الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوغا

يحيى علوان

2010 / 5 / 11
الادب والفن


مُتَهَجِّساً ، يَجوسُ قاعَ السَكينَةِ ، بعـدَ أنْ أَهـدَرَ كلَّ شيءٍ ، سوى شُربَةِ مـاءٍ ..
كَفٌ معروقةٌ ، تَخثّرَتْ عليهـا السنون .. ومِسبَحَةٌ يَطُـقُّ بحبّاتِهـا صَفيـحَ الـزمنِ ، علـى إيقـاعِ قلبِـه اللائب ...
منْ كُهوفِ الشَكِّ أتى ، يَطرُقُ بابَ " الفَرَجِ "!
بِنَصلِ الذكـرى ، يُجَرِّحُ سُوْرَ النسيانِ .. ويَدري أَنَّ ذاكرَتَهُ ، لَعنَتُهُ ، وأُمُّ خَرابِـهِ !
:::::::::::::::::::::::::
مِثلَ بوذا ، يجلسُ مُتَرَبِّعـاً ، يُحَدِّقُ في جُمّـارِ المـدى ... عَلَّهُ يَظفَرُ بِلقاءٍ مُترَعٍ بالجنونِ مع أبجديته ..
مُتوَجِّسَاً ، يدلِفُ إلـى داخِلِه ، كأنّـه يُحـاوِرُ الصَمتَ مُتَلَعْثِمَـاً ،
غَيرَ مُكْتَرِثٍ بِغُبـارِ ظِـلٍّ دَهَسَتهُ عربَـةٌ مُسرِعَةٌ ،
فَيروحُ يَتَزحلَقُ على جليدِ كَذبٍ مَبثوثٍ ... يَتَظاهَرُ باللا أدريَّةِ ، كـي لا يُصابَ بكآبَةٍ الخَيبَـةِ ،
وسطَ ظُلمَـةٍ تَعَضُّ جناحَ المُهجَـةِ ..

يُسائِلُ " فاوست الأيرلندي " (1) : "لمـاذا لا يَستَحِي الباقونَ عندما يَلبَسُ الشاعِرُ عَبـاءةَ الصمتْ ؟!
لماذا يُساقُ كلُّ شيءٍ إلى المزابلِ والخراب ؟!
يا لوَيْلَـةِ التأريخ (2) مِنّا !!
سَنُعيدُ خَلْطَ عَجينه مرةً أُخرى ، نَخبُزُهُ من جديـدٍ ، على نارٍ هادئـةٍ ، فـي تَنّـورِ الإحساسِ بالمهانـةِ والذُلِ !!"

* * *

"وحياتِكَ ، يا مَفيستو ، أنا لمْ أَختَرْ أَنْ لا أختـار(3) .. لكنْ غـدا لـي رأسانْ !
فبأَيٍ منهما أَختار .. ، وكلٌّ منهمـا يَنشُدُ ناحيـةً معاكسةً تُريـدُ جَـرَّ بقيَّةَ جسدي ،
حتى تَتَمَزّقَ الأسئلةُ وَتَتَفَجّرُ ، كما الفقاعاتِ ، قبلَ أَنْ تصِلَ حافّاتِ الشِفاهِ ؟!
أَعِنِّي ، يَرحَمُكَ الله ، يا مَفيستو !
ماذا أَفعَلُ ، فعينايَ تَكذُبانْ ؟
لا تَرَيانِ الحاضِرَ يَبكـي مستقبلاً هَرَبَا ،
ولا " تُرهِفانِ " لأُغنيَةٍ تُسافِرُ للصَبَا ،
لا تَرَيانِ العالمَ إلاّ جميلاً كما يُقَدَّمُ
للسواح ، وفي إعلانات السياحة .. !!"
غِوايـةٌ لَعُـوب ! ميدوزا في النهـار .. وفاتنـةٌ في وحشةِ الليل !
صاحِبُكَ ، فاوست الأيرلندي ، حَجَّ إلى ماثيو في جبال الثلج ..(4)
إلى أَينَ نَحِجُّ نحنُ ، وأَيـَّةُ كُفَّارةٍ عنْ خَطايانا نُقَدِّمُ ، كـي تَنْزاحَ عَنّا .. آهٍ ، هـذه اللّعنَـة ؟!
أَحزانُنا ، ليستْ فَرديَّةً !
مُنهَمِكونَ ،كما تَرى ،نَسقي القِرَبَ من ماءِ السرابِ .. نُخَمِّره ُ بروحِ العَوسج ،
نَزرَعُ الآمالَ فـي الرمادِ ، عسى ، ولعَلَّ .. يَتغيّرُ "الكَمُّ " "نوعاً " بحولِ الله وقوته !!
عُـراةً صِرنا ، لَمْ يَعُدْ لدينا ما " يُفَسِّرُ" كُلَّ شيءٍ .. في كُلِّ زمانٍ ومكانْ !!
سَنشرَبُ الظُلمَـةَ من كأسِكَ يا مَفِيستو !(5)
:::::::::::::::::::::::::

هَلْ كانَ مُهِمَّـاً أنْ نكونَ شهوداً ، أو شُهَدَاء َ...
تَعِبنا من دورِ الشاهد .. من المشاهدةِ .. فَقَـدْ ضاعَ الكثيرُ هباءً هباءً !
سنَختارُ للدمِ لونـاً آخرَ ، غيرَ الأحمر ، فلدينا كفايةٌ من "السباخ" ، مِمّا يرفَعُ الضغطَ إلـى مشارفِ الجَلطَة !

تَعِبنا من الشَدِّ !
إلى أينَ نَشُدُّ الرِحـال ، فقد حَفِظنا المزاميرَ كلّهـا ، مزاميرَ داوودَ .. وحتى أبيه !!
تَعِبنا من الموتِ .. من "حضارةِ" الموت ،
من إعلامِ الموت .. من مُثَقّفي الموت ،
ونياشينِ الموتِ .. ونُصوصِ الموتِ ..
نحنُ مُشَرّدو اليوتوبيا ، هَرَبنا لما بعدَ السماءِ السابعة ! نجهَشُ بالنورِ ،
كي لا تَستقيمَ الخطيئةُ ، فيَهلَكَ البيانْ ... لأنَّ هناكَ مَنْ يُصرُّ على تَدْجينِنا كي ما نكونَ "قَنوعينَ" ،
نكِفَّ عن "النَقْ!" ، وعن محاولةِ إقتحامِ " السماءِ بقبضاتٍ عارية "!
لَمْ يبقَ أمامنا ، غيرَ أَنْ نُلَملِمُ ذؤآباتِ طيوفِنا ، نُرمِّمُ المرايـا ، مُكسَّرَةً ، بعجينة الـ " خيّاط فرفوري "(6)
حتى لا ننسى مَنْ نحنُ ، وكيف كُنّا ..
نَفرَحُ عندما الأشياءُ تَبلى وتَصدأ ،
عزاءٌ يتيمٌ ... حيثُ لا مرسـىً في خَبَلِ الموج ...!!

* * *

نُؤثِرُ الصمتَ الفصيحَ ، لأننا لا نملِكُ كلاماً عنه مرضِيّاً ..
لا نملِكُ إلاّ الدهشَةَ وعلاماتِ الإستفهامِ والتعَجُّب ..!!
::::::::::::::::::::::::
فَمَـنْ أَبَّـنَ حَمدانَ القِرمطيَّ ؟!
مَنْ قَرأَ سورةَ الفاتحة على سِنِمَّارَ يُلقى للحُتوفِ ؟!
... الإهمـالُ بالإهمالْ ، والنسيانُ بالنسيانْ ، والباديءُ أَظلَمْ !!

نَتَكِيءُ ، وأوجاعَنا ، على شوقٍ ما فَتِىءَ نَدِيّاً ، نَرجِمُ العَتمَةَ بشرَرِ مَنْقَلَةِ(مَجْمَرَة) الغَجَرِ ،
فَنُذيبُ ما تَجَمَّدَ من مُفرداتٍ عندَ سواحِلِ القولِ ، إذِ إنحبَسَ عنها رِضابُ المَجَـازْ !"
" قُلْ لماركْ توينَ ، يا مَفيستو ! أَنَّ نوحَ قَفَزَ في اللحظةِ الأخيرةِ ، إلى الفُلْكِ !
ولَـم ْ يَعُـدْ أَيُّ معنىً لأَسَفِهِ !! "(7)


* * *

كَسَرنا قيثارةً وربابةً وناياً ،
لنْ نعزِفَ لفُرسانِ المُجَنْزَراتِ ، يَتَخَوْصَرونَ " لُعَباً " تُتَأتيءُ موتاً ..
يُمكِنُهم أنْ يَصبُّـوا علينـا ما شاؤوا من رصاص ،
لكنْ مَنْ سيحمِلُ عنهم مـا سَنَصُبُّ عليهمْ من دَمِنا ..؟!
تَرَكنا لهم "هوسات" العشائرِ ، "مَقْتلَ " الكعبي ، "دُعاءَ الكُمَيْلْ " وما يُقالُ عن "أَحلامِ العصافير"!(8)
عاجِزونَ عن الوفـاءِ أَصبحنـا .. لا نُتقِنُ حِياكَةَ أَردِيَـةِ النسيان !!
فذاكرتُنا ليستْ عَذراءَ ، مثلَ ورقةٍ ما داسَها حبرٌ ولا قِرطاس !!
نحنُ الوَقودَ ، ونحنُ الشهودَ ... شهودَ زُورِهـم !
لَمْ يُولَدَ بَعدُ مَنْ يَحجِبُ عنّا قَمَـرَ الذِكرى !
:::::::::::::::::::::
أَوهمنا أَنفُسَنا بإمكانيةِ صَهرِ الأشياءِ كلّها ، عظيمِها وحقيرِها ، ونَسينا أنَّ هذا خلطٌ غير جائزٍ ...
فأمستْ أرضُنا وطنَ "الأوراق المخلوطة "، وطنَ الكلام المُسيلِ للدموع ،
وطنَ الوعودِ الكاذبة ... وطنٌ هربَ أمانُه منه ، حتى كَفَرَ الله بالصلاة ...
وطنٌ يَربِضُ على "الأطلالِ" والخراب والقُمامة ... حيَّاً مثل جثّة ،
مُعفَّراً بالغبار و"ديكور"ٍ لَقيطٍٍ لديمقراطيةٍ شوهاء !!
رَصيناً ، هاديءَ البالِ ، أو هكذا يبدو ! ، يَسيرُ إلى حيثُ يُزهِرُ الملح ..!
.. يخرجُ من فاجعةٍ ، فيروحُ يبحثُ مَهوُوسَاً عن قاعٍ آخر ...
يَلهَثُ نحو شواطيء الخُرافَـةِ ،
وطنٌ هَـدَرَ ذاكرتَهُ ليدفعَ للمُنجّمينَ والسَحَرَة ...
يَتَسَوَّلُ مُخَدِّراً ضد قُرحَـةٍ فـي الدماغ !
فَهلْ يُعوِّضُ دَمعُ النَدَامةِ ما إنسَفَحَ من ماءِ الوجـه ؟!!
وكيفَ يُستعادُ ما "أَكَلَتهُ العقاربُ "؟! (9) إذا أَرَدنا لِغدِنا أَنْ لا يكونَ مَكروراً كأَمسِنا ؟!!
... كيفَ السبيلُ حينما يغدو الليلُ صخرةً عظيمةً تَحُطُّ على صدرِكَ ؟
والأَمَلُ نحيلاً كشَعرةِ معاوية ؟! ويصيرُ " حتى أَدنى طِماحٍ غير مضمونِ "!
عندها لنْ يبقى لكَ ، سوى أَنْ تمتطي "دابَّةَ الزمن " ، تُغادرَ هذا العصرَ
وتسوحَ في المستقبلِ ، كما فَعَلَ لوقيان (10) قبلَ أَلفَيْ عامٍ تقريباً ...






----------------------------------------
(1) “Irish Faustus a Morality in nine scenes” E.P. Dutton&co INC 1964,Lawrence Durrell .
(2) بلزاك :"هناك تأريخان ، تأريخ رسميٌ كاذب ، يُدَرَّسُ في كُتُبِ التعليم .. وتأريخٌ آخر ، مخفيٌ ينطوي على الأسباب والأحداث الحقيقية ".
(3) في مسرحية "فاوست الإيرلندي" لداريَلْ لورنس (1912-1990) يُخاطبُ مَفيستو فاوست :"لقد إخترتَ الطريقَ السهلةَ عندما تَجَنّبتَ الإختيار "!
(4) في الفصل الثامن من المسرحية أعلاه ، يقعُ فاوست في تناقضٍ داخلي مع "شَقِّهِ" الآخر في حسمِ موقفه من أمر إتلاف الخاتم السحري ،
فيهرب إلى صديقه ماثيو ، الذي إعتكفَ في مغارة بين الثلوج في جبلٍ بعيد زاهداً ، مُبتعداً عن شؤون الدنيا ...
(5) مَفِيستو عند داريَلْ لا يشبه ما جاء به كريستوفر مارلو ، وجون مِلتون أو غوته ، شيطاناً ،رمزاً للشر، إنما رمزاً للذكاء المُفرِط وسرعة البديهة
وقوة المنطق والألمعية والإناقة ...
(6) مهنة إنقرضتْ ، أو تكاد ، يعكِفُ صاحبها على إصلاح ما إنكسَرَ من آنيَةٍ خَزَفٍ..صحون وأباريق .. بإستخدام عجينةٍ من النورة وصَفار البيض ،
وتعزيزها ، إنْ إستلزمَ الأمر برباطٍ من الأسلاك ورقائقِ الصفيح .
(7) مارك توين أعربَ عن أسفه لأنَّ نوحاً قد نجا من الطوفانِ ، فَوُلِدت البشرية من جديد ! لتقومَ بكل البشاعاتِ والحروب ، التي عَرِفَها
وكان شاهداً على بعضها ..
(8) أ- قراءة مَقتَلِ الحسين في العاشرِ من محرم ، خاصة بصوتِ وأداء الشيخ عبد الزهرة الكعبي ، أضحى واحداً من معالمِ "شعائرِ" الشيعة في العراق ،
إحياءاً لتلكَ الذكرى ،
ب- دُعاءٌ مُتَهَدِّجٌ ، يُقالُ انه يعود للإمام جعفر الصادق ، يُقرأُ عادةً في ليلة القدر ،
ج- مسعود البرزاني ، رئيسُ إقليم كردستان ، سَخِرَ من إمكانية وطموح الناس لأقامة عراقٍ مركزيٍ موحَّد .. بأنه "من أحلام العصافير "!
جاء ذلك في ما تناقلته وكالات الأنباء عن ما نشرته صحفية "نيويورك تايمز" يوم الثالث من أيار (مايو) الجاري
(9) قولٌ لماكبث- شكسبير- بعدَ أَنْ قَتَلَ أَبيه :" نفسي تأكلها العقارب" ، وهي كنايةٌ عن تأنيب الضمير ...
(10) لوقيان المولود عام[120 - 180م] في ساموساتا - بلاد كنعان ، نواحي حلب حالياً- يُعتبرُ أوَّلَ من مارسَ كتابة الخيال العلمي ،
والعهدةُ على دار رِكلام الألمانية والموسوعة البريطانية ، وأنَّ أولَ نصٍ للخيال العلمي وصل إلينا مكتوباً ، يعود له ، إذ يصفُ فيه رحلة إلى القمر
على ظهر سفينةٍ شراعية ، بأجنحةٍ هائلةٍ من خشب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان


.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز




.. تشييع جثمان والدة الفنان كريم عبد العزيز.. وتعديل موعد العزا


.. ما اقدرش اتخيل البيت من غير أمى.. كلمات حزينة من الفنان كريم




.. الفنان كريم عبد العزيز يمنع التصوير منعاً باتاً في جنازة وال