الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفهم الليبرالية ؟

راغب الركابي

2010 / 5 / 19
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


في هذه المقالة سأثير معكم وبشكل واضح ، كيف يمكننا فهم الليبرالية كحركة إجتماعية وكسلوك إنساني نبيل ؟ ، فنحن في هذه المرحلة من التاريخ نعيش عصر التحول الطبيعي في حياة الشعوب وفي حياة الأمم ، وفي هذه المناسبة من الضروري ان نفتخر بما حققه - الحزب الليبرالي الديمقراطي البريطاني - من نقلة نوعية في الإنتخابات الأخيرة ، وهذا إنجاز مهم في زمن مهم يجب النظر إليه بتمعن ومن زواية التحول الإجتماعي والسياسي الكلي الذي رافق التغير في خارطة العمل السياسي والإجتماعي البريطاني ، ومهمتنا هو تذكير قوى المجتمع العراقي بهذا التطور الرائع في الواقع السياسي الإجتماعي الجديد ، وكيف يجب ان النظر إليه وحسابه ؟ .

ونحن نسعى ونلح في الطلب دائماً بل وننبه لكي يصل مجتمعنا العراقي إلى درجة من الوعي والإدراك متقدمة لواقعه ولما يحيط به ، ونريد من ذلك جعل مجتمعنا و تحويله إلى مجتمع الحرية والإنفتاح ، بحيث يكون القبول والرفض عنده من بناة أفكاره وحده وليس وصاية أو توجيه من أحد فرداً كان أو جماعة ، لأننا نعتبر إنه من اللازم على كل فرد في مجتمعنا أن يعرف كل مايتعلق بقضاياه الحيوية والمصيرية ، وان يطلع عليها وان يهتم بها ، وعليه ان يعتبر نفسه جزء من كل ، وهذه الإرادة مسؤولية وطنية وليست مجرد عمل تطوعي ، فالليبرالية حين تحث الجميع على المشاركة في العمل السياسي إنما ترسخ فيهم قيم الديمقراطية ، وهي تعمل ذلك إيمانا منها بوحدة المصير للمجتمع وبان أي مكون منه هو جزء من كل شامل ، ولهذا فلا تحصر تطلعاتها وأهتماماتها الوطنية في المجالات الذاتية ، لأنها تريد من ذلك العمل خلق ضوابط يستطيع معها المجتمع النهوض والتقدم وتجاوز المشكلات السياسية والإجتماعية ذات الطابع المحلي أو الديني ، من خلال تأصيل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وجعلها ثقافة شعبية رائجة من خلال الإعلام العام اليومي .

فالليبرالية في ثقافتها المقروءة العامة لاتجعل من الحق والمطالبة به محصور بيد النخب ، كما إنها لاتسمح لكي يكون الحق مجالاً للطعن والتشهير كما تفعل في العادة ذلك قوى التخلف والإنقباض ، فهي تقوم بمعالجة الإختالات السياسية عبر التركيز على دور الجميع في خلق الواقع السياسي دون تهميش أو إضعاف لأحد ، من خلال التركيز على عناصر القوة والمحبة في الشخصية ، وهذه العناصر مجتمعة تساهم في ضبط حركة المجتمع وتمنع التسيب الأمني والإنفلات الذي يحصد أرواح المغلوبين من أبناء الشعب ، ذلك الشعب الذي تحمل الكثير لكي يكون موجوداً وفاعلاً في الساحة السياسية والإجتماعية .

صحيح إن في مجتمعنا افكار خاطئة كثيرة وخرافات عامية يتناقلها حتى المتعلمون لانهم لا يفكرون تفكيرا جدياً وواعياً ، و صحيح كذلك إننا سمعنا في الماضي ونسمع اليوم من يعجب بالثورة الإيرانية ومن يروج لها ، وقد سعى البعض عن جهل أو عن عمد لكي يكون مصير بلدنا بيد رجال من فئة المجموعة الإيرانية أو الشبيهة بالمجموعات الإرهابية للقاعدة ولطالبان ، وكلنا يعلم مدى التمزق الذي يعيشه الوضع الداخلي في إيران وحجم العنف وطبيعته الذي يستخدم ضد الإصلاحيين منهم ، كما لايفوتنا التذكير بإن مصير القاعدة أصبح الآن معلوماً وهي تعاني بل هي في النفس الأخير ، وهذا الواقع هو مايجب التنبيه والتحذير منه ومن خطره على عقول وتصرفات البعض من الكتل التي تحاول منع قيام حكومة قوية تساعد في تثبيت الوضع الأمني وخلق روح المنافسة البناءة ، نعم إن الأمة الإيرانية أمة راقية كان لها دور في التاريخ في نشأة الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي ، كما انها ساهمت في تطوير البحوث والدراسات الفلسفية والكلامية ، وهذا ما يجعلنا نراهن على قدرتها في صنع مستقبلها فيما لو تمكنت من نفسها ونالت نصيبها من الحرية ، التي نامل ان تثمر فيها حركة الليبرالية الديمقراطية عن شيء مفيد تساعد الشعب الإيراني في حل مشكلاته القديمة الجديدة .

ولكن الذي نريد التأكيد عليه هنا إن على شعبنا مسؤولية مزدوجة في هذا الإتجاه فهو أول شعب نال حريته في الشرق الأوسط ، كما إنه الشعب الأول في المنطقة الذي يحمل فكراً ليبرالياً ساهم ذلك بشكل غير مباشر في دعم حركة التحرر الليبرالي الديمقراطي في إيران وبلدان الجوار ، وفي ذلك المسار نعول على إرادة شعبنا رغم ما يمر به من محن ومظالم بعض منها سببها المباشر إيران والبعض الأخر قوى الردة والتخلف من القوى الإرهابية في المنطقة .

إذن فالليبرالية تفتح لنا الأفاق والقدرة على التطلع نحو بناء الغد المشرق ، و تطمر كل ما من شأنه خلق التوتر الداخلي والتنازع المحلي ، وهي القادرة على غلق الأبواب امام من يستجدي أو يستقوي بالغير من الأغراب على أهل بيته ، وعلى هذا فنحن بحاجة لكي نفهم الليبرالية التي تخلق فينا عقلاً عراقياً حراً وواعياً ومسؤولاً ، فنحن بحاجة اليها لتصنع لنا انساناً عراقياً جديداً له نظرة إنسانية بعدما أنعدمت أو هكذا يُخيل إلينا كذلك ، لأن فلسفة الليبرالية تقوم على إنشاء مجتمع إنساني جديد تسوده الحرية وتنطلق فيه قوى الابداع ، والانسان الليبرالي حسب تلك الرؤية لا يربى على الكراهية أو إلغاء الأخر ، بل يربى لكي يخلق في المجتمع روح المحبة والسلام والقوة والمبادرة والخلاقية والصبر والكفاءة وسد العوز والنقص ، ومن البديهي الإستذكار والاستدراك بان ما قلناه هنا لا يتنافى أبداً مع واقع شعبنا وحاجاته الشديدة الخصوصية ، وعندما نقول ذلك فاننا نؤكد على أهمية المشاركة وأهمية الشعور بالمسؤولية والشعور بالإنتماء والهوية ، فبدون ذلك لانحقق التوازن داخل الشخصية التي نريد بنائها والتأسيس عليها ، ولا أظن أن واحداً من القراء المحترمين قد يفهم إننا في ذلك نمزج بين قضيتين أو بين شيئين ، بل نحن ندعوا لعدم الفصل بين الحاجات الخاصة والمسؤوليات العامة .

وهذا كله مرتبط بالوعي العام للمجتمع وحين يتشبع بقيم الحرية وبثقافة الديمقراطية يكون مجتمعاً حرا و مسؤولا ، وهنا نقول : إننا نفهم الليبرالية الديمقراطية ككونها المنقذ الذي يحمي المجتمع ويحمي الشعب ويحمي الدولة من التصدع ومن التقسيم ومن الذوبان ، وهي في ذلك ليست مرآة وحسب بل هي الدواء وهي العلاج لكل مرض إجتماعي وسياسي نشأ أو قد ينشئ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حاجتنا إلى الليبرالية
مهدي كبه ( 2010 / 5 / 19 - 08:49 )
يذكرني هذا المقال بالكتابات المهمه التي كان يكتبها كبار الماركسيين في الفترة الذهبية من العصر السوفياتي ، وهو لذلك يعد مفخرة لمن يتتبع كتابات الستاذ راغب الركابي وفي هذا الإتجاه ، شكراً له على هذا الجهد الغير عادي

اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف