الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى رحمن الجابري.. حيا

عبدالمنعم الاعسم

2010 / 5 / 15
سيرة ذاتية




يا.. رحمن
الى رحمن الجابري.. حيا
لا استطيع ان اكتب عنك إلا بوصفك لم تمت بعد.. انها المفارقة الآسية، وقل الدراما التي احببتَ ضحاياه في نفسك، على وفق نصيحة هنري جيمس لنفسه “كن دراميا” إذ احسنت لاولئك الضحايا، في لوحاتك، حين القيتَ رؤوسهم على لحى اشجار باسقة، وكسبتَ ودهم حين فاجأتهم وهم يُستأصلون من الارض.. اعيد النظر الآن في لوحتك الشهيرة عن تهجير الكرد الفيلية، والتقط منها بلاءا حل ببشر طيبين، كما اشم رائحة الياسمين من امل يناديهم من مكان سريّ.. تلك هي الدراما، ومنها ألمَحكَ تستقوي على الموت بآخر طرفة ارسلتها الىَّ عن ذلك الرجل وابنه اللذان يمشيان في جنازة تتقدمها امرأة تندب عليه بالقول انهم سيذهبون بك الى دار لا فراش فيه ولا غطاء ولا خبز ولا ماء، فسال الابن والده: هل سيذهبون به الى دارنا؟.
لا اعرف انك كنت تجعل من اللوحة مزاحا مستحبا، ثم تحفر في مكان سريّ من فضائها اسئلة عن مصائرنا الملتبسة. في اكثر من لوحة لك تضج وجوه كثيرة باسرارها. نبحث فيها عن انفسنا فنجدها في اكثر من وجه، واكثر من مصير، وانت من منفاك الجليل، إذ تجلس على الارض، مثل حائك يعكف على رصف الخيوط المبعثرة في نظام متخيَّلٍ، ثم توقع اسمك في اسفل اللوحة كاعلان عن الاستراحة من الركض، فقد ركضت كثيرا ياصديقي بحثا عن حلم فرّ من بين اصابعنا، واخشى انك وجدت الاستراحة اخيرا في الترجل من مهرك الرشيق الى شق في الارض، معتم وموحش.

كان ذلك في مطلع السبعينات.. قبل اربعين سنة.. حين التقينا، ولم نفترق ‘إلا في الجغرافيا وخلال انواء دبرها غيرنا في غياب او غيبوبة للعدالة، والآن، لدي بعض من رسائلك ولفتاتك تحرضني على الندم وملامة النفس، لأن الكثير منها كان ينتظر جوابي، ولم اكن املك الجواب.. هكذا علقنا مشاريعنا الجميلة على اغصان الخريف اليابسة عُرضة للرياح العاتية، وكان موتك واحد منها: مرثية قاسية تضرب احباء، وتكتب علينا ان نحزن على الدوام.
احدى لوحاتك بين يديّ الآن، سيدة (او احلام) تتكئ على شجرة انهكتها، كما يبدو، رحلة شاقة ، ولولا مداد من البرق والضوء لانكفأت السيدة، لكنها، كما هو حالك وحالنا جميعا، تراهن على امر ما، او على نداء يمر حاملا قطرة الحياة، حيث يبوح القمر بكلماته الفضية من بعيد، وهكذا، يارحمن، لا تتركنا فضلة من الحياة الى يقين الموت، وهي لعبة برعت فيها، وجاء نبأ وفاتك ، في مجرى الاسئلة التي كنا نطلقها دائما: الى اين؟ بل من اين؟ وماذا حدث؟ ولماذا كل هذا؟.

في تلك اللحظات استيقظتْ لوحاتك.. لكن ثمة شئ عزيز نام الى الابد.

ــــــــــــــــــــــ
كلام مفيد
“عندما تأتي البلايا، فانها لا تأتي كالجواسيس، فرادى”.
شكسبير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة