الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَغْدَدَه

ابراهيم البهرزي

2010 / 5 / 16
الادب والفن


الى صديقي الدكتور (ا.ز ) البغدادي المهاجر من خمسين , وهي من وحي رسائله

يريدُ انْ يكتب َعن بغداده ِ قصيدة ً
فلا سوى الرثاء ْ
قدْ قُتلت ْ بغداده ُ مدائحا ً
اشبه ُ بالهَجاء ْ
فثمّة َالراغب ُ والطالب ُ والخطيب ْ
وليس َ في اصواتهم تهَجّد َ الحبيب ْ
بغداد في احتضارها
يوجعها القديم ُ والجديد ُ من مناقب ِ الرياء ْ


أِنْ فاته ُ ان يولد َ فيها فلن ْ يفوته ُ ان يستولد َ من شمائلها عُمْره ُ , كانت اريحيّتها تلجم ُ الدم َ دوما ً , بخور ُ (زكريّا ) وشموع ُ خضر الياس واعياد الشعانين و(كرصة ) المندائيين الجليلة واعياد الغفران تنسرح ُ جميعا ً من زقاق ِ ضيّق ٍ ضفيرة ً تتدلّى في زمزم ِ َ دجلة َ وتذهب ُ للحجِّ الكبيرِ , حجُّ المقام ِ البغداديّ في (كهوة الطرف ) , والصلاة ُ في (مايخانة ) ُسوّاق ِ (الربَلات) , وان ْ فاته ُ ان يفرش َ بعربات ِ القير ِ الاسود ِ (خليل باشا جادّه سي ) فقد اسْتدرك َ ان يجوب َ شارع َالرشيد ِ ظهيرة َ صيف ٍ مُستذكرا ً عُمال َ السُخْرة ِ وافنديّات ِ المزاح ِ وشقاوات الاستعراض ِ الفولكلوري ِ , وباعة ََالجرائدِ الهازلين َ بمسرح ِ الحكومات ِ , مُستذكراً اللافتات التي اهانت الروح َوالدم َاضْحيات ٍ مغدورات ٍ على مذابح ِِالمُرابينَ , وان ْ فاته ُ الزادَ فقدْ قال َ بملْأِ الرضا :
(هنَيّ.. ...)!


يشم ُّ فيها حُلمة َ المُرضعة ْ
أِذْ طالما ظلَّ الرضيع اليتيمْ
يُوجعَه ُ الفطام ْ
ظلِّ يُوجعَه ْ
حتّى اعالي شيبه ٍ الحكيم ْ
يَدسُّ في جراحه ِ اصبعَه ْ
ليتّقي انينَها الرؤوم ْ



ْيعبرُ على جسر ِ اضلعها , باعة َ النفايات ِ , تتقدّم ُ خيولهُم جلجلة َ الاجراس , دفوفًَ دَرْوشة ٍ وصنوجا ً وطقوس َ عزاءات ٍومارشا ت ِ الغزاة ِ , يَتململ ُ البزْرَنْكوش ُ على السياج ِ مُتاوّها ً , بُلبل ُ الحديقة ِيفزُّ من تغريده ِ , مُكبّراتُ الصّوت ِ الصفيقة ِ تنذرُ بالاذان ِ والانقلابات ِ , بغداد َ تموع ُ أِلْية ً نيّئة ً في ولائمِ النهاّشينَ المنهومينَ جوعا ً الى ترف ٍ , يُقبلون َ بنُجيماتِ العَسْكر ِ وعمائمَ السادة ِ وغُتر َ الاشياخ ِ وسراويل َ الاغوات ِ من منافذ ِ الاطراف ِ شمالا ً جنوباً شرقا ً غربا ً , جَرادٌ يُعْمي عينَيّ زارع ِ البزرنكوش ِ
لكَي لايزرع َ لاحد ٍ بَعْد ُ
مِنّه ْ....
فما عادَ فينا من يَستحي الشيب َ
وما عادت ْ عندنا الارض التي تنبتُ (حِنّهْ )



مثلما اثينا
مثل َ روما
مثل َ طيبة َ
مثلما كل ّ برق ٍ تلألأ في ُظلمات ِ الوجود
واندثرْ
لنْ يقوم َ الضياءُ بتاريخه ِ المَحْضَ
ثمّة َ ذاك َ الشرَر ْ
يتلظّى التواريخ َ حَرقا ً
ويختط ُّ من حفنات ِ الرماد ِ
أثرْ
ويقود ُ الى برق ِ اسم ٍ جَديدٍْ ...
بَعْدنا
بَعْد َ بَغدادنا
تتبغْدَد ُ امصار َ أُخرى
مُهذّبة بالعبَرْ ...

لا رعاع َ السُنّة ِ ولا رُعاع َ الشيعة ِ لا رُعاعَ َ الجبل ِ كذلك َ, يُمكنهُم ساعة َ يرجُم ُالزمان ُ الأُلْعبان ُ بغداد َ بهم ,ان ْ يُجيدوا لمْسة َ الدَلال ِ التي توَرّد ُ وجنتيك ليسوا جميعاً
من َ (الاسطوات ) الذين َ ينحتون َ من الحَجَر الصغير ِ منزلا ً بشرفة ٍ يمزحون َ بها مع َ اربَع ِ الرياح ِ , لانهُم لن ْ يُتقنوا (بسْتة ً) بغدادية ًواحدة ً , هُم ُجميعا ًامّا رعاة َ ابل ٍ او صيّادي سَمك ٍ او مُهرّبين َ مُحترفين َ , ينتظر ُ كل ٌّ منهُم مَوسمَه ُ ليغترف َ الطبيعة َ بكسَل ٍ , فهُم رهائن َ الغيب ِ....
البغداديّون َ الاقحاح َ (وهم بغداديو الشمائل ِ لا استقراءات ِ الانساب ِ ) , لا رعاعَ السُنّة ِ هُم ولا رعاعَ الشيعة ولا رعاعَ الجبال ِ الذين َ يَغْزون َ بغداد َ الخاتون َ بحماسة ِ النَهْب ِ, يَدركون َ ان ّ بغداد َ التي تنفَّست ْ البزرنكوش َ تنفر ُ من رائحة ِ الابل ِ والسَمَك ِ الزَفر ِ وبَول ِ الماعز ِ الجبليّ , اكثر ُ من خمسين َ احْتمَلت ْ رائحة َ الزُفرة ِ حتّى هُجّر َ مُختارها القديم ومَحلته ُ والدربونةَ واعَكد َ والمَحلة َ وباب َ الخان ِ والقُبولات وكسْلات َ العَصْريّة ِ وخمّارة َ جَجّو , وانا لست ُ سوى جَجّو المتعَبّد ُفي غار ِ ابي نؤاس , لا يَهْجر ُ حانته ُ حتى يَكسر َ خَشمَ َ الدستور ....

بغداد َ
وان ْ رقّت ْ لجميع ِ الشعر ِ
فان َّ الشعر َ النغلَ
راى منها
_لاغيْرَ – سوى ساقين ِ معلّقَتين ْ ِ
بغداد َ وان ْ هَطَلت ْ
تحت َ بساطيل ِ النهّابين ْ
اغْرابا ً كانوا أَمْ وطَنيّينْ
بغداد َ ستهجر ُ بغداد َ كثيرا ً
لكنّي لا احْسَب ُ بغدادَ
امام َ المرْآة ِ
سَتغدو بَغْدادَين ْ
صاغة ُ ذ كراها بادوا
جائعة ٌ هيَ لامان ِ البيت ِ
وفاقدة ٌ هَ لحنان ِ البيت ....
لكنّ لها حيثُ افتقرَت ْ وافتقدَت ْ
تنّورا ً مُسْتَعراَ
وطحينْ



اكثر ُ من خمسين َ وبدو ُ الغربيّة ِ والشرقيّة ِ يفترعون َ حدائقك ِ الاولى, انْطفأَ البدر ُ المتطوّح ُ فوق َ شواطيء ِ دجلة َ لا وقت َ الفجر ِ يمرُّ مُنى نفْس ِ سَليمة ْ باشا , لا يوسف ْ عمر يطوف ُ بسوق ِ الغزْل ِ يُداعب ُ (هنداوي )و (الاج ْ )و (كمَرْلي ) , لا (عَفاّوي ) تجعل ُكلَّ (صباح ِالخير ْ محبوبي ....صباحَك ْ) لا (الافندي )..عيوني الافندي , يتبَغْدد ُ َمرَحا ً بين َ الجسر ِ وبين الجسر ِ ولا نوري الراوي ياوي في قاعة ِ (كولبنكيان ) قُراه ُالغرْقى , لا داخل ْ حسن ْ ولا حضيري يَزدهران ِ كناي ٍ من قصب ٍ بمقاهي عَلاوي الحلّة َ , لاتين َ ولا رمّان َولاعنبَ ولا كأساً من عَرق ٍ يتذكرُ حافظ ْجميلْ , لا نخلة َ تسال ُ عن غائب ْ طعمة ْ لا جيران َ
ولا (دعبول ) البَلام يمرُّ على يُوسفنا العاني في (خضْر ِ الياس ) ولا في (شارع طه ) يَعبْر ُ ابن َ الجادرجي رفعت ْوهو يُعيد ُ قراءة َكلَّ (درابين ) البغداديين , ولا (الوردي ) يُحدّق ُ من عَطّارية ِوالده ِ لمهازل َِ اوهام ِ الخَلق ِ ولا مدْرسة ً لمناحم ْدانيال ْ تزقزق ُ فيها لهَجات ُ الطفلات ِ التلميذات ِ مَسيحيّات ويهوديات ومن كل ّ طيوف ِ الاسلام ِ , ولا شيءَ ببغداد َ على َقدَر ِ الشوق ِ ان ْ اسْتعرت ْ في روحك َ جمرة ُ بغداد َ , فلاشيء َسوى الفضلات وقطعان ُ كلاب ٍ تتناوش ُ من صِِغَر ٍ ودناءة ُ نَفْس ٍ مِسْكَ الذكرى لاهاليها المُقْتلَعين ْ ...


اكثر ُ من خَمسين َ
وانت ِ سَبيّه ْ
باسم ِ الثورات ِ الوطنيّة ِ والاوهام ِالقوميّة ِ واسم ِ الدين ْ
اغتصبوك ِ جميعا ً فوق َ فراش ِ الحُريّه ْ
اكثر ُ من خمسين َ وانت ِ مُراد َ الكذّابين ْ
حتى عزرائيل َ
اذا ارسله ُ رب ُّ الموت ِ اليك ِ
يقول ُ :
(خَطيّه ْ .) !
امّا حَمْقاك ِ
فكل ٌّ يصرخ ُ :
لي...
كل ٌّ يصرخ ُ :
ليس َ عليَّ !....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المبدع أبراهيم بهرزي
عُلا النوري ( 2010 / 5 / 16 - 15:05 )
سيدي الفاضل كلماتك أكثر من بليغة
لكن....
لا رعاع السنة ولا رعاع الشيعة لا رعاع الجبل كذلك
ومن غير هؤلاء له صوت يُسمع في بغداد اليوم؟؟؟


2 - بغداد
nedaa Aljewari ( 2010 / 5 / 16 - 23:17 )
تحية طيبة
نعم أيها المبدع 0 بغداد ستهجر بغداد كثيرا0 وأنا أقرأ ابداعك وأغنية طالب القره غولي كأنها تندب بغداد (حيل اسحن كليبي سحن)شكرا لأبداعك وشكرا للحوار الذي وضع هذه الأغنية مع الود


3 - الأستاذ ابراهيم البهرزي المحترم
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 17 - 06:53 )
قلْ لي من فضلك يا أستاذ , هل هناك مدينة عربية لم يتم اغتصابها تحت دعاوى القومية وشعارات فارغة لعبوا خلفها مع كل المرتزقة ؟ يا ليتنا نملك نفسك الشعري لنعبّر ببلاغتك عن انطفاء البدر فوق شواطئ بلادنا أيضاً , لكن يعزينا أنك تتكلم عنا , وما يؤلمك في بغدادك يؤلمنا في كل مدينة عربية مستباحة . شكراً لك أخ ابراهيم


4 - الى البهرزي النبيل
أوروك ( 2010 / 5 / 17 - 08:32 )
بانوراما الشعر تتجسد في قصيدتك التي أشم منها روائح بغداد القديمة والتي غادرتها على ما يبدو دون عودة ما لم تعود الروح بشكل ما الى الجسد المتعب،هي أقرب الى السيرة الذاتية لمدينة تشارف على النهاية-أسم الله عليهةوالف اسم الله- ولولا مرضي الذي يعيقني عن الكتابة والتركيز لقلت الكثير الكثير عن هذه القصيدة لكني سأكتفي هنا بتهنئة خالصة للبهرزي النبيل الذي أخاله يعرف بغداد أكثر من أهلها الأصلاء فشكرا لك لهذه المتعة الفنية الخالصة والألم الخالص الممض الذي قُطّر تقطيرا لنتجرعه بأحاسيس متيقضة تستمرىء الألم وتستمتع به مُجبرة مع أمنياتي ومودتي


5 - الصديقة العزيزة عُلا النوري
ابراهيم البهرزي ( 2010 / 5 / 18 - 09:47 )
تحية محبة
الاجابة هي :
نفس تساؤلك ولكن من غير علامة استفهام
اعذريني ايتها الصديقة الغالية فدم الشهيد (سردشت عثمان ) لم يجف بعد
سلاما لحضورك البهي


6 - الصديقة العزيزة نداء الجواري
ابراهيم البهرزي ( 2010 / 5 / 18 - 09:53 )
تحية محبة
(حيل اسحن كليبي سحن
غركني بالهم والحزن
ما كولن احاه واون
ياليل صدك ما اطخلك راس
واشكيلك حزن ياليل )
اشكرك واعتذر عن عدم ردي على تعليقك على قصيدتي السابقة لاسباب تقنية
وامنيتي معك ان تعود بغداد لبغداد
مع وافر الاحترام


7 - الصديقة العزيزة قارئة الحوار المتمدن
ابراهيم البهرزي ( 2010 / 5 / 18 - 10:07 )
تحية محبة
يا صديقتي لقد استباح الرعاع كل المدن الخالدة وكانهم تواطئوا على (ترعيعها ) , الغزاة هم الغزاة من ايما جهة اتوا , وطبائعهم الجاهلية قد تكمن تحت افخر البدلات الفاخرة , انهم يزينون مظاهرهم بالحداثة زورا ويسحقون مواريث المدن الخالدة بالبساطيل
تحيتي لك ولكل مدينة اصيلة تقاوم من اجل استرداد هويتها الخالدة


8 - الصديق العزيز اوروك
ابراهيم البهرزي ( 2010 / 5 / 18 - 10:23 )
تحية محبة
ويسعدني ان اكون قد لامست عطر زهرة وحدة من روضة -كانت- اسمها بغداد ست البلاد
ويؤسفني ان يكون وضعك الصحي على ما لا يرام تمنياتي لك بالعافية واستمرار المرور المضيءعلى بيتي الصغير هذا
لك كل محبتي وامنياتي


9 - الصديق العزيز فارس اردوان ميشو
ابراهيم البهرزي ( 2010 / 5 / 18 - 10:44 )
تحية محبة
واذ اعتذركثيرا عن عدم استطاعتي ولاسباب تقنية عن الرد على تعليقك المنشور على قصيدتي السابقة (خذ حكمة الافيال) فانني اشكر مرورك الدائم واثمن تعليقاتك الزاخرة بالالماحات الذكية
ولك مني خالص الود والمحبة


10 - من وثق بماءٍ لم يضمأ
الحكيم البابلي ( 2010 / 5 / 18 - 12:14 )
أخي العراقي العزيز .. البهرزي
وضعت نفسي في موقف محرج ، فلأكثر من مرة أقول لك : هذه أجمل قصيدة قرأتها لك ، وبعد أسبوع أو أسبوعين أقرأ لك شيئاً أزهى وأبهى
لذلك لن أقول لك اليوم بأن هذه أجمل قصيدة قرأتها لك ... رغم إني قلتها
وهل هناك أجمل من الكتابة عن أمي بغداد !؟
وحتى عندما نكتب عن حزنها وجراحها ، أسمعها تتنهد وتهمس لي : خذ بيدي يا ولدي ، وسأحميك من كل الشرور
تحياتي

اخر الافلام

.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل


.. عوام في بحر الكلام - قصة حياة الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: الأسطورة الخالدة الأغ


.. عوام في بحر الكلام - ما قاله الكاتب الصحفي منير مطاوع عن الش




.. عوام في بحر الكلام - المناصب التي وصل لها الشاعر إسماعيل الح