الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرانكفونية: إيديولوجية استعمارية في عهد ما بعد الكولونيالية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


1- حول سؤال النشأة
استعملت كلمة الفرانكفونية بإحالة وصفية خالصة؛ منذ 1880؛ و ذلك على يد الكثير من الجغرافيين؛ لكن تحول الكلمة إلى مصطلح يحيل على دلالة مركزة؛ لم يتم إلا مع الجغرافي الفرنسي 1837- 1916 (onésime réclus) و ذلك بعد الحرب العالمية الثانية ؛ في عدد خاص من مجلة( esprit) سنة 1962 .
Wekipédia francophonie / historique
لكن هذا المصطلح لم يعرف انتشاره الحقيقي و الواسع؛ إلا مع الزعيم الإفريقي «ليوبولد سيدار سنغور».Léopold Sédar Senghor . الذي شغل منصب رئاسة السنغال مباشرة بعد خروج فرنسا؛ و هو خريج الأكاديمية الفرنسية؛ التي تأسست خلال مرحلة القرن السابع عشر على عهد لويس . XIIIو كان عملها متمركزا حول ترسيخ اللغة الفرنسية و نشرها عبر العالم؛ و تعتبر هذه الأكاديمية البداية التأسيسية للمراكز الثقافية الفرنسية؛ التي ستعمل فرنسا على نشرها عبر المعمور؛ و خصوصا في مستعمراتها السابقة.
و من خلال ارتباط اسم الزعيم الإفريقي (السنغالي) باسم هذه الأكاديمية؛ يمكن منذ البداية أن نستوعب الشكل الجديد الذي رسمته فرنسا لحركتها الاستعمارية؛ التي ستحولها إلى استعمار ثقافي؛ و هو في جوهره أقوى و أعنف من الاستعمار العسكري السابق؛ و ذلك لأن الهدف في الشكلين معا من الاستعمار؛ هو الهيمنة و الاستغلال الاقتصادي.
و إذا كان الشكل الأول من الاستعمار واضحا و قابلا للمقاومة المسلحة؛ و هذا ما تم حتى اندحر؛ فإن الشكل الثاني من الاستعمار يعتمد قفازا حريريا؛ و لذلك يتمكن من التسلل خفية؛ و يحقق أهدافه الإستراتيجية بكل أمان؛ بل و بمساعدة من المستعمر (بفتح الميم).
هذا الطابع الاستعماري لمصطلح الفرانكفونية؛ كما وضعه الجغرافي الفرنسي و روج له الزعيم الفرانكفوني السنغالي؛ هو ما يعلن عنه صراحة الطابع الإتمولوجي لكلمة فرانكفونية francophonie حيث نجد المعجم الفرنسي يتعامل مع الكلمة من منظورين:
- المنظور الأول: حينما تحيل الكلمة على المتكلم للغة الفرنسية (من دون شرط الانتماء إلى دولة تنتمي إلى الفضاء الفرانكفوني )؛ و في هذه الحالة يكتب الحرف الأول من الكلمة بشكل مصغر minuscule على الشكل التالي: francophonie
- المنظور الثاني: حينما تحيل الكلمة على من ينتمي إلى بلد فرانكفوني –و هو بالضرورة يتكلم الفرنسية من منظور المعجم الفرنسي- و ينتمي كذلك إلى بلد عضو في المنظمة العالمية الفرانكفونية. و في هذه الحالة يكتب الحرف الأول من الكلمة بشكل مكبر majuscule على الشكل التالي: Fracophonie
Wekipédia : francophonie / description du terme
و يحيل هذا الطابع الإتمولوجي للكلمة على أبعاد إيديولوجية؛ تتجاوز ما يروج من طرف الفرانكفونيين؛ من أن الفرانكفونية تسعى إلى ترسيخ التبادل الثقافي و اللغوي بين الحضارات و الشعوب؛ بعيدا عن أية خلفيات أخرى !!! فالمعجم الفرنسي واضح في هذا الأمر؛ عندما يريد استعمال الكلمة بمعناها اللغوي (نسبة إلى متكلم اللغة الفرنسية) من دون خلفيات إيديولوجية؛ يرسم الكلمة على الشكل الأول. لكن الأمر مختلف جذريا عندما يرسم الكلمة على الشكل الثاني؛ حيث تفوح رائحة الإيديولوجية حتى تزكم الأنوف؛ إلا للذين عدموا حاسة الشم –طبعا- !!!
و لعل المعنى الحقيقي للفرانكفونية؛ هو ما يحمله الشكل الثاني؛ لأن ظهور الكلمة و تحولها فيما بعد إلى مصطلح دقيق؛ ارتبط بفترة انسحاب فرنسا من مستعمراتها السابقة؛ تحت ضربات المقاومة المسلحة ( و خصوصا في المغرب العربي)؛ و لذلك تبلور المصطلح بهدف تحويل الخطة؛ من استعمار عسكري إلى استعمار ثقافي؛ يمر عبر الاختراق اللغوي . لكن الإستراتيجية ظلت هي نفسها؛ الخروج من الباب و الدخول من النافذة.
لقد كانت فرنسا واعية تمام الوعي؛ بأن تحقيق الاستمرارية؛ في بسط الهيمنة على مستعمراتها؛ لا يمر بالضرورة عبر التواجد العسكري؛ و لكن قد يكون الأمر أقل كلفة و أكثر ربحا؛ من منظور الاستعمار الثقافي. و ما دامت اللغة هي المدخل الرئيسي في أي استعمار بهذا الشكل؛ فإن الأمر كان يتطلب التفكير في الوسائل اللازمة لفرض اللغة الفرنسية على المستعمرات؛ إما كلغة أولى (السنغال مثلا)؛ أو على الأقل كلغة ثانية (نموذج دول المغرب العربي).
و إذا كان التحكم في الأجساد يمر عبر التحكم في العقول و الأرواح كما كان يروج دهاقنة الاستعمار؛ فإن أسهل وسيلة لتحقيق هذا الهدف؛ هي الاختراق اللغوي؛ و يمر ذلك عبر تقديم اللغة الفرنسية على طابق من ذهب للمستعمرات القريبة العهد باستقلالها الشكلي؛ باعتبار اللغة الفرنسية لغة الحضارة و لغة الإنسان الأبيض؛ الذي قدمه الاستشراف باعتباره مركز العالم .
و إذا كانت اللغة هي المدخل الرئيسي لتشكيل الهوية؛ فإن فرنسا؛ و عبر اختراقها اللغوي للمستعمرات السابقة؛ كانت تضرب عصفورين بحجرة واحدة؛ فهي من جهة تسعى إلى تكسير هويات المستعمرات؛ حتى تشل حركتها على المقاومة؛ لأن الجسد المقاوم هو فكر و روح متماسكين دينيا و لغويا و ثقافيا ... و من جهة أخرى كانت تسعى إلى تعويض هذه الهويات بالهوية الاستعمارية البديلة؛ و الهدف الاستراتيجي هو –طبعا- تحقيق السيطرة على المستعمرات لأطول وقت ممكن؛ من خلال تحقيق استمرارية استغلالها اقتصاديا؛ سواء كمناجم للمواد الأولية و أيدي عاملة رخيصة؛ أو كسوق استهلاكية واسعة؛ تفتخر فرنسا بأنها تضم أكثر من 200 مليون مستهلك.
( و للحديث بقية ) ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ممتاز
صفاء ابراهيم ( 2010 / 5 / 19 - 18:44 )
مقال ممتاز
نحياتي


2 - الفرنكفونية واحدة من اخواتها .
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 5 / 19 - 18:53 )
موضوعكم شيق ، وقابل للإسقاط على اديولوجيات سابقة ولاحقة ، وأكثرها بروزا في شمالنا الإفريقي الاديولوجية العرويية ، وهي لا تختلف في كثيرها ولا في قليلها عن الأديولوجية الفرنكفونية أهدافا وأساليب ، غير أن الأولى اعتمدت على بسائط قدسية ( دين ، لغة) يصعب محاربتها من قبل الأجداد لأيمانهم المفرط الساذج ، وهكذا أصبحنا عربا من حيث ندري أولا ندري ، وأصبحنا قوما إمعيا مصفقا للغير . والثانية بائنة حاربناها جهارا نهارا وأنهيناها، ورغم التحرر الظاهر إلا أن التبعية للعروبية والفرنكفونية ما زال قائما ، وهو ما أنتج هويه مركبة ومعقدة لأهالينا فهم أمازيغ جسدا وأرضا ، وعرب وفرنسيس لغة ،إن هويتنا انبنت على الغريب الدخيل أكثر من انبنائها على الأصيل.
تحياتي لصاحب المقال .


3 - وماذا عن الارابوفونية
الشهيد كسيلة ( 2010 / 5 / 21 - 12:46 )
كل ما جاء في المقال عادي وطبيعي
فكل بلد يسعى الى رعاية مصالحه وتوسيعها
اما السؤال الذي ينبغي طرحه فهو هل تحتاج فرنسا الى اللغة العربيةلان المسالة عرض وطلب بينما يحتاج العالم العربي الى اللغات الحية ومنها الفرنسية التي لها فضل كبير في نقل الحضارة الحديثة اليه (العالم العربي)
ويوم تحتاج فرنسا الى اللغة العربية او غيرها من اللغات ستستخدمها وهي جديرة بذلك والدليل القسم العربي في تلفزيون Fr 24

اما اقران الفرنكوفونية بالاستعمار فهي لعبة بعثية مكشوفة منتهة الصلاحية تسعى الى حرمان ابناء تلك الشعوب من ادوات اللحاق بالعصر واولها اللغات الحية ومنها الفرنسية

ولا تعدو ان تكون من باب احكام القبضة على الشعوب المسماة عربية لابقائها رهينة قفص الثقافة البدوية الاعرابية


4 - الخلفية الإيديولوجية للفرنكفونية
إدريس جنداري ( 2010 / 5 / 21 - 14:11 )
كلما تم الحديث عن الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي إلا و تثور ثائرة الأمازيغوفونيين ؛ الذين يعتبرون الخلفية الإيديولوجية للفرنكفونية في المغرب العربي؛ تستغلهم فرنسا أبشع استغلال في الدفاع عن مصالحها في مستعمراتها السابقة. ولعل أوضح نموذج هو ذلك الذي يقدمه قبايليو الجزائر الفرنكفونيين؛ الذين تحالفوا مع اليمين المتطرف في فرنسا للضغط على الشعب الجزائري العربي الأبي للتنازل عن مطالبته باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية و هكذا أعلن الفرانكفونيون من فرنسا عن تشكليل (حكومة) المرتزقة الذين سيعملون على حماية مصالح فرنسا في الجزائر أكثر مما سيدافعون على مصلحة وطنهم
في الحقيقة لا يتشرف أي أمازيغي أبي بالانتماء إلى هذه العينة من المرتزقة الذين يهدون مصالح أوطانهم خدمة للمستعمر لأننا تعلمنا على يد المناضلين الامازيغ الشرفاء دروسا قوية في الانتعماء للوطن و محاربة كل ما يهدد مصالحه العليا. فمن المجاهد الكبير عبد الكريم الخطابي إلى أسطورة الأطلس الأمازيغي الابي موحا و حمو الزياني إلى البطل المغاربي الكبير عبد القادر الجزائري ...تعلمنا أن المغرب العربي الكبير قادر على مواجهة المرتزقة انتصارا للوطن


5 - ملاحظة.
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 5 / 21 - 20:28 )
لاأدري لماذا لم ينشر تعليقي، ولم أرى فيه ما يخالف القواعد، كل ما أردت قوله هو أن اللغة ليست معيارا للتخوين، فكثير من مفجري الثورةالجزائرية الخالدة حاربوا فرنسا بلغتها، وكثيرا ما قيل بأن الفرنسية هي غنيمة حرب ، وبالتوازي فالعربية بدورها وافدة،وهناك من يتشيع للشرق بإفراط ، وبين الطرفين أصبحت شمال إفريقيا خزانا لاديولوجيات مشرقية وغربية ، ولا يجوز الاستحواذ على الوطنية لأنها للجميع ، كل مافي الأمر وجود مصالح يتنافس عليها الخلق بلونونها بألوان قدسية مالها من سلطان.
تحياتي لصاحب المقال ، وأخرى للحوار المتمدن.

اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو