الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جريمة أختطاف وقتل الصحفي سردشت عثمان ومستقبل حرية الصحافة في كردستان العراق
شاكر الناصري
2010 / 5 / 12الصحافة والاعلام
تشكل جريمة إختطاف وقتل الصحفي سردشت عثمان (سه رده شت عوسمان) مراسل موقع كردستان بوست في مدينة أربيل قبل أيام معدودة ، منعطفا في مسيرة الصحافة والصحفيين في كردستان العراق وجعلتهم في مواجهة مكشوفة مع أحزاب حاكمة وأجهزة أمنية ، سرية وعلنية ، تعمل بعيدا عن كل ما تدعيه من أحترام للحريات وخصوصا حرية الصحافة وحرية التعبيرعن الرأي وأحترام كرامة الأنسان . هذه المواجهة تحمل الكثير من الرسائل الصريحة والمعلنة وتعيد رسم الخطوط الحمراء التي لايجب تجاوزها لمن يرغب بالخوض في عالم الصحافة أو تعقب بعض الحقائق . الخطوط الحمراء هذه هي السلطة ورموزها وأجهزتها الأمنية والعوائل الحاكمة التي تحيط نفسها بهالة من القداسة . ما حدث مع سردشت عثمان كان قد حدث مع كمال سيد قادر في فترة ليست بعيدة عنا الفارق أن كمالا باقٍ على قيد الحياة فكلاهما تطاولا ، وفقا لعرف وتفسيرات الأحزاب الحاكمة وأجهزتها الأمنية ، على مكانة العوائل المقدسة هناك . إن ما نقوله هنا لن يجعلنا ننسى أن الأختطاف والقتل جريمة إرهابية بشعة وهي سلاح العصابات والمجاميع الأرهابية والسلطات الدكتاتورية والمستبدة في مواجهة مواطنيها ومنتقديها وفي مواجهة الصحافة والآراء الحرة والنزيهة سواء كانت في كردستان العراق أو في اي منطقة أخرى من العالم .
منذ أن وضعت مناطق كردستان العراق تحت سيطرت الحزبين القوميين ، الديمقراطي الكردستاني والأتحاد الوطني ، فإن قضية حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي واجهت الكثير من المآزق هناك . الجو الذي أشاعته قضية أنسحاب قوات وأجهزة النظام البعثي الفاشي من مناطق ومدن كردستان دفع الكثير من الكتاب والصحفيين وكذلك الكثير من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للعمل وفقا لما تشعر به من أنها إزاء فضاء واسع من الحرية بعد أن أصحبت بعيدة عن قبضة الدكتاتور والتسلط والارهاب البعثي السافر ولشعورها كذلك أنها خاضت الكثير من مراحل النضال من أجل التحرر من قبضة الاستبداد والعيش في مجتمع تسودة الحرية وأحترام كرامة الأنسان.
عملت الأحزاب القومية الكردية ومن منطلق حاجتها لتثبيت سلطاتها ووجودها على التعاطي الحذر مع مطالبات أهالي كردستان للتمتع بالحرية والتعبير عنها وعن حاجتهم لوجود سلطة متمدنة وعادلة تحميهم وتدافع عنهم ، رغم كل التعهدات الأمريكية القائمة آنذاك ووجود مناطق حظر الطيران والعزلة المفروضة على نظام الحكم في بغداد والسياسات الدولية الموجهة ضده والتي كانت تمس وبشكل مباشر أهالي كردستان خصوصا فيما يتعلق بقضية الحصار الاقتصادي وتأثيراتها المباشرة على حياة شرائح واسعة من العراقيين . الفضاء الذي وجد بعد عام 1991 قد عزز من حدة الشعور بالأنتماء القومي بالنسبة لغالبية سكان مناطق كردستان العراق وقد ترافق هذا مع عمل الأحزاب القومية الكردية على تعزيز هذا الشعور بأقصى أمكاناتها وممارساتها وعملت كذلك من أجل تصوير مكانتها وقدراتها على أنها ستكون قادرة على تحقيق الحلم الكردي وأيجاد وطنا للأكراد. لم تتوقف الأحزاب القومية الكردية وزعاماتها عن الحديث عن الأنفتاح الديمقراطي والحريات السياسية التي يتم أشاعتها في كردستان وكذلك عن حرية الصحافة وحرية الراي عن التعبير وإنها تعمل من أجل اقامة نموذج يحتذى به في بقية مناطق العالم التي تشهد توترات ونزاعات قومية . الهدف الأساسي من وراء كل ذلك هو أعطاء صورة مخادعة للمتلقي الخارجي بأن هذه الأحزاب يمكنها بناء مجتمع متحضر بعيدا عن القمع والأستبداد . لم يتوقف الأمر على الأحزاب وحدها بل تطوع الكثير من الكتاب والسياسيين والصحفيين لتصوير ما يحدث في كردستان على أنه جنة الحرية والأنفتاح الديمقراطي على الارض .
كانت قضية حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وحرية العمل السياسي دون وصاية أو تدحل من قبل سلطات الأحزاب في كردستان وأجهزتها الأمنية المختلفة من القضايا الاساسية التي واجهت العقبات والمصاعب ومنذ البداية ، فالأحزاب الحاكمة تريد ان تعيد صياغة قضية الحريات والحقوق الفردية والمدنية وفقا لمنطلقاتها وتوجهاتها وبما يحول الجميع ، أحزابا وكتابا وصحفيين ، الى أدوات تخدم المشروع القومي الكردي الذي أحتكرت الأحزاب المذكورة حق تمثيله وحق أن تكون الناطق بإسمه وأنها القوى الوحيدة القادرة على الوصول بالمشروع – الحلم الى بر الأمان . غير أن الحقيقة التي تلمسها الجميع أن الأحزاب المذكورة تريد من الجميع أن يكونو أدوات لخدمة مشاريعها الحزبية ومصالحها السياسية حصرا وإن الحديث عن الحلم القومي والمكانة السياسية للحركة القومية الكردية ومستقبلها الواعد يأتي من أجل هذا الهدف فقط ، أي تعزيز مكانة الأحزاب المذكورة سواء في صراعاتها الدامية مع بعضها البعض أو في إشاعة وهم الأنقاذ القومي وأدامة زخمه.
إن أولى الصياغات التي نتحدث عنها في مسألة الصحافة وحرية التعبير عن الراي ، جاءت بعد أن وضعت الأحزاب الحاكمة مجموعة من الخطوط الحمراء التي يجب عدم تجاوزها لمن يريد التحدث عن قضايا تخص المجتمع في كردستان ومشاكله وأحتياجاته ولعل تسلط الأحزاب المذكورة ورموزها وأستغلالهم للسلطة وتمتعهم بالكثير من الأمتيازات التي باتت تفصلهم عن المجتمع بناسه وفقرائه ومحروميه بشكل متزايد ومثير للأهتمام ، كان من الأولويات التي سعت الأحزاب لإحاطتها بالاسوار وجعلها ضمن المناطق المحضورة التي لايجب التحدث عنها . كانت الأمتيازات والتمتع بالثروات بشكل سافر من قبل الأحزاب الحاكمة ورموزها وقياداتها تثير الكثير من علامات الاستفهام لدى شرائح واسعة من الناس خصوصا من الذين قد أقتنعوا فعلا بأن ما واجهوه من قسوة وتعذيب وتشرد على يد نظام البعث الفاشي يجب أن يصل الى خاتمته وإن عيشهم بشكل متساو وعادل وأنساني في مجتمع واحد ، هو الخاتمة الحقيقية لمسيرة العذاب والأحزان تلك .
الفروقات الأقتصادية والأجتماعية كانت تتزايد بشكل سافر بين الناس البسطاء الذين يواجهون حياة قاسية بسبب البطالة وأنعدام فرص العيش بشكل أنساني بعيدا عن الأحزاب المذكورة والأنتماء اليها وأنعدام الخدمات الأساسية كالماء الصالح للاستخدام البشري والكهرباء والرعاية الصحية والتربوية من جهة وبين كوادر وقيادات الأحزاب الحاكمة التي أحتكرت الوظائف والثروات ونقاط الكمرك الحدودية والداخلية والأموال القادمة من المساعدات الدولية التي كانت تقدم من أجل الاعمار وبناء البنية التحتية في مناطق كردستان من جهة أخرى . وبعد سقوط النظام البعثي ودخول الأحزاب القومية الكردية في العملية السياسية في عموم العراق فإن ذلك حقق قفزات مذهلة في تزايد الثروات وأحتكارها بيد رموز الأحزاب المذكورة ، فاصبح الحديث عن الأرصدة الضخمة في البنوك الأوربية وعن مشاريع أسكانية حديثة بملايين الدولارات وعن شركات ومشاريع تجارية وأقتصادية كبيرة تدار من قبل قيادات الأحزاب الكردية ،وكذلك الحديث عن أحياء سكنية خاصة وفارهة لقيادات الأحزاب المذكورة ومزارع وقصور في أعالي الجبال المحيطة بالمدن ، الأستثمارات والفنادق الفخمة ، يتم بمنحى متصاعد . إن كل ذلك قد دفع بالكثير من الناس وحتى البسطاء منهم للتعبير عن شكوكهم وعن خبيبة أملهم وشكواهم في نفس الوقت ، فما يتم تداوله من ارقام خيالية لثروات رموز الأحزاب الحاكمة والنفوذ المتزايد الذي يحضون به نتيجة ذلك بما يمكنهم من التحكم بكل مقدرات وثروات ومصير سكان الأقليم ، كان يفوق الوصف بالنسبة لمنطقة محدودة مثل كردستان العراق . كانت حصة الصحافة من الأسئلة والشكوك كبيرة جدا وكان عليها أن تواجه الكثير من المشاكل وكان ذلك أختبارا حقيقيا لقدرات الصحافة والصحفيين والكتاب في التصدي لهذه القضايا وطرحها أمام الراي العام .
إن كل ما حصل ويحصل هو الفساد بعينه . رائحة الفساد وأستغلال السلطة كانت تفوح بشكل متزايد وكان الحديث عنه يجابه بردود فعل قاسية من قبل الأحزاب الحاكمة وأجهزتها الأمنية . حوادث كثيرة وقعت ، أختطاف ، قتل أو أعتداءات مباشرة بالضرب والأهانة أو شراء الذمم والضمائر من أجل التسقيط وتشويه السمعة والمكانة الأدبية والأعلامية لكاتب ما ، كان ضحيتها المباشرة مجموعة من الكتاب والصحفيين الذين كتبوا مقالا ما و أشاروا الى حجم الفساد المستشري في مدن كردستان وأن الأحزاب الحاكمة هي البطل الفعلي لهذا الفساد . فيما واجهت العديد من الصحف تهديدات بالأغلاق والتقديم للمحاكم ودفع التعويضات لنشرها مواد صحفية تشير الى حجم التلاعب بمقدرات الاقليم وأستغلال السلطة و الفساد والرؤوس التي تقف خلفه .
لم تكن جريمة أختطاف سردشت عثمان وقتله سوى حلقة في مسلسل الصراع بين الكلمة الحرة وقول الحقيقة من جهة وبين الأحزاب الحاكمة والمتحكمة بالأوضاع في كردستان العراق من جهة أخرى . صراع الفساد والموؤسسات والأجهزة الأمنية والأحزاب والرموز التي تحميه وتمارسه صحافة تمارس عملها في كشف ملفات هذا الفساد وكشف رموزه حتى لو كانت من ذات العوائل المقدسة التي تسعى لأحتلال مكانة متسامية يصعب الوصول اليها وإن نقد ممارساتها وكشف فسادها يعد من الجرائم التي تكون عقوبتها الأختطاف والقتل وتكميم الأفواه .
حين تكون الصحافة أسيرة الحركة القومية التي تم أحتكارها من قبل حزب أو مجموعة أحزاب وتجييرها لصالحها، فإن مسألة حريتها وأمكانياتها في قول الحقيقة ستكون وهما قاتلا . إذ أن كل مساعيها ومهما كانت على قدر كبير من الجرأة والمصداقية والمسؤولية فإنها لاتعد سوى محاولات لاصلاح واقع هذه الحركة من الداخل وتحسين صورتها وجعلها أكثر قبولا ً. ما حدث ويحدث أن الصحافة في كردستان العراق بشكل عام ( الأستثناء هنا هو وجود قوى سياسية، شيوعية ويسارية وأشتراكية عابرة للقومية ، لها كتابها وصحفها التي تصدر بشكل غير منتظم ومواقعها على شبكة الأنترنيت واذاعات تعمل خارج الأطر والافكار القومية تمكنت من التأثير على الراي العام في مناسبات كثيرة ولفتت الأنتباه الى حقيقة ما يجري من فساد وصراعات وأحتكار وأستغلال للسلطة وإن هذا جعلها عرضة للاستهداف والملاحقة وألاختطاف والأغتيالات السياسية ) لم تغادر الأفق القومي الذي عملت الأحزاب القومية الكردية على تعزيزه الى درجة أنها وضعت أهالي كردستان أمام خيار واحد : أما نحن أو الجحيم وأن كل ما تعده الصحافة والكتاب من أنجازات لحركتها القومية ومطالبها بتقرير المصير يشكل عبئا ثقيلا عليها ، لأنها وبكل بساطة لاتستطيع التحرك خارج الأطر التي وضعت نفسها بداخلها : الدفاع عن مكتسبات الحركة القومية الكردية في ظل سلطة فاسدة وأحزاب أحتكرت كل شيء ولا تتوقف عن تذكير الجميع بوجودها وبأنها التي أوصلت الجميع الى ما هم عليه الان ومن يقف على النقيض من ذلك سيكون مصيره مثل مصير سردشت عثمان وكل من سبقوه .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - كلهم في الهم ... شرقُ !!
مارسيل فيليب / أبو فادي
(
2010 / 5 / 13 - 02:34
)
انها عودة التأريخ بشكل مهزلة في ملهاة الكوميديا العراقية .. فالشهيد سه ردشت ، كوكبُ آخر في قافلة شهداء حرية الكلمة والأبداع .. لأن تصفيته تمت بنفس مبرر ووهم - الكاريزما - التي تتشبع به كل كتل وأحزاب حكومتنا ( الوطنية ) المنتهية ولايتها في هذه المرحلة ، والحزبين الكرديين الرئيسيين ليسوا إستثناء .
فقد تم قبل هذا تصفية الكثير بأيدي مجرمي ميلشيات الأحزاب الأسلاميةالحاكمة ، حيث أسكتوا قلم الشهيد قاسم عبد الأمير عجام ، وخنقوا قوافي الشاعر الشهيد رحيم المالكي ، ثم أطفؤا احلام فضاءات الحرية والأبداع لشهيد الثقافة العراقية كامل شياع ، وغيرهم المئات من الصحفيين وأساتذة الجامعات والأطباء ، والالاف من خيرة بنات وأبناء العراق الطيبيين .
علينا أن نعي أن ديمقراطية تجربتنا العراقية هي ( ديمقراطية سلطوية فئوية ) ، معظم آلياتها أما مسيّسة ، أو تحت الهيمنة الحزبية ، أو تحت النفوذ المباشر لللسلطة الحاكمة ورعايتها .
وامام هكذا حقائق علينا كطبقة مثقفة أن نلعن هؤلاء الذين يتلبسون مفهوم ( الوطني والديمقراطية ) حتى أضحوا كمثل غراب البين .. الذي ضيع المشيتين .. ولنصرخ في وجوههم ، انتم القتلة
2 - تغييب السلطة الرابعة(الصحافة) في كردستان
ناصر عجمايا
(
2010 / 5 / 14 - 14:45
)
أصبح الامر واضحا للجميع ليس في كردستان فحسب بل في كل انحاء العراق هو تغييب الصحافة والالتفاف عليها وعلى منجزاتها ، وقتل وتغييب وارهاب مدروس وفاعل ضد كلمة حق يراد بها باطل من قبل حكام الاقليم والعراق معا.
الجميع يقلدون النظام السابق بكل شيء ، من فساد أداري ومالي وحتى أخلاقي ناهيك عن سياسة التحزب والتسييس للدولة والاقليم كما أسلمة المجتمع من خلال دستور اعرج يساوي العمل بين اسلمة المجتمع ودمقرطته ، وما يحملان من تناقض فظ
سيكون هناك لا محال صراع حاد وعنفي دامي بين قوى الشعب الحقيقيين وقوى التسلط والاستبداد الموروث من عفنة النظام السابق البائد ، هؤلاء الحكام جميعا يقلدون النظظام الصدامي بشكل فردي تسلطي لجهات متعددة والنتيجة واحدة لا تقل استبدادا وعنفا عن البعثفاشستي مع غياب مسسات الدولة القانونية نظام استبدادي جائر، والشعب الحر المتطلع نحو الحرية الحقيقية والديمقراطية البناءة في خدمة الجميع سيبقى يدفع الثمن الباهض ، ولا بد من منقذ ، مع التقدير والاحترام للكاتب وجهوده القيمة
تحية للصحفي المناضل الشهيد سردشت عثمان المراق دمه في كردستان العراق انه حي لم يمت طالما هناك كلمة حرة معبرة
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر