الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلينتون وسوفوكليس وصراع الديوك

عصام عبدالله

2010 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في 21 يناير 2010 ألقت وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون ، خطابا مهما في ( متحف الأخبار ) حول " حرية الانترنت " ، وإن شئت الدقة ، فقد حمل خطابها هذا العنوان : " الحريات وكيفية تطابقها مع تحديات القرن 21 " .
ربما يفسر هذا الخطاب – في أحد جوانبه لماذا تراجعت حرية الصحافة في معظم أرجاء العالم للعام الثامن علي التوالي ، كما جاء في تقرير مؤسسة فريدوم هاوس " حرية الصحافة عام 2010: دراسة عالمية لاستقلالية وسائل الإعلام " والذي تناولناه في المقال السابق .
الأهم من ذلك ، أنه يقدم رؤية استشرافية للتعاون العالمي في مجال الانترنت ، في العقد الثاني من الألفية الثالثة ، من خلال التركيز علي أمرين أساسيين : الأول ، هو أن شبكات المعلومات اليوم تشكل الجهاز العصبي الجديد لكوكب الأرض ، وأن الزيادة المضطردة في وسائل الاتصال، لا تعتبر كلها نعما لا تشوبها شائبة. فهذه الأدوات يجري استغلالها من أجل تقويض التقدم البشري والحقوق السياسية أيضا . وبعبارة أخري ، فإن هذه الشبكات التي يمكن أن تساهم في تنظيم حركات التحررونشر حقوق الإنسان ، يمكن - وبنفس القدر - أنتستغلها التنظيمات المتطرفة في بث الكراهية والتحريض على العنف ضد الأبرياء. ناهيك عن أن هذه التقنيات التي يُحتمل أن تكون قادرة على فتح الطريق للوصول إلى الحكومات وتشجيع الشفافية والوضوح، من الممكن أيضا أن تخترقها هذه الحكومات وتستخدمها في قمع المعارضين وضرب حرية الانترنت بسلاح الانترنت نفسه .
الأمر الثاني في خطاب كلينتون ، هو أنه في عالم كوكبي واحد مرتبط بالإنترنت، فإن هجوما على شبكة دولة واحدة يمكن أن يكون هجوما على جميع الشبكات في كل دول العالم . وعن طريق تعزيز هذه الرسالة، فإنه بوسعنا وضع أعراف للسلوك بين الدول وتشجيع الاحترام المتبادل للأشياء المشتركة بيننا على الشبكات العالمية.
هذه المسألة لا تدور ، كما تقول كلينتون ، حول مجرد " حرية المعلومات " بل حول " نوعية العالم " الذي نبتغيه ونوعية الكوكب الذي سنقطنه . وهي تتعلق بما إذا كنا نعيش على كوكب ذي شبكة إنترنت واحدة وذي أسرة عالمية واحدة وجسم معارف واحد يفيدنا ويوحد بيننا جميعا، أو العكس ، أن نعيش على كوكب مجزأ يكون فيه وصول الفرد إلى المعلومات معتمدا على مكان إقامته او نزوات ممارسي الرقابة على المعلومات ، وتلك هي أبرز تحديات القرن 21 ، حتي الآن .
خطاب كلينتون ذكرني بمفهوم " السلطة الخامسة " ، الذي صاغه " انياسيو رامونه " رئيس تحرير " لوموند دبلوماتيك " ، قبل سنوات ، لوصف مدي تأثير الميديا اليوم ، وتلاعبها بالحياة السياسية بنفس القدر الذي تتلاعب السياسة بها . وهذا يفسر : لماذا تسعي كل الأطراف اليوم (من أفراد ومراكز ضغط ومؤسسات غير حكومية ورجال أعمال وسياسيين معارضين) للاستفادة من سلطة هذه الميديا ، لأن المجتمع في عصر العولمة لم يعد مجتمعًا إعلاميًا وإنما أصبح " موجهًا إعلاميًا ".
ويبدو أن السعي المحموم لامتلاك " السلطة الخامسة " ، جعل بعض الأطراف لا ينتبه إلي الحكمة الذهبية التي قال بها " سوفوكليس " قديما ، وهي : " أن قيمة المعرفة يحددها أسلوب استخدامها ". وحسب علمي، لم يخرج اثنان من المتحاورين في وسائل الإعلام العربية المختلفة ، بما في ذلك الفضائيات العربية التي بدأت قبل 18 عاما وبلغت اليوم 1100 قناة ، إلا وهما في حالة عداء تستمر بعد اللقاء وتنتقل لوسائل اعلامية أخري، وربما إلي ساحات القضاء ، وكأن " السلطة الخامسة " في عالمنا العربي أصبحت وسيلة لتكريس الفرقة والخلاف، وتفتيت المفتت أصلا .

ما نراه اليوم ليس حوارا وإنما شئ أشبه بصراع الديوك ، يغذي شهوة الانتصار والغلبة وكل النعرات الطائفية والعرقية والإيديولوجية والمذهبية . في حين أن الحوار المثمر البناء ، يفترض ، أن له هدفان : " المعني " ، و" التواصل "، فإذا لم يصل المتحاورون إلي نقطة التقاء وسط، وإذا لم يتطور الحوار وينضج ، بالإقناع والاقتناع، نحافظ علي الأقل علي هدف التواصل، فالخلاف لا يفسد للود قضية .
لكن يبدو أننا نفتقد إلي أدبيات الحوار وفلسفته ، ولا نفرق بين الحوار الجدلي والحوار السجالي . الأول يطور المجتمعات ويثريها لأنه يؤسس لموقف جديد أو رؤية مبدعة ، لذا يتطلب التفكير النقدي والاستغراق الذاتي والتسامح واحترام الآخر والاعتذار ( إذا لزم الأمر ) . أما الحوار السجالي فهو تصادمي عصابي يملك كل الحق والصواب ، تحركه مجموعة من الرؤي المسبقة والاتهامات الجاهزة ، وهو يؤدي حتما إلي الكراهية والعنف ، وكل ما حذرت منه كلينتون في الألفية الثالثة ، ونبهنا إليه سوفوكليس من قبل الميلاد بزماااااان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج