الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في واحة -شاباك لاند-

وليد ياسين

2010 / 5 / 11
حقوق الانسان


في العام 1969 تنبأ الفيلسوف الإسرائيلي يشيعاهو ليبوفيتش ان "الاحتلال العسكري للأراضي المحتلة عام 1967 سيؤدي إلى انهيار دولة إسرائيل وتآكلها كدولة ديمقراطية يهودية، وأنها ستتحول في النهاية إلى دولة شاباك، يتحكم هذا الجهاز بمفاصلها الرئيسة".
لم تمض سنوات طويلة، حتى تحققت تلك النظرة الثاقبة للبروفيسور الراحل ليبوفيتش، وبالطبع، كان المواطنون العرب اول ضحايا دولة الشاباك وتآكل الديمقراطية التي لم تكن قائمة بالنسبة لهم، أصلا، منذ قيام اسرائيل. فـ"الديمقراطية" الاسرائيلية لم تتوقف يوما عن الكيل بمكيالين: الاول، شبه كامل، لليهود والثاني، منقوصا فمعدوما للعرب.
وحين يقود دولة الشاباك هذه شخص مثل يوفال ديسكين، الذي جاء من خلفية عنصرية معادية لكل ما هو عربي وكان من أول تصريحاته، التي لم تتوقف منذ تعيينه، ان جهازه سيقوم بإحباط أي نشاطات عربية تهدف إلى تغيير الطابع اليهودي والصهيوني لإسرائيل، حتى وإن كانت تلك النشاطات تتم بوسائل وأساليب قانونية وغير محظورة، اضافة الى اعتباره للمواطنين العرب في اسرائيل "يشكلون تهديداً استراتيجياً على وجودها ويتماثلون ويتساوقون مع محافل معادية"، في دولة كهذه يصبح العربي، كل عربي محط شك وتهديد، وتزداد هذه النظرة حدة حين يكون هذا العربي ناشطا سياسيا واجتماعيا، بل وحتى دينيا وثقافيا لا تتفق آرائه مع سياسة دولة الشاباك التي حاولت وفشلت بتنفيذ مخططات الأسرلة وتدجين المواطنين العرب.
وفي دولة "شاباك لاند" او "ديسكين لاند"، يصبح الوزراء في حكومة اسرائيل وجهاز القضاء مجرد اختام مطاطية توقع أوامر الاعتقال ومنع السفر لمجرد قرار يصدر عن ديسكين او احد موظفيه، يقضي بأن فلانا من الناس يشكل خطرا على أمن الدولة ويجب تقييد حرياته بمنعه من السفر او اعتقاله. وقد اعترف وزير الداخلية ايلي يشاي مؤخرا بحقيقة تحوله الى ختم مطاطي، يوقع مثل هذه الاوامر لمجرد تلقيه طلبات كهذه. ولا يتوقف الأمر على الجهاز السياسي في اذدنابه وراء "ديسكين لاند"، بل الأمر الأخطر من ذلك يكمن في اذدناب الجهاز القضائي وتوقيعه على اوامر الاعتقال وتمديد الاعتقال ومنع النشر الجارف عن اعتقال شخص ما، والامتناع عن التدخل في قضايا اختفاء اناس انتزعوا من بيوتهم في عتمة الليل، وزج بهم في اقبية الشاباك ليخضعوا لتحقيقات مضنية، أقل ما يمكن أن يقال عنها انها تخرق أبسط حقوق المعتقلين.
وفي قضية رئيس اتحاد الجمعيات الاهلية (اتجاه) امير مخول، ود. عمر سعيد، من قيادة التجمع، الكثير مما يعلمنا حول المخاطر الكامنة في اذدناب الجهازين القضائي والسياسي لديسكين لاند. لقد اعتقل عمر سعيد في 24 نيسان عندما كان في طريقه الى الأردن، ومنع نشر نبأ اعتقاله بأمر قضائي جارف، صدر بناء على طلب الشاباك، وجاء بعده باسبوعين، اعتقال امير مخول، فجر السادس من أيار، وأيضا صدر أمر بمنع النشر الجارف، حتى تراجعت المحكمة امام الالتماس الذي قدمته صحف وهيئات اعلامية عربية لرفع الحظر، فتم السماح بنشر نبأ اعتقاله واعتقال د. عمر سعيد، متضمنا معلومات مقتضبة حول أسباب اعتقالهما، تدعي انهما يخضعان للتحقيق للاشتباه بارتكابهما مخالفات امنية خطيرة. وللتهويل وتضخيم الحدث وتبرير امر منع النشر الجارف، اوضح الشاباك انه يشتبه قيامهما بالتجسس والاتصال بعميل من حزب الله. وفي اسرائيل يكفي ان يتم اعلان الاشتباه بالتخابر لصالح حزب الله حتى يتحول المشبوه الى متهم ويدان من قبل جهاز الاعلام العبري الشارع الاسرائيلي المجندين لصالح المؤسسة، قبل أن تصدر المحكمة قرارها.
يجب ألا نستبعد في ظل "ديسكين لاند" احتمال ادانة امير مخول ود. عمر سعيد بهذه الشبهات. وقد أثبت جهاز الشاباك الاسرائيلي مرارا قدرته على حياكة ملفات امنية ضد مواطنين لمجرد قيامهم باجراء محادثة عبر الانترنت أو التقاء شخص في مكان ما، يتبين لاحقا انه من الذين تشملهم القائمة السوداء لدولة اسرائيل. واذا كان يتم حياكة ملفات كهذه ضد مواطنين لا يعرفون من أين نزلت عليهم لائحة الاتهام هذه وكيف أصبحوا جواسيس لحزب الله، لمجرد محادثة في الانترنت او تبادل التحية مع شخص ما في الاردن او مصر او اوروبا، فكم بالحري حين يجري الحديث عن شخصيات سياسية ناشطة تنظر اليها اسرائيل بريبة وبعين الخطورة لما تقوم به من فضح للسياسة الاسرائيلية ولأكذوبة الديمقراطية الإسرائيلية من على كل منبر؟
لقد كان د. عمر سعيد عرضة للملاحقة منذ نعومة أظفاره على خلفية نشاطه في حركة أبناء البلد، وكثيرا ما اعتقل اداريا وتعرض لتحقيقات سرعان ما كانت تتمخض عن فأر بلاستيكي. ومثله يتعرض امير مخول للمراقبة والملاحقة على خلفية نشاطه السياسي العارم، خاصة على الحلبة الاوروبية والعربية، حيث شارك في عشرات المؤتمرات المناوئة للعنصرية والصهيونية والفاضحة للسياسة الاسرائيلية ازاء المواطنين العرب، وآخرها كانت الحملة التي قادها دفاعا عن الحريات السياسية للمنتخبين والقياديين العرب الذين قدموا الى القضاء على خلفية نشاطهم السياسي، كالشيخ رائد صلاح والناب محمد بركة والنائب سعيد نفاع. وشخصيات مثل امير مخول ود. عمر سعيد، وبالتأكيد هناك غيرهما، تنظر اليهم المؤسسة الشاباكية على انهم "خطر استراتيجي" يجب ألا يفاجئنا اذا ما لفقت اليهم تهمة التخابر مع تنظيم معاد لاسرائيل كحزب الله، الذي أصبح بمثابة "الموضة" التي يتذرع بها جهاز الشاباك اليوم، لاتهام شخص ما بالتقاء عميل اجنبي، على حد تعبير عضو ادارة "اتجاه" المحامية سلمى واكيم.
ولتوضيح معالم شخصية ديسكين وما يمكن أن تؤدي اليه التحقيقات مع مخول وسعيد، يمكن قراءة ما كتبه الصحفي الاسرائيلي غدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" قبل عدة أسابيع على خلفية تفجر قضية الجندية عنات كام التي قامت بتسريب وثائق عسكرية الى الصحفي اوري بلاو من ذات الصحيفة. لقد كتب ليفي أن "رجلا واحدا سيقرر كيف ستنتهي". وهو رئيس "الشاباك"، يوفال ديسكن. "فإذا قرر ديسكن ان كام والصحافي اوري بلاو سيعاقبان عقاباً شديداً فهذا ما سيكون؛ واذا قرر أن يغفر لهما فهذا ما سيكون أيضا. ستقبل النيابة العامة والمحكمة في آلية مخيفة قراره، ولن تفتح الحكومة والمعارضة فمهما، وستهتف وسائل الاعلام، ويصمت الرأي العام (او يتحمس). هذه هي الحال في دولة "الشاباك"، في ديسكن لاند."
وأضاف: "صحب رئيس "الشاباك" القضية في بدئها بـ "قفازات حرير" وبعد ذلك قرر "نزع القفازات". وهذه مسألة مزاج؛ فعندما كان مزاجه حسناً وكان ما زال يلبس الحرير اقترح ديسكن على بلاو أن يعيد جميع الوثائق وألا يحاكم. وعندما هدد بنزع القفازات لم يسأله أحد ما الذي يعنيه. هل فكر في اختطاف بلاو من لندن؟ أم يفكر في اغتياله؟ يهدد رئيس "الشاباك" صحافيا، ويجري العالم على عادته، ويصمت."
ووصف ليفي لغة ديسكين هذه بلغة الزعرنة وتساءل "عن أي دولة نتحدث؟ هل عدنا الى أيام إيسر هرئيل، الذي تعقب بأمر من دافيد بن غوريون ساسة وصحافيين؟ وماذا بشأن الكشف الصحافي لألوف بن في صحيفة "هآرتس، وبحسبه أمر الفائز بجائزة نوبل للسلام، شمعون بيرس، في ماضيه، "الشاباك" بتعقب قيادات القائمة التقدمية للسلام؟
وعاد ليفي وذكّر بقضية الباص 300، التي نفذها فدائيون فلسطينيون، وتم اعتقالهم وتصويرهم وهم على قيد الحياة، ثم ما لبث أن اعلن نبأ مقتلهم، حيث تبين ان رجال الشابك اقتادوهم الى مكان خفي وحطموا جماجمهم!
وخلص ليفي في مقالته الى التذكير بماضي ديسكين عندما كان يخدم في المركز القطري لـ "الشاباك" في نابلس وكان معروفا بـ "الكابتن يونس"، وقال نأمل الآن فقط بأن ينزل ديسكن عن الشجرة، وأن تنتهي القضية البائسة الى صوت خافت ضعيف. لكن اذا تغلبت عليه غريزته واستقر رأيه على السلوك بغير قفازيه الحريرين الشهيرين، اللذين لبسهما عندما كان معروفا بـ "الكابتن يونس"، فان كام وبلاو ينتظرهما مصير سيئ مرير. في ديسكن لاند، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط" (نهاية الاقتباس).
حين يقرر ديسكين في دولة "الشاباك لاند" ان الكاتب والمفكر ورجل الدين يشكلون خطرا على أمن الدولة، ويأمر بمنع مغادرتهم للبلاد، (كمنع الكاتب انطوان شلحت قبل اربع سنوات من السفر الى الخارج لمدة عام بزعم انه يشكل خطرا على امن الدولة، ومنع الشيخ عكرمة صبري وامير مخول وغيرهم من مغادرة البلاد بالحجج ذاتها، ) لا يبقى أي مجال للشك بأن واحة الديموقراطية الوحيدة المزعومة في الشرق الاوسط ليست الا غيتو يؤكد عدم تحرر امثال ديسكين من غيتوات مظلمة استهدفت يوما اليهود ليهوديتهم، فعايشوا الخوف وتقوقعوا فيه وباتوا يستشعرون الخطر حتى في قصيدة تتغنى بشجرة زيتون.
في مقالة سابقة نشرتها في العام 2006، وتطرقت فيها الى امر منع الكاتب انطوان شلحت من مغادرة البلاد، كتبت ما يلي:
في دولة ديموقراطية حقيقية يمكن طرح ادعاء كهذا الذي يطرحه الشاباك بشأن "الخطر الأمني" المزعوم الذي "قد ينطوي عليه السفر إلى الخارج" فقط إذا اثبت أصحاب هذا الادعاء حقيقة "الخطر" المزعوم، بالأدلة والبراهين، وعلى القضاء أن يحسم ما إذا كان هذا الادعاء صحيحا أو واهيا. لكن في دولة يديرها الشاباك، ويمكن له أن يوجه تهمة "الاتصال بجهة "معادية" لأي شخص دون أن يلزم على إثبات ذلك، يصبح القانون والقضاء مجرد وشاح ترفعه "واحة الديموقراطية" للتستر على جرائمها بحق الكلمة الكتوبة. وحين يعتمد رئيس حكومة على ادعاءات كهذه، ويرفض كشفها، تحت ستار "السرية" يصبح هو أيضا في قفص الشك والاتهام". هذا الكلام يصلح قوله اليوم، في قضية امير مخول وعمر سعيد، بعد اربع سنوات من كتابته، كما يصلح تماما، بعد 41 عاما، التذكير بما كتبه البروفيسور ليبوفيتش عن "انهيار دولة إسرائيل وتآكلها كدولة ديمقراطية يهودية، وتحولها في النهاية إلى دولة شاباك، يتحكم هذا الجهاز بمفاصلها الرئيسة" وهذا هو ما يحدث اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسط الحرب.. حفل زفاف جماعي بخيام النازحين في غزة


.. مظاهرة وسط تونس تدعو لإجلاء المهاجرين من دول جنوب الصحراء




.. ميقاتي ينفي تلقي حكومته رشوة أوروبية لإبقاء اللاجئين السوريي


.. بمشاركة قادة سياسيين.. آلاف الماليزيين يتظاهرون في العاصمة




.. وسائل إعلام إسرائيلية تتناول مخاوف نتنياهو من الاعتقال والحر