الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساعات أنشودة الصباح البعيد

طارق الدويري

2004 / 8 / 5
الادب والفن


سأصنع كل شيء جديدا

ساعات أنشودة الصباح البعيد

يا لها من ساعات طويلة كالدهر، إنها لحظات الاختبار وامتحان النار.إنها التجربة وما أدراك!
الاثنا عشر الأخيرة من حياته ونضاله علي الأرض.. هكذا قرر"ميل جيبسون" أن يكون فيلمه،
أن تكون رؤيته وتجربته الخاصة بعد اثنا عشر عام من التجهيز والصدام..
الفيلم سيثير مشاعر المعاداة لليهود لان الفيلم يربط موت السيد المسيح باليهود!!!؟؟
ونموت ضحكاً من سهولة تزيف كل التاريخ.. من قتله أذن؟ صدام أم أبن لادن؟..
أم إنهم عملاء سي أي أيه؟ وربما الموساد! إذا كانت الرؤية عربية.
ونموت ضحكاً ونتذكر مزايدات مذابح الهولوكوست، وبناء الأهرامات كانت علي يد اليهود القدماء،
كما نموت ضحكاً أم كمداً.. إذ نكتشف أن حضارة أجدادنا مجرد أصنام وأوثان،
والأكثر هزئ كوننا عرب ولسنا بمصريين قدماء، أذ هم من في الأصل من كواكب أخري وكفرة.
أي نعم والذين صلبوا المسيح هم العراقيون أو الفلسطينيون، وليس اليهود.
كما أن العرب جاءوا مصر محملين باللبن والعسل والثروات وبدون سيف فاتحين مبشرين.
وما أسهل تزيف كل تاريخ في ظل تبعية القطيع.. في المجتمعات الدينية اللا علمية ولا عقلانية.


تبدأ الساعات الاثنا عشر بموسيقي الموسيقار "جون ديبني"، موسيقي ليلية وأهات الإنسانية وهي في قمة شجونها من وقع وثقل التجربة الرابضة والمتربصة بيسوع ابن الإنسان..
استغاثة للرفاق لكنهم نائمون فيا لها من رفقة، صلوات متواصلة لأبيه الذي في السماوات.. " لا تدخلنا في تجربة" أو"أرفع عني هذا الكأس ولكن لتكن مشيئتك"، وجه.. ينطق بالألم والخوف ينتظر إجابة معزية، ولكن القمر تغطيه السحب المتفحمة.. فينهار يسوع من وقع إجابة الرب المتعجلة..فالإله لا يرحم من يختاروه، من يناضلون لأجل الحقيقة، فلتحمل آثام العالم! ونسمع صوت "الغراب" في شريط الموسيقي الرهيب، يهوذا يتمم صفقته بالعملات الأجنبية.. أعتذر الفضية.. ينحني يهوذا في مشهد يكشف سقوط الإنسان أمام "لقمة العيش" أعني الكلمة السحرية التي تجيز كل السقوط في هذا الزمان.. ولا يخفي ميل جيبسون ذلك الوجه السحري الجميل القبيح المرأة الرجل ذات العيون اللامعة ذلك الآخر المضاد الذي يبغي سقوط الإنسان.. والكلمات المحبطة الواقعية النافذة والعملية.. لقد تركك الإله.. لن تستطيع أتمام النضال.. ومازال الرب يخفي القمر بسحبه الداكنة وينهار يسوع أبن الإنسان..

أن عظمة المخرج وهو أيضا مشارك في كتابة السيناريو مع السينارست "بنيديكت فيتزجيرالد" (والذي سنري سقطتهم فيما بعد) هي تلك اللحظات وإيقاعها الثقيل وبنائه للشخصيات في أعتي اللحظات المأساوية.. وكونه ممثلاً مخرجاً برع في توجيه الممثل المستجيب.

المرأة الرجل ذلك الآخر الجميل القبيح والذي يطلق عليه في بعض النصوص المقدسة المقاوم ترسل حيتها القديمة.. حية التجربة الأولي، تجربة السقوط من جنات البراءة والاستقرار المعرفي الأول، الحية ونفس السؤال القديم والذي يطرح علي كل صاحب فكرة، السؤال الذي كان من البدء، الخبز والحياة المديدة أم الحرية وتحمل الآم الموت علي أي صليب كان، فيكون سؤالا ليسوع نافذاً مذكراً وحاسماً، أدم الجديد أبن الإنسان ينتصر هذه المرة ويسحق رأس الحية بعقبه فينتقم لنا أو لأدم القديم، وعندها تهدئ أساريره باستقرار معرفي وإدراكي جديد. وفي ذات اللحظة الذي يختار فيها الإنسان قرار النضال، لحظة الحرية والاختيار يكتشف الوجه الآخر للحظة، ذات اللحظة هي بداية رحلة عنف التجربة. وهنا تظهر عبقرية شريط الصوت والمؤثرات والموسيقي، لحظة الاختيار هي نفس اللحظة الموقوتة لظهور الأصوات الأمنية المسلحة وفي نفس اللحظة يظهر الكادر وجه ذلك الكائن السحري المقاوم وهو يتحدى بعينه الباردة كإضاءة المكان البارد الهادئ الراسخ في صمته رغم ضجة شريط الصوت والموسيقي والتي تعبر عن ما يشعر به أبن الإنسان من مشاعر متضاربة.
واللقطات أو المشاهد التالية هو القبض علي يسوع حسب النص الكتابي..ولكن عبقرية المخرج أنه فعلا أستطاع أن يعبر عن أحاسيس شخصياته في تلك اللحظة المرعبة.. بطرس المندهش ومنتظر المعجزة التي لا تحدث فيحاول صنعها بسيفه، يوحنا وعبقرية رسم شخصيته كشاهد صامت وكأنه يعد نفسه لتسجيل كل اللحظات في أنجيل الحب والذي سوف يكتبه فيما بعد، التلاميذ المرتعبين والنائمين سابقاً، ويهوذا.. قلبي عليك يهوذا! وكل يهوذا ! هاهو يتقدم ليدفع ثمن ما قبضه مقدماً من عملات أجنبية، أعني الفضية نظير بيعه للأفكار والشعوب والرفاق والأنبياء والأبطال، يا لرعبه ونظراته التائهة والذي صورها " الممثل " والمخرج والمصور والحركة البطيئة المرعبة، وفي محاولة يائسة منه للتراجع والهروب لا تمنحها له السلطة الأمنية والتي لا ترحم مرشيدها الخونة فدخول الحمام ليس كخروجه، فتدفعه بقسوة ليوقع علي خيانته بقبلة هي الموت له قبل الآخر، وهنا يتدخل الموسيقي العبقري بأجمل كلمة موسيقية في تاريخنا الشرقي بشجنها المبكي"ياليلي ياليل" و يا له من ليل باكاً عليك يا يهوذا، ونسمع الجملة الشهيرة الذي تثير فينا كل الخوف لئلا نكون مشاركين في ذلك العقد المخزي " أبقبلة تسلم أبن الإنسان". ونستكمل الأحداث حسب النص الإنجيلي ولكن روعة المخرج هو إمساكه باللحظات الغير متوقعة والتي تدهشك، هاهو يهوذا يهرب بعد فعلته المستحيلة.. وعين من باعه للسلطات الأمنية عليه في حزن وحباً وشفقة علي مصيره الذي ينتظره، في أجمل لحظة صنعها الممثل"جيم كافيزيل"... وأستشعرها في تشخيصه لدور المسيح والتي تكشف ببساطة جوهر وفلسفة رسالة المسيح وهي حبه اللا نهائي للبشرية الضائعة الخائنة.. والأحداث تسير كما النص المقدس.. ولكن لا يتركنا " ميل جيبسون" إلا ويتحفنا بلحظة جديدة مدهشة وهو رد فعل الجندي الذي قطع بطرس أذنه بسيفه فيشفيها يسوع في المعجزة الوحيدة التي قدمها المخرج علي استحياء ربما حني لا يتورط في أفلام الإثارة واللعب علي المشاعر الدينية المستهلكة والمتعطشة للعجائب دون جوهر وفلسفة الفكرة.. والمدهش هو أن الكاميرا تتبعت تلك الشخصية المهمشة ( ذلك الجندي) في القصص الإنجيلي ورد فعله ومشاعره في تلك اللحظة الذي شفاه فيها يسوع. فيا لروعة ذهوله.. وأسئلته الوجودية الحارقة والتي يعجز فيها عن الإجابة.

أن أهمية الفيلم الحقيقية هي كم الاستيعاب الذي نستعشره من المخرج للقصة المروية والشخصيات المختلفة وأحاسيسها الغير متوقعة والغير تقليدية، ومحاولة صناعة جدل حقيقي مع الشخصيات المهمشة في القصص الديني، ومحاولة اكتشاف لحظات ألمعية وخاصة تضيف لرؤيته وتثريها وربما هذه هي الإضافة الحقيقية علي مستوي الرؤية لفيلم جيبسون إضافة لروعة الديكوباج ( اختياره للقطات ومحتواها وزواياها وأحجامها..)، وإضاءة كادراته المختارة، إضافة لاختياره للغة الحوار بأن تكون اللغة الآرامية القديمة ذات الجذور العربية والذي كان يتكلم بها المسيح في ذلك الوقت، والتي أطعمها المخرج بخلفيات موسيقية شرقية وعربية ومواويل( ياليل ياعين ) مخلوطة بموسيقى جنائزية والتي امتزجت بتنهدات المسيح وزفراته.
كل هذا ربما يجعل فيلمه يصمد أمام تاريخ ذاخر من الأفلام التي صنعت عن هذه الشخصية(المسيح)والتي أثارت الكثير من الجدل الحقيقي من جديتها وحجم الإشكاليات الفكرية والفلسفية التي طرحتها، وجرأتها علي مستوي المضمون والتي أثارت عليها الكثير من الهجوم،
ومن أمثلة هذه الأفلام الهامة والتي تتفوق بمستوي رؤيتها وعمقها وعلاقتها بالقضايا الإنسانية العامة والجادة، ومناقشة الفكر الديني ونقده وإثارة الأسئلة حوله دون اختزاله في عملية تقديمية، وبذلك تتعدي فيلم جيبسون رغم كل إنجازاته ونجاحاته والذي قدم فيلماً يتفق مع الرؤى الدينية الشائعة، والتي تنم عن إيمانه الخاص. فهو ببساطة فيلم محض ديني.
ومن الأفلام التي أثارت الجدل بسبب رؤاها المتجاوزة..
من أهمها "أكبر قصة لم تخبر بعد" لجورج ستين عام 1965،
و"يسوع المسيح سوبر ستار" لنورمان جويزون عام 1973، الذي أخرجه عن المسرحية الغنائية التي حملت الاسم نفسه، وظلت تعرض على مسارح لندن وبرودواي لأكثر من 12 عاما متصلة.
هناك فيلم المخرج بيار باولو بازوليني الذي أخرجه عام 1964 والذي يعتبر من أهم الأفلام التي امتزجت فيه الرؤية الدينية والهموم الحقيقية والقضايا الإنسانية الفكرية الواقعية (قبل عرض هذا الفيلم في مصر اعترضت الكنيسة الكاثوليكية فاكتفت شركة التوزيع بعرضه في نادي السينما‏). بازوليني أهدى فيلمه المعنون بـ "إنجيل متى" إلى "ذكرى البابا يوحنا الطيبة"، لكنه أثار جدلاً لما تضمنه من مشاهد جعلت صورة المسيح تلتصق بالفكر الثوري وبطبقة البروليتاريا في العالم الثالث في سياق رؤية بازوليني الاجتماعية والفكرية كداعية ترتبط دعوته إلى قيم روحية جديدة بالدعوة الاجتماعية إلى تغيير أوضاع الفقراء والبسطاء والمهمشين والبؤساء وسعيهم إلى خلق مجتمع جديد، وهي الآراء التي اعتبرها الأصوليون المسيحيون المنعزلين عن تراجيديا الحياة البشرية بعالمهم الديني المنفصل عن الواقع تحريفا وتشويها لصورة المسيح، وربما لغرض في نفوسهم أو خوفاً علي استقرار مصالحهم المادية!!!.
كل ذلك كان في جانب وفيلم "الإغواء الأخير للمسيح" في جانب أخر، وهو الفيلم الذي أخرجه مارتن سكورسيزي عام 1988 عن رواية لكزانتزاكس، والذي قدم فيها المسيح علي الصليب في "تجربة أخيرة أو الإغواء الرابع"من العدو التقليدي أو المقاوم، في فرضية متأملة، ماذا لو ترك "يسوع" أو أي مناضل أخر نضاله وقفز من علي صليبه لينعم بالحياة الإنسانية العادية والمغرقة في العادية، كيف تكون حياته؟ وهنا يدخل المسيح وفي رواية "كازنتزاكس" في تجربته الجديدة والفريدة، وتأمل مصور بالأحداث والمواقف في تجربة الحياة الإنسانية دون قضايا، دون رؤية نضالية للحياة، فنري المسيح يتزوج ويمارس الجنس وينجب الأطفال،ويختبر موت الأحباب والعجز الإنساني أمام الموت والشيخوخة، ولكن دون الدور الذي كان لابد أن يحيياه.. وهنا تتطور الأحداث ومع مخرجنا سكورسيزي لنري ونشعر بتفاهة قيمة الحياة دون النضال وذلك الدور الواجب فعله، ولو كنا معلقين علي أي صليب، وهكذا يكتشف المسيح تجربته الغارقة في العادية، فيصرخ لأبيه ليرجعه لحياة الاختيار والحرية، حياة المسؤولية، ألي الصليب، وتدور الكاميرا لنكتشف في نهاية الفيلم أن كل هذه الأحداث ربما لم تكن حقيقية، وأنها كانت مجرد تأمل ما أو لحظة إغفاءة رأي فيها يسوع إجابة علي صرخته الوجودية الحارقة " أبي أبي لماذا تركتني؟" بل وربما إجابة علي كل الصرخات والأسئلة المشابهة في وجدان الإنسانية جمعاء، التي حدثت والتي ستأتي فيما بعد علي مر التاريخ.
والجدير بالذكر أن وقت عرض الفيلم قامت جماعات مسيحية بالاعتداء على عدد من دور العرض وانفجرت قنبلة بإحدى دور العرض في باريس، وأقيمت دعاوى قضائية عديدة ضد الفيلم ومخرجه في كثير من الدول بينها بريطانيا التي لم تجز عرض الفيلم بنسخته الكاملة إلا بعد فترة طويلة نسبيا ". وأن دل هذا فلا يدل إلا علي فقر الرؤى الدينية المقدمة من خلال المؤسسات الدينية التقليدية، وعجزها علي أن تسأل أسئلة الإنسان الحقيقية.
وعام (1989) قدم المخرج الفرنسي- الكندي دينيس أركان فيلمه "مسيح مونتريال" وهو عمل بصري أصيل غير مسبوق، يحاول من خلاله كشف تناقضات ثقافة كاملة وانهيار العلاقات الإنسانية وتفككها في الغرب بشكل خاص وفي العالم بشكل عام، في ظل النموذج الحضاري المادي الاستهلاكي المقدم. كما أن تاريخ السينما يحفظ لنا أن المنظمات اليهودية ثارت على المخرج الأمريكي "ديفيد جريفيث"؛ لأن فيلمه الذي تناول أشهر جرائم التعصب في التاريخ ضم مشهدا يصور المسيح وهو يُدقّ بالمسامير في الصليب على أيدي اليهود، إلا أن فيلم جريفث كان أقرب للتسجيلية، إضافة إلى أنه لم يصمد طويلا أمام ضغوط اللوبي اليهودي وضغوط وتهديدات المصالح المالية والصناعية التي تجاوز نطاق تهديدها المخرج ليشمل المؤسسات التي عملت في الفيلم ومن أجازوا عرضه، بل والرئيس الأمريكي نفسه، وهكذا...، لم يكتفِ جريفيث بحذف المشهد بل قام بحرقه!!

كل هذه الأفلام وغيرها خرجت عن السياق والسائد وبشكل ما قدمت ما هو يناقش ويتلامس مع القضايا الإنسانية المختلفة، ويختلف في رؤيته الإبداعية مع ما هو متوقع، ليفتح اتساعاً ورحابة في سقف جدل السائد والمستقر، لعله يكتشف أراضي جديدة في وعي وإدراك التجربة الإنسانية الفكرية كانت أو الروحية.
إن كل هذه التجارب السابقة العرض والتحليل تفتح النار علي " جيبسون" نار الأسئلة الفكرية والفنية عن المحتوي والجدوى، عن أهمية الفن المؤدلج أو المروج لفكرة ما دون تجربة حية معاشة، ليست سابقة التجهيز أو جاهزة الحسم أو الجزم، سواء كانت دينية أو نظرية سياسية..إلخ

ورغم ذلك إذا قبلنا كون فيلم "جيبسون" يعبر عن أرائه ورؤيته الدينية، والتي يجب أن نقبلها بعمقها في سياقها دون تحميلها ما لم تنادي به.. أو تدعيه.
علينا أن نكمل ما رأيناه من الفيلم في مضمونه وسياقه ونناقشه من الناحية الفكرية والفنية في سياقه المعلن، ومدي نجاح الفيلم في توصيله خطابه الفني الفكري أو عجزه وفشله في تحقيق أهدافه.

لن أطيل عليك قارئي العزيز، يستمر الفيلم في طرحه الكتابي الإنجيلي.. ولا يسلم الأمر من بعض الفرضيات الدرامية المثرية لرؤية الفيلم، مثل وضع يهوذا بعد السقوط في تجربة اليأس القاتلة، تلك التجربة الإنسانية القاسية عندما يفقد احترامه لذاته، وعندما يسقط في جرم ممقوت، وتبدأ المحاكمات الكاذبة، محاكمات التدليس المزيفة سابقة الحكم.. نتذكر منها محاكمات فلاحي دنشواي وجميلة ابو حريد، وعمال المصانع البقري وصاحبه..!
وتغسل الأيادي.."دمه.. "دمهم" عليهم وعلي أولادهم" تلك الجملة الشهيرة والتي لم تكتب في شريط الترجمة رغم ذكرها بالآرامية والمعركة التي فشلت فيها حرية الفكر والإبداع في أمريكا والمتمثلة في جيبسون" في استكمالها وخوضها للنهاية أمام ضغط اللوبي اليهودي وقواته الاقتصادية والإعلامية والانتخابية كذلك، ويا ليتنا نتعلم منهم تلك القدرة في الذود عن مصالحهم وإصرارهم وإخلاصهم حتى في تزيف التاريخ..والعقول.
لننتقل لأفظع وأفزع مشاهد في تاريخ السينما.. والذي شحذ فيها "جيبسون" كل عبقريته وحرفيته التكنيكية الهوليودية ليصنع مشاهد التعذيب والعنف والجلد، القهر والتبلد والقسوة الإنسانية لجلادي الزنازين المغلقة.. لنري ونتخيل ببساطة وبكل إمكانيات السينما العالمية الهوليودية الأمريكية.. ما لم نراه بأم العين من أفعال مزرية في سجن "أبو غريب" وغيره، وذلك بالطبع بعراق ما قبل صدام، وما بعد صدام.. علي يد العلوج الصداميين والأمريكان، وغير الأمريكان في سجوننا المحلية القومية والعربية وخلافه، وربما هي تلك الحسنة الوحيدة التي تحسب"لجيبسون" في ذلك المشهد الطويل المعذب للنفس البشرية بجوار محاولته الأكيدة والدينية الهدف في وضع المتلقي في حالة معايشة كاملة لألام المسيح وعاطفته العميقة وإصراره في "أن يصنع كل شيء جديداً" بموته وفدائه للبشرية وحمله لخطاياهم وقيامته أي انتصاره علي ذلك المقاوم اللدود أو الحية القديمة، وربما هنا سقط جيبسون دون أن يقصد ربما في حالة من الابتزاز العاطفي للمشاعر الدينية والإنسانية.. إذ حصر أغلب الساعات الرهيبة والأخيرة والذي قدمها علي تلك "الآلام" دون التطرق بشكل كافي لمقدمات تلك الأحداث الدامية والقضايا الفكرية والروحية التي طرحها وأسباب صراع بطله المعذب المصلوب، وربما اعتمد -في قصور وعي منه- علي أن جمهور الفيلم لابد أنه يعرف ما قد أختزله من أفكار وأحداث هامة في حياة شخصيته التاريخية المقدمة، مما أحدث تساؤلات حادة عند المشاهدين وخاصة في منطقتنا الكريمة والغير قارئين لثقافات الآخر( أحد عنصري الأمة)، والذي هو جزء من تاريخ وثقافة وذكريات هذا الوطن القبطي سالفاً، والمستبعد الذكر والهمس به في كتب تاريخ وزارة التعليم..وطبعاً ده حرصاً علي الشفافية!!

ربما حاول جيبسون بنقلاته الفريدة من حالات التعذيب بالفلاش باك لبعض المواقف الهامة في حياة يسوع.. ولكنه لم يقدمها بشكل مستفيض ليجعل المشهد ملماً بمقدمات ما يحدث أمامه من أحداث مفجعة،
مريم الأم ها هي تتذكره في إنسانيته الرقيقة وضحكاته وقبلاته.. بينما ينهار أبنها علي الأرض غارقا في دمائه..
وفي لحظة أوفيلية" أوفيليا- هاملت" وهي في لحظة شبه هيستيرية تمسح دماء أبنها المسفوك.. في أعظم مشاهد ورؤى قدمت عن عظمة هذه الأم.. وتحملها وخضوعها لمشيئة الإله فيما يحدث لأبنها المعذب..
ها هو يسوع يحمل صليبه.. يسير في طريق الآلام.. يقع علي الأرض تجري الأم عليه ليذكرنا الفلاش باك بالأمومة العظيمة
وحضورها الدائم بجواره، فيقول لها " سأصنع كل شيء جديداً" في إضافة فريدة ونادرة في السيناريو دون الالتزام الحرفي بالنص المقدس.. ليعلن أن موت المناضل ليس النهاية بل يكون دائما من أجل أن يصنع من جديد كل شيء جديداً..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب