الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الفلسفات في الحركة النقدية المعاصرة

محمد عبد الزهرة الزبيدي

2010 / 5 / 14
الادب والفن


محمد عبد الزهرة الزبيدي
أرتبط النقد منذ أقدم عصور بالعقائد والفلسفات أزداد هذا الارتباط وثقاً في العصر الحديث ، وتداخلت المناهج النقدية فيما بينها وبالعلوم الإنسانية الأخري ، كالتاريخ ، وعلم النفس ، وعلم الجمال ، وعلم الاجتماع وغيرها ، وتقدم النقد مع تقدم تلك العلوم ، وظهرت المناهج النقدية بأشكال مختلفة منها تأثري وموضوعي وتاريخي ونفسي وبنيوي أو المناهج الحداثية وما بعد الحداثية فكان المنهج التأثري والمنهج الموضوعي هما اللذان يتصارعان في النقد في أواخر القرن الماضي وأوائل الحاضر قبل أن تظهر وتسيطر فلسفات جديدة علي وظائف الأدب والفن وأهدافها في الحياة
. وهي فلسفات لم تعد تسلم للآداب والفنون بأنهما نشاط جمالي فحسب . وأهم هذه الفلسفات : الفلسفة الاشتراكية والفلسفة الوجودية اللتان نتج عنهما منهج نقدي جديد نستطيع أن نسميه بالمنهج الايدلوجي وهو يسعي الي تبين مصادر الأدب والفن من جانب ، وأهدافه وظائفه من جانب أخر عند الفنان وهو علي حد قول مندور مفاضلة بين المصادر والأهداف عند الفنانين والأدباء التي ترتكز علي منطق العصر وحاجات البيئة ومطالب الانسان المعاصرفي أطارما كان يسمي في أواخر القرن الماضي بالفن للفن لم يعد له مكان في عصرنا الحاضر ، الذي تصطرع فيه المعارك الحياة وفلسفاتها المتناقضة.
وأن الأدب والفن قد أصبحا للحياة ولتطويرها الدائم نحو ما أفضل.. وحان الحين لكي يلتزم الأدباء والفنانون بمعارك شعوبهم وقضايا عصرهم ومصير الإنسانية ولم يعد الأدب أو الفن مجرد هروب من الواقع بقدر ما يكون الأديب وعاء لمشكلات عصره يستقي مصادره منها مفضلا التجربة الحية المعاشة علي التجربة التاريخية المستعادة ، فأن المنهج الايدلوجي يطالب بعضوية الفنان والأديب في مجتمعه بصورة فاعلة كما يؤكد الدكتور طه حسين في دراسته الأولي للمعري أن الرّجل وماله من آثار وأطوار نتيجةٌ لازمة وثمرة ناضجة لطائفةٍ من العلل اشتركتْ في تأليف مزاجه وتصوير نفسه.. والخطأ كلّ الخطأ أن ننظر إلي الإنسان نظرتنا إلي الشيء المستقل عما قبله وبعده، الذي لا يتصل بشيء مما حوله، ولا يتأثر بشيءٍ مما سبقه أو أحاط به أذن الفنان أو الأديب هو نتيجة لازمه لقضايا عصره الحاضر تأثر وأثر بها ، فالنقد الايدلوجي لا يكتفي بالنظر الي الموضوع فحسب بل يتجاوزه الي المضمون الذي يفرغ فيه الفنان والأديب أفكاره بعيداً عن ألانطواء الي الداخل في اجترار أحلام وأمال خاصة ، فأن مندور يري أن النقد الايدلوجي في النقد يناصر اليوم عدة قضايا أدبية وفنية كبيرة مثل قضية الفن للحياة ،وقضية الالتزام في الأدب والفن، وتفضيل الأدب أو الفن القائد علي الأدب والفن الصدي ، ومن الواضح أن كل هذه القضايا ترتبط بواقع الحياة المعاصرة وقضايا ومعاركها فيما يذهب المنهج الإيديولوجي للدكتور محمد مندور الي الماركسية في تغير طبيعة الانسان ليست هناك واقعية مجردة بل هناك واقعية متشائمة عرفها الغرب في القرن التاسع عشر ، وهي تؤمن بأن الانسان شرير بطبيعته وبحكم تكوين الفسيولوجي نفسه ،وكأنه بذلك شر حتمي لا فكاك منه ألا بأن يغير الانسان من طبيعته العضوية الي جوار واقعية أخري (متفائلة) لم تنكر وجود الشر في الحياة ألا أنها وليدة ظروف لمجتمع فاسد في تكوينه ، والواقعية المتفائلة ولا تري أن يكون هذا الشيء مبعث الي التشاؤم لان أسباب الشر من الممكن أزالتها ، وبذلك يعود الانسان خيراً وفي غضون ما ورد علي لسان مندور حول هذا المنهج يري الباحث أن هناك جملة من الشعارات التي حملها ما أسماه المنهج الايدلوجي منها الالتزام في الأدب أو الفن القائد ،الغرض منها أدلجة الثقافة لمبررات سياسية وحزبية ضيقة ونتفق مع ما ذهب أليه رجاء النقاش أن أطلاق المنهج الايدلوجي لنقد مندور ، تسمية غير دقيق يقول : لان كلمة أيدلوجيا ، تعني النهج النظري أو الاتجاه ، أو كما تقول المعاجم : فن البحث في الأفكار والتصورات . وبالتالي ليس هناك أيدلوجية واحدة بل أيدلوجيات ... أذن لا يمكن وصف المنهج بالايدولوجيا .. ونحن نميل الي تسمية منهج مندور بالمنهج الاجتماعي. ولا نري أن الفنان والأديب ما هو ألا استجابة لمتطلبات عصره وفق تبني أيدلوجي محدد ، لان ذلك يسلخ حريته ويطالبه بدور اندماجي في أحدي الأيدلوجيات التي ربما تكون مغلوطة في التطبيق ، ويتبين أن ما يسمي منهج النقد الايدلوجي يميل الي منهج النقد الاجتماعي الذي رفض موقف الفن للفن ودعا الي التزام الأديب في قضايا مجتمعه.،
كما يقول الدكتور (علي جواد الطاهر) أن منهج النقد الاجتماعي قد بلور بيان الصلة بين النص والمجتمع الذي نشأ فيه وهي بداية لخط من الدراسيين والنقاد يضعون المجتمع نصب أعينهم حين يزالون النقد بدعوات أصلاحية أو ثورية تكون الاشتراكية - مهما تكون نوعها مادة خصبة فيها ومن أبرز المذاهب التي تبنت منهج النقد الاجتماعي الماركسية والواقعية النقدية فقد تعصب له النقاد الماركسيون فأن الماركسية التي هي أشهر متبني هذا المنهج النقدي وقد قدمت - علي أيدي (ماركس) و(أنجلز)- عاملاً اجتماعيا آخر من العوامل المؤثرة في تشكيل الأدب ، وهو وسائل الإنتاج أو العامل الاقتصادي بشكل عام ، ومن المسلمات به عند الماركسيين و أن الأساس والمؤسسات والممارسات كالأدب ، التي تشكل البنية الفوقية لذلك المجتمع فيما يعد الناقد المجري ( لوكاتش ) أعلي مؤشر في النقد الماركسي ، حيث كان ينظر الي الأدب علي أنه ظاهرة تاريخبة اجتماعية لها جذورها في أعماق كفاح الطبقات وهو يري الأدب يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي لكنه رفض فكرة أن ثمة حتمية واضحة بين الاثنين ،وهو يحاول أن يبرهن علي أن أعظم الآثار الأدبية لا تعيد فحسب أنتاج الأيدلوجيات السائدة في عصرها ، بل تجسد في شكلها نقداً لهذه الأيدلوجيات أي أن الأديب والفنان يلتزم بتقديم موقفه الفكري والفلسفي من هذا الوضع القائم الذي يدور حول قضايا الطبقة العاملة وهمومها. وأخيراً نري تأثير كل من الفلسفة الاشتراكية والوجودية في المناهج النقدية أسفر عن ظهور ما يدعي النقد الايديولوجي وما هو ألا مظهر من مظاهر النقد الاجتماعي الناقل للأفكار السياسية والفلسفية وغيرها ، لأفراد المجتمع أو لطبقة معينة وهو يوجهها وفق عقيدة أيديولوجية يتبناها الكاتب أي نقد المواقف والأفكار.ويركز النقد الايديولوجي علي مطالب الانسان المعاصر وهو نقد مضموني يتطابق فيه مع النقد الاجتماعي بأعتبار ه رسالة اجتماعية هادفة.ويؤكد المنهج الايديولوجي في النقد علي التزام الأديب أو الفنان بقضايا مجتمعه والتعبير عنها ، وعدم الوقوف علي الحياد أو العزلة والهروب وهو يرفض مبدأ ( الفن للفن ) مطالباً الفنان أو الأديب أن يكون عضوا فاعلاً بأي دور سياسي أو أجتماعي في مجتمعه وإرجاع العملية النقدية الي أيديولوجية محددة تجعل العمل الفني يفقد الكثير من خصوصيته الفنية المستقلة ، بل يمكن أن يطلق عليه ((أدلجة النقد ))و ما جاء به الدكتور محمد مندور وما أسماه منهج (النقد الأيديولوجي) يأتي من باب عجز الناقد العربي عن إيجاد حاضنة فكرية لتعبير عن قضايا مجتمعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهو بذلك أستند الي تقليد الماركسيون الاكثراً أثراً وقتذاك في مناصرة قضايا معاصرة في الفن والأدب منها قضية الفن للحياة والالتزام وتفضيل الفن القائد.الماركسية هي أشهر المذاهب الفكرية اهتماما بالنقد الايديولوجي وتأثيراً فيه ، بعد أن أستند الي فلسفتها في تصوير المجتمع من خلال الصراع الفكري بين طبقات ، وحصرت منهجه حول قضايا الطبقة العاملة.

الإحالات
.د. علي جواد الطاهر ، مقدمة في النقد الأدبي ، ط1، ( دبي : مؤسسة سلطان عويس الثقافية ،2003 )، ص404. عبد الرزاق الأصفر ، مذاهب الأدبية عند الغرب ، ( منشورات اتحاد الكتاب العرب ،1999 ) ، ص 7.
ينظر د. محمد مندور ، النقد والنقاد المعاصرون ، ط1، ( القاهرة : دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ،1997 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب