الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاكه سرو وعبلة: قصّة حبّ كرديّة

سلام عبود

2010 / 5 / 15
كتابات ساخرة


منذ زمن بعيد تخلى كتاب القصّة عن أحلامهم الرومانسيّة في البحث عن مشهد عاطفيّ حارّ ومثير، مشهد يقوم على لعبة التناقض العاطفيّ الاجتماعيّ، ويصل الى ذروته المأسويّة باغتيال الحبّ والأمل.
عنترة، فارس العرب الأسمر، حفر اسمه في صخور التاريخ، بسبب هذا الحبّ، وبسبب هذا التمايز القاتل.
روميو المسكين وحبيبته جوليت أوصلهما شكسبير الى نهاية مفجعة أدخلتهما التاريخ، ولم يعد بمقدور أحد اخراجهما منه، بسبب هذا التمايز اللعين أيضا.
بيد أنّ عصر العولمة والحاسوب والديموقراطيّة أغلق علينا منابع الرومانسيّة، وجفف مصادر إنتاجها. غرائزنا وأخيلتنا لم تزل مشدودة الى ما كان؛ لكنّ ما هو كائن، وما سيكون، يمنعنا من أن نذهب برومانسيتنا المكبوتة الى حدّ البحث عن النوق العصفوريّة في مجاهل الصحراء، أو تجرّع السمّ، كحل وحيد ممكن للقاء عاشقين.
الأوروبيّون أحسّوا بذلك المأزق الفنيّ قبلنا. فحينما أرادت هوليوود أن "ترومنس" صناعة أفلام الفتيان، لم تجد بـُدّاً من الذهاب الى روميو وجوليت فتطلقهما في شوارع أميركا.
ولكنْ، هل يمكن لكردستان العراق، التي تتصارع فيها شركات البحث عن النفط وشركات البحث عن القوة والمال والفساد السياسي والصدامات الإقليمة والدولية، أن تكون قادرة على انجاب رومانسيّة عاطفيّة ذات بعد اجتماعي؟ نعم، لماذا لا. هذا الجواب وصلت اليه بقناعة تامة حينما أعلن الشاب الصحافيّ الكرديّ سردشت عثمان عن مشروع حبّه الفاشل لابنة الأب القائد مسعود البارزاني.
المشكلة الكبرى التي واجهها كاكه سرو، وهو يبحث عن عبلاه الكرديّة في قصور مسعود، تكمن في أنّه لا يعرف هل يملك مسعود ابنة مؤهلة حقا للعشق أم لا؟ والأكثر أهميّة من وجود الفتاة العاشقة المعشوقة، وقبل أن يتقدم الى خطبتها ثمّ يرفضه أبوها مسعود لأسباب طبقيّة، كان يتوجب عليه أن يحبّها، ولكي يحبّها عليه أن يلتقيها، ولكي يلتقيها عليه أن يغامر باقتحام القصر، أو أن يجرّها سرّا الى خارج أسوار المحميّة الطبقيّة للعمّ مسعود.
لقد أحسست منذ البداية أنّ رومانسيّة كاكه سرو مع عبلة مسعود متعثرة، ولا حظّ لها في دخول تاريخ الرومانسيّات، أو أيّ تاريخ آخر. إنّها قصة حبّ فاشلة، من طرف واحد، هو الطرف الخيالي، المريض بالحبّ.
على سردشت قبل أن يعلن حبّه أن يحبّ عبلاه أولا، أن يحبّها حقا، قولا وفعلا، وأن تحبّه عبلة ثانيا قولا وفعلا، وأن يعترض الأب مسعود ثالثا قولا وفعلا. وكلّ ذلك لم يحدث قولا وفعلا في مقامة سرو الأربيليّة.
ولكنْ، على الرغم من الخلل الفنيّ الكبير في بناء قصة الحبّ الفاشلة هذه، أصرّ سردشت على الاستمرار في انتاج نصّه الخياليّ. ولأنّ الفيلم يُصوّرعلى سفوح بيرمام وحصاروست، وليس على رمال الربع الخالي، أو في حدائق أوروبّا، قرّر سردشت أن يكتب وصيّة موته سلفا، ظنـّا منه أنّه بهذا الاعجاز العشقيّ الفريد سيتفوق على عنترة العربي وروميو الأوروبيّ، وأنّه بذلك سيضمن إثارة غضب القائد مسعود عليه، ويرغمه ارغاما على منعه من التمتع بابنته وقصوره وسلطته، فيضطر سردشت حينذاك الى الانتحار بصحبة عبلة، أو حتـّى بمفرده، وبهذا ينجز كتابة القصّة: لله في عشاقه شجون!
اليوم انتهى كاكه سرو من كتابة نصّه العشقيّ الحزين، أما الأب مسعود فقد أسدل ستارة مسرح الحبّ الأبوي، وأمر باغلاق صالات العرض.
كم أتمنى في هذه اللحظة معرفة وجهة نظر الآنسة عبلة، أو جوليت، البارزاني. لماذا لم تأت الى موعد الاغتيال؟ لماذا وافقت على أن يحلّ بدلا منها ثلة من القتلة الأوباش؟ كم أتمنى أن أسمع رأيها في مملكة أبيها الرومانسيّة، وفي رومانسيّة عشيقها، الذي تفوّق على جنون عنترة، وعلى خبل روميو، بأن ضحى بحياته في سبيل أمرأة لا وجود لها، امرأة تشبه العدم الكبيرالذي يعيش فيه الأب القائد مسعود، امرأة سيسجل التاريخ اسمها المجهول في سجل الغادرين المشهورين.
حينما ننظر الى صورة سردشت الموضوعة تحت خبر اغتياله، نحسّ، ونحن نرى الأمل والجرأة والإيثار في عينيه، أننا نرى الحيّ الوحيدَ في لوحة الموت الكبيرة التي تطوق حياتنا القاسية، اللوحة التي لم تتخلّ عن رومانسيتها المهلكة بعد، رومانسيّة القتلة، الجهلة، الجبناء.
# ## #
اغتيال سردشت لن يُعطـّل على الآنسة بارزاني مشاريع المستقبل، ولربما يحدث العكس. جريمة اغتيال سردشت سترفع عدد خطّابها، وتعلي من مهرها، وتزيد من فخر أبيها، فتجعله يصرّ، بهذه المناسبة السعيدة، على سقي مدعويه جميعا لبن العراق المفضّل: لبن أربيل، ولكنْ بلون ومذاق جديدين هذه المرّة، باللون الأحمر، المطـّعـّم برائحة البارود!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقاً إن لله في عشّقه شجون
فاهم إيدام ( 2010 / 5 / 15 - 19:07 )
هذا هو أجمل ما قرأت عن هذا البطل سردشت
شكراً لك


2 - الديمقراطية الحداثوية بنسختها الكاكوية
الحكيم البابلي ( 2010 / 5 / 15 - 21:05 )
عزيزي الأخ سلام عبود
أتابع كتاباتك منذ كنتُ أكتب في ( المجرشة ) لصاحبها / جايجي الجرش الرائع فيصل لعيبي
ولا زلتُ أحتفظ بأغلب أعدادها ، ومن ضمنها الكتيب الصغير لكَ بعنوان ( الأدب والحرية ) والذي تعلمتُ منه الكثير
موضوع اليوم ( كاكة سرو وعبلة ) أعجبني كثيراً ، وكما قال الأخ الكريم في تعليق # 1 ، فهو أجمل ما كُتب لحد الأن عن شهيد كل العراقيين سردشت عثمان
زلكن النقطة الوحيدة التي لا أعتقد بأنها غابت عنك ، هي أن سردشت لم يحب إبنة أمبراطور الكرد والإقطاع ، ومحتمل جداً إنه لا يعرف حتى شكلها (وعسى أن لا يكون لها أي شبه بالوالد في الخلقة والأخلاق ... جداً) ، وكل إعتقادي أنه كان يكتب مجازاً ، ومنها أحلامه في تنصيب شقيقه في مركز قائد الحرس والذهاب إلى باريس ... وغيرها من أحلام ليست حقيقية بل مجازية للدخول إلى صلب الموضوع والذي هو أخطبوطية القائد الكاكوي الأب الذي لا يقل روعة عن القائد الضرورة أبو عداي الذي عَلَمَ كل العربان والكاكوات كيف تكون الديمضراطية الحقة
على كل حال لا بأس من أن نعتقد بأنه أحبها فعلاً ، فهذا يُعطي الناس قصة ملونة على مقاس أحلامهم الشرقية التي لا تتحقق أبداً
تحياتي


3 - لقد إصطف مع العشاق بجدارة ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 5 / 15 - 21:33 )
نعم لقد إصطف مع الخالدين بجدارة وصار رمزا للحب والعشق والألم ... لابل تحدى بحبه من أحب بروحه وبالقلم ... ولم ينسى أنه في زمن العهر والمسدسات الكاتمة لإرهاب العقل وكسر القدم ... واليوم ماذا يقول قاتليك والعدل في حماهم هل صحيح أن يكافى العشاق بألرصاص والمحبين بألجلد وإغراس الفم .... تحياتي لك يا عزيزي الكاتب ولكل من يتحدى الظالمين وكل جبان وقزم .....!؟


4 - ثقافة العنف والقسوة
فرات الحداد ( 2010 / 5 / 16 - 00:20 )
العزيز ابو زيد
مرة اخرى عليك بأعادة كتابة ( ثقافة العنف ) وتؤطره بما استجد وتراكم من عنف وقسوة اكبر واخطر لانه يأتي بزمن المزعومة ( الديمقراطية ) تناولك جميل وسردشت سيلتقي كامل شياع ليشكو له الجديد في مشهد العسف


5 - سردشت وخالد ومنعم وعلي
خالد يوسف ( 2010 / 5 / 16 - 17:10 )
نعم ايها الكاتب المبدع فقد شخصت هذه الجذوة الثورية الخالدة بقولك (حينما ننظر الى صورة سردشت الموضوعة تحت خبر اغتياله، نحسّ، ونحن نرى الأمل والجرأة والإيثار في عينيه، أننا نرى الحيّ الوحيدَ في لوحة الموت الكبيرة التي تطوق حياتنا القاسية، اللوحة التي لم تتخلّ عن رومانسيتها المهلكة بعد، رومانسيّة القتلة، الجهلة، الجبناء.) ولا ابلغ حين اقول لك الأن بأنني ورغم مرور ثلاثة عقود على استشهاد قادة الحركة الطلابية الديمقراطية العراقية على ايدي اوباش البعث القذرة و لا زلت ارى في عيونهم نظرة (الأمل والجرأة والإيثار)فشباب العراق وخصوصا الطلبة قد لعبوا دوما دور الطليعة المقدامة في معركة شعبنا من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية
المجد للشهيد القائد الطلابي خالد يوسف .. ذلك الشاب الجميل ذو البشرة البيضاء والعيون الملونة والابتسامة الساحرة .
المجد للشهيد القائد الطلابي منعم ثاني.. ذلك الشاب الحنطي الساحر ذو النظرة اللامعة
المجد للشهيد القائد الطلابي على جبار .. الاسمر الجميل مما حدا بنا الى تسميته علي بوتو
ان استشهاد الطالب الصحفي سردشت عثمان ابن العائلة الكردية الكادحة في السنة الاخيرة من دراسته, هو تواصل تأريخي مع استشهاد خالد يوسف ومنعم ثاني وعلي جبار وهم في السنة الاخيرة وابناء العوائل الكادحة في بغداد , كما ان قتلة سرو على تواصل تأريخي مع قتلة خالد ومنعم وعلي والمئات من الشهداء الذ


6 - سردشت وخالد ومنعم وعلي
خالد يوسف ( 2010 / 5 / 16 - 17:54 )
ان استشهاد الطالب الصحفي سردشت عثمان ابن العائلة الكردية الكادحة في السنة الاخيرة من دراسته, هو تواصل تأريخي مع استشهاد خالد يوسف ومنعم ثاني وعلي جبار وهم في السنة الاخيرة وابناء العوائل الكادحة في بغداد , كما ان قتلة سرو على تواصل تأريخي مع قتلة خالد ومنعم وعلي والمئات من الشهداء الذين يسبحون كواكبا في سماء العراق من اهواره حتى ذرا كردستانه .. معركة طويلة النصر المحتم فيها حليف سردشت وخالد ومنعم وعلي , اما القتلة فمصيرهم مزبلة التأريخ

اخر الافلام

.. أحمد عز يقترب من انتهاء تصوير فيلم -فرقة الموت- ويدخل غرف ال


.. كلمة أخيرة - الروايات التاريخية هل لازم تعرض التاريخ بدقة؟..




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حوار مع الكاتب السعودي أسامة المسلم و


.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من




.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان