الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[ كارثية عداء المؤسسة الدينية للمؤسسات العلمية الفلسفية التنويرية ]

زاهر زمان

2010 / 5 / 21
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الفرق بين الانسان وباقى الكائنات الحية هو العقل ، الذى يمكنه من تحصيل تجاربه الحياتية ، والاستفادة من أخطائه السابقة ، التى ارتكبها خلال ممارساته الحياتية فى مختلف شئون حياته. فمثلاً تجربة الانسان القديم مع النار ، علمته كيفية اشعالها ، والاستفادة منها فى التدفئة ، أيام البرد القارص ، كما علمته أن يتجنب الاحتراق بها ، عندما رآها تمسك بالكائنات الحية الأخرى ، فتحولها الى رماد ، وتنهى وجودها ثانية فى حياته ، فلا يرى تلك الكائنات حوله بعد ذلك ، كما كان يراها قبل أن تنهيها النار ، ومن ثم اكتسب خبرة تفادى أن تمسك به النيران التى يشعلها ، وحرص دائماً على الابتعاد عنها ، بالمسافة التى تقيه الاحتراق بها. بل ان الانسان الأول طور علاقته بالنار ، وراح يستعملها كسلاح ينهى به أعداءه من البشر الآخرين أو من الحيوانات المفترسة أو فى أبسط الأحوال منعهم من الاقتراب منه وايذائه. وكما تعلم الانسان القديم كيفية الاستفادة من النيران وتجنب أضرارها ، تعلم أيضاً كيفية الاستفادة من الماء ، فى رى زراعاته عندما بدأ يسكن على ضفاف الأنهار ، مع بداية عصور الزراعة والاستقرار.
تلك كانت مجرد أمثلة بسيطة جداً ، على كيفية استغلال الانسان لعقله ، فى ملاحظة معطيات البيئة من حوله ، ورصد آثارها السلبية والايجابية على حياته ووجوده ، واستغلال تلك المعطيات والموارد وتوظيفها بالشكل الذى يحفظ له تواجده واستمرار ذلك التواجد فى أمن واستقرار ، سواء فيما يتصل بذلك التواجد بين بنى جنسه من البشر ، أو الحيوانات الأخرى المفترسة ، أو بين الظواهر الطبيعية كالبراكين أو السيول أو العواصف والأعاصير. ليس ذلك فقط ؛ بل ان الانسان هو الكائن الحى الوحيد ، الذى يتوارث الخبرات الحياتية المكتسبة جيلاً بعد جيل . فشتان مثلاً بين خبرة الانسان القديم ، فى كيفية اشعال النار ، وخبرة انسان القرن الحادى والعشرين . كان الانسان الأول يستخدم نظرية الاحتكاك الذى يولد الحرارة دون أن يفهم أساسها العلمى. كل ماكان يلزمه هو حجرين قاسيين من الصخر الصلد ، يضربهما ببعضهما بقوة ، فى وجود مادة قابلة للاشتعال كالقش أو ورق الشجر اليابس قربهما ، فينطلق من الحجرين الشرر ، الذى لا يلبث أن يشعل النار فى القش أو ورق الشجر . أما انسان القرن الحادى والعشرين ، فلا يحتاج الا لادارة مفتاح صغير وأنيق فى موقده الذاتى الاشتعال والمزود بالغاز الطبيعى ، حتى ينطلق اللهب فى الموقد ، فيقوم بطهى الطعام عليه ، أو عمل الشاى أو القهوة بكل سهولة ويسر .
كان الانسان فى الماضى يحتاج الى عدة أشهر ، لكى يقطع المسافة من القاهرة الى مكة ، أو بغداد أو بيروت أو دمشق أو العكس ، وذلك على ظهور الابل والخيول. ولك أن تتخيل كم المشقة والمعاناة وفقدان الاحساس بالأمن أو الأمان طيلة تلك الشهور ، التى يقضى جُلها فى طرق صحراوية بعيدة عن العمران ! أما انسان القرن الحادى والعشرين ، فلم يعد يحتاج الا الى بضعة ساعات داخل الطائرة ، حتى يكون فى المنامة أو الرياض أو لندن أو باريس. بل انك من الممكن أن تبدأ فى قراءة قصة أو رواية وأنت فى صالة المغادرة ، ثم تصعد الى الطائرة التى تهبط بك فى المدينة التى أنت ذاهب اليها ، دون أن تتم قراءة مابدأته فى المدينة التى أنت قادم منها.
ذلك التطور الهائل فى أساليب حياة البشر فى شتى مجالات الحياة ، بالتأكيد كان نتيجة خبرات حياتية وجهود تطويرية ، لم يقم بها أىٌ من رجال الأديان ، المسماة بالسماوية منها والأخرى التى صنفوها على أنها غير سماوية ، وانما جاء نتيجة تفاعل عقول رائدة فى الملاحظة والاستقراء والاستنتاج والبحث والتجريب ، على أسس علمية واقعية تتعامل مع الكون ومافيه بأسلوب علمى واقعى تجريبى بحت . لقد جاهد رجال الأديان جهاداً مستميتاً فى حربهم على العلماء والفلاسفة والمفكرين وفى كل العصور ، حتى أن بشاعتهم فى معاداتهم للتنوير والتطوير ، وصلت الى حد احراق بعض العلماء والفلاسفة وهم أحياء ، ووضع البعض الآخر على خوازيق حديدية ، نفذت من الدبر واخترقت بطونهم وخرجت أسنتها من أدمغتهم ! كل ذلك كان بحجة أن هؤلاء العلماء والفلاسفة والمفكرين يهرطقون ويجدفون ويحاولون التدخل فى الارادة الإلاهية ، وأن ذلك يستوجب ماأنزله بهم رجال الدين فى تلك الأيام من عقوبات وصلت الى حد التصفية الجسدية وببشاعة منقطعة النظير وأمام أعين العامة ، حتى لا يجرؤ أحدٌ منهم على مجرد التفكير فى الابتكار أو الاختراع..لقد وصل الأمر برجال الدين فى بعض العصور الى حد معاقبة العالم أو المفكر أو الفيلسوف على مجرد التعبير عن أفكاره أمام العامة ، بحجة أن مثل تلك الأفكار ، توجب غضب الرب ، فينزل عقابه بالبشر والمجتمع الذى يعيش فيه هذا العالم أو ذاك المفكر أو الفيلسوف. والحقيقة أنهم كانوا يخشون من فقدانهم لذلك النفوذ والصولجان ، الذى كفلته لهم النصوص الدينية ، على مدار التاريخ ، إذا ماأثبت العلماء أو الفلاسفة أو المفكرون ، عدم مصداقية تلك النصوص وخاصة الرئيسية منها ، والخاصة بمسائل جوهرية فى حياة البشر كمسألة نشأة الكون وتطوره ونشأة الكائنات الحية وغير الحية على الأرض و تطورها ، وتفسير السحاب والرياح والزلازل وعلاقة الشمس بالأرض والكواكب الأخرى وغير ذلك الكثير والكثير مما أثبت العلم والعلماء تضارب تفسيراته وأسبابه مع النصوص الواردة فيما أطلق عليه رجال الدين الكتب السماوية أو المقدسة !
ان العداء التقليدى بين المؤسسة الدينية من جهة والمؤسسات العلمية والفكرية والفلسفية المختلفة من جهة أخرى ، عداء أصيل ومنذ فجر التاريخ ، لأن كلاً من الطرفين ، يحاول الانفراد بالاستحواز على العقول والارادات وتسخير الشعوب لمشروعه ، بيد أننا نستدرك لنقول أن عداء المؤسسة الدينية للمؤسسات التنويرية الأخرى ، كان أسبق من رد الفعل العدائى عند بعض أفراد المؤسسات الأخرى- ولا نقول جميعهم – تجاه المؤسسة الدينية !كما أننا نستدرك أيضاً فنقول أن عداء المؤسسة الدينية للمؤسسات التنويرية والاصلاحية ، نابع عن أنانية مفرطة لا تريد التفريط فى مكتسباتها الذاتية التى حققتها على مدار التاريخ ، بينما المؤسسات التنويرية لم تكن لتناصب المؤسسة الدينية العداء ، لولا تصدى المؤسسة الدينية لمحاولات التنوير والتثقيف والتطوير وتحرير الفكر والارادة الانسانية ، وبأساليب غيبية لا تصمد أمام العقل الحر الممنطق، مستغلةً فى الانسان حبه للخلود تارة وحبه للتنعم تارة أخرى وكراهيته للموت على طول الخط ؛ وليت المؤسسة الدينية قاربت تلك الأمور بأساليب واقعية ، تتماشى ومتطلبات الترقى والتطور الذى ينشده الانسان فى شتى مناحى حياته!
العلماء والفلاسفة والمفكرون الاصلاحيون ، ليسوا ضد النصوص الدينية جملة وتفصيلاً ، وانما هم ضد كل مايتعارض من تلك النصوص ، مع طبيعة التطور الذى يجب أن يواكب عصر العولمة والحداثة ، الذى تفرض مقتضياته وطبيعته على كل البشر فى شتى أنحاء المعمورة ، أن يتكاتفوا ويتعاونوا للتصدى للمشكلات الملحة التى أصبحت تهدد كل البشرية فى كل مكان مثل الاحتباس الحرارى وتغير المناخ وذوبان الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى وماله من تأثيرات وخيمة على كل سكان الأرض..العصر ليس عصر الصراعات الدينية أو الطائفية أو العرقية ذات الأصول الدينية..فلتفسح المؤسسات الدينية الطريق ، كى تتمكن المؤسسات العلمية والفلسفية التنويرية من تأدية دورها فى تأمين كوكب الأرض وتلبية احتياجات البشر الملحة ، فى ظل زيادات سكانية رهيبة ، تلتهم أعتى الموارد وخاصة فى الدول النامية وعلى الوجه الأخص العربية منها والافريقية.
بقلم / زاهر زمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران