الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات على هامش واقع لا يرتفع

عبد الإله بوحمالة

2010 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ما هو الانطباع الذي يمكن أن يوجد عند المسؤولين المغاربة الذين تعاقبوا على تدبير شؤون البلاد، منذ الاستقلال إلى الآن، حينما يتأملون الحالة التي انتهت إليها وانتهى إليها المواطن بفعل "سياساتهم"، إن كان لهم وقتئذ، أو إن كان لهم حتى في وقتنا الحاضر، شيء يمكن أن نطلق عليه تجاوزا اسم سياسة، دون أن نضعها بين قوسين؟.
وما هو الإحساس الذي يحسونه وهم يتأملون مثلا عدد المهاجرين المقيمين بأوربا وأمريكا وكندا والدول العربية في الخليج؟. وكيف ينظرون لهذا الهروب العظيم وهذا الشتات من الناس، ممن أرغموا قسرا على الهجرة والاغتراب والفرار، وكأنهم مطرودون من جحيم حرب أهلية أو جائحة وباء، في سبيل كسرة خبز بسيطة وبحثا عن أسباب أولية للحياة لم تتوفر لهم في وطنهم الأم؟.
ألا يعتبرون أنفسهم مسؤولين مسؤولية مباشرة عما عاناه ويعانيه هؤلاء هنا أو هنالك في كل بقعة من بقاع العالم وأوطانه؟.
ثم ماذا يمكن أن يكون التفسير الذي قد يعطيه، مثلا، وزراء السكنى الذين أنيطت بهم مهمة تدبير هذا القطاع في المغرب، للوضع المزري الذي آلت إليه المدن والقرى الكبيرة والصغيرة؟..
هل يتفقون بأجمعهم على النظر بعين الرضى لهذه العلب الكبريتية المتراكمة التي يسمونها مدنا، وهذه الشوارع المحتقنة كأوردة دموية مصابة بالدوالي؟.. هل يوجد بين هؤلاء المسؤولين من أنبه ضميره، ذات صحو عابر، عن خيانته لأمانة الوطن ومشاركته في المصير الجحيمي الذي يعيشه سكان الدواوير ومدن الصفيح وأحزمة الفقر حول المدن؟.
هل فيهم من يعترف بينه وبين نفسه، صدقا، بأي نوع من التقصير أو الفشل؟. وهل يربطون بين عجزهم وفسادهم وقصور نظرتهم، واستفحال الظاهرة عبر السنين؟. وهل يعتبرون أنفسهم مسؤولين بشكل أو بآخر على تقهقر المواطن المغربي الذي يعيش حاليا في عالم الألفية الثالثة بعد الميلاد فيما يجد نفسه مضطرا إلى تدبير حياة الجحور والمغاور؟.
كيف يفهم وزراء التربية والتعليم الذين مروا من مناصب المسؤولية درجة التردي الشنيع الذي آلت إليه السياسة التعليمية بعد نصف قرن من الاستقلال؟.. كيف يقرؤون الأرقام المهولة والإحصاءات المحبطة لآفة الأمية؟.. وكيف يبررون انحدار التعليم إلى مجرد مفرخة عبثية للبؤس والبطالة والضياع؟..
كيف ينظر وزراء الداخلية، على قلتهم يا حسرة، ممن ساسوا البلد أمنيا إلى المآل الذي انتهت إليه سياستهم من تدهور أمني خطير وتفشي للجريمة وانتشار للعصابات المنظمة وتجار المخدرات؟..
ثم، كيف يا ترى انتهت أرض البنائين العظام الذين شيدوا المدن والقصور والصوامع الشامخة التي لا زالت تشهد على عبقريتهم وعظمتهم المتفردة في كل أرجاء المغرب وربوع الأندلس، إلى السقوط في يد هدامين لا يتقنون بناء مرحاض على قارعة الطريق فأحرى بهم أن يشيدوا جسرا فوق بحر أو نفقا يخترق جبلا أو طريقا يتحدى صحراء؟..
هل أرادت لنا الأقدار ألا تصادف دورة التاريخ منذ الاستقلال إلى الآن إلا عينة واحدة ووحيدة من المسؤولين ممن لا يبحثون إلا عن مصالحهم وامتيازاتهم ولم تصادف غيرها؟..
ألم يحدث أن جلس على كراسي ومناصب المسؤولية غير فاقدي الضمير وقصار النظر ممن لا يخططون لأبعد من بطونهم ولا يتطلعون لأبعد من أنوفهم؟.. هل هناك ضمن هؤلاء الذين مروا، من يمكنه اليوم أن يفاخر أمام المواطنين بأنه كان صاحب سياسة ما أثبتت نجاحها وأتت أكلها دون أن يكذبه الواقع وتصدمه الأرقام والإحصائيات؟..
لماذا لازلنا نراوح مكاننا كل هذه السنين، ولماذا نتحرك طول الوقت، إن تحركنا، "محلك سر"، وكأننا بدأنا بعد الاستعمار لا نتقن شيئا وانتهينا بعد التخلص منه بنصف قرن لا نتقن شيئا غير الفشل والتراجع؟..
لماذا نضطر الآن إلى القيام بما كنا ملزمين بالقيام به قبل عقود من الزمن؟.. ولماذا نقوم به بكل هذا الارتجال والترقيع لتضطر أجيال ما بعدنا لإعادته والبدء من حيث الصفر دائما؟..
لماذا ظللنا كل هذا الوقت نحلم بالمستقبل المشرق والغد الأفضل وظللنا بعد كل حقبة نستفيق على واقع بئيس يكرر نفسه أمامنا من سيء لأسوأ؟.. ولماذا دبجنا كل تلك الخطب العصماء والشعارات الكبيرة حول التحديات والرهانات ولم نجن على أرض الواقع، في الأخير، إلا الخيبات المتوالية والنتائج الهزيلة؟
ما هو العيب الجيني الذي تقاسمه كل المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير شؤوننا في فكرهم وممارساتهم وأسلوب عملهم ولم يفرز في المحصلة إلا كيمياء وحيدة هي كيمياء الفشل والنكوص؟
ما هو الخلل الموضوعي "الخفي" الذي هيمن على آلية فرز النخب السياسية والإدارية حتى ابتلينا بكل هذه الكائنات العدمية التي قادتنا لما نحن عليه الآن؟
إلا تنتهي كل هذه الأسئلة التي طرحنا إلى نقطة واحدة هي الغياب الشنيع والمقصود لما يمكن أن نسميه بعدالة الحساب وديموقراطية العزل؟..
ألا يجدر بنا، إن كنا نريد أن نتقدم فعلا، أن نحاكم الماضي وسياسة الماضي ورجال الماضي بشجاعة صارمة وبلا رحمة ولا تساهل ولا مجاملة؟..
ألا يتعين علينا، أن نتخلى نهائيا عن سياسة الإفلات من المراقبة والعقاب التي سادت لعقود، وأن نقطع دابر ثقافة الحصانة والاطمئنان التي يركب عليها كل فاسد لتحقيق مآربه الشخصية على حساب الوطن والأجيال القادمة؟..
أليس من العار علينا، في هذا الزمن الذي يدور بسرعة الضوء، أن نظل مرهونين فقط لذكاء الفساد والهدم والفشل؟..
أهناك بيننا من لازال لم يشبع فسادا؟..
أهناك بيننا من لازال لم يشبع حد التخمة من الفشل؟
أهناك بيننا من لازالت تستهويه رياضة "محلك سر" منذ خمسين سنة؟..
أليست نقطة البدء هي أن نقلع جذريا عن عادة دفن الماضي وطي صفحاته دون محاكمته وتصفية الحساب معه؟..
أليس دفنه هكذا بكل هاته الأريحية والتسامح هو في نفس الوقت دفن للحاضر والمستقبل من حيث لا ندري؟..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف