الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفائزون في الانتخابات البرلمانية يتحدون الديمقراطية ..

جاسم المطير

2010 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الفائزون في الانتخابات البرلمانية يتحدون الديمقراطية ..
ليس ثمة إنسان في عراق اليوم لا تأتي إليه فكرة إلقاء المسئولية الأولى والأخيرة في ما يحصل في بلادنا من العمليات الإرهابية ، كل يوم ، وفي يتعلق بجمود العملية السياسية ، على عاتق قادة الكتل المتصارعة على قصور الحكومة وكراسيها حيث يرون سقوفها من ذهب براق ولا يرون الجوع الضاري يمزق بمخالبه بطون الكادحين الذين يفتشون عن لقمة العيش في أكوام القمامة كما تعرضها الشاشات الفضائية ، الصديقة والمعادية .
هل صار قادة البلد يلعبون مع النصر الانتخابي الذي يرونه ذهبيا ..؟ هل صار الفوز البرلماني يعتمد على مجرد ابتسامة طائفية في بوستر معلق على جدار مسجد ..؟هل صارت الديمقراطية مجرد ناي للعزف على المصالح الطائفية والمنافع الشخصية..؟
بعد نهاية انتخابات برلمان 2010 والعقد السياسية الكثيرة ، التي صاحبتها وأعقبت إعلان نتائجه والحوارات والاتصالات المتشنجة بين الكتل الفائزة الكبرى ، اتضح لجميع العراقيين ولكثير من الدول والشعوب الأخرى ، أن الديمقراطية العراقية ما زالت تفتقد إلى ارتباطها بإرادة الشعب . يلابسها الخوف . تتعثر أفكارها بين الحواجز الطائفية والاثنية الضيقة ، بمعنى أن الكلام المنبثق عن الديمقراطية ووسائلها وأهدافها ليس منبثقا من أغوار الفهم الديمقراطي ، بل هو جهد من الجهود المنصبة على نشر الشعارات السياسية الباسطة ذراعيها وقت الانتخابات البرلمانية لكسب نعيم ونسيم أعلى عدد من الأصوات ، التي تقرر الفوز بالدخول إلى قاعة البرلمان وحيازة المنافع الشخصية من ذلك .
بعد الانتخابات في 7 – 3 – 2010 ولحد اليوم ـ أي بعد 70 يوما ـ كثر الخصام والخلاف والاختلاف حول مفهوم الديمقراطية العراقية بشأن مـَن مـِن الزعماء يمكنه تشكيل الوزارة القادمة ..؟ . كان من نتائج هذا الخصام الطويل هو استمرار (الجدل التلفزيوني) بين المتخاصمين من جماعة الكتلة العراقية الفائزة الأولى وكتلة نوري المالكي الفائزة الثانية وهي الكتلة التي أرادت تضييع الفوز على أياد علاوي وحرمانه بمختلف الوسائل من (حق) تشكيل الوزارة باعتباره الفائز الأكبر .
حاول نوري المالكي الاستفادة من بعض النصوص في قانون الانتخابات لتعطيل النتائج النهاية في الأصوات الانتخابية عبر مطالبته بإعادة ( الفرز والعد ) واحتساب أصوات الناخبين في محافظة بغداد بطريقة يدوية لوجود شكوك بالتزوير . استجابت المفوضية الانتخابية لطلب كتلة رئيس الوزراء المنتهية ولايته بادئة بإعادة فرز الأصوات يدويا .. بالتأكيد أن هناك قضايا انتخابية واختيارية كبيرة الحجم ما زالت مختفية حتى الآن في الظلام . اعني بذلك انتخاب واختيار رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان والشد الثقيل بعد ذلك بين القوى المتصارعة على السلطة من اجل مناصب الوزارات السيادية ، كلها ستقدم (مشاكل إضافية) بين الفائزين قد يصعب الوصول إلى حلول لها أو أن رحلة الوصول إلى الحلول قد تطول كثيرا ليصبح العراق بلدا صغيرا محصورا في سفينة صغيرة بلا ربابنة وبلا مرسى لمدة شهور ستة على الأقل . لا شك أن وضعا كهذا قد يخلق مناطق ظلام تتوغل فيها لمدى زماني ابعد عصابات الإرهاب الدولي والميليشيا المحلية إذ تنمو أنيابها في ظل الفوضى وابتعاد الوطن عن مدار الديمقراطية الحقيقية .
من هذا الموقف وذاك نشأت إشكالية قانونية تتعلق بــ(الحق الدستوري) في تشكيل الوزارة ، بل نشأت (فتنة دستورية) من خلال توظيف العناد الشخصي بين الفائزين المتخاصمين بدلا من توظيف المنهج الديمقراطي لحل الخلاف بين الرفقاء المختلفين على تقاسم المناصب مما يكشف ، بوضوح تام ، غياب النضج الحضاري عن الديمقراطية التي قدمت بريطانيا يوم أمس ـ 12 – 5 – 2010 - مثالها الايجابي حين تقدم غوردون براون رئيس الوزراء البريطاني استقالته من رئاسة الحكومة ليرأسها ديفيد كاميرون بلا أية إشكالية لأنه الفائز بالانتخابات ، التي فرزت فيها أصوات الناخبين وجرى عدها بآلية الكومبيوتر ومن دون أي اتهام من طرف لطرف آخر بتزوير الانتخابات .
هذا التباعد بين نوعي انتخابات العراق وبريطانيا يشير أولا وأخيرا الى ما يلي :
(1) ان الديمقراطية البريطانية هي تيار فكري وسياسي أصيل ومتبلور تدريجيا خلال قرنين من الزمان ـ داخل العقل المتقدم ـ في حياة الشعب البريطاني بينما الديمقراطية العراقية ما زالت متمثلة في احتمالات متناقضة ـ داخل العقل المتخلف ـ لتفسير الدستور والقوانين وفق مكونات الشعارات السياسية التي يرفعها كل طرف مختلف مع الطرف الآخر.
(2) لا يوجد في بريطانيا ولا في الدول الديمقراطية الأوربية كلها أي ترابط بين العقائد الدينية وبين مبادئ الديمقراطية ،لا يوجد فرض من الواحد على الآخر ، بينما تظل وجهة نظر الكثير من الأحزاب العراقية والكتل الانتخابية الكبرى تفسر الديمقراطية على ضوء المنهج الديني والمذهبي.
(3) أفرزت انتخابات العراق البرلمانية نتائج حتمية ستؤدي إلى إضعاف عملية تغيير المجتمع وتأخير إعادة بنائه بأسس الحضارة والتقدم من خلال عزل التيارات والأحزاب والحركات السياسية ذات النهج والبرامج الديمقراطية.
(4) الخلافات المثارة بين الكتل الفائزة ستكون عائقا حقيقيا خلال السنوات الأربع القادمة أمام تنمية فكر سياسي ديمقراطي علماني يحترم حق جميع المواطنين في التعبير ويراعي مصالح العمال والفلاحين وسائر الكادحين .
(5) الخلافات حول مفهوم الحقوق الديمقراطية حال بصورة قاطعة أن يكون مبدأ ( الشعب مصدر السلطات ) سيدا في الثقافة السياسية العراقية الراهنة ، بل تناست القوى البورجوازية والدينية هذا المبدأ أصلا .
هذه النقاط الخمس تتجلى بوضوح ، في هذه الأيام ، بمختلف ألوانها وروائحها ، لتكشف حقيقة مؤكدة هي أن أبواب الديمقراطية العراقية صارت موصدة ، خاصة وأن كثيرا من الأحزاب الدينية تريد تطبيقا للديمقراطية بحواس هي حواسها وببصر هو بصرها وبلمس هو لمس يديها ، بمعنى أن (القوى الفائزة) ما زالت في حالة السرور والفرحة بفوزها الذي سيأتي أكله بالهيمنة ثمارا من المال والعقار ، حسب . لا يهم ، بنظرها ، احتراق العراق وأهله ، كما جرى خلال الأسبوع الحالي في عشرة مناطق من بغداد وفي الحلة والموصل والبصرة . صار الإرهابيون نشطون لملء جرارهم من دماء الكادحين العراقيين المتناثرة في الشوارع والطرقات .
جوهر الاختلاف يتعلق ليس في الادعاء من قبل كل طرف عن عيوب ونواقص وإبهام المواد الدستورية بينما القصور الكبير هو في رؤية ماهية الديمقراطية وشكلها ومضمونها بعين حزبية أو مذهبية واحدة ..!
بعض القوى الفائزة أو ربما كلها لا تريد اعتماد الديمقراطية منهجا تفرضه التعددية الحزبية والسياسية ، كما لا تريد أن تحدد أهمية التعايش السلمي بين كيانات مختلفة داخل البرلمان لتتنافس في ما بينها من اجل تقديم الأفضل للجماهير العراقية التي عانت الويلات والمأساة لأكثر من نصف قرن .
إن بعض القوى الفائزة الأخرى تريد ممارسة ديمقراطية لا يقيدها دستور . إنهم جميعا يريدون ديمقراطية تخدم المصالح الرأسمالية للقوى الفائزة. يعني يريدون الديمقراطية شعارا طبقيا بورجوازيا الهدف منه زيادة ثروات الأغنياء وبؤس الفقراء ، كما احتدم ذلك خلال الدورة البرلمانية السابقة ، بل طوال السنوات العجاف السبع الماضية بلا أسس ولا معان ولا مبادئ وكانت تجاربها تسجيلا لحقبة مؤلمة من الفساد المالي والإداري ونهب المال العام .. فهل يسمح الشعب العراقي بتكرار هذه التجارب المأساوية في حقبة قادمة ..؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 13 – 5 – 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عصا بايدن
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 5 / 13 - 10:26 )
شكرا ابو نصيف
الديمقراطية بذرة برسم الزرع لا زهرة برسم القطف ويبدوا ان السياسيين(كذا) العراقيين يحبون قطف البذرة قبل الزهرة
وبصراحة الشروكي البسيط الغلبان:هؤلاء يضحكون على الشعب وعلى العالم وعلى التاريخ باسم الديمقراطية ..لا ديمقراطية يا ابو نصيف ولا هم يحزنون..واضح جدا انهم بداخلهم يضحكون حد الغيبوبة ..هسة تجي عصا بايدن وشوف راح يصيرون مثل الخرفان
العمر المديد لك


2 - لقد انتهت كل الخلافات ولن يبقى الا
محمود ( 2010 / 5 / 13 - 17:22 )
نعم الخبر اليوم يقول انه الامر متعلق بالمكان الذي سيلتقي به الجبلان الاجردان المالكي وعلاوي وكاْن المشاكل انتهت وبقى عدم الثقه فالاثنان يحاولان قتل الاخر في ظل ديمقراطية دموية
مع الاحترام للسيد جاسم المطير

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة