الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عالم جبار عودة الخطاط الشعري / (ألشِّعر التصاق روحي وجنون)

وفاء عبد الرزاق

2010 / 5 / 14
الادب والفن



لا أستطيع أن أقبل أي شعر دون أن يمر بمرحلة الجنون، وحين أقرأ قصيدة ًلمجنون شِعر أجد أني ازددت معرفة بنفسي قبل معرفتي بنفسية الشاعر وقربه من ذاته.
ربما لأني أعيش حالة مماثلة وأتخلص من الحصار القاتل " الوعي"
ساعة هطول مطر القصيدة .
هذا ما حصل لي فعلاً حين دخلت عالم الشاعر " جبار عودة الخطاط" في مجموعته" بردانة الشَّمس".
لحظة الهيام لا تحتاج إلى العقل، بل تعيش خارجها بانفصال تام عنها، ليس سوى الوجد الشعري ، الكلمة، الخيال، الصدق. إضافة إلى السحر، حيث يوقظ الروح ويميت الحواس.
هنا.. أستطيع القول أن ثمرة اللحظة إبداعٌ حقيقي وخلق، ولا أظن أن كل شاعر خلاّق.
هكذا خلق القصيدة الشاعر جبار عودة الخطاط في مجموعته ، وهذه الفكرة كونتـُها عنه من قراءاتي المتعددة لنتاجه الشعري المنشور عبر المواقع التي تهتم بالثقافة والإبداع.
يستهل مجموعته" بردانة الشَّمس" ب( هويـَّة ) بمثابة تعريف أو إهداء، ربما لشخص ما، أو لقارئ ما ، أو لنفسه. يقول:

أبوي الـﮔمر
وأمِّي الشـَّمس
إتقاسموا تفاحة حمره
ونزعوا أوراﮒ العنب
وعلـﮔوا إشموع الونس
وخلفوني
وصرت شاعر
نصي ليل
ونص صبح
روحي ريحانة ضوه
والجسم داير مداير
وﮔف على روحي حرس
وروحي من طبع الي بيهه
إتنث على الوادم
قصايد
بيضة مكتوبه إبهوه
والهوه بجرحي جنح
والجرح عندي فرس
والشعر عندي جرح
ينزف أحلام
ومكاتيب
وعرس
يتحدث هنا عن حالة الخطيئة الكبرى بين حواء وآدم حيث قضم التفاحة، لكنه جعلها شرعية بصفتها الحقيقية حيث قاموا بعد ذلك بتقشير العنب ليكون خمرا لاندماجهما الجسدي على إنارة الشموع وليكون هو ثمرة تلك اللحظة ، شاعر من ليل وصبح.

هل قدر الشاعر أن يتعلم من الحياة الليل رغم انه الصبح؟
أم أنه يستوعب الهاوية ليحولها إلى نور؟

نعم حوَّلها جبار عودة الخطاط إلى نور حيث قال: " روحي ريحانة ضوه"، ضوء برائحة، روحه الضياء المعطر كالمطر الخفيف على قومه رغم الجسد الحارس على أفعالها وعطائها إلا أنها الضياء والهوى. وقد اجتهدالشاعر في كتابة كلمة الهوى فأعتقد القارئ بأنه يقصد الهواء ولا أدري هل فعلا يقصد الهواء؟ أظنه يقصد العشق.
في قصيدة" رايح إلها" رغم المخاطر والعبوات الناسفة عبر إليها بحسر روحه، وقبل الوصول شاهد ظلـَّه مبعثرا على الطريق. يا ألله كم رائعة هذه الصورة ، فيها تجديد وخلق ، إذاً ، الشاعر هنا عاش حالة الجنون وحالة الانعتاق من سجن الواقع المحسوس رغم أنه يخبرنا عن واقع وحادث حقيقي .
بمعنى أنه عاش حالته الشعرية التي تفوق الكلام العادي أو الوصف العادي في زمن خشينا فيه على الشعر الشعبي من الضياع ، كما خشينا أن يتوهم الجيل القادم أن ما نسمعه ونقرأه الآن هو الشعر الشعبي بعينه.
هذا ليس رأيي الخاص بل رأي الكثير من كبار الشعراء الشعبيين في العراق .
الشعر ابن لحظته أي نعم ، ابن البيئة والحياة العامة والأرض نعم، لكن كي يكون شعراً عليه ألا يكون أسيراً لطائفة يتبرك باسمها ويصول ويجول بأسماء رموزها.
ما أجده الآن جهلا باستخدام الرمز وتوظيفه توظيفا يخدم انصهار الشاعر بحالته الشعرية الخلاقة، وأغلبه ولا أجمع هنا لأني لمست تجارب شبابية تستحق الاهتمام. أغلبه مثل أي مناخ خاضع للحالة السياسية،قد يكون مؤيداً أو معارضاً يطمس خلق الجمال والجمال الإنساني ويظهر اتساعا إعلاميا يذكرني بشاعر الجاهلية الذي كان بوق العشيرة والأجهزة السلطوية ،كما هو الحال في كل الأزمنة التي فتحت الباب على مصراعيه لأبواقها إذ لا شعر عدا الوهم.
الشعر ليس تمجيدا لولي أو إمام ، ولا داعية لطائفة أو أيدلوجية ولا نفس ذاقت مُرَّ فاجعة ، بل ما يصاحب الحالات كلها من دمع وفرح وحزن ، وقلق وألق ، كبوة ونهوض، باحثا عن معاناة الإنسان حتى ساعة جوعه وشبعه، بمعنى أن يتحول الشاعر شعراً يكتب بهوية الجميع ويكون وعاء الجميع كي يصبح ابنهم يكتب لهم وبهم ينبثق قصيدة.
في قصيدة بغداد ، ينقلنا الشاعر إلى الأجواء التي ذكرتها فيأخذ من بغداد حبيبة يخاطبها كإنسانة أمامه يعاتبها تارة ويستوضح منها عمَّا جرى.
بغـداد
يا ( ليله ) * التغزل بيه
مجنون الشِعر
بغداد
يا ناعور ايبّدي
على جروف السهر
ﮜمرة
ومواويل
وصور
شنهو الخبر ..
شنهو الخبر
***
وحين يجد الشاعر – العاشق ان محبوبته بغداد قد غادرتها على حين غصة مرافئ الليل والجمال حيث كانت تتهادى حسانها في شوارع مكتنزة بالالق لتختنق الضحكات وتحضر بقسوة الجدران في ليل (صاير ينام من الظـّهر) لا يملك سوى نزف اسئلته المرة :
فهميني يا مزيونه
شنهو الِّي جرى
شنهو الخبر
شنهو الخبر ..
( لاخبر .. لاجفيـّه
لا حامض حلو لا شربت )
ﮔالوا صوانيـﭿ
ادموع انترست
وطشـَّت الحلوات
من كل بيت حلوة انخلست
ووردة السوسن غدت
طشار بالغربه
صح تبجي عطر....
ما يبست
ﮔالو شوارعنه
فرهود انحرست
ﮔالو شوارعنه
جدران انغرست
واختنكت الضحكات
وسط الروح
بسمة انحبست
والـَّليل يا بغداد
شو صاير ينام من الظـّهر
نعسانة النجمات كحلهه الصبر
تعبانة النجمات كلهه
والـﮔمر
شنهو الخبر
شنهو الخبر


ثم يواصل استذكار لياليها ، ليالي الصبابة والعشق كأنه نصفها الذي بدأ به الشاعر بهويته وولادته من قضم تفاحة آدم، هو نصفها إذا، ومن حق النصف التفاعل بالكامل مع نصفه دون الذهاب إلى كلمة مجاملة . فالقمر ينزل ليلا ليقبل وجنات دجله ويستحم بماء النهر .. هكذا ترسم فرشاة الشاعر الجميل جبار عودة الخطاط هذه الصورة الشعرية المؤثرة :


مو ﭽان ليلـﭿ ليل
بيه يزهي العمر
لمَّن يشع وينزل إبلهفه الـﮔمر
ايبوس دجلة
ويسبح بميّْ النهر
شنهو الخبر.

العلاقة هنا تتجاوز الجسدية المعهودة بين اثنين كما في بداية التعريف بهويته ويخاطب بغداد العشيقة وهو في ذروته الإنسانية ليتسم خطابه الشعري بجمالية جديدة خاصة ويعيد كل الأشياء حتى الهاربة منه ليخلق تكاملا إبداعيا، حيث الحب والصداقة والعشق والوعي بحثا عن جواب يعيد له توازنه كفرد هنا وليس كشاعر .
علاقة الشاعر بالماضي علاقة وطيدة ، علاقة الحضن الحنون والصدر الحامي من العثرات، من خربشة التاريخ على جدران قلب الشاعر ومن كل ما يسكره بألم ، فهو رغم قسوة القصف يجد ثمة حام له فيأتي مقطعه الشعري قوافل من كلمات في قصيدته " بنكة سقفيـَّة" .
أجد هنا بؤرة إشعاع في نسيج قصيدة، بل ينابيع من كلمات تأخذ من المروحة قوَّتها وصبرها وتجلـَّدها على واقع مُر. يا لإبداعك المجدد أيها الجبار العودة الخطاط، فعلا جبار مَن يصنع من مجرد مروحة تاريخاً وماضياً عريقاً يستند عليه ويلجأ إليه .
ﭼنه نضحك
حته من نبـﭽـي احنه نضحك
لـﭽـن الملعون
ﮜب لمَّن سمعنه
وبحقد اسود
قصف بيت الجمعنه
ويا حسافه
وﮜع سـﮜف الغرفه
وكسّر ضلعنه
وظلت البنكه القديمه امعلـﮜـه
اتهوي علينه
وياهواهه إشـﮜد ترف
دغدغ دمعنه
ﮜالت امـِّي
هذي بنكتنه اصيله
بنكه نشميه
وتـِربت من طبعنه
وغطت الأنقاض
ضحكتنه البريئه
وبقت بنكتنه تهوّينه ابشهامه
ومن هواهه احنه رجعنه
وشلنه ضحكتنه الجريحه
من حدر أنقاض
غرفتنه العزيزه
وبهوه البنكه
تبخـَّر كل وجعنه.
من يقول أن الشعر الشعبي قاصر، هو القاصر، لأنه يتصور أن التعبير بالشعر الشعبي تخلف باللغة ، وهذه أفكار يطرحها الكثير من المثقفين المتعالين على الشعر الشعبي متناسين صفة الشعر الإنسانية والوجدانية . من وجهة نظري الخاصة أنهم بعيدون كل البعد عن جوهر الشعر، ويبدو أنه استلاب آخر لماهية الشعر وإجبارها الخضوع إلى قيم لا علاقة لها بالجمال ، بل عليها أن تتقوقع بحصار لغوي وقواميس تحدد من هويتها الشعرية، متبنين مفهوم الأصالة وأشكال اللغة .

المسألة الأساسية هي هل أنت قادر على الاعتراف بي كشاعر مختلف عنك لي وسيلتي في التعبير عن ذاتي الشعرية ؟
هنا أساس القبول والرفض ، ليس ديمقراطية الرأي والرأي الآخر بل ديمقراطية الذائقة والتعبير على أن يكون لنا تعاملنا الخاص على مستوى المبادئ التي يؤمن بها كل منا والتي لا تخل بالنظام الشعري المتكامل.
الشاعر جبار عودة الخطاط أعطى لنفسه حريتها الكاملة كوثيقة هنا للتعريف بهويته، دون إصرار منه على تقسيم الشعر إلى أطره التقليدية والتي اعتبرها وبرأيي الخاص أيضا أنها داء الشعر.
ترجم نفسه واكتشفها بذات الوقت ، وأظنه سيكتشفها في كل مرة وبعد انتهائه من جنون الكتابة بعد رجوعه من هيامه المُطـلق إلى جبار عودة الإنسان.
بردانة الشـَّمس

إشـَّاه ..
بردان الصبح
متغطي بلحاف السحر
واحبابه تتنطر يجي
وينه الصبح
يمته يطر
إتريده يطلع تفترة دنيانه
إبضحكة صبحهه
والورد يا عيني يا لهفة اوراقه
من يصافح وجنة اوراقه الضوه
ويلاعب الدنيه
بتقاسيم العطر
وصعدت الوادم
على اسطوح الخواطر تنتظر
جمّعت حسراتهه
الكلهه حراره
وهي تنفخ بيهه
وجنات الشمس
.... والشمس بردانه
نومّهه الخدر
لـﭽـن آهات الاحبـَّه
ﮜـعدّتهه
زرعت إبنفاسه
البيضة دفو

و دفت الشمس
كلش دفت
نزعت عبايتهه
وصعدت للسمه
وفرشت ﮜصايبه فجر
وطلع الصبح
طلع الصبح
............
البرد بضلوعه إنكسر
والورد
باوراقه إبتشر
وخضّرت فيروز حورية شجن
خضّرت فيروز جورية لحن
اتسافر وي الروح
موجات الشعر .
بعد هذه القصيدة " بردانة الشمس" يعجز أي كاتب عن وصف نـَص "الخطاط " لذا أقول لجبـَّار :" بردانة" الشمس ولن تدفأ إلا بأشعارك وحكاياتك عنها ، أوصيك وصية ... ألا تخضع لسجَّان وأنت فعلتها، لكني اطلب منك التناغم مع شمسك وابحث عنــَّـَا فيها أيضا لنتوحد بها معك .

لوحة مفتوحة

طير إزغير ومرسوم
صافن
منكسر
مهضوم باللوحه
يدوّر عالفضاء
الواسع المفتوح
عن صبحه
يريد يطير
.. يتنّفس
يحشِّمني بأرق صيحه
وآني اتفرج اللوحات
بالمعرض ..
..... شدتني إعيونه
إتـﮜلي خلصني
تحاﭽيني
وبيهه من العتب لمحه
خلصني
قفص ..
تخنـﮜـني اللوحه
ومديت ايدي بالبسكوت
شلت الطير من الخام
وطيَّرته ..
طيَّرته
شـﮒ درب السمه
من غرّد إبجنحه
التفتلي وصاح بعيونه
شكرا

والجنح يتغاوه بالفرحه
.. وبيضه اللوحة ظلت
بيهه طعم الفن
من تحتضن الوان
الفرح روحه
واللوحه صفت شباﭲ
يهب منه نسيم
ايصافح الزوار
صارت
لوحــه
مفتوحــه ..
بهذا اللوحة استطيع القول مرة أخرى أن الشعر الشعبي بخير ، وسيظل شهابه في الأفق طالما في العراق سفائن تبحر خلفهم الكلمات.

• ليله هنا المقصود بها ليلى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهلا بهذا الظهور الرائع
قاسم السيد ( 2010 / 5 / 14 - 15:15 )
عندما كنت اقراء لوفاء عبد الرزاق كشاعرة وهذا هو توصيفها فعلا كنت اقف طويلا عند قصائدها وخصوصا في ملاحمهما التي وصلت حسب ما اظن رقم 7 لاجد تكنيكا شعريا ربما يكاد تنفرد به الشاعرة وكنت احاول فهم دلالاتها الرمزية لكي يمكنني من اكتب يوما ما نقدا لشعرها وكم حلمت ان تحل وفاء بأبداعها على موقع الحوار وكانت المفاجئة مرتين مرة لظهورها في الحوار ومرة اخرى ان ظهورها لم يكن بصفتها كشاعرة بل كناقده ولا اظن ان ناقدا للشعر افضل من ان يكون الناقد شاعرا فهو يحس هواجس الشعر وكما ان الشاعرة مبدعة في القريض فهي مبدعة ايضا في الشعرالشعبي اما ان يصل تمكنها النقدي الى هذه الدرجة من الابداع فهو الامر الذي نحني لها الرؤوس تحية لها فهي تعيد لنا ذلك الزمن الجميل الذي صدحت فيه المبدعات مثل نازك وعاتكه ولميعه وتجعله مستمرا بفضل عطائها الثر.
فأهلا بالاخت المبدعة وفاء في الحوار فهي قد حلت اهلا ونزلت سهلا اذ كسب الحوار بوجودها مبدعة عملاقة كي تساهم كتاباتها اضافة لمبدعات الحوار الاخريات في اغناء ثقافتنا بابداعهن
اكرر التحية للشاعرة الرائعة وفاء عبد الرزاق لظهورها هنا


2 - مبدعتنا الكبيرة
هاتف بشبوش ( 2010 / 5 / 15 - 22:23 )
المبدعة التي تحمل الكثير من الثقافات والمتنوعة في عالم الشعر على وجهيه الشعبي والنثر واجناس اخرى...تحيتي لك وللشاعر جبار عودة
الخطاط..لقد ...اسعدنا بكم...واستفدنا منكم

مع فائق احترامي

اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??