الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة والمعادلات الصعبة

بدر الدين شنن

2010 / 5 / 20
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لقد كان ظهور المعارضة السورية ، لاسيما في طورها الثاني ، منذ اربعين عاماً ، تعبيراً عن الاستجابة لاستحقاقات ظروف تكريس الاستئثار بالحكم ، وممارسة الحكم بتجاوز حقوق المجتمع بتقرير مصيره واختيار قياداته في مؤسسات الدولة التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية ، وبقية الهيئات التمثيلية النقابية والاجتماعية ، وبتجاوز موازين العدالة القائمة على عقد اجتماعي د ستوري ديمقراطي . وقد تجذر هذا الوسم للفعل المعارض عبر الصراع الدامي والمؤلم مع النظام ، الذي أفضى إلى الانقسام السياسي التناحري بين أهل النظام وبقية المجتمع . حيث بات با ستطاعة المراقب القول ، أن سوريا ، حقاً ، منقسمة إلى نظام ومعارضة . أو القول ، أن كل من ليس مع النظام ، هو معارضة .

وبذلك كبرت المعارضة كمفهوم سياسي ، وكضرورة موضوعية تاريخية . وامتد قوسها الافتراضي إلى ما هو أبعد من حجم تعبيراتها التنظيمية وحجم تجلياتها الحركية . على أنه رغم ذلك ، فإن المعارضة كطيف عام عريض ، اكتسبت ، نتيجة تغول الأجهزة الأمنية إزاء الآخر المعارض ، ونهب المال العام ، وإفقار الشعب ، وارتفاع الأسعار الجنوني المتوالي ، إكتسبت هالة من المشروعية الشعبية الثابتة ، وإكتسبت التضحيات في صفوفها التضامن والاحترام .

وعند تظير المشهد السياسي المنقسم إلى ضفتين ( نظام × معارضة ) نجد أن ضفة المعارضة تضم قوى اجتماعية طبقية ونخب وفئات وشخصيات سياسية وثقافية ، تشكل فيها الطبقات الشعبية المتضرر الأكبر من نهج النظام القمعي ومن التمايز الاجتماعي الطبقي الحاد المتوحش المفقر لها والمجوع والمؤلم ، كما تشكل هذه الطبقات الحامل الاجتماعي السياسي الأعظم لبرنامج تغيير ديمقراطي بديل . وقد كان ينبغي للفعل المعارض الوطني الديمقراطي ، الجاد ، أن يأخذ هذه البنية العضوية للمعارضة بعين الاعتبار والإلتزام بمقتضياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية الراهنة والمستقبلية ، وذلك احتراماً لحقوقها ، ومن أجل ضمان أن يفتح ذلك في المجال أمام المعارضة لتحصل على رصيد قوة شعبية وا سع ، يمكنها ، من التحصن ضد مؤثرات إرهاب القمع وضد مفاعيل الزمن الجبرية ، ومن الوصول إلى أهدافها .
أي أن ’تقرأ الخرائط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد والمعارضة ، على ضوء حقيقة أن مصالح هذه البنية تعبر في اللحظة التاريخية عن مصالح المجتمع ، إن في ا ستحقاقات الراهن أو آفاق المستقبل .

بيد أن الخيارات المعارضة التي برزت إلى السطح كانت غير مطابقة للواقع الموضوعي البنيوي المعارض ولمستلزماته الحركية . فانطلق التيار الاسلامي السياسي ، مستخدماً الطائفية والسلاح ، لاسقاط النظام .. وفشل . وانطلقت النخب السياسية والثقافية مستخدمة البيانات والندوات والعرائض والمحاضرات ، ل " تغيير النظام " على طريقتها السلمية المتدرجة .. وفشلت . وانطلقت في زحمة الرصاص والبيانات شخصيات وعناصر وفئات ، ذات هوى وجذور خارجية ، مستخدمة المسرح المعارض لأهداف خارجية تحت عنوان ا سقاط النظام .. حتى ذهب أحدهم " فريد الغادري " إلى إ سرائيل كمعارض للتنسيق معها ، وذهب غيره للقاء مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي في واشنطن للغاية ذاتها .. وفشلت .

وكان تجاهل المفاعيل المتناقضة لهذا اللاتجانس في خلفية وأهداف قوى وفئات وشخصيات الطيف المعارض ، عند اعتماد تشكيل التحالفات ، هو السبب الرئيس في تشوش وارتباك الفعل المعارض ، الذي ا ستثمره النظام لصالحه جيداً ، وهو الكامن وراء العجز في حل المعادلات الصعبة والاستحقاقات المطروحة . لاسيما معادلة ( العلنية والسرية ) لتأمين تواصل الحركة في مواجهة نظام ليس عنده إزاء الآخر المعارض ، في واقع موازين القوى الراهن ، سوى القمع ، ومعادلة النخب والطبقات الشعبية ، الداخل والخارج ، الوطنية والديمقراطية ، اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية ، الوحدة والتعددية في التحالفات ، العام والخاص في الطروحات السياسية والشعاراتية . بمعنى ، أن المعارضة المعنية قد أهملت الطبقات الشعبية . وحاولت التعويض عن تغييب رصيد القوة الشعبي في الداخل بالاعتماد على دعم هيئات وقوى خارجية ، معظمها لها خلفيات ملتبسة . ووقفت إجمالاً موقف المشكك بالمقاومة في صراعها مع العدوان والاحتلال . وراهنت على ليبرالية النظام الاقتصادية وصولاً ل " الديمقراطية " على حساب الآلام الاجتماعية . وحاول بعض رموزها ، أن يجرها إلى مواقف غير مقررة ، وغير مطابقة للخط الوطني الديمقراطي .

وقد انعكس ذلك خاصة في بناء وحراك و مآلات جبهة الخلاص وإعلان دمشق . وقد عززت هذه المآلات القناعة ، أن أكثرية قيادات المعارضة لم تكن عاجزة عن حل المعادلات المطروحة ، وإنما كانت مصممة عن عمد ، على خلفية انتماءاتها الاجتماعية السياسية ، على ممارسة الفعل المعارض تحت سقف تقاطعات اقتصادية مع النظام ، من أجل انتزاع حقها كنخب سياسية بالمشاركة في السلطة . كما عززت عدم القناعة لدى القوى الشعبية بهذا الشكل من المعارضة ، وباتت تنتظر .. تبحث .. تخطو هنا وهناك .. لايجاد بديل لهذه المعارضة . بديل ينهج بحق معارضة جذرية للنظام .

لهذا ، احترماً للعقل ولقيم الحرية والعدالة والكرامة ، لابد من مطابقة المسميات بأسمائها ، وتوصيف الأحداث كما هي دونما تأجيل أو محاباة أواعتبار . فاللاتجانس السياسي والاجتماعي في بنية المعارضة التاريخية المعنية ، الذي جاء في مرحلة التشكيل الأخير الصعبة ، كاد أن يتحول من اللامعقول إلى المألوف .. ومن المألوف إلى واقع مشروع ، ويحاول أن يتموضع ويتكرس عبر الممارسة في الوعي الجمعي المعارض كبديل أوحد للنظام .

إن ما يطرح الآن من قبل البعض من داخل المعارضة ، حول عجز أو فشل المعارضة ، وحول سبل إعادة بنائها ، يحدد المعارضة بالقوى المعارضة التي برزت على السطح تاريخياً ، وتمثلت بأطر وتجمعات ، حملت أو تحمل أسماء مثل جبهة الانقاذ سابقاً ، وحالياً التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة الخلاص وإعلان دمشق . بينما المعارضة كطيف معارض لنهج النظام هي أوسع من ذلك بكثير ، هي الشعب المقهور أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ، وإن لم تظهر له بعد تجليات كبرى في الفعل السياسي المباشر ، إلاّ أنه كان ومازال المصدر الذي ينمح الطاقة لكل المفاعيل المعارضة لقوى النظام القهرية . وهذا الطرح يحمل أخطاء متعددة ..

الخطأ الأول ، عندما ’تحصر المعارضة بالقوى والعناصر " التاريخية " والمستجدة التي تصدت لمهام المعارضة بالأسليب الفاشلة ، أو المدانة ، و’يراهن حتى الآن على إمكانية قدرتها على تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي ، وهي " أي هذه المعارضة " بما هي عليه من بنى ورؤى وخلفيات غير متجانسة . لايجمعها سوى الديمقراطية " بعامة " أمام العامة ، والديقراطية " الخاصة " أمام الخاصة . أي أن تكرر وتستنسخ المعارضة ذاتها .

الخطأ الثاني ، عندما ’يحكم على المعارضة إجمالاً بالفشل ويتم تحديدها بحركة شخصيات ورموز . أي شخصنة المعارضة وربط مصيرها بالعمر المادي لهذه الرموز والشخصيات .

والخطأ الثالث ، عندما ’تدعا المعارضة ، تحت سقف النظام الاستبدادي القائم ، إلى المشاركة في الانتخابات العامة ، نقابات مهنية وتشريعية والتجمعات التي " لا تتعارض " مع المشروع الوطني الديمقراطي ، وإلى المنابر " الرسمية " والخاصة المدنية والأهلية . على خلفية " أن الدعوة إلى الدولة المدنية لايعني إ سقاط حزب البعث الحاكم ولايعني إ سقاط النظام . أي الدعوة إلى التسليم بالواقع الراهن دون أي تعديل في بنية النظام ومكوناته ، والعودة إلى المربع الأول في بداية الثمانينات من القرن الماضي ..

كيف يمكن ، مع الاحتفاظ للبعض بحق حسن النوايا ، أن نفسر هذه الحال البائسة في الفعل المعارض ؟ ..

أعتقد أن السؤال لن يبقى معلقاً طويلاً .. والمطلوب ، لابد أن ينعكس في حراك معارض جديد ، ستحدده الطبقات الشعبية المفقرة والمهمشة والنخب السياسية والثقافية الملتزمة بشرف ، با ستحقاقات الحاضر والمستقبل .. الوطنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط