الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مليون وردة لروح الفتى العراقي الجميل ( سردشت عثمان )

محسن صابط الجيلاوي

2010 / 5 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم اقرأ لسردشت عثمان سوى ثلاث مقالات هي أشبه بالمعلقات في عمقها وصدقها وفتنتها وشاعريتها، هي آيات نقية وسط خراب يعتلي هذا الزمن الفاجر..لقد لخص هذا الفتى الحالم المشاكس مأساة أمّة منكوبة حد العظم بقليل من الكلمات لكنها منسوجة بلوعة منتمي عميقا لشقاء وقهر هذه الأرض وهذا الإنسان ، بها عبر عن عذاباتنا وهواجسنا بفكر متقد وعقل منفتح على الدنيا والحياة بشكلها الأكثر طلاقة ورحابة وفضاء...هذا الكردي الحالم كوردة كردستانية على ضفاف نبع جبلي رقراق ، كشجرة الآسبندار حيث الحياة ، كيوم مشمس على ربوع طليقة ، كقمة قنديل وسفح حصارروست وعظمة متين ، كأغاني( الحيران ) حيث اللوعة وألم الفراق ، كصهيل الخيول في قمرة السهول، كبياض الثلج، كعندليب طائر القبچ ، كالنسور فوق القمم ،كتفرد الطبيعة الباهرة ..الكردي هو كل تلك المفردات التي جعلت من شخصيته جميلة ورحبة ومحبة ومنفتحة وليس غريبا أن يكون سردشت الكيمياء العجيبة لكل تلك المفردات وطقوسها وشذاها العبق...سردشت مثل قصيدة گوران كلاهما يحفر عميقاٌ في الأرض والمكان والذاكرة والحجر ، لتعطينا بطولة مطلقة عن المرارات التي تعرض لها هذا الشعب النبيل والطيب والباسل والمقاتل والشجاع ..هذا الشعب المسروق من قتلة لا يرحمون أبداً...!
أجمل ما كتبه سردشت (اننا رابحون حتى ولو بدلنا الشيطان بتلاميذه) ، وشياطين كردستان كُثر يتناسلون وسط الفجيعة والخراب فهي مكانهم الآمن في أخذ الناس نحو حتفهم المرسوم بدهاء ، هذا يعني انه لم يكن مقتنعا بهم جميعا ، لأن هؤلاء مهرة في تغييب البديل الذي يطمح له شاب متنور ومعطاء مثله...شياطين السليمانية ودهوك هم الشكل الأكثر تخلفا كبقايا للعقلية الإقطاعية – العشائرية التي تسرق كل شيء في كردستان ، تسرق الأرض والثورات والحياة والعشب والمراعي والحقول الوافرة والثقافة والعلم والحداثة والبديل والأكثر بشاعة الإنسان ..الرصاص جاهز لكل من يهدد مصالحهم المنفلتة، وأيديهم ممتدة على قبضات البنادق الشرهة لحصد المزيد لكل دافع، هل نسينا ما يسمى قتال الأخوة...؟
هؤلاء أنفسهم هم قتلة المصور شهيد عبد الرضا والصحفي باسم الساعدي ، هم الذين قطعوا أصابع المندائية الجميلة عميدة عذيبي ، هم الذين اغتالوا واعدموا بوحشية الجريح سمير مهدي – أبو شلال بعد أسره ، هم الذين أنتجوا عيسى سوار ، هم الذين قتلوا الجنود الأسرى ، هم الذين تاجروا بحلبجة الشهيدة ،هؤلاء لا يعرفون أي أخلاق أو ضمير أو تقاليد أو أعراف ...هو نفس الدم ونفس القاتل ونفس الرصاصة الصدئة المستعدة لأداء وظيفتها المجنونة المنقوعة بالخسة والغدر والإجرام والفضيحة .. !

سردشت ضرب بكلماته العميقة قويا في جدار الكذب القومي الأرعن..فالبعث الكردي كأخيه العربي قائم على حذلقة الشعار العنصري الأهوج، على التخويف الفارغ من الآخر الهلامي الغامض البعيد، المهم بالنسبة لهم هو البقاء وسرقة قوت وأحلام الناس وتوريث الأبناء وأعطاهم صفة الرجولة الخسيسة ( القتل ).. هؤلاء حلفاء لكل شيطان آخر شبيه بهم إذا ما دقت ساعة الخطر لكراسيهم الهزازة..تذكروا جيش صدام في أربيل ، وباسدار إيران في السليمانية ومعها تم تغييب أكثر من 14000 إلف كردي في معارك العبث هذه ...؟
لقد كانت طريقة القتل جبانة وثأرية وعلنية وفي وضح النهار كونها رسالة لكل من يقول ( لا ) قوية ومجلجلة، تنفيذ بإصرار وفق أبشع التقاليد القبلية القديمة المتخلفة والمرفوضة شرعا وقانونا وإنسانية والتي تجاوزتها الشعوب منذ ماضي سحيق...طلقات في الفم ، فم سردشت النبيل المنفتح على الحق ، على هواء أراده نقيا ونظيفا ، لا يمكن أن يتحملها أي رب أو إنسان عاقل ...انه الكفر بقيمنا وثوابتنا كبشر ننتمي لهذه الألفية الجديدة..!

( أصدقاء سردشت الذين يضعون نقطة السطر ) هو شعبه الذي عليه أن يعرف أن الثرثرة والشعار والغلو الفارغ في الادعاء بأنهم حماة وحراس هذا الشعب ما هو إلا كذبة كبرى ..دم هذا الشهيد وضع حدا وتاريخا فاصلاً وقاطعا في فضحها وإيقافها فهؤلاء على استعداد تام لسوق الشعب كله إلى ساحة الإعدام والموت والذبح إذا ما تعرضت سلطاتهم للخطر ...هؤلاء قتلة لا يخافون إلا من غضب الناس، غضب الناس المشروع والمقدس والهادر بالحق وحده من يحمي أجيالنا القادمة من شرورهم..!

سردشت مليون وردة مبتلة بكل الحب والدموع والأمل ،مقطوفة بعناية وبرقة كل محب من كل بيت وحديقة وسفح ويد صبية عراقية ..شرف لك انك أدهشت عقولنا ، أيقظتنا ولو بعد حين من سباتنا ونومنا العميق ، من كسلنا ، من فقرنا الفكري ، وبهذا قدمت رمزا جديرا بالاحترام لنخب ثقافية قادمة تتجاوز رجال ثقافة هذا اليوم الراكضة واللاهثة وراء كل مُشتري ...دمك أيها النبيل نثرته الطيور والغزلان والريح والنسور فوق كل هذا الوطن ودخل في كل زواياه ولن يستطيع أبدا أحد أن ينكر انك دخلت التاريخ من أوسع أبوابه فتى نظيفا وجميلا وحرا ومدهشا وعصيا على النسيان ، كلماتك سنحفظها كالأغاني ،كالأناشيد...فيما يدخل القاتل زريبة التاريخ هو وعائلته وحاشيته وبنادقه القذرة...والله لشرف أن نهديك بناتنا واخواتنا بفخر- لقد طلبت من المكان الذي لا يستحق ولا يتساوى مع علو هامتك وضميرك النقي وطلتك البهية - فمن هو أفضل من سردشت عثمان حريا أن يكون صهرا لكل نقي وضمير صاف...؟!
نمْ قرير العين تحرسك الملائكة ،نم فقد صرت نشيدا مدويا لوطن معذب ...بدمك الطاهر أصبحت قديسا وملاكا لأمّة تبحث عن الخلاص...!
بك نتفاخر ونتباهى ونحيا على أمل قادم...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و