الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المندائيون وحرية الرأي والتعبير والسلفية

فائز الحيدر

2010 / 5 / 16
حقوق الانسان



ناضلت الأنسانية وعبر كفاح طويل إستمر لقرون عديدة من أجل حريته في الحياة الحرة ولمواكبة التطور الأنساني والوقوف ضد القوى التي تحاول إعادة عجلة التأريخ الى الوراء ، ولقد ساهمت الحضارة الأنسانية من خلال تأريخها الطويل في إطلاق الحريات العامة التي حررت الأنسان من القيود المكبلة لحريته وتقدمه ، وإنتشرت العلوم وساد القانون تدريجيا" في المجتمع مكان الجهل والتحجر الفكري والفوضى ، وتوسعت الحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير حتى وصلت البشرية لهذا المستوى من التطور الذي نراه اليوم في كافة المجالات .
ويشهد التأريخ إن في مراحل عدة من التطور البشري هذا أصبح من الصعوبة التمييز بين الحرية والفوضى لعدم إدراك المعنى الحقيقي للحرية ، ولكن بعد عقود من السنين إستطاعت البشرية أن تتفهم الحريات العامة بما يخدم المجتمع الأنساني وتم وضع القوانين التي تحافظ على حرية الفرد ونبذ كل ما يسئ الى حرية الأنسان والأساءة الى الأديان التي تمس المشاعر الأنسانية وذلك إحتراما" لحرية الأديان والمعتقدات للبشر وهي من الحريات الشخصية للأنسان ، حيث إن الحرية تعني عدم التعدي والإساءة للغير وحرية الآخرين .

ويؤكد الباحثون إن بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي والتعبير ترجع إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة ، بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني عام 1688، حيث أعلن البرلمان البريطاني قانون ( حرية الكلام في البرلمان ) . أما في فرنسا وبعد الثورة الفرنسية وبعد عقود طويلة من الصراع صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطنة عام 1789 ، والذي يؤكد على أن حرية الرأي والتعبير هي جزء أساسي من حقوق المواطن .

وقد يكون الفيلسوف ( جون ستيوارت ميل ) من أوائل من نادوا بحرية الرأي ، مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا" في نظر البعض . حيث قال : ( إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحداً ، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفا" ، فان إسكات هذا الشخص الوحيد ، لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة ) ، وكان الشرط الوحيد الذي وضعه ( ستيوارت ميل ) لحدود حرية التعبير، هو ما أطلق عليه ( إلحاق الضرر ) بشخص آخر.
ويقول بعض المفكرين إن جميع الأفكار التي تطرح للمناقشة تعتبر ذات مستوى واحد ، بما فيها تلك الأفكار التي تشجع على القتل والعنصرية ، والتي تقف ضد المبادئ السياسية أو الاجتماعية أو الدينية ، إذ لا يوجد شيء إسمه فكرة زائفة مهما بدت إنها ضارة ، فصحة أو خطأ الفكرة المطروحة يعتمد على تنافسها مع الأفكار الأخرى ونقاشها السلمي معها!..
وتبين الموسوعة الحرة ( وكيبيديا ) تفسيرا" لحرية الرأي على إنه :

هي ( الحرية فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفنى بدون رقابة أو قيود
حكومية بشرط أن لا تمثل طريقة عرض الأفكار أو الآراء ما يمكن إعتباره خرقاً للقوانين أو الأعراف ) ...
ونعني بحرية الرأي والتعبير هي حرية كل انسان في التفكير وبيان رأيه ومعتقداته الخاصة حول القضايا السياسية والإجتماعية ، وحريته في التعبير عن رأيه بالأساليب السلمية ، من خلال وسائل الأعلام المكتوبة المرئية والمسموعة ) .
وعليه فحرية الرأي تعتبر حق من حقوق الانسان التي أقرتها جميع إعلانات حقوق الإنسان ، حيث تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : ( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ودونما إعتبار للحدود (

وتعتبر حرية الرأي في هذه الأيام ونحن في القرن الحادي والعشرين قوة أساسية في عملية التغيير نحو الأفضل ، وتعتبر جوهر الأنظمة الديمقراطية ، حيث تنص دساتيرها على حرية الرأي والتعبير . بينما تعمد الأنظمة الدكتاتورية والتي تنتفي فيها هذه الحرية الى عرقلة التحول الديمقراطي وإلى تقييد حرية الرأي ، لتصل إلى منع أي تعبير حر . لأن هذه الأنظمة تعتبر أن حرية الرأي أحدى الوسائل التي يتم بواسطتها تقويض أسسها .

وبعد إنهيار الأتحاد السوفياتي وحصول فراغ كبير في الساحة السياسية الدولية أصبح من الـطبيعي أن يتنـامى التيار الديني السلفي في الكثير من المجتمعـات العربية والأسلامية ومنها العراق ، وأن تـتـنـامى ظـاهرة العـداء للـحريات الفكرية والتعبير بشكل عـام رافقتها مفاهيم الـردة في الدين والـتكفير لمن يخرج عن التعاليم الدينية عـند مناقشة القضايا الحساسة ، وأصبح من الصعوبة التحدث عن حرية الرأي كـحق إنسـاني يجب إحترامه .

حيث عان المجتمع العراقي بسبب تخلفه الى العديد من الممارسات السياسية اللاديمقراطية وأنظمة الحكم الدكتاتوري المتوالية ، وتمت مصادرة حرية الرأي ، وبما أن المندائيين هم شريحة إجتماعية من الشعب العراقي نرى إن البعض منهم قد تأثروا بما يجري هناك وأصبحوا يحملون نفس تلك الممارسات القديمة لوقف عجلة التطور في أصعب مرحلة تمر بها الطائفة المندائية هذه الأيام ، وخير مثال ما يحمله البعض من أديولوجيات تحمل ثقافة تكفير الآخر ومصادرة حرية الرأي وإخضاعه لتصل الى حد قطع الأيادي كما صرح به البعض ، وفرض ثقافة الجهل ونشر الأساطير والخرافات التي تعمل على ترسيخ واقع التخلف وقمع الأفكار الحرة. وهذا يذكرنا بما صرح به السيد حميد السيد حسين قائد الفرقة الأولى في الديوانية بعد إنتكاسة ثورة 14 تموز عام 1958 تجاه القوى الوطنية ومنع توزيع صحيفة ( إتحاد الشعب ) في الجنوب بمقولته المشهورة حينذاك ( أمي مخلص خير من مثقف هدام ) .

وبعد كل هذه المقدمة ، تواجه الطائفة المندائية هذه الأيام هجمة مبرمجة من قبل البعض الذين يدعون الحرص على الطائفة والدين المندائي وتحت مسميات لجبهات صورية وشعارات مختلفة للطعن بمؤسسات الطائفة الدينية والمدنية وتحت واجهات حرية الرأي والتعبير ، ويحاول هؤلاء فرض ثقافة التخلف والسلفية ومنع إخوتهم المندائيين من التعبير عن آرائهم في المسائل التي يرونها ضرورية لديمومة الطائفة والوقوف بوجه المخاطر التي تواجهها ، فهم يوجهون الأتهامات الباطلة حول كل ما يطرحه المثقفين المندائيين والعاملين في المؤسسات المندائية المدنية والتي ساهمت في الماضي وتساهم اليوم مع المؤسسات الدينية والجمعيات المنّظمة لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر في حل الكثير من الصعوبات والمشاكل التي تواجه الطائفة والحفاظ عليها من الضياع والتفكك وذلك لخلق الفرقة والبلبة بين ابناء الطائفة بحجة الأبتعاد عن الدين المندائي وتحريفه.

لقد بدأ البعض وتحت أسماء مختلفة متخذين من الدين المندائي شعارا" لهم لكيل المديح لأعتى طاغية عرفه التأريخ والتهجم على الأحزاب الوطنية المناضلة والأنتقاص من شهدائنا المندائيين وتحت أعذار واهية الغرض منها أرجاع تنظيمات البعث من جديد بين صفوف المندائيين وتحت واجهات عديدة وحلمهم بتشكيل حزبهم السياسي الذي سيدخل البرلمان ويشارك في الوزارة القادمة ، إن هذه الممارسات لم ولن تنطلي على أحد من المندائيين لأن ما قدمته الطائفة خلال حكم الطاغية وحروبه العبثية بلغ المئات من الشهداء السياسين وضحايا الحروب للقائد الضرورة وحسب الأحصائية المتوفرة لدى مجموعة حقوق الأنسان المندائية ورئاسة الطائفة.

إن المندائيين يعرفون جيدا" من هم قتلة أبنائهم سواء من الشهداء العسكريين أو من المناضلين السياسيين ومن الذي يؤيدهم في هذه الأيام فالبعث وصدام وزبانيته ذهبوا الى مزبلة التأريخ وعلى الآخرين ومن يمجدونه معرفة هذه الحقيقة والأبتعاد عن جرح شعور ذوي الشهداء بحجة حرية التعبير والحفاظ على وحدة المندائيين إن كانوا فعلا" حريصين على الطائفة ووحدتها .

وهنا وفي هذا الوقت الحرج يمكننا أن نتسائل أين المثقف المندائي اليوم من هذه الهجمة ؟ وهل يستطيع دعاة التخلف والسلفية وقف نشاطاتهم الفكرية في ظل التهديد والوعيد والأتهامات الباطلة ، إن المثقف المندائي اليوم قد إبتعد عن الساحة الثقافية ولو مؤقتا" نتيجة لفقدان حريته في التعبير مما جعله عاجزا" عن القيام بدوره في تنوير المجتمع المندائي وتحريره من قبضة من يفرض عليه الرضوخ بقوة التهديد والشتيمة .

إن مما يحز في النفس أن نرى المثقف المندائي يعيش اليوم مكبل القلم والرأي ، يعيش في ظرف تخنق فيه فكره وتصادر حريته تحت التهديد وتنتهك أبسط حقوقه في التعبير وإبداء الرأي في قضايا الطائفة المصيرية ، ويهمش دوره بالكامل ويحتل مكانه آخرين ممن يروجون للثقافة السلفية ويدعون الحرص على الطائفة والدين المندائي . إن الهدف في كل ما يحدث للمثقف المندائي من محاولات لتحديد حريته هو لإدراك القائمين بتلك الأفعال أهمية دور المثقف في دفع أبناء الطائفة لمقاومة السلفية والتحجر الفكري لكي يخلو لهم الجو في الإستمرار واللعب بمصير الطائفة ونشر أفكارهم المسمومة كما كان سابقا" في عهد النظام الدكتاتوري ، كما إنهم مدركين جيدا" لدور حرية الرأي والتعبير في إيقاظ أبناء الطائفة التي ستعمل على الإطاحة بهم.

ان المثقفين المندائيين يسعون اليوم ومن خلال كتاباتهم وبرامجهم الثقافية المختلفة فضح تلك الممارسات الشاذة ورفع أسم الطائفة في كافة المجالات ولحمايتها من الذين يدعون الدين ويرفعون شعاراته زورا" ويعملون على دفع الطائفة الى خطر الإنكفاء على نفسها وفقدان مقومات تطورها وجعلها تتحجر بالماضي لمنعها من الإنطلاق الى الأمام لمواجهة تحديات المستقبل .
والمثقفين المندائيين هـم الوحيـدون الـذين يمـتلكون اليوم القـدرة الفكرية على مواجهة تلك الطروحات وتـفنـيدها . لـذلك كـان من الطبيعي أن تتـركز جـهود هذا التيار عـلى الأساءة لهم مـن خلال تشويه سمعتهم وأتهامهم بشتى الأتهامات لغرض منعهم وشـل قـدرتهم عـلى الكتابة والنقاش ونشر أفكارهم المتحررة ، مستخدمين سلاح التـكفير والـنبذ الاجتماعي ..

إن الأتهامات الموجه لنا جزافا" من قبل البعض سوف تزيدنا أصرارا" على مواصلة النهج الذي نسير عليه وهو أحترام مؤسسات الطائفة المدنية وممثلها في المحافل الدولية والأخوة رجال الدين الأفاضل والذين نتمنى أن يكون سعيهم المتواصل لرفع مكانة الطائفة والمساهمة في التغلب على الصعوبات التي تواجهها هذه الأيام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للسيد الكاتب
محمود ( 2010 / 5 / 17 - 23:26 )
نعم حقا الانسانية تعود الى الوراء ولكنها سرعان ما تستجيب النداء للمواقف الانسانية الشعب المندائي دفع ثمنا باهضا بشهدائهم بتهجيرهم بالاستيلاء على مصالحهم واعمالهم من قبل الطائفين والدمويين
وشكرا

اخر الافلام

.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح


.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا




.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف


.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا




.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة