الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنها ليست الميتة الأولى لهذا الشاعر

صابر الفيتوري

2010 / 5 / 19
الادب والفن


أصبح بحكم العادة أن نبكي وننوح على الراحلين من الكُتاب والأدباء بعد أن تطمر أجسادهم تحت التراب ، ومن غير المستغرب ان نخصص الملفات والصفحات في صحفنا ومجلاتنا للتأبين وتعديد خصال المرحوم ومآثره وحكمه وإبداعه ، وفي كثير من الأحيان نجعل عن غير قصد كاتب أو شاعر وما في حكمهما ، قد يكون لا يستحق كل هذا التهليل محولين هاوي إلى آلهة.
وهنا - أعرب بحرقة أن تدافع الأموات من الكتاب باتجاه المقابر الواحد تلو الآخر ، أربك الحياة الثقافية في بلادنا من خلال محاولة جعل كل من يرحل من الأدباء أو أصدقاء الأدباء من أعمدة الثقافة الليبية ، وبأنه قدم جواهره الأدبية وعظيم نظرياته لنا لننعم بها رغم أن الكثير منها قصائد متهرئة البناء وليست سوى تناصات رتيبة قراءتها تدعو للغثيان ، البعض دافعهم فعل الخير بكل أسف لكنه الخير المقرون بعدم الإلمام والتبصر ،حيث صرنا نشاهد ونسمع عن أناس لهم عطاء محدود وتجارب صغيرة مقرونة بأسماء مبدعين وصلت تجاربهم وأسماؤهم إلى ذروة النضج وتخطت آفاق المحلي إلى البعيد ،وهذا خلط يسيء للثقافة الليبية الواعدة ، مع قناعتي التامة أنه ليس ثمة في ليبيا اختراقات كبرى على مستوى النص ..
قد يكون من المخالف التطرق لأي جانب نقدي وإظهار رؤية أو معالجة تناقش مسيرة مبدع راحل من مبدعي هذا الوطن ،وما أكثرهم ،انتقلوا إلى جوار العارف العليم ، المخالف ليس لأدب الحوار أو النقاش الجاد، إنما مخالف للتقاليد الرجعية الليبية التي تحث على الانصياع واعتناق مذهب الصمت كخيار استراتيجي،والتستر خلف مبدأ اذكروا محاسن موتاكم ، ان الثورة ذات معاني النبل والافتخار هي الرد على تقاليد غير ذي جدوى ، بها ننتقد في كل وقت وحين فلا عصمة الا للشعب، مع حضور عامل المحبة بكل تأكيد ..
الشاعر ليس من يكتب نصاً واحداً ، الشاعر هو من يستمر ويتواصل ليكتب وينشد النصوص الجميلة والسيئة على حد سواء ،والذي يطوي مرحلة بعد مرحلة ونشاهده في كل محفل شعبي، حتى أن بعد مكانه وصعبت تضاريس الوصول إليه يسمع القاطنين في البعيد ، ليس أجمل ما قال وأجادت به قريحته ،إنما ما وصل إليه في بحثه عن منهج لكتابة قصيدة محلقة، هي لا تخرج إلا من بين أصابعه هو وحده ، يشارك الكبار في احتفالاتهم الوطنية ويهدي باقات أزهاره متى طلب منه دون غضاضة ..
بسماعي لخبر رحيل " الباحث المترجم " خليفة التليسي ومغادرته دار الدنيا عبركم يا وسائل إعلامنا المحلية طبعا ً،حزنت لبرهة من الزمن ثم عدت مبتهجاً وكان شيئاً لم يحدث، السبب أن فكرة تبادرت إلى ذهني طردت عني شبح الحزن في وفاة التليسي الذي هو بحق احد رواد الثقافة الليبية الذين نالوا كامل حقوقهم في ليبيا وكان على رأس كل قوائم التكريم الصادرة في ليبيا طوال نصف قرن أو يزيد من عمر الوطن ..
فلم يسبق لي وإن قابلت الرجل باستثناء مرة أو مرتين على الأكثر ، ولم يبدى لي أي رغبة في التعرف على أي شيء يخص الشعر في ليبيا ، وكأنه عازم على طي صفحة في حياته، بل وأظهر لي انه لا يعرف أي واقع للمشهد الشعري الليبي لدرجة انه في حديث خاص بيننا في أمسية هي من الاماسي النادرة التي يحضرها التليسي أمكنني أن ارصد الفارق في الرؤية التي يحملها عن الشعر وبين الواقع فابتعاده وبالأصح غيابه المتكرر قد ابعد عنه المواكبة والاطلاع الدوري على المستجدات ..
إذن- لم يكن موت التليسي هو غيابه الأول عن المشهد الثقافي ، إنما هو كان غائباً أصلا ًوباختياره وكنا ندعوه في عديد المهرجانات والأمسيات الصغيرة والتي أنجبت جيلا ًمن الشعراء يتسيد المشهد الشعري الآن ، لكنه في كل مرة كان يغيب عنا وعن محافلنا الشعرية خصوصا ، فصلته بالشعر انقطعت كما انقطعت صلته مع الشعراء منذ مدة طويلة ، ولم تكون هذه المرة الأولى التي يغيب فيها فلا داعي للحزن والبكاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقد متزن رغم قساوته
جميل ابو هلال ( 2010 / 5 / 19 - 11:37 )
الحقيقة ..مثل هذا النقد هو الذي نحتاجه في مجتمعنا العربي رغم قساوته فهو متزن ولا يجرح حياتي

اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية


.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!




.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع