الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 21 من رواية تصبحون على غزة

حبيب هنا

2010 / 5 / 17
الادب والفن


21
الوقت كالسيف ، تقطعه ويقطعك .تتقبله مع مرور الأيام ، تتعايش معه بحلوه ومره ، تنقلب عليه وينقلب عليك ، تلعنه ويلعنك ، تستحضره فيقف أمامك ، يستحضرك فتمتثل لمشيئته ، تنتهز فرصة الانفلات من بين أنيابه فيتربص بك عند كل منعطف تحاول اجتيازه ، ينتهز فرصة نومك فيكون لغيرك ويتآمر عليك معه ، تبوح بإسرارك إليه فيحافظ عليها وينبئك بالآتي .
الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك ، يغرس سكينه في أحشائك، تصرخ ، تتألم ، ترتد على أعقابك وتلعنه في السر والعلن ، ثم تبحث عن وسيلة تقهره وتسيطر عليه ، تلجأ للقراءة والكتابة وتتجاهل الوقت لتكتشف أنك تقفز من فوقه ولا تعيره اهتماماً كأن به غير موجود ، ينفلت كي يقبض عليك دون جدوى ، تبقيه محاصراً بين الأسطر وصفحات الكتاب الوسيلة الناجحة في السيطرة عليه وإبعاده عن دائرة تفكيرك .
الوقت يداهمك ، يطن في أذنيك ، يلح عليك ، يناديك أن تذهب إلى الوطن ، يحثك أن تنهي تصفية الشركة بأسرع ما يكون ، أن تكون على استعداد لتحمل تبعات قرارك ، يجعلك تصرخ في وجه السكرتيرة :
- إلى أين وصلنا في أعمال تصفية الشركة ؟
- انهينا الإجراءات الضرورية وبدأنا الخطوة الأولى .
- لا أريد تباطؤاً تحت أي ذريعة ، ينبغي لنا الانتهاء قبل السقف الزمني الذي حددناه حتى نكون على مستوى الحرص في تنفيذ القرارات مهما كانت صعبة وعصية ..
- لن أتراخي حيال هذه المسألة .
- سأكون كعهدك بي رغم الألم الذي يعتصرني جراء تصفيتها .
- ولماذا ؟
- أنسيت أننا بنيناها معاً حجراً فوق حجر ، لحظة وراء لحظة ، زبوناً يجر زبون !
- لا ، لم أنس ، وستكون مكافأتك تساوي الجهد المبذول ..
- يوقع بعض الأوراق التي تنتظر . يباشر اتصالاته مع الزبائن والشركات التي يتعامل معها . تستقر حياته وينتظم إيقاعها . يذهب إلى ريتا محملاً بالفرح . يتأملها كما لم يفعل من قبل . تتأمله وحنين الذكريات يسحق لحظات السعادة . يغرس أصابعه بين خصلات الشعر السابح على وجنتيها. تعود برأسها إلى الوراء، ويحملها الدلال على جناحيه . يسحقها عذب الكلمات وانتقاء مفردات اللغة . يتفيؤها في ليل الغربة المشبع بالشمس وطقوس الخوف . تلتصق به هرباً من صقيع الاحتمالات وهواجس المستقبل . يأخذهما التفكير بإسماعيل مأخذ الجد مع انفتاح المجتمع على كل الغرائب . تنتصب واقفة في وجه الصحاري : كيف سيكون عليه الحال عندما يشب ؟ ينتصب واقفاً تحت عراء النجوم : يجب أن نرسم حياته منذ الآن !
- هل هي حياته هو أم حياة ما نتمنى أن نكون عليه ؟
- الاثنان معاً . وهل هناك أفضل من أن يكون كما نتمنى نحن أن نكون ؟
- وإذا لم يطب له الأمر ..
- يتخلص مما لا يحب .
يتجولان بين خيوط المطر، وحبات البرد التي تصطدم بزجاج النافذة، تأخذهم موجات الدفء إلى اشتعالات الموقد وبراءات اللهب ، يرقبانها بمتعة ارتشاف القهوة العربية المرة ، يأتيهم الرعد صارخاً بكل مكونات الانفجار ، يصحو إسماعيل فزعاً راكضاً إلى والديه :
- ماذا يحدث ؟
- مطر ورعد وبقايا حروب بين الأقدمين ..
تشتد موجات الرياح عصفاً ، تحمل البيوت إلى أماكنها الجديدة ، تقتلع الأشجار وخطوط الكهرباء ، تضرب أبواب المحال التجارية وتحطم الواجهات ويافطات الدعاية ، يتساءل إسماعيل :
- منذ متى يتحارب الأقدمون ؟
- لا أحد يعرف ، إنها كائنات غير مرئية ، ولكن ما هو مرئي ضحاياها من البشر !
- وكيف لهذا السلاح أن يكون فتاكاً على هذا النحو ؟
- ليس هذا هو سلاحهم الوحيد . إنه أضعف الأسلحة فتكاً !
- ودائماً الضحايا من البشر ..
- نعم .
- كيف إذن لو كان البشر الذين يتحاربون ؟ كم سيكون مقدار الخسائر والضحايا ؟
- حسب الأسلحة المستخدمة !
- اللهم قِنَا هذا النوع من الحروب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب