الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق و المنطقة . . بين الآمال و الواقع ! 3

مهند البراك

2010 / 5 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


و فيما تواصلت تلك العلاقات و المصالح الوثيقة بين دول المنطقة، و الدكتاتورية الطائشة، برعاية ما اصطلح عليه بـ " نادي الملوك و الرؤساء العرب "، الذي كان ينظّم و يوالف سياسات حكومات البلدان العربية و مواقفها، ويعمل على موازنة كيفية تلبية المصالح الدولية للأحتكارات العالمية، بكيفية مواجهة حاجات و مطالب شعوب و قوى و احزاب حركة التحرر الوطني العربية، و على كيفية مواجهة القوى (الناشزة) عن (سياسات الحكام العرب)، الدائرة في فلك الإحتكارات الكبرى المترابطة وثيقاً بالسياسات الدولية الغربية، و المتعاملة بخطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها مع دول المعسكر الشرقي، آنذاك.
فإنها وظّفت حالة الحروب و عدم الإستقرار و العنف في العراق، و جعلتها وسيلة لتحقيق ارباحاً انانية جديدة لها و سدّت عجزها امام شعوبها، في حالة لم تخرج عن ان " ادامة الأزمة و العنف في العراق تزيد من فرص ارباحها "، و ادّت الى ان تجعل العراق بحروب و سياسات الدكتاتور المشجّع عليها، دولة تابعة لأقطاب المنطقة المتنامية . . لحاجة دكتاتوريته لها في تنفيذ سياساتها العقيمة، مقابل هبات نفطية و مالية خيالية متواصلة، بدلاً من ان يكون العراق بكل ما لديه . . قطباً نفطياً غنياً من اقطاب المنطقة و العالم .
فبمباركتها لسياسات الدكتاتورية بالتنسيق مع اقطاب دولية وتأييدها لها . . تعطّلت طاقات العراق و كفاءاته و قدراته و خبراته، و تبعثرت امواله و ذهبت الى مصانع و احتكارات السلاح و النفط و المال الدولية، و الى جيوب القطط السمان في العراق و المنطقة من جهة، ومن جهة اخرى الى خزائن و مشاريع الدول الإقليمية و كل الجهات التي شجعت الدكتاتور و كانت تصفّ بمأمن الى جانبه، رغم نزواته و عنجهيّاته حتى معها، و رغم الخسائر التي لحقت بشعوب العراق والمنطقة جرّاءها.
و يرى خبراء ان ذلك يتأتى من طبيعة سياسات دول المنطقة المرسومة بعناية و المفروضة عليها من الأقطاب الدولية بشكل معادلات لتناقضات تواجه احداها الأخرى و تعادلها ( كصراعات محسوبة، مفاتيح حلها بيد تلك الأقطاب الدولية . . لضمان تأمين السيطرة على البلدان )، و يضيف آخرون بكونه يعود الى طبيعة بناء دول المنطقة الذي اشادته تلك الأقطاب و لم تواصل تجديده، لأنه كان سيكلفها و يكّلف انظمة المنطقة و يسبب لها خسائر كبيرة هي في غنى عنها . .
من جهة اخرى، وبعد ان تصاعد الرفض الداخلي للدكتاتورية الدموية، عملت دوائر حاكمة في دول الجوار و الدول الإقليمية على مساعدة المعارضة العراقية للدكتاتورية بشروط ان تنفذ سياساتها و ان لاتتعارض نشاطاتها مع مصالح تلك الدوائر مع الدكتاتورية، و بالقدر الذي يؤمن لها مصالح جديدة اكبر في العراق بعد سقوط الدكتاتورية، و مارست لذلك ضغوطاً قاسية على اطراف المعارضة العراقية المتواجدة قياداتها على اراضيها، مشجعة تزايد الطموح للزعامة بينها، الذي موّلته و عززته باتفاق قسم منها مع اطراف نافذة في الإدارات الأميركية. الأمر الذي يلقي ضوءاً على تأثير تلك المصالح في تقرير نوعية معارضة الدكتاتورية التي من الممكن ان تأتي كبديل للدكتاتورية بعد سقوطها . .
من جهة اخرى، ادّت شدة قساوة الدكتاتورية مع كل ما عارضها داخلياً، و تسخيرها لذلك امكانات العراق الفلكية، الى تشديد التعتيم و الجهل الفكري و الثقافي الذي زادته تردياً قوانينها العسكرية و حروبها، وعملها طيلة سنوات لاحقة على اعادة صياغة الوعي العام بـ " الحملة الأيمانية " الدينية الطائفية، على ارضية من انتعاش الروح العشائرية التي صارت ملجأ يحمي الفرد من الذل و الموت . . فتوّزع الرفض الشعبي للدكتاتورية، على روابط القربى و الإنتماءات العشائرية و الدينية و المذهبية، التي طفت الى السطح لكونها الملاذ الوحيد لمواجهة الظلم الهائل . .
التي فيما شكّلت ستراً للنفس و العرض، واداة للمواجهة، و شكّلت للقائمين عليها مصدراً للقوة و الإثراء داخل و خارج البلاد، لأمتداد فعل تلك الروابط و الهويات الى عموم دول المنطقة . . وظفتها دوائر حاكمة في المنطقة و اشتغلت وفقها طيلة عقود، لتحقيق عديد من الأهداف السياسية و غيرها من المصالح المربحة . .
على تلك الأرضية بدأ الغزو الأميركي الذي هدف ضمن ماهدف اليه، ضمان العراق لصالح الولايات المتحدة في مجالي الأمن و الطاقة خاصة . . في مواجهة الصين و الإتحاد الأوروبي، و اعادة بنائه وفق المصالح و الآليات الإقتصادية و القانونية الجديدة، لتأمين للنجاح في مواجهة القوى الدولية و الإقليمية المنافسة، اعادة بناء " نادي الملوك و الرؤساء العرب " على اسس احدث لضمان صياغة ناجحة لمصالحها في التطورات العالمية الجديدة بسبب الثورة التكنولوجية و تغيّر قطبية العالم و مابدأت تحدث(1) ، مواجهة نشاط القاعدة السنيّة المتطرفة بعد غزو افغانستان، احتواء النفوذ الإيراني الشيعي في زمن الرئيس الأصلاحي محمد خاتمي ؟! . .
و فيما لم ترحّب الأقطاب العربية بالغزو العسكري الأميركي بعد ان حذّرت من الإقدام عليه، فإنها شعرت بوقوعه، بكونه يشكّل وسيلة عسكرية مباشرة للضغط على انظمتها و تقييدها في تعاملها مع افلاك احتكارات اخرى كالآسيوية مثلا(2) من جهة، و للضغط اكثر ومن قرب عليها لتجديد آلياتها في التعامل الإقتصادي النفطي و المالي للتناسب مع الآليات الجديدة المعمول بها في الولايات المتحدة، التي صارت تتطلب مجتمعات تقوم على اسس قانونية جديدة لتحقيق مساهمة فاعلة في عملية التبادل الإقتصادي العالمي، وفق المصالح الأميركية في العالم الجديد .
و اثار ذلك حذر بيوت المال و التجارة و الأسر الحاكمة و الموالية لها، من انهيار الكيانات القديمة التي بنيت عليها منذ ما يقارب القرن، وفق منطق التراث القديم الذي لم تسمح من جهتها بمسّه او تجديده رغم دعوات التجديد و الأصلاح من داخلها . . فعملت على مواجهة ذلك بذات النهج العسكري السياسي الكثير التعقيد، بشكل مباشر و غير مباشر، لضمان امن مصالحها سواء في السلطة او في النفط و التجارة، و تخادمت مع جهات كثيرة التناقض، لتوظيف الصدمة الناشئة في المنطقة جرّاء وقوع احتلال اجنبي في المنطقة لأحدى اهم دولها .
و نشطت انواع الدوائر لتحقيق اهداف متنوعة، من التراكض على النهب . . الى دعم فلول النظام السابق و تحويل انظار معارضاتها الداخلية للمشاركة في النشاط ( ضد احتلال الأرض العربية) و تطور ذلك بمرور الأحداث الى آلية يشبهها خبراء و عارفون، بآلية دعم المجاهدين الأفغان ضد الغزو الروسي لأرضهم مطلع الثمانينات، الذي انجب القاعدة . . فنشأت منظمة القاعدة الإرهابية في العراق، وعملت على تأجيج الطائفية بالعنف و بالقتل الجماعي، لتحقيق اهدافها .
من جانب آخر، عملت دوائر حاكمة في ايران للأستفادة من ذلك الغزو، خاصة بعد الإعلان عن كونه ( انتصاراً للطائفة الشيعية)، وعملت بنشاط كبير متنوع ؛ مسلّح، سياسي فكري، اقتصادي و تكنوقراطي وظيفي(3)، للهيمنة على مواقع السلطة في العراق بمحاولة توظيفها الأحزاب و الشخصيات الشيعية التي دعمتها و غيرها التي جاءت الى مراكز الحكم، متجنبة الإحتكاك بقوات الإحتلال رغم شعاراتها في رفضه. و تصاعد دورها حتى صار علنياً في المنعطفات الحادة العراقية و كلما تصاعدت ازمة مفاعلها النووي مع الأميركان ، ممارسة دورها في التوسع تحت ستار (الإنتصار لشيعة العراق) . . خوفاً من نشوء عراق حديث قادر على ان يكون قطباً جديداً قوياً ينافسها في المنطقة، ليس نفطياً و اقتصادياً و كسوق فحسب، وانما ينافسها على قيادة العالم الإسلامي الشيعي، في سعيها الذي تلتقي فيه مع الآخرين لإبقائه بلداً تابعا في المنطقة، كما كان في زمن حروب الدكتاتور.
الأمر الذي من جانبه اخذ يثير كيانات دول المنطقة العربية و خاصة النفطية الخليجية منها ـ حماية للخليج ـ لتصعيد التنافس على السيطرة على العراق تحت واجهات النضال (القومي العربي و السني)، ضد (الفرس المجوس و ضد الشيعة)، في سياق مصالح معقد يرى فيه متخصصون، ان اطرافاً و كيانات من المذكورة اعلاه تريد و تعمل على ان يعود العراق الى آليات الدكتاتورية السابقة بدون صدام، لتسخيره اداة لقوى المنطقة و لمصالحها الضيقة . .
و تريد اخرى، استمرار حالة الأحتلال لتسويق سياساتها التي تؤمّن لها ارباحاً اسطورية من جهة، و كي تستطيع مواصلة التحشيد ضد اي انجاز عراقي بدعوى كونه بدعة استعمارية، لستر حقيقتها و ابعاد شبح مطالبة شعوبها باجراءات شبيهة لتحسين اوضاعها . . بتأثير الإجراءات التي صار لابد من اجرائها لمعالجة الوضع العراقي و انسحاب القوات الأميركية، باستكمال مراحل الفدرالية و اقامة برلمانية دستورية حقيقية تثبّتها اجراءات داخلية ملموسة ( الأمن، معالجة البطالة، قانون الأحزاب، حقوق المرأة، الصحافة وغيرها ) بضمانة الأمم المتحدة و قواها الدولية . .
من جانب آخر، لابد من القول ان النظام الذي اعتمدته و ثبتته ادارة بوش و ممثلها بريمر، بالحكم عن طريق المحاصصة الطائفية و العرقية، ومهما كانت المسوغات . . فإنه ادّى و بكل احداث السنوات السبع الدموية الطائفية الماضية، و البلاد تحت الأحتلال و الرقابة الأميركية . . ورغم جهود ايجابية بذلت، ادّى و بأسف الى تباعد المكونات و الى صراعها الذي صار بمرور السنوات تلك صراعاً (مؤسساتياً شبه دستوري ) مدعوم اقليمياً و دولياً على محاور المحاصصة الطائفية ذاتها.
الأمر الذي اثبت فشل ستراتيجية " لامحدودية الفعل العسكري الأميركي" التي حملتها دوائر عسكرية اميركية. و بدلالة ما عبّرت به عن ذلك لاحقاً خطة بيكر ـ هاملتون الأميركية الجمهورية ـ الديمقراطية، التي دعت قبل سنوات الى اهمية التعايش مع دول المنطقة و السعي لإيجاد حلول سياسية اقتصادية متبادلة . . حيث تبلور الصراع الى صراع : اميركي ـ عربي ـ ايراني مترابط و فاعل على محاور الصراع الداخلي التحاصصي داخل و خارج العملية السياسية . .
ففيما اصبح الدور الإيراني اكثر وضوحاً بعد اعلان نتائج انتخابات 7 آذار الماضي، بتكوين كتلة شيعية، امام فوز القائمة السنية الداعية الى مجتمع اكثر مدنية بدعم الأقطاب العربية، والبلاد تحت الرقابة الأميركية المباشرة . . و فيما تتحرك تركيا الناتو العلمانية ـ السنيّة بنشاط و حذر على عدة اطراف و محاور، محققة تمدد استثماراتها الكثيرة التنوع بلا انقطاع في العراق، حتى صار اهم اسواقها . .
صار العراق ملتقى صراع حامي للأقطاب الدولية، الإقليمية، الداخلية، و صار لابد من الأتفاق على كيفية ادارة و رعاية المصالح المتبادلة التي تجمع العراق بالمنطقة، التي لايمكن الغائها بقرار او بزمن سريع ، وانما تتطلب السرعة في تقوية مقومات استقلال القرار العراقي و المرونة المتبادلة . . والاّ سيتمزق العراق !! او يبقى تابعاً كمسرحٍ لصراعات دول المنطقة، بشهادة السنوات السبع الماضية ! بعد ان فقد اسس بناء دولته و عمادها البشري (علمائه، اطبائه، مهندسيه . . ادبائه و مفكريه . . كفاءاته العسكرية و الإدارية ) ولم يستطع بعد استكمال بناء دولته الجديدة . .
و على ذلك و من اجل استقلال و قوة القرار العراقي، لابد من التوافق الوطني الداخلي واتباع الوسائل الكفيلة بضمان تعايش اطياف العراق بالتساوي معاً على اساس الإنتماء الوطني العراقي الموحد، القائم على اسس فاعلة قادرة معترف بها، ليس دولياً فحسب بل اقليمياً، مهما كانت تسمية تلك الأسس الموحدة المنصفة، بضمانة مشاركة كل القوى السياسية العاملة على انهاء الأحتلال و انسحاب القوات الأميركية، و تطوير العملية السياسية لضمان اعادة بناء البلاد على اسس حديثة، لتكون عامل استقرار في المنطقة، التي تتجمع فيها الصراعات الحادة للأضداد !
(انتهى)

18 / 5 / 2010 ، مهند البراك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اثر خسارة البنوك الأميركية بسبب سحب ماعادل 50% من الأرصدة السعودية فيها، لقلق الأوساط المالية السعودية من احتمالات استحواذ جهات اميركية عليها، اثر الإجراءات الأميركية الداخلية التي طالت المصالح السعودية فيها، بسبب احداث برجي التجارة العالميين عام 2001 و ما كشفت عنه التحقيقات التي اجريت بذلك و تسببت بتدهور العلاقة بين البلدين .
2. حيث قطع التعاون النفطي الخليجي مع الصين في تلك الفترة، مراحل متقدمة لايمكن مقارنتها ابداً بحالها السابق، كالإتفاق الصيني ـ السعودي في بناء خزانات النفط العملاقة في الصين، الخليجي ـ الصيني في اقامة بورصة دبي النفطية العالمية .
3. تشير مصادر حكومية عراقية و اقليمية متواصلة، الى الحجم الكبير لحَمَلة انواع ( المؤهلات الوظيفية الإيرانية) في الوظائف الحالية، فيما تشير تقارير كثيرة الى انه اضافة الى هجرة عشرات الآلاف من الكوادر العلمية و الأدبية و الوظيفية بسبب الأرهاب . . فإن مجاميع مسلحة تتلقى الدعم من دوائر ايرانية ـ اضافة الى دوائر عربية و غيرها ـ قامت و تقوم بعدد كبير من عمليات اغتيال الكوادر العلمية و الإدارية و العسكرية العراقية، التي تحقق الأهداف الإقليمية المذكورة في المقال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -انفجار داخلي ضد حزب الله-.. هذا ما يخطط له نتنياهو


.. مغاربة يشاركون في مسيرة تنديدا باستمرار العدوان الإسرائيلي ع




.. كم بلغت تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة خلال عام؟


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك في مخيم جباليا وسرايا القدس تق




.. الدكتور أحمد المخللاتي يروي للجزيرة شهادته خلال الحرب الإسرا