الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب المغرب وأسئلة السياسة

عبد الاله إصباح

2010 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الشباب وأسئلة السياسة

عبد الاله إصباح

إزاء موضوع مثل هذا الذي نحن بصدده الآن، "الشباب وأسئلة السياسة" تتبادر الذهن مجموعة من الاستفهامات، منها :لماذا حصرا الشباب دون غيره من الشرائح الاجتماعية الاخرى ؟ ألا نصدر في ذلك من أفضلية مفترضة لهذه الشريحة وتمييز لدورها في رهانات العمل السياسي وغاياته ؟ ماهي طبيعة العلاقات التي توحي بها معادلة الشباب والسياسة ؟ هل هي دوما علاقة انسجام وانجداب أم أنها علاقة توثر وتنافر ؟ ام أنها أعقد من ذلك بكثير بحكم تعدد وتداخل العوامل المتحكمة فيها ؟ أي مقاربة ممكنة لتناول هذا الموضوع دون السقوط في منزلقات الاختزال المخل والتعميم المجحف ؟

أننا نعتقد ان المقاربة الممكنة في هذا الصدد هي التي لاتصدر عن وجهة نظر مطمئنة ليقينياتها، ومرتاحة لبداهات سكونية تفتقد لحيوية الواقع وتشعباته. ولذلك فمقاربتنا محكومة منذ البداية بنوع من الحيرة المنهجية إزاء موضوع بمثل هذه الأهمية، تطوق الباحث فيه مجموعة من التداعيات الفكرية المرتبطة بإحالات مفاهيمية تكثف من التوتر الاستفهامي ومن قلق السؤال. ليس في نيتنا إذن أن نصدر عن رأي جاهز، وإنما أن نخضع افتراضات الموضوع لامتحان الاسئلة، لأن غايتنا هي تدشين نقاش فكري وليس الانتصار لوجهة نظر جاهزة قد تكون عائقا امام تحصيل معرفة جديدة بالموضوع.

الفرضية الاولى التي نخضعها للتحليل هي الفرضية المنطلقة من كون العلاقة بين الشباب والسياسة هي علاقة انسجام وانجداب. هذه الفرضية لاتفتقر سندا دعمها، خاصة إذا كان هذا السند هو معطيات التاريخ القريب أي الفترة الممتدة من فجر الاستقلال الى اواسط التسعينات، حيث يتبين بالفعل أن العلاقة بين الشباب والسياسة تأسست على نحو ايجابي جعل هذه الشريحة هي القاعدة الفاعلة والمؤثرة في التيارات السياسية التي هيمنت أنذاك، وهي تيارات كان لليسار فيها حضورا وازنا، وكانت السياسة تبعا لذلك تعني بالنسبة للشباب ، الارتباط بقضية والدفاع عن مشروع مجتمعي على أساس خلفية فكرية وايديولوجية، واستعدادا تلقائيا لتحمل مسؤلية هذا الاختيار بقدر كبير من التضحية ونكران الذات. وتكفي الاشارة هنا الى الواقع الذي كانت عليه المنظمات الشبابية والجمعيات الثقافية والتربوية، والنقابات التلاميذية والطلابية، وخاصة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان مدرسة للنقاش الفكري والسجال السياسي والايديولوجي، امتد نفودها واشعاعها بعيدا لدى شريحة الشباب الجامعي، الامر الذي ولد مخاوف وهواجس اجهزة السلطة، فدفعها الى حظر هذه المنظمة قانونيا ثم عمليا طيلة أكثر من عقد من الزمن. لقد شكلت هذه العلاقة الايجابية للشباب مع السياسة كقضية وبديل اجتماعي وسياسي للوضع القائم هاجسا مؤرقا للسلطة، ٍٍلإنه كان يترجم نوعا من الهيمنة الايديولوجية لليسار وسط المجتمع، يهدد بتقويض إحدى اسس سييطرتها المرتبطة بالجانب الايديولوجي والثقافي، ولذلك نهجت السلطة إزاء هذه العلاقة الايجابية للشباب مع السياسة نهج القمع المادي المباشر من اختطاف واعتقال ومحاكمات. كما انها سعت الى تقويض الهيمنة الايديولوجية لليسار بتشجيع تيار الاسلام السياسي والتمكين له في جميع فضاءات الشباب، وخاصة الفضاء الطلابي، للتخلص نهائيا من تواجد اليسار به. وخلال ذلك كله، استطاعت السلطة أن تنجح في تكريس صورة عن السياسة لدى الشباب الصاعد مقرونة بالسجون والاعتقالات، مما ولد لديه مخاوف جعله يبتعد عنها مسافات الى ان اصبحت العلاقة بينهما علاقة اغتراب وتوجس وحذر.

هذا مجمل ما تتأسس عليه هذه الفرضية، القائلة بإيجابية العلاقة بين الشباب والسياسة. ويمكن ان نلاحظ بخصوصها انها ترد التحول الذي طرأ على هذه العلاقة الى سبب وحيد هو تدخل الدولة وتخطيطها وتوجيهها، الى أن انتهى الامر الى نتيجة مغايرة تتسم بخضوع الشباب واستسلامه ولامبالاته، وتحول اهتمامات جزء منه الى وجهة ايديولوجية وسياسية مغايرة تماما لقيم اليسار ومبادئه. وهذه الملاحظة لاتفتقر الى ما يدعمها من معطيات مرتبطة بطبيعة الممارسة السياسية لليسار سواء في جانبها التاكتيكي،أو في فهمها للواقع المغربي ولحقيقته في بعدها الايديولوجي والثقافي. ففي ما يخص الجاني الاول، يمكن التأكيد على ما أسماه الشهيد المهدي بن بركة الاخطاء القاتلة لليسار التي استمر يحملها معه ويكرسها، فضلا عن إرادوية بعض فصائله التي فاقمت من أخطائه وزادت عزلته. أما الجانب الثاني المرتبط بالبعد الايديولوجي والثقافي،فقد استند عليه المفكر عبد الله العروي في تفسيره لهزيمة اليسار أمام سياسة الحسن الثاني في بداية الستينات، عندما ارجع هذه الهزيمة الى كون هذا الاخير كان اكثر فهما وإدراكا لمعطيات الواقع المغربي ذات الحضور المهيمن لبعد التقليد فيها، الذي استحضره الراحل الحسن الثاني، وعرف كيف يوظفه في مواجهته لليسار، في حين أن هذا الاخير قلل من أهمية هذا العنصر وهو يخوض صراعه ويبشر بمشروعه المجتمعي. وعليه، فقد كان لابد لعلاقة الشباب بالسياسة أن تؤول الى ماآلت إليه بعد انحسار مشروع اليسار وانسداد الافق أمامه على الرغم من صموده ومقاومته لفترة طويلة. بمعنى أن إيجابية تلك العلاقة توهجت بتوهج اليسار، وانكمشت بانكماشه وانحساره. وتبعا لهذا التحليل، فإن دور الدولة في مآل هذه العلاقة ينبغي إعادة تقديره من جديد بحجمه الحقيقي دون تضخيم أو مبالغة، خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار دور العوامل الخارجية المرتبطة بالمتغيرات الدولية، وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفياتي وانظمة اوروبا الشرقية المرتبطة به، ومانتج عن ذلك من اختلال ميزان القوى العالمي لصالح الامبريالية الامريكية، و تقوقع قوى اليسار، وتراجع بريقه على مستوى العالم، فهذه العوامل لاشك لعبت دورها المؤثر في وضع اليسار بالمغرب، وبالتالي وضع العلاقة الايجابية للشباب مع السياسة كنتيجة لذلك.

الفرضية الثانية : وتنطلق من تقرير سلبية العلاقة بين الشباب والسياسة، محكومة في ذلك بخلفية محاسبة الاحزاب السياسية وتحميلها المسؤولية عن ذلك، بدعوى أنها غير قادرة على أداء وظيفتها التأطيرية بسبب عدة اختلالات تحكم بنيتها وعلاقاتها الداخلية، ومنها غياب الديمقراطية الداخلية. وليس مستغربا أن يرتبط ترويج هذه الفرضية بالخطاب المتواتر للدولة حول " مشروعها التنموي" المزعوم، الذي اقترن لديها بمطالبة الاحزاب بإصلاح نفسها لتكون مؤهلة لمسايرة ايقاعها التنموي والاصلاحي. وهنا انقلبت الادوار، فبدل أن تطالب الاحزاب الدولة بالا صلاح والديمقراطية، أصبحت هذه الاخيرة هي التي تطالب الاحزاب بذلك، بل إنها تبادر الى دعوة الشباب للانخراط في السياسة والاحزاب السياسية. و المضمر في هذه الفرضية هو الاقرار بأن الدولة لادور لها في العلاقة السلبية بين الشباب والسياسة، وأن ذلك يعود الى الاحزاب وحدها. وتسعى الدولة من خلال ذلك كله، الى تكريس قراءتها الخاصة للواقع وترسيخ روايتها الرسمية للتاريخ. وهو أمر طبيعي، لأن امتلاك الذاكرة هوأحد أدوات صراعها ضد من ينازع في شرعيتها، ويطالبها بإصلاح نفسها. فضلا عن أن امتلاك ذاكرة الشباب هو بالنسبة إليها رهان أساسي لضمان استمراريتها ونفوذها. ولابد هنا أن نلاحظ بأن الدولة عندما تتحدث عن الاحزاب، فإنها تتحدث عنها هكذا، دون تمييز بينها أو تفريق بين الاحزاب التي هي في واقع الامر امتداد لها، وبين الاحزاب التي لها مشروع مغاير لمشروعها. وبهذا التعتيم، فإنها ترسخ من طبيعة العلاقة المتنافرة والمتوجسة بين الشباب والسياسة، على أساس تكريس "معرفة" مشوشة وملتبسة بخريطة الاحزاب السياسية، دون إدراك الفروق الحقيقية بينها وتمثل واف لمسارها وتاريخها. وهوما ينتج عنه فهم خاص للسياسة يقرنها بالبحث عن المصلحة الخاصة، ويربطها بسلوك وحس انتهازي مناف لحس المصلحة العامة. وقد ازدادت هذه النظرة ترسخا لدى الشباب عندما لم يلاحظ أي تغيير ملموس على واقعه من جراء مشاركة أحزاب من اليسار في تدبير الشأن الحكومي، دون أن يلمس فرقا في أدائها السياسي سوى قدرتها على تبرير كل القرارت اللاشعبية والدفاع عنها باستماتة افقدتها تميزها عن باق الاحزاب التي تشكل امتدادا للدولة. وإذا كانت هذه الفرضية القائلة بتنافر العلاقة بين الشباب والسياسة قد استندت على قراءة معينة للتاريخ روجت لها السلطة، فإنها للاسف تغذت أيضا من استمرار الاخطاء القاتلة لليسار في تدبير صراعه مع هذه السلطة، فضلا عن تشردمه وخلافاته العقيمة. وقد وفر كل ذلك الأرضية الخصبة لتيارات الاسلام السياسي من أجل ترسيخ تواجدها وسط شريحة الشباب، مكرسة خلطا خطيرا بين الدين والسياسة من شأنه أن يعوق النضال في سبيل المشروع المجتمعي البديل لليسار، ويخلق له مزيدا من الارباك والمتاعب في تواصله مع المجتمع بفعل التغليط والتعتيم الذي تكرسه هذه القوى مستغلة تفشي الامية وتدني الوعي السياسي لدى شريحة عريضة من الشباب.

ولقد اضحت السياسة بفعل ذلك، لايستقيم لها وزن ولاقيمة دون أن تتلفع بعباءة الدين مؤولا تأويلا يجافي قيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الانسان بمفهومها الكوني المتعارف عليه، لأن ما تسعى إليه هذه التنظيمات هو قتل السياسة بما هي تدبير معقلن للتعدد والاختلاف. بينما مشروعها هو نفي التعدد وإلغاء الاختلاف لتكريس بعد واحد على مستوى السلوك والرؤية، أي تنميط المجتمع في بوثقة الاستبداد السياسي الشامل.

وأمام هذا الخطر الزاحف، فإنه على اليسار، كي يستعيد تقة الشباب فيه، أن يضع استراتيجية فعالة للتواصل معه، تنهض على سياسة للقرب منه في فضاءاته المتعددة، وخاصة في المراحل الحاسمة لتشكل وجدانه وتبلور وعيه السياسي. ولايمكن تصور ذلك في المستقبل، إذا لم يتمكن اليسار من استعادة تواجده بين فئة التلاميذ والطلبة، فضلا عن شرائح الشباب الحرفي، لأن هذه الفئات هي التي تشكل القوة الضاربة لتنظيمات الاسلام السياسي. ويبقى الرهان الاساسي لليسار من أجل استعادة زمام المبادرة هو امتلاك استراتيجية للتنوير ترسخ مفهومه للسياسة وللدين ولنوع العلاقة الممكنة بينهما في الفضاء الاجتماعي العام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «Chubby’s burger» يفتتح أول فروعه في الساية


.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م




.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز




.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية