الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعودية والديمقراطية العراقية

قاسم السيد

2010 / 5 / 17
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


عندما تولى الامام علي الخلافة لم يمكث في المدينة سوى فترة بسيطة حتى ادرك ان هذا المكان لم يعد صالحا لادارة الدولة لاسباب منها ان هذا المكان لاتوجد فيه اي اثار للتحضر يمكن ان تؤسس عليها الحضارة الاسلامية قواعدها لأن الفتوحات الاسلامية كانت قد استوفت ابعادها وان لم تكن فعالياتها العسكرية قد توقفت وانه قد آن الآوان للشروع بوضع الاساس لمشروع الحضارة الاسلامية فكان لابد من البحث خارج الجزيرة عن حاضنه لها ذلك الارث التاريخي لكي تحضن هذه الحضارة الوليده والغريب ان معاوية بن ابي سفيان خصم علي اللدود خالف علي في كل شيء الا انه اتفق معه في هذه النقطة فلهذا نرى الاثنين لم يتخذا من المدينة عاصمة لدولتهما رغم الهالة والقدسية التي تحيط بها فالاول كانت عاصمتة كوفة العراق والثاني دمشق الشام ورغم تعاقب دورات الخلافة الا انه لم يتم اتخاذ ارض الجزيرة عاصمة لاي دولة من الدول الاسلامية لانها لاتقوى على النهوض بأعباء اي بناء حضاري .
وبما ان الديمقراطية اخر مكتشفات العقل البشري في مجال الحكم والتداول السلمي للسلطة لتعبرعلى مابلغه الانسان من رقي و تحضر فكان مشروع استنباتها في منطقتنا لابد ان يتم ايضا في حاضنة ملائمة سبق لها وأن حضنت حضارات فلهذا كان العراق اضافة الى الانسان العراقي ابن هذه الارض الذي قبل هذا التحدي بقبوله هذه الديمقراطية وتعامله معها بتلقائية وكأنه يعرفها قبل مخترعيها فكانت اغلب الممارسات الانتخابية سلسه وشفافه اثبت فيها مواطنونا بأنهم حقا ابناء حضارة عريقة.
تعتبر ديمقراطيتنا الوليدة جزيرة يتيمة في وسط محيط من الانظمة الاستبدادية المتنوعة في أشكال استبدادها والاكثر عداء لكل انواع الديمقراطيات بل والزاهدة فيها وانه تم زراعة تجربتنا في المنطقة كما تزرع بعض الاعضاء في جسم الانسان فكما ان هذا الجسم يبدأ برفض العضو الغريب المزروع فيه فأن محيطنا الاقليمي يرفض وجود ديمقراطيتنا رفضا قاطعا ولكي يقبل الجسم العضو المزروع فيه فأنه يتم حقنه ببعض العلاجات الخاصة لكي تساعده على ذلك الا ان راعي ديمقراطيتنا تركنا في وسط هذا المحيط الرافض دون ان يفعل شيئا لسبب بسيط لكوننا ذهبنا بهذه الديمقراطية ابعد من الحدود المسموح بها وهذه مشكلة العراقي الذي يذهب الى ابعد الحدود في كل مجال وبغض النظر عن ذلك فأننا دفعنا وسندفع ثمنا باهضا لديمقراطيتنا فأما ان نحمل هذا المحيط على قبولها وأما ان يجهز هذا المحيط عليها وعلينا .
من دول هذا المحيط دولة السعودية التي وقفت موقفا يتسم بالتحفظ الشديد بل وحتى العداء من العملية السياسية العراقية وافرازاتها الديمقراطية مع بداياتها الاولى لا لكون ان هذه الديمقراطية قد اوصلت الى سدة السلطة قوى سياسية ذات انتماء مذهبي تقف منها السعودية موقفا متحفظا ورغم ان لهذا الاعتبار له نصيبه من الموقف السعودي بدليل رفضها استقبال نوري المالكي طيلة هذه الاربع سنوات من ولايته كرئيس وزراء الا ان الديمقراطية كصيغة سياسية للحكم وعلى تخوم حدودها الشمالية هي الهاجس الحقيقي الذي يدفع السعودية لاتخاذ موقفها المتحفظ هذا وعلى مدى السنوات السبع الماضية التي هي عمر هذه الديمقراطية عملت السعودية وتآمرت على هذه التجربة الفتية بما لم تعمل وتتآمر علي اي دولة سواء في الاقليم او في بقاع الارض الاخرى وانفقت ببذخ شديد امولا طائلة لكي تجهز عليها وما كان تسونامي الارهاب العاتي الذي ضرب العراق ان يفعل فعلته لولا الدعم السعودي المفتوح على مصراعيه بأعتبار هذه المواجهة هي معركة حياة او موت بالنسبة للنظام السعودي رغم حركات التمويه لصرف الانظار صوب مسائل لاتشكل هاجسا حقيقيا لدى القيادة السعودية كالتهديد النووي الايراني لذر الرماد في العيون لكي لاينتبه الداخل السعودي لهذه التجربة الجديدة وما يجره هذا الانتباه من تداعيات على نظام آل سعود .
تعتبر السعودية بحكم الموارد المتعاظمة للثروة النفطية التي تمتلكها من الدول ذات الثقل الاقتصادي فلقد تم دعوتها لحضور العديد من القمم الاقتصادية العالمية بأعتبارها الدولة رقم 20 اقتصاديا على الصعيد العالمي اضافة الى ان للسعودية ثقلا في الساحة الاسلامية لكون اهم المقدسات الاسلا مية كالكعبة والمرقد النبوي تقع في أراضيها اضافة الى ان السعودية تعتبر نفسها الراعي الاول للفكر السني السلفي والعراق بتجربته الجديدة يطرح نفسه ليس كثقلا معادلا للسعودية بل ربما قادر على ان يتجاوزها في غضون فترة قصيرة لكونه هو الاخر يمتلك من الثروة النفطية مما يجعله منافسا لها حسبما كشفت عنها جولة التراخيص الاخيرة التي سترتفع بالانتاج النفطي العراقي الى مستوى يفوق الانتاج السعودي كما ان السعودية رغم كل هذه الثروة الهائلة لم تستطع ان تبني نموذجها الحضاري الذي يمكن ان تقدمه كأضافة منها للمشاركة في الحضارة الانسانية بل هي فشلت حتى ببناء بنى تحتية بسيطة اصبحت بعض الدول تمتلكها رغم ضعف مواردها المالية التي لاتقاس بالموارد السعودية وقضية الامطار الاخيرة التي اغرقت المدن السعودية خير دليل على ذلك اضافة الى ذلك فأن الدولة السعودية في كل تدخلاتها على مستوى الاقليم او العالم الاسلامي لاتقدم الا صورة ذلك المانح الباذخ لغرض كسب ولاءات الاخرين بينما هي تتصرف تجاه شعبها بمنتهى الطغيان والاستبداد وسامت شعبها سوء العذاب والاضطهاد والاذلال بل يعتبر نظام صدام المشهود له بالطغيان ارحم من النظام السعودي لقد وصل مواطن الجزيره بسبب ممارسات هذا النظام الى درجه من العته والبلاهة وهذا هو مايريد اي نظام استبدادي ان يصل اليه مواطنوه. ومن هنا جاء موقفها العدائي من العراق وخشيتها من ديمقراطيته فهو ليس كلبنان حتى تستطيع احتواءه بأموالها رغم ان نجاحاتها المتواضعة في لبنان كانت لاتتناسب مع حجم الاموال التي انفقتها في الانتخابات اللبنانية الاخيرة فالنموذج العراقي الواعد يطرح نفسه بثقة متزايدة تقف في صالحة عدة عوامل منها الثروة النفطية والثقل السكاني المؤهل رغم تشتت الموارد البشرية في مختلف اصقاع العالم اضافة الى تاريخه الحضاري العريق كما ان تجربته الديمقراطية جعلته اقرب الدول العربية والاسلامية اتصالا بالحضارة الحديثة .
ان الموقف السعودي المعادي لديمقراطيتنا يمكن لنا ان نتفهمه كظاهرة وليس لقبوله لكن الذي لايمكن لنا ان نتفهمه هو ان يلبس السعوديون لباسا اخر يظهرون فيه انفسهم كانهم حراس للديمقراطيه العراقية فهذا امر نكر لايمكن تسويقه ولاتصديقه كأن يقول لك احدهم ان الاسماك تغرق في الماء فهو قول لامعنى له.
اخر صيحة للتدخل السعودي في شؤون ديمقراطيتنا تصريحات الامير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية و مطالبته للمالكي بأن لايعمل على سلب فرحة الشعب العراقي التي كان سببها تقدم القائمة العراقية في الانتخابات الاخيرة من خلال محاولة هذا الاخير عرقلة استلام هذه القائمة للحكم وانه يتوعده بأن انهار الدم التي تسيل الان سيزداد سيلانها في المستقبل هي بسبب موقف المالكي هذا وكأن أنهار الدماء لم تسل قبل فوز العراقية وحتى قبل الانتخابات نفسها وستبقى تسيل مادامت العملية الديمقراطية قائمة . هذه النصيحة الغالية التي تفضل بها علينا الامير السعودي المبجل كان يمكن ان يكون لها قيمة واعتبار لو جاءت من اي سياسي في اي بقعة من العالم غير السعودية لان اي دولة في العالم على اقل تقدير يمكن ان يكون فيها انتخابات عمالية او طلابية وان لم تعرف الانتخابات السياسية اما تأتي من هذا الامير الذي لا تعرف بلاده او تشهد اي انتخابات حتى ولو على صعيد المخاتير { جمع مختار } فهذا مالم يدر بخلد اي عراقي . لأن فاقد الشيء لايعطيه فكيف يقوم سمو الامير بأعطاء هذه النصيحة المجانية وهولايدري ماهي الديمقراطية وما هو شكلها اني اتحدى الامير تركي في ان يبرز لنا تعريفا للديمقراطية ولو كان واردا في رواية ادبية مطبوعة داخل السعودية ولربما لايعرف هذا الامير ان نظامه أخر نظام باقي على وجه الارض لازال يحكم شعب الجزيرة بنظرية التفويض الألهي.
الخواء الذي وصل اليه المواطن هناك جعل النظام السعودي يتخوف من اي صراع او مواجهة لان المواطن لم يعد مخلصا للدولة وهو قد وعى درسين كان على علاقة بهما الاول في العراق حينما خذل المواطن العراقي نظام صدام ابان المواجهة الاخيرة مع الولايات المتحدة كنتيجة منطقية لتقاطع مصالح صدام مع مصالح شعبه والدرس الثاني النتائج التي اسفرت عنها مواجهة القوات السعودية مع المتمردين الحوثيين الذين برغم حجم تسليحهم المتواضع قياسا بتسليح الجيش السعودي الا انهم استطاعوا ليس صد هجوم هذا الجيش فقط بل وهزيمته والسيطرة على أراضي سعودية وأسر اعداد كبيرة من هذا الجيش مما ارغم السعودية على مغادرة صراع اليمن لكي تحفظ البقية الباقية من كرامتها ان كان هناك بقية باقية منها
تباكي الامير السعودي على مايفعل بالقائمة العراقية لااظنه حرصا على استحقاقها الانتخابي الذي يريد المالكي ان يحرمها هي والشعب العراقي منه حسب تعبير الامير وانه لابد ان يكون شيء اخر أما ان كان يعتبر عملية اندماج الائتلافين الوطني ودولة القانون التفافا على مكاسب القائمة العراقية فهو ليس خروجا على الشرعية الديمقراطية بل هو صيغة من صيغها اما كون الامير يريد ان يفرض على العراقيين القائمة التي مولت بسخاء منقطع النظير بالمال السعودي فلقد فضح بتصريحه هذا هذه القائمة وسيثير حولها كثيرا من اللغط وسيلحق تصريحه بها مزيد من الحرج رغم انها حاولت من جانبها جاهدة ان تسوق نفسها على انها قائمة علمانية وطنية تضم جميع اطياف الشعب العراقي لقد كشف تصريح الامير السعودي في لحظة تجلي ان وراء الاكمة ماوراءها وبدأ هنا تساؤلا يطرح نفسه على اثر هذه التصريحات هو مالذي وعدت به القائمة العراقية السعوديون لكي يقفوا منها هذا الموقف .
ان هذا التدخل الفج بالشأن العراقي يجعل اغلب العراقيين يشعرون بالخطر من ان ديمقراطيتهم اصبحت مهددة بشكل يدعوا الجميع للانتباه واليقظة ولكن في الوقت نفسه يشعرهم ان ديمقراطيتهم ماضية في الطريق الصحيح رغم الكبوات والعثرات هنا وهناك ما دام السعوديون غير راضين عنها وهذا يذكرني بمقولة للزعيم الكوبي كاسترو في احدى الاجتماعات الحزبية اذ خاطب كوادر الحزب قائلا ان هناك انتكاسة في المسيرة فعجب الرفاق الكوبيون من مقولته فعندما سؤول وكبف ؟ قال اني لاحظت منذ اكثر من شهرين اختفاء اي انتقاد لمسيرتنا في الصحافة الاميريكية وبالتالي ماداموا راضين عنا فهذا يعني اننا قد دخلنا الى الطريق الخطأ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محبتي
سام عبد الرزاق ( 2010 / 5 / 17 - 20:58 )
الاستاذ الفاضل قاسم السيد
لدي اعتراض واحد على كل ما جاء في مقالتك احاول ان ابرره في الحوار المتمدن اما اذا دار حوار بيننا فيكون لي اكثر من هذا.
المهم استاذي الفاضل.. ان الامير الفيصل يعرف الديمقراطية ويستطيع تعريفها افضل من كل ثوار التجربة الفرنسية الديمقراطية وفلاسفتها، وبل هو عبقري الى درجة تتعدى عبقرية نتشيه وكانت وهيجل وماركس وحتى اساتذة هذه المدارس فضلا عن روادها المذكورين انفا. وان هذا الفهم الموضوعي والذاتي للديمقراطية بكل الوانها وتفاصيلها يعرفها الامير،، لكن كيف يستطيع تطبيقها وهو يعرفها؟ فهي تزيل نظامه باربع سنوات او قل خمسة،، هو لايرتضي هذا الامر. ومن هذا المنطلق هو يحاربها من مكان فهمها،، فعلينا نحن بالمقابل فهم الاخرين وتمشية امورنا بهذه القدرة من المعرفة بغيرنا والا اطلاق الاقوال بدون الدراسة الواقعية يبقينا في السجال البحت...
اعتزازي بك استاذا


2 - السعودية والديمقراطية العراقية
هند كريم ( 2010 / 5 / 17 - 22:14 )
المملكه السعوديه ليست مهتمه بان العراق يتعافى من جديد من جديد لتقيم معه علاقة سياسية وحسن جوار، ولاهي في سياق ان ترفع يدها عن تصدير الارهاب له وزرع الفتنة الطائفية بين ابناءه ، او دفع الملايين من الدولارات للماكنة الاعلامية لاسقاط عراق مابعد صدام سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا... ايضا تلك ارادة كل الدكتاتوريات التي تحيط اقليميا بالعراق ايران وسوريا وحتى تركيا والرعب الذي يتملكها من قيام عراق فيدرالي ديمقراطي وقيام اقليم كوردستان التي تخشى من مطالبة اكرادها بحقوق مماثله لما يتمتع به الاكراد في عراق اليوم واعتبار العراق لدى شعوبها نموذج يحتذى بها للمطالبه حكوماتها الديكتاتوريه بالنهج المماثل في العراق..وتكريسه باشاعة الحريات والتعدديه والمطالبه بأجراءات اصلاحات جذريه في بلدانها... وختاما كل الود للكاتب قاسم السيد في طرحه لمقالاته واكرر اعجابي بكلماته الحره النابعه عن سعة افق والقدرة على رؤية الامور في منظورها الصحيح . !.


3 - الديمقراطية العراقية
على عجيل منهل ( 2010 / 5 / 17 - 22:45 )
فى العراق وفى التجربة الاولى الانتخابية التى اقلقت الجوار وجوار الجوار تكاتف الجميع لوأدها فى المهد لكن الناس قاموا بضراوة حتى جاءت النسخة الثانية اكثر بريقا فاستشاط الجميع غضبا وهاهم يشمرون عن سواعدهم جميعا الاصدقاء والاعداء كل الفرقاء فى الجوار وجوار الجوار اللذين يدعون الاخوة فى الله كلهم ساهموا بما توفر من الديناميت اللازم لحفر القبر الكبير لؤاد ابنة السفاح الديمقراطية العراقية ولكن هيات ذلك يتم لان العراق والشعب العراقى ارادوا الحياة الحرة السعيدة تحياتى اخى الكاتب الحترم


4 - موقف سلبي جداً من السعودية
حيدر العتبي ( 2010 / 5 / 18 - 22:17 )
سوف لن ينسى العراقيون أبداً ذلك الموقف السلبي الذي اتخذه حكام السعودية بحق العراق والعراقيين وذلك الخوف من التجديد الحاصل في العراق....لن ينسى العراقيون ان السعودية دعمت ومازالت تدعم الأرهاب بالعراق بالمال والفطايس البشرية أو الحيوانية ان صح التعبير....لن ينسى العراقيون فتاوى الأرهاب التي تنطلق من أصحاب اللحى العفنة في الرياض التي تحلل الدم العراقي ان كان من الطائفة الفلانية
لن ينسى العراقيون أبداً
تحياتي

اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال