الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوليغارخيون أو: البتول التي تدهورت إلى الزنى

أوري أفنيري

2004 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


هذا مسلسل عن روسيا. غير أنه من الممكن أن يكون عن إسرائيل أيضا، أو عن الولايات المتحدة. اسم المسلسل: "الأوليغارخيون"، ويتم عرضه الآن على القناة 10.

يحتوي المسلسل على مشاهد لا يمكن تصديقها – لولا أن الحديث قد صدر عن ألسنة الأبطال ذاتهم، الذين يتفاخرون بأعمالهم المنحرفة. أما من أنتج هذا المسلسل فهم إسرائيليون من أصل روسي.

"الأوليغاخيون" هم مجموعة صغيرة من "المبادرين"، الذين استغلوا انهيار النظام السوفييتي لنهب كنوز الدولة وجمع غنائم ضخمة تصل إلى مئات المليارات. ليضمنوا استمرار نشاطاتهم، سيطروا أيضا على أجهزة السلطة. ستة من بين السبعة هم من اليهود.

الشعب الروسي يسميهم أوليغارخيين: من كلمة "أوليغوي" (باللغة اليونانية: قِلّة) و "آرخيا" (سلطة).

لقد كانوا، في الأيام الأولى من الرأس المالية الروسية، سريعي البديهة والجرأة، فقد عرفوا كيف يستغلوا الفوضة الاقتصادية والسيادية ليشتروا كنوزا بأبخس الأسعار كانت تساوي أضعافا مضاعفة: النفط، الغاز الطبيعي، النيكل والمناجم الأخرى. لقد استخدموا كل الحيل الممكنة ومن ضمنها الغش، الرشوة والقتل. لقد كان لكل منهم جيشا صغيرا خاصا به. هم يروون خلال المسلسل بفخر واعتزاز وبالتفاصيل المملة كيف فعلوا ذلك.

إلا أن الجزء الأكثر إثارة في المسلسل هو ذلك الذي يصف سيطرتهم على الحلبة السياسية. بعد أن حارب أحدهم الآخر وحاول كل منهم تدمير الآخر، قرروا أنه من الأجدى لهم أن يعملوا معا بهدف السيطرة على الدولة.

في تلك الفترة كانت شعبية الرئيس بوريس يلتسين آخذة بالتدهور. عشية انتخابات الرئاسة الجديدة كانت استطلاعات الرأي تظهر بأن شعبيته قد انخفضت إلى 4% لقد كان ثمل مدمن ومريض بالقلب، وكان يعمل لساعتين في اليوم على الأكثر. وقد أدار شؤون الدولة، بدلا عنه، حارسه الشخصي وابنته، مما أدى إلى تفشي الفساد.

لقد قرر الأوليغارخيون السيطرة على الحكم بواسطته. لقد كان لديهم أموال لا تأكلها النيرات، سيطرة تامة على كافة شبكات التلفزة وعلى سائر وسائل الإعلام كلها تقريبا. لقد جندوا كل هذه الوسائل لصالح حملة يلتسين الانتخابية ومنعوا خصومه من الوصول إلى التلفزيون، حتى ولو لدقيقة واحدة. لقد صرفوا أموالا طائلة. (هناك أمر لا يتناوله المسلسل: لقد أحضروا إلى موسكو بعض أبرز الخبراء والكوبيرايترات الأمريكية خفية، وقد استخدم هؤلاء أساليب لم تكن معروفة في روسيا حتى ذلك الحين).

لقد نجحت هذه الحملة: فقد انتخب يلتسين مرة أخرى، وأصيب بنوبة قلبية يوم انتخابه. مكث يلتسين بقية أيامه في الوظيفة في المستشفى، وكان الأوليغارخيون هم المسيطرون من الناحية الفعلية. أحدهم، ويدعى بوريس برزوفسكي، نصّب نفسه رئيسا للحكومة. صحيح أنه قد حدثت ضجة ما حين اتضح بأنه قد حاز في هذه الأثناء على المواطنة الإسرائيلية (كسائر الأوليغارخيين الآخرين)، غير أنه تخلى عن جواز سفره الإسرائيلي وسارت الأمور على ما يرام.

على فكرة، يتفاخر برزوفسكي خلال المسلسل بأنه قد تسبب في نشوب حرب الشيشان، التي قتل فيها حتى الآن عشرات الآلاف وتم تدمير بلاد كاملة. لقد كان معنيا بكنوز الدولة وبأنبوب النفط المزمع إقامته فيها. للوصول إلى هذا الهدف قام بتقويض اتفاقية السلام التي كان شأنها منح نوع من الاستقلالية لهذه الدولة. لقد أقصى الأوليغارخيون الجنرال ألكسندر لبد الذي تمتع بشعبية واسعة والذي توصل إلى الاتفاقية، ومنذ ذلك الحين تتواصل الحرب هناك.

في النهاية أتت الضربة المعاكسة: فلاديمير بوطين، من رجالات الكي جي بي، وهو رجل يتحلى بالصمت وبالصلابة وصل إلى السلطة، وسيطر على وسائل الإعلام وجز بأحد الأوليغارخيين (ميخائيل حودوركوفسكي) في السجن وحذى بالآخرين إلى الهرب (برزوفسكي يعيش في إنجلترا، فلاديمير جوسينسكي يعيش في إسرائيل ويبدو أن ميخائيل تشيرنوي يختبئ عندنا هو أيضا).

ولأن كل أعمال الأوليغارخيين كانت تتم بصورة علنية، هناك خطر كبير في أن تؤدي هذه القضية إلى تزايد اللا سامية في روسيا. يدعّي اللا ساميون بأن هذه الأمور تصادق على "بروتوكولات حكماء صهيون"، التي وصفت سيطرة اليهود على العالم. لقد كتبت هذه الوثائق المزيفة قبل مئة سنة في روسيا. إلى هنا قصة المسلسل التلفزيوني.

لقد حدثت مثل هذه الأمور في الولايات المتحدة – قبل مئة سنة ونيّف حين نشط "البارونيون-اللصوص" أمثال مورغان، روكفلر وغيرهم، بأساليب مشابهة وحازوا على أموال وقوة مشابهة. تتم هذه الأمور اليوم هناك بأساليب أكثر حنكة.

يجند المرشحون في الحملة الانتخابية الجارية هناك مئات ملايين الدولارات. جورج بوش وجون كيري يتفاخران بقدرتهما على تجنيد مبالغ طائلة. ممن؟ من المتقاعدين؟ من "تلك المرأة الأسطورية المسنة التي تنتعل حذاء التنيس"؟ بالتأكيد لا، بل من مجموعة من الملياردرات، الشركات الكبرى ومجموعات تتمتع بقوة كبيرة (تجار الأسلحة، التنظيمات اليهودية، الأطباء، المحامون وغيرهم). العديد منهم يقدمون تبرعا سخيا لكلا المرشحين معا – توخيا للحيطة.

كل هؤلاء ينتظرون، بالطبع، مقابلا لائقا بعد انتخاب مرشحهم. "ليست هناك وجبات مجانية"، كما قال خبير الاقتصاد اليميني ميلتون فريدمان. وكما هو الحال في روسيا، كل دولار (أو روبل) يتم استثماره في الانتخابات سيعود على المتبرعين بعشرات الأضعاف أو بمئات الأضعاف.

تكمن جذور المشكلة في حقيقة كون المرشح للرئاسة (ولأي وظيفة سياسية أخرى) مطالب الآن بدفع المزيد. تدور رحى الانتخابات بالأساس في التلفزيون والاستثمار المطلوب هو استثمار هائل. ليس مجرد صدفة أن يكون المرشحون في الولايات المتحدة كلهم ملياردرات بحد ذاتهم. لقد جنت عائلة بوش أموالا طائلة من العمل في مجال النفط (بمساعدة علاقاتها السياسية بالطبع). لقد تزوج كيري إحدى أثرى النساء في أمريكا، التي كانت متزوجة في الماضي من ملك الكتشوب هنري جون هاينز. ديك تشيني كان مديرا عاما في شركة كبيرة ويحصل الآن على امتيازات في العراق تساوي ملياردات. جون إدواردز المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس، جنى أموالا طائلة كمحام.

يتحدثون في أمريكا، بين الحين والآخر، عن "إصلاحات في مجال تمويل الانتخابات"، غير أن الجبل يتمخض دائما فتولد الفئران. أي من الأوليغارخيين غير معني بتغيير هذا الأسلوب الذي يتيح لهم شراء حكومة الولايات المتحدة.

أما في إسرائيل فإن الحديث عن "الأموال والسلطة" هي صرعة من صرعات الموضة الآن. أريئيل شارون وابنه مشتبه بهما بالحصول على رشوة كبيرة من مقاول ثري. لم يتم تقديم لائحة اتهام ضدهما بفضل المستشار القضائي الجديد فقط، الذي عينته حكومة شارون في أوجّ هذه الفضيحة. ما زالت هناك تحقيقات جارية بحق شارون وابنه فيما يتعلق بملايين خفية تم التبرع بها بأساليب ملتوية إلى صندوق الانتخابات الخاص به.

علاقة شمعون بيرس بالملياردات معروفة على الملأ، وكذلك الأمر الأموال الطائلة التي يرسلها مليونيرات من يهود أمريكا إلى اليمين المتطرف في إسرائيل. أحد الأوليغارخيين الروس هو من مالكي صحيفة "معاريف".

إن الضجة السياسية التي حامت حول وزير البنى التحتية الإسرائيلي قد فتحت بوابة على حقيقة كانت خفية حول وجود شركات دولية ضخمة تعمل في إسرائيل. إنها تحارب من أجل تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي - وهي صفقات بمليارات يتم فيها تجنيد عالم الإجرام، السياسيين والمحققين المستقلين. لقد وضح الكشف عن هذه القضية لمواطني إسرائيل أن هناك العديد من السياسيين لدينا أيضا، ومن أعلى الدرجات، تحولوا منذ زمن بعيد إلى عمال سخرة لدى الوصوليين الذين يتمتعون بقوة هائلة.

على هذه الحقائق أن تنبه دعاة الديمقراطية في إسرائيل كما هو الحال في روسيا، الولايات المتحدة والدول الأخرى. الأوليغارخية والديمقراطية لا تتماشيان. وكما قال محلل روسي في المسلسل التلفزيوني عما فعله الأوليغارخيون بالديمقراطية الروسية الجديدة: "لقد دهوروا البتول إلى الزنى".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و