الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات البريطانية والاسئلة الكبرى

نبيل ياسين

2010 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



في اليوم التالي فقط اثار البريطانيون ، ساسة ومجتمعا، اسئلة كبرى حول اصلاح النظام الانتخابي للمحافظة على تطور سير الديمقراطية. دعيت تلك الاسئلة الكبرى في برنامج على قناة البي بي سي شارك فيه ممثلون لاحزاب وصحفيون وممثلو منظمات مجتمع مدني ومعوقون ورجال كنيسة واساتذة فقه دستوري وجمهور.
كل ذلك يمكن ان يحصل لدينا ولكن الفارق كبير هو المهنية والهدف المعرفي والوصول الى حلول وليس ملء وقت الفضاذيات ودعوة من يصرخ عاليا.
مقدم البرنامج مهني من طراز يجمع بين القدرة على ادارة البرنامج والثقافة السياسية اللازمة لمثل هذه المواضيع الكبرى . لم يكن همه الظهور والتلاعب مع الضيوف كما يحصل في كثير من برامجنا حيث يكون الوزير او المسؤول او السياسي قد دفع لمقدم البرنامج وعطل مهنيته وحياديته او قدرته على خدمة الفكرة. ففساد الاعلام يعني فساذ احد اهم سلطات الديمقراطية،
كان ممثلو الشعب موجودين في البرنامج قبل ان يكون النواب ممثلين للشعب. كان الحديث يجري حول من يصنع القرار ؟ وهل يمكن لاربعمائة الف ناخب ان يقرروا ارادة خمسين مليون ناخب في بريطانيا، لان نظام الانتخابات اضر حزب الديمقراطيين الليبراليين الذين كانت نسبتهم على المستوى الوطني مساوية لنسبة حزب العمال وقريبة من نسبة حزب المحافظين ولكن عدد مقاعدهم لم يتجاوز ستين مقعدا مقابل اكثر من مأتيين وسبعين مقعدا للعمال وثلثمائة وستة مقاعد للمحافظين.
الاسئلة الكبرى جاءت من واقع(البرلمان المعلق) او البرلمان المعطل حيث لا اغلبية قادرة على تشكيل حكومة. قبل هذا البرنامج كانت هناك حوارات تلفزيونية مهنية مع لوردات ونواب سابقين وروساء احزاب سابقين لمناقشة المصالح الوطنية من التحالفات والاصلاحات التي يطالب بها الناس وكثير من السياسيين. لم يتم التركيز على المواقف الايديولوجية ولا على المصالح الحزبية وانما كيف يمكن تحقيق مصلحة وطنية من اية مطالبة او تحالف او اصلاح. وتحدث كثيرون عن الفساد في اي نظام دون ان يهددهم احد لامن مفوضية انتخابات ولا من هيئة نزاهة ولا من مكتب حكومي بالمقاضاة على ارائهم او ووجهات نظرهم. ان حق المشاركة في الرآي والجدل لا حظر عليه. لقد كانت الفضيحة الوحيدة في الانتخابات هي تصويت مراهق في الرابعة عشرة من عمره(اي دون السن القانونية للتصويت) في احدى المناطق . ورغم ان صوته لم يكن مهما في النتيجة الا ان التساؤل يجري : كيف حدث ذلك ، في حين ان مئات الالاف من اصوات العراقيين ذهبت ادراج الرياح وتم تناقلها وترحيلها واهمالها وشاعت شكوك حول نزاهة الانتخابات في العراق وبدل ان يكون الدستور والقانون حكما في ذلك كان بعض موظفي المفوضية يهددون من ينتقد المفوضية وطريقة عملها في موقف معاد للاصلاح والعدالة.
كانت الاغلبية البرلمانية تحتاج الى 326 مقعدا لتشكل الحكومة، لكن النتائج خانت المحافظين الذي لم يحصلوا سوى على 306 اصوات. عشرون صوتا فقط قلبت تاريخ بريطانيا الحديث ، فاضطر المحافظون للتحالف مع غريم يتمتع بالصفات التالية: اولا انه لم يكن مؤثرا في موازين القوى الحزبية والسياسية في الحكومة او البرلمان فهو حزب لايحسب لمنافسته حساب ولايحصل الا على اربعين او خمسين مقعدا وهي نفس النسبة التي حصل عليها اخيرا. وثانيا انه ليبرالي وليس محافظا وله برنامج يختلف كثيرا عن برنامج المحافظين سواء بالنسبة للتعليم او الخدمات الصحية او الضرائب او المهاجرين، وثالثا له مطلب تغيير قانون الانتخابات الذي يعني ان المحافظين سيتضررون من هذا التغيير الذي يعيد توزيع الاصوات على المستوى الوطني، وهذا الغريم هو حزب الديمقراطيين الليبراليين الذي ظهر زعيمه الشاب في مناظرة تلفزيونية مع زعيمي المحافظين والعمال هي الاولى من نوعها في تاريخ الانتخابات البريطانية.
بعد يومين من ظهور نتائج الانتخابات بدآت المفاوضات. لابد ان يكون للبلاد حكومة، ولذلك تشكلت حكومة ائتلافية بين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين قبل مرور اسبوع على الانتخابات عدت بمثابة زواج بين حزبين، علما ان اخر حكومة ائتلافية في بريطانيا كانت قبل خمسة وستين عاما. استقال براون اولا من رئاسة حزب العمال رغم نجاحاته الاقتصادية خلال الازمة المالية العالمية ثم استقال بعد يوم من رئاسة الوزارة تاركا المجال لديفيد كاميرون زعيم المحافظين لتشكيل الوزارة.
كان الزعماء الثلاثة، براون وكاميرون وكليك يتحدثون عن المصالح الوطنية، وفعلا طبقوا حرصهم على المصالح الوطنية وتنازلوا من اجل ان لايكون هناك فراغ حكومي او تكون هناك مشكلة مثل المشكلة العراقية المزمنة.
السبب هو الثقافة، وهذه الثقافة ارستها قوانين وتشريعات واعراف وتقاليد ومسؤولية اخلاقية ورأي عام ينتخب ويضغط ويطالب وسلطة رابعة غير مرتشية او تفتقر للمهنية والاهداف واثبتت استقلاليتها وقوتها وتأثيرها. وهذه الثقافة معادية للفساد وتعتبره سقوطا اخلاقيا. تم التحالف خلال اقل من ثلاثة ايام وكل من المحافظين والديمقراطيين الليبراليين وضع مطالبه وتمت التسويات واتفق الطرفان على ان تكون الحكومة قوية تواجه رياح الانشقاقات وتعطيل القوانين والتشريعات التي تهم المجتمع وابرموا اتفاقا لمدة خمسة سنوات لكي لايكون البرلمان معطلا او معلقا.
هذا الدرس ليس بريطانيا بفدر ماهو انساني. اقول ذلك لاني اسمع من كثير من العراقيين ، خاصة النخب وممثلي الطبقة الوسطى، خلال ستة اشهر قبيل الانتخابات واثناء تشكيل قائمة تيار العدالة والحرية -تجديد العراق لخوض الانتخابات العراقية اننا لسنا بريطانيا ونحتاج الى مائتي سنة لنحقق الديمقراطية.
هل نحتاج الى مائتي سنة لنكون بشرا مثل الاخرين ، وهل نحتاج الى مائتي سنة اخرى لنكون احرارا وهل نحتاج الى مائتي سنة اخرى لنتحمل المسؤؤلية الاخلاقية تجاه مجتمعنا وهل نحتاج مائتي سنة اخرى لكي تكون لدينا صحافة حرة ومهنية غير فاسدة حالها حال برلمان استخدم اغلب افراده مع الاسف اساليب فساد وهل نحتاج مائتي سنة اخرى لتعدل قانون الانتخابات ونصدر قانون الاحزاب ونضع المسؤولية الوطنية قبل المصالح الحزبية والشخصية؟
غالبا ما نسمع : نحتاج الى وقت. لا وقت لدينا ، علينا ان نعمل منذ الان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي