الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهاجر والكلب

كريم الثوري

2010 / 5 / 16
الادب والفن



سجادة الملعب الأخضر تزحف، كأنه يراوح محله، كما في الألعاب الرياضية الثابتة، مصوبا بصره جهة إستدراج ما كان يُعول عليه يوما، ولم يُنتِج، تطويها خطواته المتمرسة، مخلفة لهاثا يهذي بمطبات تستدرجه للحوار، كمخلفات أطلال تُصفِر به الرياح، لم تهدأ..
النداء هو ذات النداء المنبعث منذ الأزل، لم يتبدل رغم تعاقب السنين، منذور لهيام أزلي، يتشظى ساعة ويستدق، كشاهد زور أو حقيقة مازالت لم تكتمل، فلم تنضج دورتها بعد.
بوحدته وقد تخلى عنه - حتى نزقه - أقرب المقربين لـ ( كاروك ) دمه، لكنه لم ييأس لسبب يعرفه أكثر مما يعرِفهُ هو بقدره. كانت الساعة تشير لاقتراب نزول قرص الشمس خلف التلال البعيدة باتجاه بلاد أخرى، ليواكب اشتغال الإشراق على مدى أربع وعشرين ساعة دون ملل أو كلل.
كان يبحث عن سؤال نشاز يُقلقه، لا لشيء، فقط ليعرف أنه مازال على قيد الحياة، مُعافى، لكن الواقع الجديد كان بخيلا معه لدرجة، حرمه حتى من متعة مواصلة الاستذكار والانصهار بنواميس تنتمي لفصيلة - الميؤس منهم -، فراحَ على طريقته التي ما برحت تُقاوم ( لم ينشف ضرعها بعد ). إنها الوسيلة الوحيدة لاستمراره على قيد الحياة من دون أن يفقد حيويته التي يستمد منها حضوره العقلي تلك كانت هوايته المفضلة، التفريغ، حتى تحين ساعة عودة الجزء إلى الكل.
كان مازال يواصل عملية الهرولة ويتكلم مع نفسه، حيلة ابتدعها لنفسه، ليقنع الزمن المتوقف ليجود بكرمه الشحيح، صدفة ما تنتشله من بين صهيل الفراغ. وعلى مدار الترقب، توارت من بعيد، سيدة يقودها كلبها الأسود، دخلت مساحة الاستغراق، أفردت ما يشبه العصا، صُيرت نهايتها لاحتواء كرة خضراء بلون الحشيش، تناولتها بحركة رشيقة ورمتها بعيدا، ركض الكلب بطاقته القصوى لجلب الكرة لإسكاتها بالقرب من قدميها..
عاود الهرولة بسرعة أكبر ربما تيمنا بالكلب، أو مقارنة به. رمت السيدة الكرة ثانية، عاد الكلب إلى سابق إنذارة.. أسرع هو بطاقته القصوى، أوجعه قلبه قليلا.. دعسه بكفه الأيمن.. أسكته مقهورا.
استمرت هي ترمي الكرات، والكلب يلبي واجب الطاعة لمربيته، استنزفته مخيلة التكرار دون محطة مُباغتة أكثر إثارة لتفعيل راسيات مخيلته. جلس على البلاط الأخضر يُعاين تمام المشهد بعينين غائرتين.. السيدة على حالها خلقت عالمها الجميل بطريقتها، تنافس الكلب فيُناغيها، وبين الفينة والأخرى ترمي له بعض الطعام، فيزداد ارتعاش ذيله المبتور، دلالة الشكر الجزيل !
كان هناك رجُل وسيدتان في البار الملحق بالجنينة الكبيرة، يشربون البيرة ويكركرون، ربما كانو غير ذلك، لكنه سمعهم يكركرون، أو هكذا أرادهم في مشهده الطلسمي، تحلق فوق هاماتهم توهان خيوط سكائرهم، سرعان ما يبتلعها البياض، وفي الطرف البعيد كان هناك عاشقان يتبادلان القُبل بطريقة الانبطاح والمداعبة المرنة، بحركات مغناطيسية، وقبل أن يعود إلى داره مُقفلا وهذا يُحزنه كثيرا، لسيئة في أعماقه، اقترب من السيدة ليسألها عن حدود طاقة الكلب، ليرضي ويسكت لجّة انتقاص نصاب الأسئلة. تبادلا بعض الأحاديث الودية العابرة، ثم وجه سؤاله إليها بِابتسامة - شرق أوسطية - خجولة:
- كيف تعرفين سيدتي أن الكلب قد أجهده الجري غير المُنتج ؟
- فتحت فاها، حتى بانت أسنانها البيضاء، وتقافز الضوء الأشقر من عينيها، قائلة :
- من قال لك: أنه غير منتج ؟ نحن نلعب كصديقين
- بادرتها القول مصححا سؤالي:
- عفوا سيدتي ربما لم أحسن طرح السؤال بالطريقة المُثلى، ما كنت أعنيه، متى تعرفين بأن الكلب قد جزع اللعبة، أو لحق به التعب
- مسحت جسدي برعشة لذيذة ( سرَت كالتيار الكهربائي، فاستشاط عضوي الغافي، عقفته بِأطراف أصابعي، أسندته خلف ساقي )، ثم قالت:
- مادام كيس الإطعام بيدي، فليس أمامه من وسيلة أُخرى، سوى الإذعان، أو الهروب، وهذا أسوأ الاحتمالات، ثم أضافت، أُنظر بعينك:
- استمرت ترمي وترمي بالكرات والكلب يجلبها، حتى تناقصت سرعته شيئا فشيئا، عندها تمدد تحت قدميها، يعمل حركات بهلوانية، وأرجله الأربع إلى الأعلى تتطوح بالهواء.. نَظرَتْ صوبي، وقبل أن يقع بصرها مركزا برطوبة وجهي، كنت موليها قفاي، ( هارباً ) في طريق العودة ، كما المرات السابقة، مخذولا مُنهكا، فيما كانت قدماي ينزان من التعب وجسدي يتطوح، وقد سكتت كل الأسئلة المقررة اليوم، بِانتظار يوم جديد، وأسئلة أُخرى تفرزها خلاياي الدفينة، للتوافق مع محيط، كل ما فيه لا يمت لعالمي بصلة، متذكرا كلام أبي في البعيد، بمناسبة أو دون مناسبة، ( شيء غير عادي فيك يا ولدي، سيقلب حياتك، رأسا على عقب !)

كريم الثوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي