الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود آسيا وحراك القوى الإعلامية (1 من 2)

عبدالله المدني

2010 / 5 / 17
الصحافة والاعلام


عدت للتو من المشاركة في أعمال منتدى الإعلام العربي 2010 الذي إنعقد في دبي تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات/ حاكم دبي. وقد إقتصرت مشاركتي على الجلسة الختامية التي عقدت تحت عنوان "صعود آسيا وحراك القوى الإعلامية"، وناقشت العوامل الكامنة وراء ذلك الحراك وتفسير نمو معدلات الطلب على الناتج الإعلامي في آسيا، وماهية فرص إستفادة المنطقة العربية من التجارب الآسيوية في الإعلام.
مما لا شك فيه أن آسيا في صعودها المذهل في كافة المجالات، وتبوئها المركز الأول في تكنولوجيا المعلومات وصناعة وسائطها، وإنتاج أدوات الإتصال الجماهيرية، إستطاعت أن تبز الآخرين في قطاع الميديا شاملا الإذاعة و الجريدة والمجلة والدورية والتلفزيون والإنترنت والهاتف النقال. وهي إعتمدت في تفوق وسائلها الإعلامية على عوامل محددة أو ميزات خاصة تتمتع بها مثل:
- العدد الهائل من السكان.
- تحسن مستويات معيشة عشرات الملايين من مواطنيها وبالتالي إتساع شريحة الطبقة الوسطى في المجتمع.
- النجاح في محو امية نسبة معتبرة من سكانها، وبالتالي إنجذابها وتشوقها إلى إستخدام وسائط المعرفة.
- السياسات الإقتصادية القائمة على المنافسة عالميا في مجال الإنتاج والتصنيع لأغراض التصدير إلى الخارج أو التسويق في الداخل، والتي بدورها تؤسس لسوق إعلانية ضخمة تستفيد منها وسائل الإعلام.
- سياسات الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الإعلام كما حدث في الهند
- توفر الأيدي العاملة الرخيصة في مجال النشر والتوزيع والتصوير والتصميم والإخراج وغيره
ولا جدال في أن عاملي "تحسن مستويات المعيشة والدخول الفردية" و "تحسن المستويات التعليمية" خلق إقبالا كبيرا على المنتج الإعلامي بشتى صوره، بمعنى أن العاملين تسببا في زيادة أعداد المقبلين على مشاهدة التلفاز وشراء الصحف والمجلات وتصفح المواقع الإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية، وهذا بدوره ساهم في صمود كل هذه الوسائل الإعلامية التي تعتمد في ديمومتها وإزدهارها على الإعلان التجاري بصفة رئيسية. ذلك أنه مع تزايد المصنعين في الصين من جهة، وإقبال الجماهير الصينية على الإستهلاك من جهة أخرى بفضل تحسن مداخيلهم منذ إصلاحات بكين الإقتصادية في السبعينات، ومع حدوث الشيء ذاته في الهند إبتداء من التسعينات التي شهدت تخلي البلاد عن نهجها الإشتراكي وتحولها إلى إقتصاد السوق وتشجيعها لقدوم الإستثمارات الأجنبية، زاد عدد المعلنين، وزادت الأموال المنفقة على أوجه الإعلان، فزاد بالتالي نصيب التلفزيون والصحافتين التقليدية والإلكترونية من هذه الإعلانات، مما مكن هذه الوسائل الإعلامية من الصمود والمنافسة، فيما كانت مثيلاتها في دول الغرب تترنح وتواجه المشكلات بسبب الكساد الإقتصادي الذي أثر سلبا على القوة الشرائية للجماهير.
وبطبيعة الحال لايمكن أن ينطبق ما قلناه على كل آسيا. فنحن نتحدث هنا عن قارة ضخمة المساحة متعددة الثقافات والأعراق والأديان، ومجتمعات متفاونة النمو، وشعوب تختلف مستوياتها المعيشية والتعليمية، وأنظمة تتراوح أشكالها ما بين الديمقراطي والشمولي. لذا فإن حديثنا سيتواصل بالتركيز على القطبين الآسيويين الكبيرين الصيني والهندي، إضافة إلى أندونيسيا بإعتبارها كبرى الديمقراطيات الإسلامية، ورابع أكبر دول العالم سكانا (أكثر من 225 مليون نسمة)، ناهيك عن أنها تشكل مثالا حيا على مدى تأثر الحراك الإعلامي بتغير الأنظمة السياسية. فثورة شعبها ضد الديكتاتورية السوهارتية في عام 1998 فتحت الآفاق أمام ظهور صحافة حرة وإعلام حر، فتوالدت الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة (أكثر من ألف صحيفة ومجلة في بداية الألفية الثالثة) مع بث بعضها على مواقع الإنترنت كوسيلة لإيصالها إلى القاريء في المناطق النائية، وإنتشرت المحطات الفضائية والإذاعات الخاصة ( بلغ عدد شبكات التلفزة التجارية المرخصة 10 شبكات، فيما بلغ عدد محطات التلفزة والإذاعة غير المرخصة 2000 محطة) ، ودخل الكل في منافسة حامية من أجل إستقطاب أكبر شريحة من المعلنين، وأيضا أوسع شريحة من القراء والمشاهدين الذين صار لديهم لأول مرة منذ ثلاثة عقود مجالا واسعا للإختيار، خصوصا في ظل حقائق مثل إرتفاع نسبة المتعلمين إلى 85 بالمئة من السكان في أوائل عام 2000 ، ووجود 65 بالمئة من السكان في سن 34 أو أقل، وتحسن مستويات الدخول الفردية نسبيا. هذه الحقائق التي تضافرت معا فأدت إلى إدراك الجمهور لأهمية المطبوعة في الحياة اليومية، وبالتالي إرتفعت وتيرة الطلب على المطبوعات وغيرها من وسائط الإعلام.
ورغم أن ما حدث في إندونيسيا لا يقارن بما حدث ويحدث في الهند والصين، إلا أن الأمر لا يمكن التقليل من شأنه أو إشاحة النظر عنه. فوسائل الإعلام الإندونيسية التي كانت قد فقدت مصداقيتها لأنها لم تكن تجيد سوى التطبيل للنظام والإشادة كذبا بمناقبه وإنجازاته، ولم تكن تجيد سوى الإعلان عن منتجات شركات تملكها فئة معينة من المحسوبين على النظام وبطانته، راحت في حقبة الإنفتاح والتعددية السياسية تنشر وتذيع وتسوق كل شيء، بل صارت وسيلة للنقد الحر، وإصلاح المعوج، و التحذير من الخطأ، والتنبيه إلى الفساد والمفسدين، الأمر الذي نقلها من حال إلى حال، وجعلها صوتا لآخر فرد في أبعد جزيرة من الجزر الإندونيسية. أما الصحف والمجلات المحلية فقد تحررت إلى الأبد من مضايقات رموز النظام والتي كانت تأخذ أشكالا مختلفة مثل معاقبتها بحجب حصتها من الورق المصنع محليا، أو تسريب بعض كميات الورق إليها بعد دفع الرشاوي.
ولعل من المفيد في سياق حديثنا عن تأثر الحراك الإعلامي في أي بلد بشكل النظام السياسي القائم، أن نشير إلى تميز الهند عن جارتها الصينية في هذاالمجال. فعلى الرغم من أن الدستور الصيني ينص على حرية الكلام وحرية الإعلام منذ ثمانينات القرن العشرين، وعلى الرغم من التطورات المذهلة التي حدثت على مستوى أعداد الصحف اليومية ومحطات الإذاعة والتلفزة والمجموعات الصحفية والمواقع الإلكترونية والمشتركين في قنوات التلفزيون الكيبلية (أفادت إحصائيات العام 2003 بوجود أكثر من 2000 صحيفة، وأكثر من 8000 مجلة متنوعة، وأكثر من 3000 محطة تلفزيون في مختلف المقاطعات والمحافظات والبلدات المركزية، و قيام أكثر من 2000 من أصل 10 آلاف هيئة إعلامية بإنشاء مواقع إلكترونية لها، وإحتلال البلاد للموقع الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة لجهة وجود مواقع صينية على الشبكة العنكبوتية برقم تجاوز 110 ملايين موقع)، فإن وسائل الإعلام هذه تخضع للرقابة، ولا تتمتع بحرية الحركة والقول والنشر التي تتمتع بها شبيهاتها في الهند، وذلك بسبب طبيعة النظام الشمولي القائم في الصين والمتناقض مع طبيعة النظام الديمقراطي التعددي في الهند. على أن هذا لا يعني عدم وجود حراك داخلي من أجل مقاومة هذه الحواجز، أو العثور على ثغرات للنفاذ منها.



في الهند قدرت قيمة قطاع الإعلام في عام 2006 بحوالي 8.9 مليار دولار، مع توقع تسجيل نمو بنسبة 19 بالمئة ليصل إلى 19مليار دولار إميركي بنهاية العام 2010 (حجم قطاع الإعلام المكتوب وحده يصل إلى 2.3 مليار دولار إميركي ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5.8 مليار دولار مع نهاية عام 2010).
و سبب هذه الطفرة هو عوامل ثقافية وإقتصادية سبق أن أشرنا إليها مثل تزايد التعليم وتحسن مستويات الدخول الفردية، إضافة إلى عوامل ديموغرافية ( تقل أعمار ما يزيد على 700 مليون من السكان عن 30 عاما، فيما يقدر عدد الأفراد الذين يشكلون الطبقة الوسطى بما يزيد على 300 مليون نسمة). وفي ظل هذه المعطيات معطوفا عليها إلتزام الهند المعروف بحرية التعبير والنشر، و ثقلها السكاني، ورخص الأيدي العاملة فيها، وسياستها القائمة على تقديم الحوافز للمستثمرين الأجانب، مثلت البلاد عنصر جذب للمستثمر الأجنبي في مختلف المجالات بما في ذلك مجال الإعلام.
وهكذا قام ملاك كبريات الشركات العاملة في مجال الميديا بفروعه المختلفة مثل «سوني» و«باراماونت» و«ديزني» و«وفوكس» و«تايم وورنر» و«بيرسون» و«بي بي سي وورلد وايد»، علاوة على ناشري الصحف العالمية المعروفة مثل «فاينانشيال تايمز»، و«انديبيندانت» و«تيرنر انترناشونال» و "هيرالد تريبيون" بالقدوم إلى الهند وفتح فروع لهم في الأخيرة من أجل المحافظة على نصيب معتبر لهم من سوق الإعلام العالمي، خصوصا في ظل حقيقة أن الصين مغلقة تماما بالنسبة للمستثمرين الأجانب في مجال الإعلام، بينما الهند خففت من قيودها لجهة ملكية الأجانب لوسائل الإعلام منذ عام 2002 ، فصار بإمكان الأجنبي أن يمتلك 26 في المئة من أسهم أي مطبوعة هندية شريطة ترك المسائل التحريرية في أيدي المواطنين الهنود.
و طبقا لرئيس مركز دراسات الإعلام في نيودلهي "باسكارا راو" في تصريح له لصحيفة نيويورك تايمز، فإن معدلات النمو في كل مجالات الاعلام في الهند خلال عامي 2004 و 2005 كان أعلى بكثير من الولايات المتحدة وبريطانيا. وطبقا للرجل نفسه فإن قطاع الصحف ينمو بمعدل 14 في المائة سنويا في الهند التي يوجد بها 27 قناة إخبارية تلفزيونية عاملة على مدار الساعة، علاوة على الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من الهند مقرا لها وتنفق أموالا طائلة على الإعلان لمنتجاتها .
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : مايو 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما حقيقة هبوط طائرات عسكرية روسية بمطار جربة التونسية؟


.. ليبيا: ما سبب الاشتباكات التي شهدتها مدينة الزاوية مؤخرا؟




.. ما أبرز الادعاءات المضللة التي رافقت وفاة الرئيس الإيراني؟ •


.. نتنياهو: المقارنة بين إسرائيل الديمقراطية وحماس تشويه كامل ل




.. تداعيات مقتل الرئيس الإيراني على المستويين الداخلي والدولي |