الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمي السيّد لا يأكل بيتزا الحجّ نادي!

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2010 / 5 / 13
الادارة و الاقتصاد


قد يبدو إعلان محلات البيتزا الشهيرة، بغموضه ودعوته للتفاعل عبر الدخول إلى موقعهم الإلكتروني، مضحكًا ومسليًا في الموقف الذي يتعرض له صاحب محلات فطير السندباد حين تهاجمه أزمة قلبية بعدما رأى العرض المقدم من المحلات العالمية التي افتتحت فرعها تجاه محله.

قد يبدو ذلك في زمن البرامج الموجهة ونشرات الأخبار الموجهة والإعلانات الموجهة. وقد يبدو الإعلان على "خفة دمه" سطحيا بريئا لا يقصد شيئا أبعد من لفت الإنتباه. لكنّ كل ذلك يتبخر كليا حين تشاهد الإعلانات الثلاثة في موقع الحملة وخاصة ذلك الإعلان الذي يستكمل قصة الأزمة القلبية التي حلت بـ"الحج نادي" صاحب محل فطير السندباد. ففي الإعلان هذا يستسلم "الحج" ويسلّم أمره لابنه الذي يعلن فتح باب العولمة من أوسع الأبواب حين يؤكد لوالده أنّ الحلّ الوحيد لديهم هو في التخلي عن الهوية الخاصة، وطرح التاريخ جانبا، وهجر الثقافة الذاتية، وتحويل المحل إلى فرع للمحلات العالمية أيضا عبر استغلال الإسم بالإتفاق مع الشركة الشهيرة.

خلال مشاهدتي للإعلان تنامت إلى ذاكرتي السمعية أغنية للشيخ إمام كتبها له أحمد فؤاد نجم بعنوان "عمّي السيّد". أغنية حوارية ذات لحن سريع، كلماتها بسيطة للغاية تدخل إلى القلب والعقل معاً في إبرازها الفوارق بين الرأسمالية والإشتراكية عبر شخصيتي عمّي السيّد الرأسمالي وخالتي مباركة الإشتراكية. فالأوّل يلتقط النقود التي ليست من حقه ليكدّسها كيفما تهيأ له، فلا يشارك بشيء ولا يشتري شيئا. أما الثانية فلا تعرف النقود أبدا، كل ما تعرفه هو بيض دجاجتها الذي تستبدله من الدكان بما تحتاجه من مواد غذائية أخرى وصولا إلى التبغ.

تلك الفوارق واحتفاء نجم وإمام بـ"الرزقة الجميلة للحجة مباركة"، تبدو بعيدة كلّ البعد عن رأسماليي البيتزا العالمية الشبيهين أكثر بعمّي السيّد. فهؤلاء يحتفلون بقدرتهم على دفع المحلات الصغيرة للإقفال، بتبجح كلّي يدفعهم إلى إظهار أنفسهم برؤوس أموالهم الخيالية كمنافسين شرفاء لمحلات لا تعادل ميزانياتها السنوية رواتب طاقم فرع واحد من فروع محلاتهم!!

ليس مزعجاً أو مهما حتى حديث الحملة عن مكونات البيتزا الخاصة بها، والعروضات المعهودة في كل هذه الفروع لديها. ففروعها كما بدت في حملتها تماثل بيتاً ليلياً من النوع السوبر افتتح حديثا بترخيص وحماية من الدولة نفسه بكل ما يحويه من فتيات من مختلف الجنسيات، أمام حانة صغيرة أو كابري صغير ألفه أهل المكان واعتاد رواده رقاصته الوحيدة وهي تطل عليهم كل ليلتي خميس وسبت.

وليس غريبا أنّ الحملة مستمرة بفضل بعض الفضائيات العربية التي تبث الإعلان، فمثل هذه الفضائيات تحاول يوما بعد يوما أن تعتنق الليبرالية خطا قويما لها، بعيدا عن أيّ عقيدة اقتصادية أخرى؛ إنمائية أو تدخلية أو إسلامية أو إشتراكية. ومستمرة كذلك مثل هذه الحملات برعاية وزارات الإعلام العربية التي تتجه حكوماتها إلى الخصخصة وبيع القطاعات الإنتاجية للشركات الأجنبية وإعطائهم امتيازات النفط وغيره.

كلّ ذلك على حساب المواطن المغلوب على أمره والمحارَب حتى في مصالحه الصغيرة جدا وهو يعيش مجبرا في اقتصاديات السوق المتآلفة مع أوضاع الإقطاع في بلده. ولكلّ واحد منّا أن يتخيّل نفسه مكان "الحجّ نادي" بصفة حقيقية لا تلفزيونية وما قد يكون ردّ فعله حين يفتتح فيرجين ميغا ستورز أحد الفروع أمام دكانه، ويفتتح ماكدونالدز أو برغركنغ فرعا أمام مطعمه الشعبي، وتفعل كذلك شركات العلامات التجارية العالمية على اختلاف خدماتها ومنتجاتها.

المزعج فعلا هو الوقاحة التي تبدو عليها الحملة تلك في إعلان منتجها كحاجة أساسية لا يمكن للمواطن العربي الإستغناء عنها، بعكس ما لدى "الحجّ نادي" وسواه من أصحاب أصغر المصالح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وقاحة
علي ( 2010 / 5 / 13 - 10:55 )
لو لم اشاهد الاعلان لما تصورت ان تصل بهم الوقاحة الى هذا الحد انهم يتبجحون ليس بقطع رزق المحلات الصغيرة فقط بل التسبب بأزمات صحية يتعرضون لها جراء افلاسهم بأنتظار شركة عالمية يكون لها الحق الحصري ببيع الكشري في مصر والتبولة في لبنان والبرازي في سوريا ومن الممكن خينها ان تحل مشكلة صخون الحمص العملاقة بين لبنان وعرب الأرض المحتلة


2 - bravo
مريم ( 2010 / 5 / 13 - 11:05 )
يبهجني وجود أدمغة تفكر جيدا وعميقا
الله يرفع درجة من علمك

اخر الافلام

.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب


.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024




.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن


.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع




.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب