلا من ان تكون الدولة راعية للجميع، وصمام أمان راح تمذهبها يزجها في اتون صراعات لاهبة ومتعددة الالوان ، والاشكال وقد اسست تلك الممارسات لمراحل اسوأ حيث رفدت الذهنية المجتمعية بمجموعة النظم والافكار المستعدية المؤدية الى هدم اسوار الوحدة الوطنية ، وتغريب المجتمع ، فضلا عن الحروب، والويلات ، والكوارث الماحقة التي جرت البلاد والعباد الى الفواجع الكارثية التي الحقت الدمار بالثروة الاجتماعية ، وحطمت الطاقات البشرية ، وهدمت البنى التحتية والارتكازية ، وقد تجلى ذلك واضحا في عهد النظام البائد. قبل سقوط النظام كان هناك بركان يغلي تحت السطح يحتاج الى قوة عاتية كي تفجره , وكان نقطة الانفجار عصية على قوى الداخل ، مثلما كانت الفاشية عصية على الداخل الالماني والتي لم تقتلعها الا رياح التحالف الدولي ضدها كان تحت السطح الكثير من التناقضات المتعددة الاتجاهات والمفتقدة الى ناظم. بعد السقوط فرضت معادلة اقليمية جديدة مخر عباب السياسات الداخلية والخارجية لكل الانحاء ، فالمعادلة الديمقراطية والنظام البرلماني الذي اصبح مشروع الرؤية السياسية في العراق ، يقض مضاجع قوى اقليمية معروفة الممارسات والدور وتعاني انظمتها من النخر، والتآكل فعمدت الى تجنيد طاقاتها العدوانية واجندتها اللوجستية العلنية والسرية ، كيما تؤثر في الوضع الداخلي في العراق بقصد زعزعة استقراره ، وتأخير ما امكن من بناء مشروعه السياسي وتنميته الاقتصادية ، وهو ما سيجعله غير قادر على بناء نفسه وتغذية المفاهيم الجديدة ومتطلباتها فضلا عن ما تشيعه موجات القتل والخراب من رسالة الى القوى السياسية والاجتماعية المؤهلة للانفجار في اية لحظة داخل بلدانها من ان التغير الخارجي يجر معه قاطرة الخراب الدامي ، فضلا عن ما تحسه هي من خسارة جراء فقدانها الاموال المبذولة من قبل الدكتاتور البائد لكل من هب ودب بأستثناء العراقيين انفسهم. ومن الطبيعي ان تؤدي مناخ الحرية الفجائي لحرية الاحتجاج والحركة الى جانب بعض الاخطاء الى التقاط الانفاس لبعض فلول النظام البائد للتهيؤ للعمل من جديد مستفيدة من تراكم مخزونها الارهابي السلطوي ، والتحالف والتلاحم مع قوى الارهاب والتخريب من اجل قتل الابرياء وتدمير البلاد ، وكان التدمير الذي احاقوه بالبلاد منذ ما ينيف على نصف قرن لم يعد كافياً لاشباع نزواتهم الدموية ونزعاتهم العدوانية ، وكان التعويل على ما تبقى من النشيد القوماني اليتم ، وفلسفته الفارغة في آذهان السذج احدى محاور اعادة التنظيم متناسين اللعنة التاريخية الماحقة التي نطقها التاريخ بحقهم، فعلى مدى قرن تحول الفكر القومي على يد هؤلاء الى التشبع بالفكر الفاشي التي تضع الدولة فوق الأمة ، والنخبة فوق الجميع، والحزب الواحد فوق الكل مطبقا مقولة موسوليني الشهيرة (لا شيء خارج الدولة لاشيء ضد الدولة كل شيء داخل الدولة) هذا الاطلاق الذي نشأ في منعطف اوربي معروف متمثلة بالحرب الكونية الاولى ونجاح ثورة البلاشفة تحول الى قول مقدس تعيد السلفية انتاجه على مستوى متدن من الفكر، ومستوى اعلى من القسوة. ابتدأت القوى الظلامية المتلاحمة باكورة عنفها على مر السنوات المنصرمة في مناطق قاعدتها القديمة الاكثر تمثيلا في المؤسسات المفككة ثم تحول العنف بسلسلة متدرجة من ضرب القوات المتعددة الجنسية كرمز للاحتلال ، الى حملة اجنبية ضد كل ما هو اجنبي من مقار الامم المتحدة الى المنظمات الانسانية كالهلال والصليب الاحمر الدوليين ، ووكالات الاغاثة. ومع بدء تشكيل نواة الحكومة الاهلية المتمثلة بمجلس الحكم ومن ثم الحكومة المؤقتة تحول العنف الى حملة لتعطيل الانتقال السياسي عبر استهداف المؤسسات الحكومية ، وتفجير منشآت النفط والغاز في مسعى لشل العملية السياسية والنشاط الاقتصادي ، وبعد نقل السيادة ومغادرة بريمر وظهور الانتخابات اتخذت استهداف الرموز الدينية الشيعية والسنية والمسيحية منعطفاً استراتيجياً جديد بأمل حدوث شروخ اجتماعية تشكل مدخلا لحرب طائفية تقود الى الانهيار الكامل لمجمل العملية السياسية وقد وقع المد الارهابي للقوى الظلامية في مأزقه المسدود وقد دللت انتخابات كانون الاول من العام المنصرم على التمام المكونات الاجتماعية وفئات المجتمع وطبقاته في السير بالعملية السياسية قدما الى الأمام بأفاقها الديمقراطية واحترام الخصوصيات واتخاذ طريق صندوق الاقتراع طريقا جديدا في التنافس السياسي المشروع وبذلك احترقت الاوراق الصفر لرهان القوى الظلامية ففي ترسيخ اطر الدولة الديمقراطية ستضيع افكار الدولة التوتاليتارية والدولة الاحادية اثنيا وطائفيا وكل اشكال الهيمنة الى غير رجعة وقد تحقق منعطف تاريخي كبير في العراق حيث لا يمكن لاية قوة من أن تعيد عقارب الساعة الى وراء.
ومع طرح مشروع حكومة وحدة وطنية على قاعدة مبدأ الاستحقاق الانتخابي والوطني وهو ما آتاح فرصة كبيرة لاقامة حكومة تشاركية كفيلة بتحقيق التحولات والتغيرات الجذرية والتي لو احسنت القوى السياسية الوطنية استخدامها ولو انطلقت من الرؤية الوطنية بابعادها الشاملة وامالها ولو استوعبت مقتضيات اعادة البناء لكان التحول شاخصاً وواضحا للعيان لكن انكفاء القوى على ذاتها وصراعاتها الجانبية لاهداف ضيقة اعاق الاداء الحكومي والبرلماني ، وبدلا من ان يتوجه الجهد الجماعي لبناء البلاد وفقا لدستورها الدائم ومحاولة تحقيق نجاح ملموس في واقع الناس العياني والملموس وتحقيق مكاسب لو مرحلية لجموع الشعب ضاعفت الصراع من الحد من تقديم جهد متطور وملموس وعجز البرلمان عن مواكبة التشريعات المطلوبة جراء غياب غالبية اعضائه ولعبة الانسحابات المتكررة. ويتطلب هذا الموقف مرونة من جميع القوى في الترفع عن المكاسب الانية، والاستفادة من الدروس التاريخية البليغة القريبة حين كان الاقصاء والتهميش يطول الجميع وبما يخلق مرارة وغصة ويؤسس لمراحل اسوأ تسيء الى منظومة الافكار والعلائق والتقاليد السياسية الجديدة وخاصة في بداية مرحلة التجربة. ان تفويت الفرصة على القوى التي تتربص بالبلاد شراً واحتواء الازمات وبذل الجهود الجماعية من اجل درء المخاطر المحدقة بالبلاد من شأنها ان ترص الصفوف وتعيد للامور بريقها خاصة وان خطوة تاريخية كهذه ستضع قوى الظلام والردة بمواجهة مزبلة التاريخ وتستأصل شافة الارهاب ، وترسخ دعائم التجربة الوطنية الجديدة والتي ستشكل انطلاقة جديدة بكل افاقها الرحبة القائمة على الحرية والكرامة الانسانية ومن هنا مخططها الآثم في استهداف المقامات المقدسة لرموز الفكر والحرية والحضارة والشعور الانساني الدافق على مر الأزمنة. فالقوى الظلامية ليس في سجلها شيء مقدس لانها قوى تريد الهيمنة بالاكراه والقسر رغم عماها الفكري والانساني وقد سبق لصدام أن قصف المقامات المقدسة في كربلاء أبان انتفاضة الجنوب المباركة عام 1991. ان جريمة تفجير الامامين العسكريين جريمة نكراء تستهدف احداث شرخ في الجدار الوطني ، والمراهنة على اشعال نار الطائفية المتأججة التي من شأنها خلق خنادق متضادة ومتعددة وستدفع حتى بالمشاركين بالاصطفافات الوطنية الى مواقع متقلبة وخلفية لمرض في قلب قوى الظلام وهو ما لا يجر الا باللعنات الماحقة على هذه القوى ومشاريعها الدموية التي انقلب سحرها على الساحر وانطلقت حملات الاستنكار والادانة محليا ودوليا للتنديد بهذه الجريمة النكراء.
لقد ادت المرجعيات الدينية والسياسية دورا تاريخيا مشهودا سيظل شاخصا ولامعا في التاريخ السياسي المعاصر للبلد عبر تأكيدها على التلاحم وكشف ابعاد المؤامرة والمخطط الذي يستهدف المشروع السياسي مثلما يستهدف حياة الناس الابرياء. ان منطق الحكمة والتروي والعقلانية كفيل بأحباط كل المساعي التي انطلقت للمساس بالتجربة الديمقراطية الناهضة والتي لا ولن تتوقف الا بتحقيق الوعي الوطني القادر على تجاوز كل المخاطر والتحديات المحدقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل