الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجليد الساخن

فاتن الجابري

2010 / 5 / 21
الادب والفن



لون صباحي مكسو بالبياض، الثلج يحاصر المدينة، منذ أيام الأشجار والمباني والسيارات والطرقات تصحو متدثرة بالبياض .
تنتشي الأرواح ويتراقص الأطفال فرحا، تتثاقل حركة الناس محتضنين الدفء، مترقبين ذوبان الجليد بابتسامة خجلى من شمس تضطجع بخفر خلف الغيمات المدلهمة بندف الثلوج المنهمرة صباحا ومساء، أنا وجيسكا يغمرنا دفء اخر حد التشظي في عتمة أغترابي بين أحضانها، ارفس ايام ماضية مثقلة بالأوجاع أتلذذ باللحظة الآتية كافرا بالقادم الضبابي .. جنونها.. فتنتها.. طراوة جسدها الابيض الذي لوحته أشعة التسمير فوق البنفسجية.. متوهجة بالحب.. تغترف من ينابيع الاشتعال.. متوقدة
تلهب قلبي سعيرا، توقد جذوته كلما يدب الوهن والسأم إليه، أتسلل خارجا من مخدعها.. تتبعني سبابا وصفعا تلك المعتوهة جيسكا استعبدتني منذ تعرفت عليها قبل ستة شهور في موقف الحافلة ذات صباح..
كنت اتابعها كل يوم من شباك غرفتي في سكني المشترك مع ثلاثة شبان عرب .
أتربص ساعة خروجها الصباحي إلى العمل.. أترقب فرصة طال مجيئها لركاكة لغتي الألمانية، طوال شهور وأنا أبكم باستثناء كلمتي التحية والوداع، وبهاتين الكلمتين وطأت القلاع وعبرت حصون وأسوار الحضارة الباذخة، إمتلكتها.. لا هذا كذب! الحقيقة هي من تملكني.. أعود منساقا لطوفانات رغبتها الجارفة بلا انتهاء.. أرمح في جحيم لياليها.. الصاخبة بالجنون والنزوات..ترمقني الموظفة بالاتهامات من خلف نظارتها، أنت من فعل بها هكذا ؟
تثبت بصرها على شاشة الحاسوب، تقرأ ملفي الشخصي، تنظر إلى جيسكا بإشفاق، ضحية هذا الكائن الغريب القادم من دهاليز العالم الثالث يقود تلك الجميلة الناعمة إلى عالمه الشرقي كمعزة مسالمة، تسير خلفه كجارية تتعثر بعباءتها السوداء الفضفاضة وعصابة رأسه المضحكة، تترجم أسئلة تلقيها علي من خلف نظارتها المستطيلة
ـ لم تود السكن مع الأنسة جيسكا شنايدر ؟
ـ لأننا متزوجين.
ـ عقد زواجكما لم يثبت لدى المحكمة الألمانية.
ـ عقد قراننا شيخ المسجد، فأصبحنا زوجين.
ـ هل تفكر في تصديق عقد زواجكما لدى المحكمة ؟
ـ ربما في الأيام المقبلة.
في الحافلة الطويلة، جلسنا متلاصقين، كنت شاردا أتابع تدفقات الصاعدين وجيسكا تضغط على أصابعي بقوة وتغرز أظافرها في لحم فخذي، تدنو من شفتي لتقبيلهما، أجفل وأعيد رأسي للخلف، أرمقها بغضب، تبتسم، تلك هي جيسكا! لاتكف عن نزقها الاحمق، تريدني كل لحظة وتشتهيني في أي مكان . تعشق سمرة جسدي وتذوب بعنفوان فحولتي، الايام معها تمضي كأني أقبض على جمر، أو اسير على حبل من ورق اتأرجح بين سكونها وحالاتها الجنونية التي تتفجر فجأة ، تقذفني بالسباب ملقية حقيبتي خارج الشقة.
ـ حسنا لن أعود اليك أيتها الكلبة المسعورة.
ـ ستعود أيها المتشرد كما المرات السابقة.
ـ لن تري وجهي بعد اليوم.
ـ ستقاسم صديقك الشاذ غرفته القذرة أذن، أقفز فوق درجات السلم، أدفع الباب بقوة، أنهال على وجهها صفعا، تتلذذ وتبتسم منتشية، وقطرات الدم تسيل من زاوية فمها، تلك هي جيسكا أدمنت الصفعات تشتاق إليها تفتعل المشاكل تستفز غضبي وثورتي كي أواصل ضربها، تتشبث بي، تمزق قميصي تبكي وتتوسل أن أعود.
دفعتها وركضت مسرعا، ما أن فتحت أبواب الشقق المجاورة حتى علا صوت صراخنا، لا مناص من قدوم الشرطة بعد دقائق.. سيلقون بي خارجا خلال نصف ساعة فقط، والوقت المتاح لرجل في مثل حالتي، كانت الساعة تعلن الثالثة صباحا، وأنا أتجول في المدينة النائمة في أحضان الراين، بعد نهار صاخب ، أشعر بالاشمئزاز والنفور حين تقفز كلماتها الاخيرة أمامي أتعثر تلك المجنونة أهانت رجولتي وثلمت كرامتي..
لن أذهب إلى شقة علاء في هذا الوقت المتأخر، ليس أمامي الليلة سوى النوم مع المشردين وكلابهم التي افترسها الجرب في مأواهم الليلي.. حين دخلت المأوى زكمت أنفي رائحة العفن والأجساد التي تفوح منها رائحة الخمر والتبغ الرخيص والحشيشة وتبول الكلاب، متهالكين على أسرة قذرة في غرف مكتظة بزفرات أنفاسهم، متدثرين في معاطفهم السميكة أحشر نفسي في أحدى الغرف مع سبعة مشردين يغطون في نوم عميق يتناوبون عزف سمفونية الشخير.
للمرة العاشرة ، أقفل جهازي المحمول كلما أومض.. وبتكرار محاولاتها تنقبض روحي، يجافيني النوم أمد يدي إلى المحمول وأقرأ رسائلها النصية المجنونة!
سأقتل نفسي الليلة.
يسري الرعب في عروقي، تفعلها تلك المجنونة، جسيكا، كلما حاولت تركها تهددني بالانتحار وقد فعلتها حين كادت أحدى المرات أن تقطع شرايين معصمها لولا أني لحقتها في اللحظة الأخيرة لألبستني قضية لا نفاذ منها، حملت حقيبتي وقفلت عائدا، في الشرفة وقفت تنتظرني رغم برودة الجو هرعت تستقبلني مشرعة احضانها عند الباب ، تراجعت الى الخلف مذهولا.
ماذا فعلت أيتها المجنونة ؟
تضحك بهستريا
ـ أنظر عاقبت نفسي لأني طردتك!
كانت جيسكا تقف أمامي برأسها الحليق الملتمع وسط الأضواء الخافتة، حلقت شعرها الذهبي المرسل على كتفيها كي تحرم نفسها الخروج لكن مكالمات الموظفة تنهال علينا، لا فرصة لإهمال المواعيد هنا، تخفي قرعتها بتلك العصابة، التي جلبت لنا نفور وأزدراء الجيران، واتهامات صريحة من الموظفة، أكتم ابتسامة ترقب باردة لأيامي المتعفنة في غربة جنونها.




من مجموعة
سرير البنفسج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية