الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلم (أبن بابل) العراقي : قراءة في وحشة الموت

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2010 / 5 / 15
الادب والفن


إنها تشبه أمي .. تلك المرأة العنيدة في بحثها عن ولدها الذي ساقته الحرب الى نيرانها التي لا تهدأ.
ذلك هو الشريك الاول في القراءة التي رافقت المشاهدة للفلم العراقي (أبن بابل) الذي عرض مؤخراً على صالة سينما (سميراميس) في بغداد .. اخراج : محمد الدراجي.
ثمة العديد من المنطلقات التي تحرك مخرج هذا الفلم على أسسها منها ماهو فني جمالي ومنها ماهو عاطفي إنساني ،فقد كان توظيف الدخان الذي يعد من ابجديات العلامة السيميائية دلالة على الحريق الذي يؤشر الى خراب أبدي ، وعلى الرغم من التحولات التي صاحبت هذا الدخان تبعا للمشاهد السردية (الروائية) وتحولات المكان والزمان الذي امتد من شمال العراق الى جنوبه والذي إتخذه مخرج الفلم كمساحة مكانية يتحرك من خلالها الى فضاءات اخرى يترك للمتلقي حرية إكتشافها ، الا ان علامة الدخان انقسمت على نفسها من خلال تحولها من دخان الى نيران إلتهمت البنى التحتية لمؤسسات الدولة إبان حرب 2003 ، الى علامة أخرى هي دخان ينتج عن أرواح أزهقت تحت تراب المقابر الجماعية.
وبالمقابل وعلى ضفة الألم الأخرى كانت الأم تقف شاخصة بصرها وبصيرتها باحثة عن ابنها بين الاحياء والاموات والمجهولين والهياكل والجماجم والسراب، في رحلة بحث لانهاية لها ، يصحبها طفل لايعرف عن والده الفقيد سوى ذكريات ترويها الجدة بين الحين والآخر متمثلة بأسم أبيه ، ومزماره الخشبي الذي حلم ذات يوم ان يعزف عليه ، ليبق هو الاخر شاخصاً بين يدي الطفل على أمنية لم تتحقق.
إن استخدام المخرج للمساحات المكانية الواسعة التي شكلت رحلة البحث والتي كانت على الرغم من إتساعها تضيق على صدر الأم وهي تحبس دموعها عن صبي يبدأ حياته برحلة عبثية كما في أسطورة سيزيف .
وقد بدا ذلك واضحا من خلال الاداء العفوي الذي قامت به الممثلة (شازادة حسين) والطفل (ياسر طالب) اذ ان نجاح هذه الشخصيات يكمن بالدرجة الاولى من خلال اعتماد المخرج على العفوية والتلقائية في أداء الأم والحفيد ، بعيدا عن التكلف الذي كان من الممكن ان يرافق الممثلة المحترفة التي قد تحاول التصنع في الاداء ، الا ان (شازادة) لم تتعامل مع هذه الام بوصفها شخصية سينمائية وإنما بوصفها شخصية من الحياة ، والتي يمكن مشاهدتها تهيم على وجهها في كثير من الاماكن في بلاد أكلت الدكتاتورية من أبنائها حتى أصيبت بالتخمة، ومن جهته فقد كان لظهور شخصية موسى التي قام بها الممثل (بشير الماجد) أهمية بالغة في إضفاء خط جديد لمسار الفلم الذي كاد ان يتحول الى تقليدي ، فقد جاءت هذه الشخصية لتعبر عن الخط المناقض تماماً للشخصيتين السابقتين كونهما تمثلان ضحية القتل والدمار الذي تنتجه السلطة القمعية ، بينما يمثل (موسى) شخصية الجلاد الذي يعترف بعد إنكسار سيفه بكل ماقام به من جرائم تجاه ابناء جلدته ، اما من ناحية الاداء فقد كان على المخرج والممثل معاً إضافة عمق ادائي لهذه الشخصية التي كانت تحتاج الى شيء من الانكسار والحذر في التعامل مع الاخرين ، فقد بدا هذا الاخير وكأنه بطل منتصر وليس جلاداً سابقاً يحاول ان يكفر عن ذنوبه بمساعدة الاخرين من ضحاياه وضحايا أمثاله .
الاان ذلك الاداء الذي قام به (بشير ماجد ) بالرغم مما قد يؤخذ عليه الاأنه استطاع إيصال الفكرة العامة التي اراد الفلم ايصالها والتي تكمن في القدرة على العفو عن الاخر مادام قد إعترف بذنبه ، وهذا قد يكون كافياً لربط احداث الفلم .
أن الفكرة التي ناقشها الفلم ، تعد واحدة من اكثر الافكار تأثيرا في النفس البشرية، جاءت لتعبرعن ذلك الواقع المؤلم والبشع الذي عاشه الشعب إبان السلطة القمعية في الماضي القريب، الذي القى بظلاله على الحاضر وهو يزحف بخطى حثيثة نحو المستقبل ، وما يحصل هو تغيير في المسميات وتأكيد على المضامين ذاتها ، وبدلاً من ان تكون هنالك مقابر جماعية ، فلتكن جثثاً مجهولة الهوية ، ماهو الفرق مادام الضحية في النهاية هو انسان ولد في ارض بابل وشرب من النهر ذاته.؟
ان فلم (ارض بابل) قراءة لحاضر ومستقبل أكثر مما هو قراءة لماضٍ ، ويجب ان نؤشر لهذا الفلم تلك الحقيقية التي كشفت عن ماضٍ دامٍ ليس بحثاً عن الثأر كما أشار المخرج وإنما لكي نمنح العدالة حقها في تطبيق قوانينها بيننا.
ان المتن الروائي لهذا الفلم إقترب كثيرا من تقنيات الفلم الوثائقي وأسلوب استخدام الوثيقة في طرح الافكار ، هو تجربة تحسب للمخرج ولفريق عمله ، ذلك أن القدرة الفنية العالية التي استطاعت المزج بين السرد السينمائي والوثيقة ومرجعياتها الواقعية والتاريخية ، جعل من هذا الفلم اشبه بمزيج يجمع بين الألم الجاف الذي يكمن غالباُ في الوثيقة ، والانسانية التي كانت تبرز بين الحين والاخر وبخاصة في مشاهد الام والحفيد، وفي تحديد اكثر دقة في مشاهد اللقاء الاول مع (الاب الحي – الميت – المجهول – السراب ).
ولابد من الإشارة إلى الجهود التي يبذلها عدد من السينمائيين كما هو الحال مع المخرج محمد الدراجي والمخرج عدي رشيد وآخرين في دفع عجلة السينما من خلال تجاربهم الجادة التي بدأت تحرث الفضاء الثقافي في الآونة الأخيرة على الرغم من ان مايحصل هو في الأغلب الأعم يعتمد على جهود شخصية والتي مازال السينمائيون يطمحون إلى التفات المؤسسات الفنية إليها والى جهود
أصحابها من أجل تطوير الحركة السينمائية، ومدها بالدعم بدلا من تجاهلها وعدم الالتزام الذي يقع على عاتق تلك المؤسسات لتكون بديلاً عن هدر الأموال على مالا يجدي ولا ينفع الثقافة العراقية في شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس