الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناخات حروب الصراع العربي الاسرائيلي: نموذجا1956و1967

محمد سيد رصاص

2010 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ترتبط حربا السويس1956وحزيران1967بإسم شخص واحد هو جمال عبدالناصر الذي جسد صعود القوة الاقليمية لمصر،لتأتي الحربان المذكورتان بسبب جهد دولي- اقليمي مشترك أومتآلف أراد منع هذه القوة الاقليمية من أن ترسم صورة لمنطقة الشرق الأوسط هي على تناقض مع مصالح الأطراف الدولية والاقليمية المولِدة لتلك الحربين،التي كانت اسرائيل هي الثابت الفعًال بهما فيماكانت مصر هي الهدف الرئيسي منهما.
كانت البيئة العامة المولدة لمناخ الأزمة في عام1955 متشكلة بفعل التناقض بين الدولي(بريطانية وفرنسة) والاقليمي(مصر)في رؤيتهما لاقليم الشرق الأوسط،وماولده هذا التناقض من تلاقيات عند كل منهما حيال قوى اقليمية(لندن وباريس معاً تجاه اسرائيل،ثم من بريطانية حيال بغداد الهاشمية وأنقرة عدنان مندريس،فيماكان الطرح العروبي لعبدالناصر جاذباً لدمشق منذ ربيع عام1955) أوحيال قوى دولية(واشنطن التي تلاقت مع لندن في الاتجاه نحوانشاء نظام أحلاف ومشاريع شرق أوسطية كان هم إدارة أيزنهاور منها متعلقاً بالحرب الباردة مع موسكو فيماكان اهتمام لندن الحفاظ على النفوذ البريطاني في المنطقة الممتدة بين السويس والخليج،بينماكان الفرنسيون مهتمون بضرب وتحجيم عبدالناصر الداعم لثورة الجزائر الناشبة في خريف1954، وفي الصورة المعاكسة لهذا المشهد تقف موسكو المتلاقية مع عبدالناصر ).
في هذه اللوحة الكلية،هناك تواريخ تقود إلى تواريخ:كانت تل أبيب أول من أدرك خطورة عبدالناصر،لذلك حاولت تفشيل المحادثات البريطانية المصرية حول اتفاقية الجلاء عن منطقة السويس عبر تفجيرات قامت بها شبكة يهودية مصرية مرتبطة بتل أبيب في منشآت بريطانية بالقاهرة والاسكندرية قبيل أسابيع من توقيع الأحرف الأولى لتلك الاتفاقية(27تموزيوليو54).كان الهدف الاسرائيلي منع حصول تلك الاتفاقية وابقاء القوات البريطانية في السويس. لم ينجح المسعى الاسرائيلي،ولم تستطع لندن بدورها احتواء عبدالناصر في مرحلة مابعد تلك الاتفاقية كماكانت تأمل. هذا قاد إلى تركيز الجهد البريطاني على انشاء محور اقليمي مواجه لعبد الناصر،تمثل في(حلف بغداد) الذي كان ثنائياً بين بغداد وأنقرة بيوم25شباطفبراير1955قبل أن يصبح ثلاثياً بإنضمام لندن له في4نيسانإبريل اللاحق.بدون هذا التطور لايمكن تفسير الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة يوم28شباط وقتل أربعين جندياً مصرياً،حيث كان بن غوريون العائد من عزلته بصحراء النقب ليتسلم قبل أسبوع من ذلك الهجوم منصب وزيرالدفاع في حكومة موشيه شاريت مدركاً لمعاني حلف بغداد وواعياً لبداية اجتماع لندن وباريس ،المنخرطة بكليتها منذ 1نوفمبر السابق بمجابهة ثورة الجزائر،ضد عبد الناصر،الذي قاد تطور حلف بغداد – بدوره كتداعيات- إلى بداية تشكل حلف(القاهرة- دمشق- الرياض)منذ شهر آذار55ضد هاشميي بغداد . هنا،لايمكن عزل تاريخي25و28شباط55عن الحائط المسدود الذي واجهه وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس أثناء زيارته للقاهرة يوم11أيارمايو لما طرح"مشاريع الأحلاف ودور مصر في الدفاع عن العالم الحر"،وماقاد إليه تصادمه مع عبدالناصر إلى وأد مشروع التمويل الأميركي لمشروع السد العالي وأيضاً خطط عبد الناصر لشراء السلاح من واشنطن. هذا فتح الطريق إلى تاريخ27أيلولسبتمبر 55 لماأعلن عبد الناصر عن صفقة السلاح التشيكية وماعناه هذا من بداية لدخول موسكو الشرق الأوسط من البوابة المصرية العريضة.
هذا النمو في القوة المصرية،المعلنة بدء التحالف مع موسكو، ولَد تداعيات في سوريا والأردن:حلف عسكري مصري- سوري(20تشرين أولأوكتوبر55)انضم له الأردن في أيار اللاحق بعد شهرين من إقالة غلوب باشا من قيادة الجيش الأردني،بالترافق مع بداية ميل ميزان القوى لصالح تحالف يساري قومي عربي- شيوعي في دمشق وعمان خلال النصف الأول من عام1956، مع آلية سريعة لتشكيل حراك مماثل في بغداد ضد نوري السعيد استطاع أن ينهي حكم الهاشميين هناك في14تموز58بعدسبعة عشر شهراً من تشكيل جبهة ضمت القوميين والشيوعيين.
بدون المشهد السابق لايمكن تفسير وصول المشهد الشرق الأوسطي إلى عتبة الحرب،التي دشنها قرار الرئيس عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس في يوم26تموزيوليو1956،والتطورات المتسارعة التي قادت للهجوم الاسرائيلي على شبه جزيرة سيناء بيوم الإثنين29تشرين أول|أوكتوبر1956وماأعقبه بعد يومين من انزال بريطاني- فرنسي في منطقة قناة السويس.
يقول محمد حسنين هيكل في حوار مع فؤاد مطر،ضمن كتاب"بصراحة عن عبدالناصر"(دار القضايا،بيروت1975،ص176)،العبارة التالية:"اسرائيل بدأت الإعداد لعدوان1967منذ أن هزمت مع بريطانيا وفرنسا في حرب السويس عام56":لم تكن تلك الهزيمة بفعل الأداء العسكري المصري،وإنما بسبب اجتماع إرادة واشنطن وموسكو على اجبار البريطانيين والفرنسيين على الانسحاب من منطقة القناة،ثم الضغط الذي مارسه الرئيس أيزنهاور على رئيس الوزراء الاسرائيلي بن غوريون(في منصبه منذ2تشرين الثانينوفمبر55)للإنسحاب من سيناء وقطاع غزة مقابل مكسب اسرائيلي تمثَل في وجود قوات الطوارىء الدولية هناك مع ضمانات ،عبر مذكرة من فوستر دالاس،بحرية المرور العلني للسفن الاسرائيلية عبر مضائق تيران عند مدخل خليج العقبة.
في مشهد مابعد السويس أزيحت لندن وباريس من واجهة المسرح،لكي تحل في الواجهة الولايات المتحدة التي قدم رئيسها مشروعه في يوم5كانون ثانييناير57 لملء الفراغ رابطاً مساعدة أي دولة شرق أوسطية بمدى مساهمتها في مواجهة السوفيات الذين شكلوا الواجهة الدولية المقابلة للأميركان في المنطقة. هنا،ابتعدت نذر الحرب المصرية- الاسرائيلية في فترة أعوام1958-1963بفعل تباعد القاهرة وموسكو،نتيجة صدام عبدالناصر مع الشيوعيين السوريين وهو وأنصاره القوميين ببغداد(بعثيون- حركة القوميين العرب- عبد السلام عارف....إلخ)مع الشيوعيين العراقيين المساندين لعبد الكريم قاسم،وكذلك بفعل تباعد بن غوريون مع أيزنهاور وكينيدي المقتربان من عبد الناصر والمنزعجان من تقارب رئيس الوزراء الاسرائيلي من محور باريس- بون الساعي لتحجيم النفوذ الأميركي في أوروبة الغربية طمعاً في حصول تل أبيب على قنبلة ذرية عبر الفرنسيين منذ بناء مفاعل ديمونا بمساعدتهم. كانت استقالة بن غوريون(16حزيرانيونيو1963)بداية لتقارب اسرائيلي أميركي كانت ذروته في شباط 1964 بلقاء واشنطن بين ليفي أشكول والرئيس الأميركي ليندون جونسون.أعقب هذا اللقاء زيارة خروتشوف لمصر في أيار وطي ست سنوات من الخصام والاحتكاك بين القاهرة وموسكو.لايمكن عزل هذا المشهد الشرق أوسطي عن تصاعد نذر ازدياد حدة التوتر الدولي بين العملاقين ،قبيل أشهرمن اندلاع الحرب الفيتنامية مع حادثة خليج تونكين في آبأوغسطس1964وارسال الولايات المتحدة لمئات آلاف الجنود خلال الأشهر اللاحقة إلى فيتنام الجنوبية.
بالتزامن مع هذه التطورات دعا الرئيس عبد الناصر،الغارق بعمق في الحرب اليمنية والداخل بخصومة عنيفة مع حزب البعث الحاكم في دمشق،إلى مؤتمر القمة العربية بالقاهرة يوم13كانون ثانييناير1964طارحاً مشروعاً لتحويل ينابيع نهر الأردن بوجه المشاريع المائية الاسرائيلية. هنا،وفي آب 1966أعلن جدعون رافائيل،أحد المسؤولين الكبار في الخارجية الاسرائيلية وبتصريح علني،عن الظروف التي تدفع اسرائيل للحرب:"هناك أربعة أعمال عربية تدفع اسرائيل إلى الحرب بصورة آلية:1- محاولة تحويل مياه نهر الأردن،2-اغلاق مضائق تيران،3-السيطرة على "النتوء الأردني"من قبل دولة أوقيادة موحدة أقوى من عمان،4-تركيز القوة العسكرية المصرية في صحراء سيناء"(أبراهام وغنر:"القرار الاسرائيلي"،دار القدس،بيروت1978،ص54). في هذا الصدد،كانت"نتيجة حرب1967قد منعت ذلك كله بصورة فعالة"("المصدر السابق"،ص162)بالنسبة للإسرائيليين،فيمايبدو،وبغض النظر عن موضوع مشاريع نهر الأردن التي ظلت حبراً على ورق،أن موضوع(مضائق تيران) و(قوات الطوارىء الدولية) قد ظل نقطة وجع كبرى عند الرئيس عبد الناصر منذ عام1957 استغلها خصومه ضده من اليمين واليسار ،وهو في الشهر الأول من عام1960قام بحشد القوات في سيناء ولكن من دون طلب سحب قوات الطوارىء أواغلاق مضائق تيران بوجه الاسرائيليين،ويروي الفريق محمد فوزي في مذكراته("حرب الثلاث سنوات"،دار طلاس،دمشق1984،ص73)كيف جرت محادثة بين عبد الناصر والمشير عامر،عند عودة أول لواء مصري من اليمن عام1965،طرحت فيها فكرة ارساله لشرم الشيخ.
كانت قصة الحشود الاسرائيلية على الجبهة السورية التي سربها السوفيات للمصريين يوم13أيار1967، هي التي أدت إلى اندلاع الأزمة المؤدية لحرب 5حزيران1967،والتي يؤكد الفريق فوزي الذي زار دمشق باليوم التالي أنه قدم تقريراً عند عودته للقاهرة"ينفي وجود أية حشود اسرائيلية على الجبهة السورية"("المصدر المذكور"،ص72)وهو مايدفعه للإستنتاج،أمام مسارعة القيادة السياسية-العسكرية المصرية لحشد القوات في سيناء باليوم التالي للتسريب السوفياتي ثم الطلب بسحب قوات الطوارىء(16أيار) ثم اغلاق مضائق تيران(18أيار)،أن موضوع الحشود"ليس سبباً وحيداً أورئيسياً في اجراءات التعبئة والحشد التي اتخذتها بهذه السرعة"(ص72).
يبدو أن واشنطن وتل أبيب قد اتفقتا،في الثلث الثالث من شهر أيارمايو1967 على عدم جعل الأمور في حدود الأزمة وفق ماأراده الرئيس عبد الناصر،وهو مايبدو أنه كان هدف موسكو أيضاً: في محادثة الرئيس جونسون مع وزير الخارجية الاسرائيلي أبا إيبان بواشنطن يوم 26أيار،أعطى جونسون مافهمه الاسرائيليون أنه الضوء الأخضر،عبر العبارة التالية:" إن ماتفعلونه هو في النهاية عائد لكم"(وغنر:"المرجع المذكور"،ص88).اتخذت الوزارة الاسرائيلية قرار الحرب في2حزيران(ص123).
لم تكن حرب 1967 انتصاراً لاسرائيل فقط،وإنما أيضاً للولايات المتحدة الغارقة في وحول الغابات الفيتنامية،وكانت بالمقابل بداية انحسار النفوذ السوفياتي في عموم منطقة الشرق الأوسط،وبداية تراجع موسكو دولياً لأول مرة منذ عام1945،إلاأنها أولاً كانت بداية النهاية لعبدالناصر وللمد الاقليمي المصري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا سيناريو ضمن سيناريوهات اخري
محمد البدري ( 2010 / 5 / 22 - 15:01 )
شكرا للاستاذ رصاص علي هذا العرض الذي لا يختلف عما هو معلن ومتفق عليه في الاعلام شرقا وغربا، محليا ودوليا. لكن الا تري ان من الممكن تفسير كل شئ عبر اعاده ترتيب الاوراق بشكل يجعل كل هذا السناريو متفقا مع يمكن للعقل الجمعي الشعبي قبوله وتصديقة حيث سيخرج امثال عبد الناصر وصدام وغيرهم ابطالا حتي ولو كانوةا من المهزومين. اما عن هيكل فانا لم ار اكذب منه في كل احاديثه ومقالاته وكتبه. أن ما بين السطور فيما كتب عن يوليو داخليا وخارجيا يجعلنا نشك كثيرا فيما هو معلن حسب ما سردته في مقالك الثري هذا خاصة وان نظام يوليو ومعه الغرب الاوروبي والامريكي يصمتان عن الوثائق ولا يعلنا ما تم في الخمسن عاما الماضية. شكرا مرة اخري مع تحيه لقلمك ونزاهة عرضه


2 - حرب 1967 والسوفيت
سامي المصري ( 2010 / 5 / 24 - 07:46 )
تسجيل دقيق وجيد للأحداث. من أكثر الأمور غموضا هو تاريخ حرب الست سنوات منذ 1967 حتى 1973 وتعتبر حربا مستمرة وقع فيها الكثير من المعارك الضارية التي يحاول جميع الأطراف إخفاء تاريخها. أعتقد الأسباب تتعلق بالشرف والنزاهة في إدارة الحرب ليحجبوا الأبطال الحقيقيين وإضفاء البطولة على خونة. وثانيا لإخفاء الدور السوفيتي ومصالحه المشتركة مع إسرائيل لضرب مصر. الواقع أن حرب 1967 كانت بداية المد السوفيتي في إفريقيا مستخدمة مصر وذلك كان سببا مباشرا لتحرك نيكسون بمبادرة روجرز والاتفاق السري مع عبد الناصر على تحرير المنطقة من عدو مشترك هم السوفيت وإسرائيل معا. كشف الاتفاق بين عبد الناصر ونيكسون نتج عنه ثلاثة أمور- ظهور فضيحة ووترجيت- إقصاء روجرز واستبداله بكسنجر- قتل عبد الناصر بواسطة السوفيت. ومع ذلك كان انتصار 1973 بفضل خطة عبد الناصر/ نيكسون هي التي طرحت السوفيت خارج مصر بشكل كامل مع إسرائيل حيث بدأ انهيار الاتحاد السوفيتي، لذلك حضر نيكسون بنفسه ليهنئ مصر بالنصر رغم كل متاعبه في ووترجيت
كان البطل الأول المخلص هو عبد الناصر يليه الفريق محمد صادق الذي حكم عليه السادات بالسجن ليخفي خيانته، تحياتي؛


3 - حشود يناير عام 1960
سامي المصري ( 2010 / 5 / 24 - 16:06 )
حشود يناير عام 1960 على كلا الجانبين المصري والسوري يتجاهلها التاريخ، وأنا أشيد بدقة معلومات الكاتب لذكره لهذا الحدث الهام الذي عاصرته بنفسي. هذا الحدث كان الأهم الذي غير التاريخ فقد كانت نتيجته المباشرة الانفصال مابين مصر وسورية الذي دبرته روسيا كما دبرت قبلا الاتحاد، حيث استشعترت خطر وحدة مصر وسوريا على إسرائيل فعجلت بالانفصال. وبعد ذلك دبرت بكل خبث مع أمريكا حرب اليمن لتضع لعبد الناصر مصيدة أخيرة محكمة بعد أن فشلت جميع المصايد التي وضعت له منذ عام 1954، إيدن، وموليه، جون فوستر دالس، وحلف بغداد وجرائم البعث السوري والعراقي كل ذلك كان مصايد استعمارية لعبد الناصر ولكل المنطقة افلت منها عبد الناصر بكل حنكة وبسبب شعبيته الطاغية، التاريخ الحقيقي المخفي يشيد بعظمة عبد النصر وعطاؤه الضخم ليس لمصر فقط بل للمنطقة العربية والإفريقية بل للحرية والتحضر الإنساني. تشويه العمل العملاق الذي قام به عبد النصر جريمة إنسانية كبري؛
تحياتي للكاتب الرائع

اخر الافلام

.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن


.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟




.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي


.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن




.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا